32 ـ باب النكاح والمتعة والرضاع

إعلم ـ يرحمك الله ـ أن وجوه النكاح الذي أمر الله جل وعزّ بها أربعة أوجه (1):
منها نكاح ميراث: وهو بولي وشاهدين ومهر معلوم ـ ما يقع عليه التراضي من قليل وكثير ـ وأنه احتيج إلى الشهود. والمطلق من عدد النسوة في هذا الوجه من النكاح أربع ، ولا يجوز لمن له أربع نسوة ـ إذا عزم على التزويج إلا بطلاق إحدى الأربع ـ أن يتزوج حتى تنقضي عدة المطلقة منهن، وتحل لغيره من الرجال، لأنها ـ ما لم تحل للرجال ـ في حبالته.
والوجه الثاني: نكاح بغير شهود ولا ميراث، وهي نكاح المتعة بشروطها، وهي أن تسأل المرأة: فارغة هي أم مشغولة بزوج أو بعدة أو بحمل؟ فإذا كانت خالية من ذلك، قال لها: تمتعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبية صلّى الله عليه وآله نكاحاً غير سفاح، كذا وكذا بكذا وكذا ـ وتبين المهر والأجل ـ على أن لا ترثيني ولا أرثك، وعلى أن الماء أضعه حيث أشاء، وعلى أن الأجل إذا انقضى كان عليك عدة خمسة وأربعين يوما. فإذا أنعمت قلت لها: قد متعتني نفسك ـ وتعيد جميع الشروط عليها ـ لأن القول الأول خطبة، وكل شرط قبل النكاح فاسد، وإنما ينعقد الأمر بالقول الثاني، فإذا قالت في الثاني: نعم، دفع إليها المهر ـ أو ما حضر منه، وكان ما يبقى ديناً عليك ـ وقد حل لك حينئذ وطؤها (2).
وروي: لا تمتع ملقّبة (3) ولا مشهورة بالفجور، وادع المرأة قبل المتعة إلى ما
____________
(1) الفقيه 3: 241|1138، والكافي 5: 364|1 و2 و3، والتهذيب 7: 240|1049 وفيها: « النكاح ثلاثة أوجه ».
(2) ورد مؤداه في المقنع: 114، والهداية: 69، من « والوجه الثاني... ».
(3) في نسخة « ض »: « بلصة ».

(233 )

لا يحل، فإن أجابت فلا تتمتع بها (1).
وروي أيضاً رخصة في هذا الباب، أنه اذا جاء بالأجر والأجل جاز له، وإن لم يسألها و لا يمتحنها فلا شيء عليه (2).
وليس عليها منه عدة إذا عزم على أن يزيد في المدة والأجل والمهر، إنما العدة عليها لغيرة، إلا أنه يهب لها ما قد بقي من أجله عليها، وهو قوله تعالى: ( فما استمتعتم به منهن فاتوهن أُجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ) (3) وهو زيادة في المهر والأجل (4).
وسبيل المتعة سبيل الإماء، له أن يتمتع منهن بما شاء وأراد (5).
والوجه الثالث: نكاح ملك اليمين، وهو أن يبتاع الرجل الأمة، فحلال له نحكاحها، إذا كانت مستبرأة.
والإستبراء حيضة، على البائع، فإن كان البائع ثقة ـ وذكر أنه استبرأها ـ جاز نكاحها من وقتها، وإن لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة (6).
وإن كانت بكرا، أو لا مرأة، أو ممن لم يبلغ حد الإدراك، إستغني عن ذلك (7).
والوجه الرابع: نكاح التحليل وهو أن يحلّ الرجل أو المرأة فرج الجارية مدة معلومة فإن كانت لرجل فعليه قبل تحليلها أن يستبرئها بحيضة، و يستبرئها بعد أن تنقضي أيام التحليل، وإن كانت لمرأة إستغني عن ذلك (8).
واعلم أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب في وجه النكاح فقط، وقد يحل ملكه وبيعه وثمنه، إلا في المرضع نفسها والفحل الذي اللبن منه، فإنهما يقومان مقام
____________
(1) ورد مؤداه في الكافي 5: 454|3 و4.
(2) ورد مؤداه في التهذيب 7: 253|1090 و1091، والاستبصار 3: 143|516 و517.
(3) النساء 4: 24.
(4) ورد مؤداه في الكافي 5: 458|2، والتهذيب 7: 267|1151.
(5) ورد مؤداه في الفقيه 3: 294|1395 و1396، والكافي 5: 451|1 ـ 7، والتهذيب 7: 258|1117 ـ 1121.
(6) ورد مؤداه في الكافي 5: 472|4 و7، والتهذيب 8: 173|602 ـ 604.
(7) ورد مؤداه في الفقيه 3: 283|1347، والكافي 5: 472|3 و6، والتهذيب 8: 171|595 و597.
(8) ورد مؤداه في الفقيه 3: 289|1376 و1377، والكافي 5: 468|1 ـ 4، والتهذيب 7: 241|1052 ـ 1058.

(234 )

الأبوين ـ لا يحل بيعهما ولا ملكهما ـ مؤمنين كانا أم مخالفين (1).
والحد الذي يحرم به الرضاع ـ مما عليه عمل العصابة دون كل ما روي فإنه مختلف ـ ما أنبت اللحم وقوي العظم، وهو رضاع ثلاثة أيام متواليات، أو عشرة رضعات متواليات ( محرزات مرويّات بلبن الفحل ) (2،3) وقد روي مصة ومصتين وثلاث.
وإذا أردت التزويج فاستخر وامض، ثم صلّ ركعتين وارفع يديك وقل: اللهم إني أريد التزويج، فسهل لي من النساء أحسنهن خَلقاً وخُلقاً وأعفهن فرجاً وأحفظهن نفساً فيَّ وفي مالي، وأكملهن جمالاً، وأكثرهن أولاداً (4).
واعلم أن النساء شتى: فمنهن الغنيمة والغرامة وهي المتحببة لزوجها والعاشقة له، ومنهن الهلال إذا تجلي، ومنهن الضلام الحنديس المقطبة، فمن ظفر بصالحن يسعد، ومن وقع في طالحهن فقد أبتلي وليس له انتقام.
وهن ثلاث: فامرأة ولود ودود، تعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته، ولا تعين الدهر عليه، وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خلق، ولا تعين زوجها على خير، وامرأة صخابة ولاجة همازة، تستقل الكثير ولا تقبل اليسير (5) وإياك أن تغتر بمن هذه صفتها، فإنه قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « إياكم وخضراء الدمن » قيل: يا رسول الله ومن خضراء الدمن؟ قال: « المرأة الحسناء في منبت السوء » (6).
فإذا تزوجت فاجهد ألا تجاوز مهرها مهر السنّة ـ وهو خمسمائة درهم ـ فعلى ذلك زوج رسول الله صلّى الله عليه وآله وتزوج نساءه (7).
ووَجِّه إليها قبل أن تدخل بها ما عليك، أو بعضه من قبل أن تطأها ـ قل أم
____________
(1) ورد مؤداه في الفقيه 3: 66|221، والمقنع: 159، والتهذيب 8: 243|877 و879.
(2) ما بين القوسين ليس في نسخة « ش »..
(3) ورد مؤداه في الكافي 5: 438|2 و3، والتهذيب 7: 312.
(4) الفقيه 3: 249|1187، المقنع: 98، الهداية: 67، الكافي 5: 501|3، التهذيب 7: 407|1627 باختلاف في ألفاظه.
(5) الفقيه 3: 244|1158، المقنع: 100، التهذيب 7: 401|1601 باختلاف يسير.
(6) الفقيه 3: 248|1177، المقنع: 100، الكافي 5: 332|4، التهذيب 7 :403|1608.
(7) المقنع: 99 باختلاف يسير.

(235 )

كثر ـ من ثوب أو دراهم أو دنانير أو خادم (1).
فإذا أُدخلت عليك فخذ بناصيتها واستقبل القبلة بها وقل: اللهم بأمانتك أخذتها، وبميثاقك استحللت فرجها، اللهم فارزقني منها ولداً مباركاً سوياً، ولا تجعل للشيطان فيه شركاً ولا نصيباً (2).
واتق التزويج إذا كان القمر في العقرب، فإن أبا عبد الله عليه السلام قال: « من تزويج والقمر في (3) العقرب لم ير خيراً أبداً » (4).
وإن تزوجت يهودية أو نصرانية، فامنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، واعلم بأن عليك في دينك وتزويجك إياها غضاضة (5).
ولا يجوز تزويج المجوسية، ولا يجوز أن يتزوج من أهل الكتاب (6) ، ولا من الإماء إلا اثنين، ولك أن تتزوج من الحرائرالمسلمات أربعاً، ويتزوج العبد حرتين أو أربع إماء.
واتّق الجماع أول ليلة من الشهر وفي وسطه وفي آخره، فإنه من فعل ذلك ليس يسلم الولد من السقط، وإن تم يوشك أن يكون مجنوناً.
واتّقِ الجماع في اليوم الذي تنكسف فيه الشمس، وفي ليلة ينخسف فيها القمر، وفي الزلزلة، وعند الريح الصفراء والحمراء والسوداء فمن فعل ذلك ـ وقد بلغه الحديث ـ رأى في ولده ما يكره (7) .
ولا تجامع في السفينة، ولا تجامع مستقبل القبلة (8)، ولا تستدبرها (9).
____________
(1) ورد مؤداه في التهذيب 7: 357|1452.
(2) الفقيه 3: 254|1205، المقنع: 99، الكافي 5: 500|2. باختلاف يسير.
(3) في نسخة « ش » زيادة: « برج ».
(4) الفقيه 3: 250|1188، المقنع: 106، الهداية: 68، التهذيب: 7: 407|1628 باختلاف يسير.
(5) الفقيه 3: 257|1222، المقنع: 102، الهداية: 68، الكافي 5: 356|1 باختلاف في ألفاظه، والمختلف: 530 عن علي بن بابويه.
(6) المقنع: 102 باختلاف يسير.
(7) الفقيه 3: 255|1207 و1208، المقنع: 106، الهداية: 68 باختلاف يسير . من « واتق الجماع اول ليلة... ».
(8) في نسخة « ش »: « الكعبة ».
(9) الفقيه 3: 255|1210 و1211، المقنع: 106، الهداية: 68 باختلاف يسير.

(236 )

فإذا جامعت فعليك بالغسل إذا التقى الختانان وإن تنزل (1) ، وإن جامعت مفاخذه حتى أدفقت الماء فعليك الغسل، وليس على المرأة الغسل إلا غسل الفخذين (2) .
وإياك أن تجامع امرأة حائضاً، وإن أردت أن تجامعها قبل الطهر فأمرها أن تغسل فرجها ثم تجامع (3).
ومتى ما جامعتها وهي حائض فعليك أن تتصدق بدينار، وإن جامعت أمتك وهي حائض تصدقت بثلاثة أمداد من طعام، وإن جامعت امرأتك في أول الحيض تصدقت بدينار، وإن كان في وسطه فنصف دينار، وإن كان في آخره فربع دينار (4).
وإذا أرادت المرأة أن تغتسل من الجنابة فحاضت قبل ذلك، فتؤخر الغسل إلى أن تطهر ثم تغتسل للجنابة، وهو يجزيها لجنابة والحيض (5).
وإياك أن تظاهر امرأتك فإن الله عيّر قوماً بالظهار، فقال: ( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن اُمهاتهم إن امهاتهم إلا الّلائي ولدنهم وانهم ليقولون منكراً من القول وزورا ) (6) فإن ظاهرت فهو على وجهين، فإذا قال الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر اُمي وسكت فعليه الكفارة من قبل أن يجامع، فإن جامعت من قبل أن تكفر لزمتك كفارة اُخرى.
فان قال: هي عليه كظهر اُمه إن فعل كذا وكذا أو فعلت كذا و كذا، فليس عليه كفارة حتى يفعل ذلك الشيء، ويجامع إلى أن يفعل، فإن فعل لزمه الكفارة، ولا يجامع حتى يكفر يمينه.
والكفارة تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لكل مسكين مد من طعام، فإن لم يجد يتصدق بما يطيق، فإن طلقها سقطت عنه الكفارة، فإن راجعها لزمته، فإن تركها حتى يمضي أجلها وتزوجها رجل
____________
(1) الهداية: 69 باختلاف يسير.
(2) المقنع: 14 عن رسالة أبيه باختلاف يسير.
(3) المقنع: 107، الهداية: 69 باختلاف يسير.
(4) المقنع: 16 و107، الهداية: 69 باختلاف يسير.
(5) ورد مضمونه في المقنع: 13، والتهذيب 1: 395|1223 ـ 1229.
(6) المجادلة 58: 2.

(237 )

آخر ثم طلقها وأراد الأول أن يتزوجها لم يلزمه الكفارة (1).
وإن خطب اليك رجل رضيت دينه وخلقه، فزوجه ولا يمنعك فقره وفاقته قال الله تعالى : ( وان يتفرقا يُغنِ الله كلاً من سعته ) (2) وقوله: ( ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ) (3).
ولا تزوج شارب خمر، فإن من فعل فكأنما قادها إلى الزنا.
وإن تزوج رجل فأصابه بعد ذلك جنون، فيبلغ به مبلغاً حتى لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما، فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد اُبتليت (4).
وإن تزوجها خصي فدلس نفسه لها وهي لا تعلم، فرق بينهما ويوجع ظهره لكما دلس نفسه، وعليه نصف الصداق، ولا عدة عليها منه، فإن رضيت بذلك لم يفرق ما بينهما ، وليس لها خيار بعد ذلك (5).
فإن تزوجها عنين وهي لا تعلم تصبر حتى يعالج نفسه سنة ، فإن صلح فهي امرأته على النكاح الأول، وإن لم يصلح فرق بينهما ولها نصف الصداق ولا عدة عليها منه، فإن رضيت بذلك لا يفرق بينهما، وليس لها خيار بعد ذلك (6) .
وإذ ادّعت أنه لا يجامعها ـ عنيناً كان أو غير عنين ـ فيقول الرجل أنه قد جامعها فعليه اليمين، وعليها البينة لأنها المدعية.
وإذا ادّعت عليه أنه عنين، وأنكر الرجل أن يكون كذلك، فإن الحكم فيه أن يجلس الرجل في ماء بارد فإن استرخى ذكره فهو عنين، وإن تشنج فليس بعنين (7).
وإن تزوج رجل بامرأة فوجدها قرناء أو عفلاء (8) أو برصاء أو مجنونة ـ اذا كان
____________
(1) المقنع: 107.
(2) النساء 4: 130.
(3) النور 24: 32، وقد روي في المقنع: 101 باختلاف يسير.
(4) الفقيه 3: 338|1629 باختلاف يسير. من « وإذا تزوج رجل... ».
(5) ورد مؤداه في الفقيه 3: 268|1274، والتهذيب 7: 432|1720.
(6) ورد مؤداه في التهذيب 7: 431|1719.
(7) الفقيه 3: 357|1705، المقنع: 107. من « وإذا ادعت عليه أنه عنين... ».
(8) في الحديث « ترد المرأة من العَفّل » هو بالتحريك، هَنَة تخرج في قبل المرأة يمنع من وطئها، وقيل، وهو ورم بين مسلكي المرأة فيضيق فرجها حتى يمنع الإيلاج « مجمع البحرين ـ عفل ـ 5: 424 ».

(238 )

بها ظاهراً ـ كان له أن يردها على أهلها بغير طلاق، ويرتجع الزوج على وليها ما أصدقها إن كان أعطاها شيئاً فلا شيء له (1).
____________
(1) ورد مضمونه في الفقيه 3: 273|1296 و1299، والمقنع: 104، والكافي 5 :409|16 و17.
(239 )

33 ـ باب العقيقة

فإذا ولد لك مولود فأذن في اُذنه الأيمن، وأقم في اُذنه الايسر، وحنكه بماء الفرات إن قدرت عليه أو بالعسل ساعة يولد، وسمّه بأحسن الإسم، وكنه بأحسن الكنى ـ ولا يكنى بأبي عيسى ولا بأبي الحكم ولا بأبي الحارث ولا بأبي القاسم إذا كان الإسم محمداً ـ وسمه اليوم السابع، واختنه، واثقب اُذنه، واحلق رأسه، وزن شعره بعد ما تجففه بفضة أو بذهب وتصدق بها، وعق عنه، كل ذلك في اليوم السابع.
وإذا أردت أن تعق عنه فليكن عن الذكر ذكراً وعن الأُنثى اُنثى، وتعطي القابلة الورك، ولا يأكل منه الأبوان، فإن أكلت منه الأم فلا تعرضه، و تفرق لحمها على قوم مؤمنين محتاجين، وإن أعددته طعاماً ودعوت عليه قوماً من إخوانك فهو أحب إليّ، وحدّه عشرة أنفس وما زاد، وكلّما أكثرت فهو أفضل وأفضل ما يطبخ به ماء وملح.
فإذا أردت ذبحه فقل: بسم الله وبالله منك وبك ولك وإليك عقيقة فلان ابن فلان، على ملتك ودينك، وسنة نبيك محمد صلّى الله عليه وآله (1) ، بسم الله وبالله، والحمد لله، والله اكبر، إيماناً بالله، وثناءً على رسول الله صلّى الله عليه وآله، والعصمة بأمره، والشكر لرزقه والمعرفة لفضله علينا أهل البيت.
فإن كان ذكراً فقل: اللهم أنت وهبت لنا ذكراً، وأنت أعلم بما وهبت، ومنك ما أعطيت، ولك ما صنعنا، فتقبله منا، على سنتك وسنة نبيك صلى الله عليه
____________
(1) ورد بتقديم وتأخير في المقنع: 112.
(240 )

وآله، فاخنس (1) عنا الشيطان الرجيم، ولك سكب (2) الدماء، ولوجهك القربان، لا شريك لك (3).
____________
(1) في نسخة « ش »: و« وأخسأ ».
(2) في نسخة « ش »: « سفكت ».
(3) الكافي 6: 30|2، التهذيب 7: 343|1774.

(241 )

34 ـ باب طلاق السنة والعدة والحامل

إعلم يرحمك الله أن الطلاق على وجوه، ولا يقع إلا على طهر من غير جماع، بشاهدين عدلين، مريداً للطلاق. فلا يجوز للشاهدين أن يشهدا على رجل طلق امرأته، إلا على إقرار منه ومنها أنها طاهرة من غير جماع، ويكون مريداً للطلاق.
ولا يقع الطلاق بإجبار، ولا إكراه، ولا على سكر (1).
فمنه: طلاق السنة، وطلاق العدة، وطلاق الغلام، وطلاق المعتوه، وطلاق الغائب، و طلاق الحامل، والتي لم يدخل بها، والتي يئست من الحيض، والأخرس.
ومنه: التخيير، والمباراة، والنشوز والشقاق (2)، والخلع، والإيلاء (3)، وكل ذلك لا يجوز إلا أن يتبع بطلاق.
أما طلاق السنة: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته، يتربص بها حتى تحيض وتطهر، ثم يطلقها تطليقة واحدة في قبل عدتها، بشاهدين عدلين، في مجلس واحد.
فإن أشهد على الطلاق رجلاً واحداً، ثم اشهد بعد ذلك برجل آخر، لم يجز ذلك الطلاق، إلا أن يشهدهما جميعاً في مجلس واحد بلفظ واحد.
فإذا طلقها ـ على هذا تركها ـ حتى تستوفي قروءها ـ وهي ثلاثة أطهار، أو ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض ومثلها تحيض ـ فإذا رأت أول قطرة من دم الثالث فقد بانت منه، ولا تتزوج حتى تطهر، فإذا طهرت حلت للأزواج، والزوج خاطب من الخطاب، والأمر إليها إن شاءت زوجت نفسها منه، وإن شاءت لم تزوجه.
فإن تزوجها ثانية بمهر جديد، فإن أراد طلاقها ثانية من قبل أن يدخل بها ،
____________
(1) ورد باختلاف في ألفاظه في المقنع: 114، ومختلف الشيعة: 584 عن علي بن بابويه.
(2) ليس في نسخة « ش ».
(3) الفقيه 3: 319.

(242 )

طلقها بشاهدين عدلين، ولا عدة عليها منه (1) ـ وكل من طلق امرأته من قبل أن يدخل بها فلا عدة عليها منه ـ فإن كان سمى لها صداقاً فلها نصف الصداق، فإن لم يكن سمى لها صداقاً فلا صداق لها، ولكن يمتعها بشيء ـ قل أم كثر ـ على قدر يساره (2).
فالموسع يمتع بخادم أو دابة، والوسط بثوب، والفقير بدرهم أو خاتم (3)، كما قال الله تبارك وتعالى: ( ومتّعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف ) (4).
فإذا أراد المطلق للسنة أن يطلقها ثانية ـ بعد ما دخل بها ـ طلقها مثل تطليقته الاُولى، على طهر من غير جماع، بشاهدين عدلين، يتربص بها حتى تستوفي قروءها.
فإن زوجته نفسها بمهر جديد وأراد أن يطلقها الثالثة طلقها، وقد بانت منه ساعة طلقها، ولا تحل للأزواج حتى تستوفي قروءها، ولا يحل لها حتى تنكح زوجاً غيره (5).
وروي أنها لا تحل له أبداً، إذا طلقها طلاق السنة على ما وصفناه.
وسمي طلاق السنة الهدم، لأنه متى استوفت قروءها وتزوجها الثانية، ثدم طلاق الأول (6).
وروي أن طلاق الهدم لا يكون إلا بزوج ثان.
وأما طلاق العدة: فهو أن يطلق الرجل امرأته على طهر من غير جماع، بشاهدين عدلين، ثم يراجعها من يومه أو من غد أو متى ما يريد ـ من قبل أن تستوفي قروءها ـ وهو أملك بها.
وأدنى المراجعة أن يقبلها، أو ينكر الطلاق فيكون إنكاره للطلاق مراجعة.
فإذا أراد أن يطلقها ثانية، لم يجز ذلك إلا بعد الدخول بها، فإن دخل بها وأراد طلاقها تربص بها حتى تحيض وتطهر، ثم يطلقها في قبل عدتها بشاهدين عدلين، فإن أراد مراجعتها راجعها.
____________
(1) الفقيه 3: 320|1556، المقنع: 115 باختلاف في ألفاظه.
(2) ورد مؤداه في الفقيه 3: 326|1579.
(3) الفقيه 3: 327|1582، المقنع: 116 باختلاف في ألفاظه.
(4) البقرة 2: 236.
(5) ورد مؤداه في المقنع: 115.
(6) الفقيه 3: 320|1556 باختلاف يسير، من « وسمي طلاق السنة... ».

(243 )

وتجوز المراجعة بغير شهود كما يجوز التزويج، وإنما تكره المراجعة بغير شهود من جهة الحدود والمواريث والسلطان.
فإن طلقها الثلاثة فقد بانت منه ساعة طلقها الثالثة، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا انقضت عدتها منه، وتزوجها رجل آخر وطلقها ـ أو مات عنها ـ وأراد الأول أن يتزوجها فعل.
فإن طلقها ثلاث تطليقات ـ على ما وصفته ـ واحدة بعد واحدة، فقد بانت منه، ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبداً.
واعلم أن كل من طلق تسع تطليقات ـ على ما وصفت ـ لم تحل له أبداً (1).
والمحرم إذا تزوج في إحرامه، فرق بينهما، ولا تحل له أبداً(2) .
ومن تزوج امرأة لها زوج دخل بها أو لم يدخل بها ـ أو زنى بها، لم تحل له أبداً (3).
ومن خطب امرأة في عدة للزوج عليها [ رجعة ] (4) أو تزوجها (5) ـ وكان عالماً ـ لم تحل له أبداً (6).
فإن كان جاهلاً، وعلم من قبل أن يدخل بها، تركها حتى تستوفي عدتها من زوجها، ثم يتزوجها (7).
فإن كان دخل بها لم تحل له أبداً ـ عالماً كان أو جاهلاً ـ فإن ادعت المرأة أنها لم تعلم أن عليها عدة، لم تصدق على ذلك (8).
والغلام إذا طلق للسنة فطلاقه جائز (9).
ومن ولع بالصبي لا تحل اخته أبداً.
____________
(1) ورد باختلاف يسير في الفاظه في الفقيه 3: 322، والمقنع: 115.
(2) الفقيه 2: 231|1098، المقنع: 109 باختلاف يسير.
(3) ورد مؤداه في الكافي 5: 429|11، والتهذيب 7: 305|1270 و1271.
(4) اثبتناه من البحار 104: 2|7 عن فقه الرضا عليه السلام.
(5) في نسخة « ش » و« ض »: « زوجها » وما أثبتناه من البحار.
(6) ورد مؤداه في الكافي 5: 426|1 و2، والتهذيب 7: 305|1272، والاستبصار 3: 187|677.
(7) ورد مؤداه في الكافي 5: 427|3، والتهذيب 7: 306|1274 و1275، والاستبصار 3: 186|676.
(8) الكافي 5: 426|2، والتهذيب 7: 307|1276، الاستبصار 3: 187|679.
(9) ورد مؤداه في الفقيه 3: 325|1575، والكافي 6: 124|1 و4، والتهذيب 8: 76|255.

(244 )

واعلم أن خمساً يطلقن على كل حال، ولا يحتاج الزوج ينظر طهرها: الحامل، والغائب عنها زوجها، والتي لم يدخل بها، والتي لم تبلغ الحيض، والتي قد يئست من الحيض.
فأما التي لم تحض، أو قد يئست من الحيض، فعلى وجهين . وإن كان مثلها لا تحيض فلا عدة عليها، وإن كان مثلها تحيض فعليها العدة ثلاثة أشهر.
وطلاق الحامل فهو واحد، وأجلها أن تضع ما في بطنها، وهو أقرب الأجلين، فإذا وضعت، أو أسقطت ـ يوم طلقها ـ أو بعد متى كان، فقد بانت منه، وحلت للأزواج. فإن مضى بها ثلاثة أشهر من قبل (1) أن تضع، فقد بانت منه، ولا تحل للأزواج حتى تضع. فإن راجعها من قبل أن تضع ما في بطنها [ أو تمضي لها ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها ] (2) وتطهر ثم يطلقها (3).
وأما المخير: فأصل ذلك أن الله تعالى أنف لنبيه صلى الله عليه وآله من مقالة قالها بعض نسائه: أيرى محمد أنه لو طلقنا لم يجد أكفاء من قريش يتزوجونا!؟ فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله محمد أن يعتزل نساءه تسعة وعشرين يوماً ، فاعتزلهن في مشربة أم إبراهيم عليه السلام، ثم نزلت هذه الاية ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتنّ تردن الحيوة الدنيا وزينتها ـ إلى قوله تعالى ـ وإن كنتن تردن الله و رسوله والدار الآخرة ) (4) إلى آخر الآية، فاخترن الله ورسوله، فلم يقع طلاق (5).
وأما الخلع: فلا يكون إلا من قبل المرأة، وهو أن تقول لزوجها: لا أبرلك قسماً، ولا أطيع لك أمراً، ولأوطئن فراشك ما تكرهه، فإذا قالت هذه المقالة فقد حل لزوجها ما يأخذ منها ـ وإن كان أكثر مما أعطاها من الصداق ـ وقد بانت منه، وحلت للأزواج بعد إنقضاء عدتها منه، فحل له أن يتزوج أختها من ساعة (6).
وأما المباراة: فهو أن تقول لزوجها: طلقني ولك ما عليك. فيقول لها: على
____________
(1) في نسخة « ش »: « غير ».
(2) أثبتناه من مختلف الشيعة: 588 عن رسالة علي بن بابويه.
(3) المقنع: 116 باختلاف يسير. من « واعلم أن خمساً... ».
(4) الأحزاب 33: 28 ـ 29.
(5) الفقيه 3: 334 عن رسالة أبيه، المقنع: 116 باختلاف يسير.
(6) المقنع: 117.

(245 )

أنك إن رجعت في شيء ـ مما وهبته لي ـ فأنا أملك ببعضك، فيطلقها على هذا. وله أن يأخذ منها دون الصداق الذي أعطاها، وليس له أن ياخذ الكل (1).
وأما النشوز: فقد يكون من الرجل، ويكون من المرأة.
فإما الذي من الرجل: فهو يريد طلاقها، فتقول له: أمسكني ولك ما عليك، وقد وهبت ليلتي لك. ويصطلحان على هذا.
فإذا نشزت المرأة كنشوز الرجل، فهو الخلع إذا كان من المرأة وحدها، فهو أن لا تطيعه، وهو من قال الله تعالى: ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ) (2) فالهجران أن يحول إليها ظهره في المضجع، والضرب بالسواك وشبهه ضرباً رفيقاً (3).
وأما الشقاق فيكون من الزوج والمرأة جميعاً، كما قال الله تعالى: ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها ) (4) يختار الرجل رجلاً، والمرأة تختار رجلاً، فيجتمعان على فرقة أو على صلح.
فإن أرادا إصلاحاً فمن غير أن يستأمرا، وإن أرادا التفريق بينهما فليس لهما إلا بعد أن يستأمرا الزوج والزوجة (5).

شرح آخر في طلاق السنة والعدة
طلاق السنة: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته، تركها حتى تحيض وتطهر، ثم يشهد شاهدين عدلين على طلاقها، ثم هو بالخيار في المراجعة ـ من ذلك الوقت إلى أن تحيض ـ بما قد جعله الله له في المهلة، وهو ثلاثة أقراء ـ والقرء: البياض بين الحيضتين، وهو إجتماع الدم في الرحم ـ فإذا بلغ تمام حد القرء دفعته، فكان الدفق الأول الحيض.
فإن تركها ولم يراجعها حتى تخرج الثلاثة الاقراء فقد بانت منه في أول قطرة
____________
(1) الفقيه 3: 336|1623 و1624، المقنع: 117 باختلاف في ألفاظه.
(2) النساء 4: 34.
(3) الفقيه 3: 336، المقنع: 117 باختلاف يسير.
(4) النساء 4: 35.
(5) الفقيه 3: 337، المقنع: 118 باختلاف يسير.

(246 )

من دم الحيضة الثالثة، وهو أحق برجعتها إلى أن تطهر، فإن طهرت فهو خاطب من الخطاب، إن شاءت زوجته نفسها تزويجاً جديداً وإلا فلا، فإن تزوجها بعد الخروج مند العدة تزويجاً جديداً فهي عنده على اثنتين.
وقد أروي عن العالم عليه السلام انه قال: الفقيه لا يطلق إلا طلاق السنة.
قال: وإذا أراد الرجل أن يطلقها طلاق العدة، تركها حتى تحيض ثم تطهر، ثم يشهد شاهدين عدلين على طلاقها، ثم يراجعها ويواقعها، ثم ينتظر بها الحيض والطهر، ثم يطلقها بشاهدين التطليقة الثانية، ثم يواقعها متى شاء ـ من أول الطهر إلى اخره ـ فإذا راجعها فحاضت ثم طهرت، وطلقها الثالثة بشاهدين، فقد بانت منه، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وعليها استقبال العدة منه وقت التطليقة الثالثة.
وعلى المتوفى عنها زوجها عدة أربعة أشهر وعشرة أيام (1).
وعلى الأمة المطلقة عدة خمسة وأربعين يوماً (2).
وعلى المتعة مثل ذلك من العدة (3).
وعلى الأمة المتوفى عنها زوجها عدة شهرين وخمسة أيام (4).
وعلى المتعة مثل ذلك (5).
وإن نكحت زوجاً غيره، ثم طلقها ـ أو مات عنها ـ فراجعها الأول ثم طلقها طلاق العدة، ثم نكحت زوجا غيره، ثم راجعها الأول وطلقها طلاق العدة الثالثة، لم تحل له أبداً.
وخمس يطلقن على كل حال ـ متى طلقن ـ: الحبلى التي قد استبان حملها، والتي لم تدرك مدرك النساء، والتي قد يئست من الحيض، والتي لم يدخل بها زوجها، والغائب إذا غاب أشهراً، فليطلقهن ازواجهن ـ متى شاءوا بشهادة شاهدين (6).
وثلاث لا عدة عليهن: التي لم يدخل بها زوجها، والتي لم تبلغ مبلغ النساء، و
____________
(1) ورد مؤداه في الفقيه 3: 328|1589، والمقنع: 120، والهداية: 72. من « وعلى المتوفى عنها... ».
(2) ورد مؤداه في التهذيب 8: 154|533، والاستبصار 3: 346|1236.
(3) ورد مؤداه في الفقيه 3: 296|1406، والمقنع: 114، والهداية: 69.
(4) ورد مؤداه في التهذيب 8: 154|533 ـ 537، والاستبصار 3: 346|1236 ـ 1240.
(5) ورد مؤداه في التهذيب 8: 158|547، والاستبصار 3: 351|1254.
(6) الفقيه 3: 334|1615 و1616، المقنع: 116 باختلاف يسير.

(247 )

التي قد يئست من الحيض. وبالله التوفيق (1).
____________
(1) ورد مؤداه في الكافي 6: 85|4، والتهذيب 8: 67|222، والاستبصار 3: 337|1202.