28 ـ باب الزكاة

إعلم أن الله تبارك وتعالى فرض على الأغنياء الزكاة بقدر مقدور، وحساب محسوب، فجعل عدد الأغنياء في مائتين مائة وخمسة وتسعين، والفقراء خمسة، وقسم الزكاة على هذا الحساب، فجعل على كل مائتين خمسة حقاً، للضعفاء، وتحصيناً لأموالهم، لا عذر لصاحب المال في ترك إخراجه.
وقد قرنها الله بالصلاة، وأوجبها مرة واحدة في كل سنة.
ووضعها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم على تسعة أصناف: الذهب والفضة، والحنطة والشعير، والتمر والزبيب، والإبل والبقر (1) والغنم، وروي على (2) الجواهر والطيب وما أشبه هذه الصنوف من الأموال (3).
وفي كل ما دخل القفيز والميزان ربع العشر، إذا كان سبيل هذه الأصناف سبيل الذهب والفضة في التصرف فيها والتجارة، وإن لم يكن هذه سبيلها فليس فيها غير الصدقة ( فيما فيه الصدقة ) (4).
والعشر ونصف العشر فيما سوى ذلك في أوقاته.
وقد عفا الله عما سواها.
وليس فيما دون عشرين ديناراً زكاة ففيها نصف دينار، وكلما زاد بعد العشرين إلى أن
____________
(1) ليس في نسخة « ض ».
(2) في نسخة « ض »: « عن ».
(3) ورد مؤداه في الفقيه 2: 8|26، والمقنع: 48، والهداية: 41، والكافي 3: 510|3 و511|4 من « ووضعها رسول الله.. . ».
(4) ليس في نسخة « ش ».

(196 )

يبلغ أربعة دنانير فلا زكاة فيه، فإذا بلغ أربعة دنانير ففيه عشر دينار، ثم على هذا الحساب (1).
وليس على المال الغائب زكاة (2)، ولا في مال اليتيم زكاة (3).
وأول أوقات الزكاة بعد ما مضى ستة أشهر من السنة، لمن أراد تقديم الزكاة (4).
وليس على الغنم زكاة حتى تبلغ أربعين شاة، فإذا زادت على الأربعين واحدة ففيها شاة ، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها شاتان، إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث، إلى ثلاث مائة (5)، فإذا كثر الغنم سقط هذا كله ويخرج في كل مائة شاة.
ويقصد المصدق الموضع الذي فيه الغنم، فينادي: يا معشر المسلمين هل لله في أموالكم حق؟ فإن قالوا: نعم، أمر أن يخرج الغنم ويفرقها فرقتين، ويخير صاحب الغنم في إحدى الفرقتين، ويأخذ المصدق صدقتها من الفرقة الثانية، فإن أحب صاحب الغنم أن يترك المصدق له هذه فله ذاك ويأخذ غيرها، وإن لم يرد صاحب الغنم أن يأخذها أيضاً فليس له ذلك، ولا يفرق المصدق بين غنم مجتمعة، ولا يجمع بين متفرقة (6).
وفي البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة ففيها تبيع حولي، وليس فيها إذا كانت دون ثلاثين شيء، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة إلى ستين، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان إلى سبعين، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيعة و مسنّة إلى ثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنتان إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع، فإذا كثر البقر سقط هذا كله، ويخرج من كل ثلاثين بقرة تبيعاً، ومن كل أربعين مسنّة (7).
وليس في الإبل شيء حتى يبلغ خمسة فإذا بلغت خمسة ففيها شاة، وفي عشرة شاتان، وفي خمسة عشر ثلاث شياة، وفي عشرين أربع شياة، وفي خمس وعشرين خمس شياة، فإذا زادت واحدة فابنة مخاض، وإن لم يكن عنده ابنة مخاض ففيها ابن لبون ذكر إلى خمسة وثلاثين، فإن زادت فيها واحدة ففيها بنت لبون، فإن، لم يكن عنده وكان عنده ابنة مخاض أعطى
____________
(1) ورد باختلاف في الفاظه في الفقيه 2: 8|26، والمقنع: 50، والهداية: 43، من « وليس فيما دون.. . ».
(2) التهذيب 4: 31 باختلاف في ألفاظه.
(3) الفقيه 2: 9|27، والمقنع: 51 باختلاف يسير.
(4) ورد مؤداه في الفقيه 2: 10|29، والمقنع: 51.
(5) في نسخة « ش » زيادة: « وواحدة ».
(6) الفقيه 2: 14|36، والمقنع: 50.
(7) الفقيه 2: 13|35، والمقنع: 50، والهداية: 42 باختلاف يسير.

(197 )

المصدق ابنة مخاض وأعطى معها شاة.
وإذا وجبت عليها ابنة مخاض ( ولم يكن عنده ) (1) وكان عنده ابنة لبون دفعها و استرجع من المصدق شاة، فإذا بلغت خمسة وأربعين وزادت واحدة ففيها حقة، و سميت حقة لأنه استحقت أن يركب ظهرها، إلى أن يبلغ ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمسة وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها ( بنتالبون) (2) إلى تسعين (3) فإذا كثر الإبل ففي كل خمسين حقة (4).
وليس في الحنطة والشعير شيء إلى أن يبلغ خمسة أوسق.
والوسق ستون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، والمدّ مائتان وإثنان وتسعون درهماً ونصف.
فإذا بلغ ذلك وحصل بغير خراج السلطان، ومؤنة العمارة للقرية، أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر أو كان بعلاً (5)، وإن كان سقي بالدلاء والغرب (6) ففيه نصف العشر.
وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير بعد ما أخرج الزكاة ما بقى، وحالت عليها السنة، ليس عليها زكاة حتى تباع ويحول على ثمنها حول (7).
ونروي أنه ليس على الذهب زكاة حتى يبلغ أربعين مثقالاً، فإذا بلغ أربعين مثقالاً ففيه مثقال (8)، وليس في نيف شيء حتى يبلغ أربعين (9)، ولا يجوز في الزكاة أن يعطى أقل من نصف دينار (10).
وإني أروي عن أبي العالم عليه السلام في تقديم الزكاة وتأخيرها، أربعة أشهر أو ستة أشهر، إلا أن المقصود منها أن تدفعها إذا وجب عليك، ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها لأنها
____________
(1) ما بين القوسين ليس في نسخة « ش ».
(2) في نسخة « ض »: « ثني ».
(3) في الفقيه زيادة: « فإذا زادت واحدة فحقتان إلى عشرين ومائة »، وهو الصواب.
(4) الفقيه 2: 12|33، المقنع، 49، الهداية: 41.
(5) البعل: كل نخل وشجر وزرع لا يسقى، أو ما سقته السماء « القاموس المحيط ـ بعل ـ 3: 335 ».
(6) الغرب: الدلو العظيمة « الصحاح ـ غرب ـ 1: 193 ».
(7) الفقيه 2: 18|59، والهداية: 41 باختلاف يسير.
(8) المقنع: 50.
(9) الفقيه 2: 9|26.
(10) الفقيه 2: 10 عن رسالة أبيه.

(198 )

مقرونة بالصلاة، ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها، ولا تأخيرها إلا أن يكون قضاء، وكذلك الزكاة.
وإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئاً تفرج به عن مؤمن فاجعلها ديناً عليه، فإذا دخل (1) عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة، فإنه يحسب لك من زكاة مالك، ويكتب لك أجر القرض والزكاة (2).
وإن كان لك على رجل مال ولم يتهيأ لك قضاؤه، فاحسبها من الزكاة إن شئت (3).
وقد أروي عن العالم عليه السلام أنه قال: نعم الشيء القرض، إن أيسر قضاك، وإن عسر حسبته من زكاة ما لك (4).
وإن كان مالك في تجارة، وطلب منك المتاع برأس مالك، ولم تبعه ـ تبتغي بذلك الفضل ـ فعليك زكاته إذا جاء عليك الحول. وإن لم يطلب منك برأس مالك فليس عليك الزكاة، وإن غاب عنك مالك فليس عليك زكاته إلا أن يرجع إليك، ويحول عليه الحول وهو في يدك، إلا أن يكون مالك على رجل متى ما أردت أخذت منه، فعليك زكاته فإن رجع إليك نفعه لزمتك زكاته (5).
فإن استقرضت من رجل مالاً، وبقي عندك حتى حال عليه الحول فعليك فيه الزكاة. فإن بعت شيئاً وقبضت ثمنه، واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك، فإنه يلزمه دونك (6).
وليس على الحلّي زكاة ولكن تعيره مؤمناً إذا استعاره منك فهو زكاته (7).
وليس في مال اليتيم زكاة، إلا أن يتّجر بها، فإن اتجرت به ففيه الزكاة (8).
____________
(1) في نسخة « ض »: « حلّت ».
(2) الفقيه 2: 10|29، المقنع: 51.
(3) الفقيه 2: 10|31، المقنع: 51.
(4) الفقيه 2: 10|30، المقنع: 51.
(5) الفقيه 2: 11|31.
(6) الفقيه 2: 11|31، والمقنع: 53 بتقديم وتأخير.
(7) الفقيه 2: 9|26، والمقنع: 52.
(8) الفقيه 2: 9|27.

(199 )

وليس في السبائك زكاة، إلا أن يكون فررت به من الزكاة (1) فعليك فيه زكاة (2).
وإياك أن تعطي زكاة مالك غير أهل الولاية، ولا تعطي من أهل الولاية، ولا تعطي من أهل الولاية الأبوين، والولد، والزوجة، والصبي (3)، والمملوك وكل من هو في نفقتك فلا تعطه (4).
وليس ذكر في سائر الأشياء زكاة مثل: القطن، والزعفران، والخضر، والثمار، والحبوب ـ سوى ما ذكرتك ـ زكاة (5)، إلا أن يباع ويحول على ثمنه الحول (6).
وإن اشترى رجل أباه من زكاة ماله فأعتقه فهو جائز.
وإن مات رجل مؤمن، وأحببت أن تكفنه من زكاة مالك، فاعطها ورثته فيكفنونه، و إن لم يكن له ورثة فكفنه أنت، واحسب به من زكاة مالك، فإن أعطى ورثته قوم آخرون ( ثمن كفنه ) (7) فكفنه من مالك واحسبه من الزكاة، ويكون ما أعطاهم القوم لهم يصلحون به شأنهم.
وإن كان على الميت دين، لم يلزم ورثته القضاء مما أعطيته، ولا مما أعطاهم القوم، لأنه ليس بميراث، وإنما هو شيء صار لورثته بعد موته (8).
وإن استفاد المعتق مالاً فماله لمن أعتق، لأنه مشتري بماله، وبالله التوفيق.
____________
(1) في نسخة « ض » زيادة: « فإن فررت به من الزكاة ».
(2) الفقيه 2: 9|26، والمقنع: 51.
(3) ليس في نسخة « ض ».
(4) الفقيه 2: 11|3، والمقنع: 52، والهداية: 43.
(5) ليس في نسخة « ش ».
(6) المقنع: 51 باختلاف يسير.
(7) في نسخة « ش » و« ض »: « من كفن » وما أثبتناه من البحار 96: 67|39.
(8) الفقيه 2: 10|31، المقنع: 52 باختلاف يسير.

(200 )

29 ـ باب الصوم

واعلم أن الصوم على أربعين وجهاً، فعشرة واجبة صيامهن كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه صيامهن حرام، وأربعة عشر وجهاً منها صاحبها بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر، وصوم الاذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، ومنها صوم الإباحة وصوم السفر والمرض.
أما الصوم الواجب:
فصوم شهر رمضان.
وصيام شهرين متتابعين ـ يعني لمن أفطر يوماً من شهر رمضان عامداً متعمداً ـ.
وصيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ ـ لمن لم يجد العتق ـ واجب، من قول الله تعالى: ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) (1).
والصوم في كفارة الظهار، قال الله تعالى: ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ) (2).
وصيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين ( واجب لمن لا يجد الا طعام ) (3)، قال الله تعالى: ( فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ) (4).
كل ذلك متتابع وليس بمفترق.
وصيام من كان به أذى من رأسه واجب، قال الله تبارك وتعالى: ( أو به أذى من رأسه ففدية من صيام ) (5) فصاحب هذه بالخيار، فإن صام صام ثلاثة.
____________
(1) النساء 4: 92.
(2) المجادلة 58: 4.
(3) ما بين القوسين ليس في نسخة « ش ».
(4) المائدة 5: 89.
(5) البقرة 2: 196.

(201 )

وصوم دم المتعة واجب لمن لم يجد الهدي، قال الله تبارك وتعالى: ( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ) (1).
وصوم جزاء الصيد واجب، قال الله تبارك وتعالى: ( أو عدل ذلك صياما ) (2).
وأروي عن العالم عليه السلام أنه قال: أتدرون كيف يكون عدل ذلك صياماً؟
فقيل له: لا.
فقال: يقوّم الصيد قيمة، ثم يشترى بتلك القيمة ( البر، ثم يكال ذلك ) (3) البر أصواعاً فيصوم لكل نصف صاع يوماً.
وصوم النذر واجب.
وصوم الإعتكاف واجب.
وأما الصوم الحرام:
فصوم يوم الفطر، وصوم يوم الأضحى، وثلاثة أيام التشريق.
وصوم يوم الشك، اُمرنا به ونهينا عنه، اُمرنا أن نصومه مع شعبان، ونهينا أن ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي فيه الشك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئاً ينوي به ليلة الشك أنه من صيام شعبان، فإن كان من رمضان أجزأ عنه، وإن كان من شعبان لم يضره.
ولو أن رجلاً صام شهراً تطوعاً في بلد الكفر، فلما أن عرف كان شهر رمضان ـ و هو لا يدري ولا يعلم أنه من شهر رمضان، وصام بأنه من غيره ثم علم بعد ذلك ـ أجزأ عنه من رمضان، لأن الفرض إنما وقع على شهر بعينه.
وصوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام.
وأما الصوم الذي صاحبه فيه بالخيار:
فصوم يوم الجمعة، والخميس، والإثنين وصوم أيام البيض، وصوم ستة أيام من شوال بعد الفطر بيوم، ويوم عرفة، ويوم عاشورا، وكل ذلك صاحبه فيه بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر.
____________
(1) البقرة 2: 196.
(2) المائدة: 5: 95.
(3) ليس في نسخة « ش ».

(202 )

وأما صوم الإذن، فإن المرأة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، والعبد إلا بإذن مولاه، والضعيف لا يصوم إلا بإذن صاحب البيت، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: « من نزل على قوم، فلا يصومن تطوعاً إلا بإذن صاحبهم ».
وأما صوم التأديب، فإنه يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديباً، وليس بفرض، وإن لم يقدر إلا نصف النهار يفطر إذا غلبه العطش، وكذلك من أفطر لعلة أول النهار، ثم قوى بقية يومه اُمر بالإمساك بقية يومه تأديباً وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار، ثم قدم أهله أمر بقية يومه بالإمساك تأديباً، وليس بفرض.
وأما صوم الإباحة، فمن أكل وشرب ناسياً، أو تقيأ من غير تعمد، فقد أباح الله ذلك له، وأجزأ عنه صومه.
وأما صوم السفر والمرض، فإن العامة إختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال قوم: لايصوم، وقال قوم: إن شاء صام وإن شاء أفطر.
فأما نحن نقول: يفطر في الحالتين جميعاً، فإن صام في السفر أو في حال المرض فعليه في ذلك القضاء، فإن الله تعالى يقول: ( ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام اُخر ) (1).
واعلم ـ رحمك الله ـ أن الصوم حجاب ضربه الله عز وجل على الألسن، والأسماع و الأبصار، وسائر الجوارح، لماله في عادة من سره (2) وطهارة تلك الحقيقة حتى يستر به من النار.
وقد جعل الله على كل جارحة حقاً للصيام، فمن أدى (3) حقها كان صائماً ومن ترك شيئاً منها نقص من فضل صومه بحسب ما ترك منها.
واعلم أن أول أوقات الصيام وقت الفجر، وآخرة هو الليل، طلوع ثلاثة كواكب ( ترى مع غروب الشمس ) (4) وذهاب الحمرة من المشرق، وفي وجوه سواد المحاجز (5).
____________
(1) البقرة 2: 185، وقد ورد باختلاف يسير في الفقيه 2: 46|208، والهداية: 48، والمقنع: 55، والخصال: 534، والكافي 4: 83|1، والتهذيب 4: 294|895، وتفسير القمي 1: 185. من بداية باب الصوم.
(2) كذا في نسخة « ض » والبحار 96: 291|13، وفي « ش »: « عبادة من سترة ».
(3) في نسخة « ش »: « اوفى ».
(4) في نسخة « ض »: « لا ترى مع الشمس ». وهي مؤدى نفس عبارة المتن.
(5) في نسخة « ض »: « المحاجر ».

(203 )

وأدنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة ـ وهي النية ـ و ترك الكذب على الله وعلى رسوله، ثم ترك الأكل، والشرب، والنكاح، والإرتماس في الماء، واستدعاء القذف، فإذا تم هذه الشروط ـ على ما وصفناه ـ كان مؤدياً لفرض الصوم، مقبولاً منه بمنة الله تعالى (1).
وما يلزمه من صوم السنة فضل الفريضة، وهو ثلاثة أيام في كل شهر: الأربعاء بين الخميسين، وصوم شعبان، ليتم به نقص الفريضة.
وشهر رمضان ثلاثون يوماً، وتسعة وعشرون يوماً، يصيبه ما يصيب الشهور من التمام والنقصان (2) والفرض تام فيه أبداً لا ينقص ـ كما روي ـ ومعنى ذلك الفريضة فيه الواجبة قد تمت، وهو شهر قد يكون ثلاثين يوماً، أو تسعة وعشرين يوماً.
____________
(1) ورد مؤداه في الفقيه 2: 67|276، 277، والمقنع: 60، والهداية: 46 عن رسالة أبيه، والتهذيب4: 202. من « وأدنى ما يتم به فرض الصوم.. . ».
(2) التهذيب 4: 156|432 وفيه تقديم وتأخير.

(204 )

30 ـ باب نوافل شهر رمضان ودخوله

إعلم ـ يرحمك الله ـ أن لشهر رمضان حرمة ليست كحرمة سائر الشهور، لما خصه الله به وفضّله، وجعل فيه ليلة القدر، والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر [ ليس ] (1) فيها ليلة القدر (2).
فعليكم بغضّ الطرف وكفّ الجوارح عمّا نهى الله عنه، وتلاوة القرآن، والتسبيح و التهليل، والإكثار من ذكر الله، والصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، في الليل والنهار ما استطعتم، ولا تجعلوا يوم صومكم كيوم فطركم (3)، وإن الصوم جنة من النار (4).
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: « من دخل عليه شهر رمضان، فصام نهاره، وأقام ورداً في ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغض بصره، وكف أذاه، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه » فقيل له: ما أحسن هذا من حديث! فقال: « ما أصعب هذا من شرط » (5).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: « نوم الصائم عبادة ونفسه تسبيح » (6).
____________
(1) أثبتناه من البحار 96: 380|5 عن فقه الرضا عليه السلام.
(2) ورد مؤداه في الفقيه 2: 61|265، والكافي 4: 66|2، والتهذيب 4: 192|547.
(3) ورد مؤداه في الفقيه 1: 67|278، 68|685، والكافي 4: 87|1 و3، والتهذيب 4: 194|554.
(4) الفقيه 2: 45|200، والكافي 4: 62|1 و3.
(5) الفقيه 2: 60|259، والكافي 4: 87|2، والتهذيب 4 195|560.
(6) المقنع: 65، والكافي 4: 64|12، والتهذيب 4: 190|540.

(205 )

وقيل: للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربه (1).
إتبعوا سنة الصالحين فيما امروا به ونهوا عنه، وصلّوا منه أول ليلة إلى عشرين يمضي منه، من الزيادة على نوافلكم في غيره في كل ليلة عشرين ركعة: ثمانية منها بعد صلاة المغرب، اثنتي عشر بعد العشاء الآخرة.
وفي العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثون ركعة: اثنتان وعشرون بعد العشاء الآخرة، و روي (2) أن الثمان مثبت بعد المغرب لا يزاد، واثنتين وعشرين بعد العشاء الآخرة. و قيل: اثنتي عشرة ركعة منها بعد المغرب، وثماني عشرة ركعة بعد العشاء الاخرة.
وصلوا في ليلة إحدى وعشرين وثلاثة وعشرين مائة ركعة، تقرؤون في كل ركعة ( فاتحة الكتاب ) مرة واحدة، و( قل هو الله أحد ) عشر مرات (3) واحسبوا الثلاثين ركعة من المائة، فإن لم تطق ذلك من قيام صليت وأنت جالس وإن شئت قرأت في كل ركعة مرة مرة ( قل هو الله أحد ).
وإن استطعت أن تحيي هاتين الليلتين إلى الصبح فافعل، فإن فيها فضل كثير والنجاة من النار، وليس سهر ليلتين يكبر فيما أنت تؤمل (4).
وقد روي أن السهر في شهر رمضان في ثلاث ليال: ليلة تسعة عشر في تسبيح ودعاء بغير صلاة، وفي هاتين الليلتين أكثروا من ذكر الله جل وعزّ والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي ليلة الفطر، وأنه ليلة يوفى فيها الأجير أجره.
وأروي عن العالم عليه السلام أنه قال: إن الله عزّ وجل يعتق في أول ليلة من شهر رمضان ستمائة ألف عتيق من النار، فإذا كان العشر الأواخر عتق في ليلة منه مثل ما أعتق في العشرين الماضية، فإذا كان ليلة الفطر أعتق من النار مثل ما أعتق في سائر الشهر (5).
اجتنبوا شم المسك والكافور والزعفران، ولا تقرب من الأنف، واجتنب المسّ
____________
(1) الفقيه 2: 45|204، والكافي 4: 65|15.
(2) في نسخة « ش »: « لما روي ».
(3) الفقيه 2: 100|450، من « وصلوا في ليلة ».
(4) ورد مؤداه في الفقيه 2: 88|397، والتهذيب 3: 63|214، من « وصلوا في ليلة ».
(5) ورد مؤداه في الفقيه 2: 60|261، والكافي 4: 67|7، والتهذيب 4: 193|551 من « وأروى عن العالم... ».

(206 )

والقبلة والنظر، فإنها سهم من سهام إبليس، واحذر السواك الرطب، وإدخال الماء في فيك للتلذذ في غير وضوء فإن دخل منه شيء في حلقك فقد أفطرت وعليك القضاء.
إجتنبوا الغيبة ـ غيبة المؤمن ـ واحذروا النميمة، فإنهما يفطران الصائم (1).
ولا غيبة للفاجر، وشارب الخمر، واللاعب بالشطرنج، والقمار.
ولا بأس للصائم بالكحل، والحجامة، والدهن، وشم الريحان ـ خلا النرجس ـ واستعمال الطيب من البخور وغيره ـ ما لم يصعد في أنفه ـ فإنه روي: أن البخور تحفة الصائم.
ولا بأس للصائم أن يتذوق القدر بطرف لسانه، ويزق الفرخ ، ويمضغ للطفل الصغير (2).
أحسنوا إلى عيالكم ووسعوا عليهم، فإنه قد أروي عن العالم عليه السلام أنه قال: إن الله لا يحاسب الصائم على ما أنفقه في مطعم ولا مشرب وأنه لا إسراف في ذلك.
إجتهدوا في ليلة الفطر في الدعاء والسهر، وصلّوا ركعتين يقرأ في الركعة الاُولى ( باُم الكتاب ) و( قل هو الله ) ألف مرة، وفي الثانية مرة واحدة (3)، وقد روي: أربع ركعات، في كل ركعة مائة مرة ( قل هو الله أحد ).
وإذا رأيت هلال شهر رمضان، فلا تشر إليه، ولكن استقبل القبلة وارفع يديك إلى الله، وخاطب الهلال وكبر في وجهه، ثم تقول: ربي وربك الله رب (4) العالمين، اللهم أهله علينا بالأمن والأمانة والإيمان، والسلامة والإسلام (5)، والمسارعة فيما تحب وترضى، اللهم بارك لنا في شهرنا هذا، وارزقنا عونه وخيره، واصرف عنّا شره وضره وبلاءه وفتنته (6).
ويستحب أن يتسحر في شهر رمضان ولو بشربة من الماء، وأفضل السحور السويق والتمر، مطلق لك الطعام والشراب إلى أن تستيقن طلوع الفجر (7)، واُحل لك الإفطار إذا بدت ثلاثة أنجم، وهي تطلع مع غروب الشمس (8).
____________
(1) ورد مؤداه في الفقيه 2: 67|280، والكافي 4: 87|3، والتهذيب 4: 194|553 من « اجتنبوا الغيبة.. .. ».
(2) ورد مؤداه في المقنع: 60. من « ولا بأس للصائم بالكحل.. . ».
(3) ورد مؤداه في الكافي 4: 168. من « إجتهدوا في ليلة الفطر.. . ».
(4) ليس في نسخة « ض ».
(5) ليس في نسخة « ض ».
(6) الفقيه 2: 62|296 عن رسالة أبيه، الهداية: 45، من « وإذا رأيت هلال شهر رمضان.. . ».
(7) المقنع: 64، والهداية: 48 باختلاف يسير.
(8) الفقيه 2: 81|358 عن رسالة أبيه، والمقنع: 65.

(207 )

فإذا صمته فعليك أن تظهر السكينة والوقار، وليصم سمعك وبصرك عمّا لا يحل النظر إليه، واجتنب الفحش من الكلام.
واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل، والشرب، والجماع، والإرتماس في الماء، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة (1).
والخناء (2) من الكلام، والنظر إلى ما لا يجوز ـ وروي: أن الغيبة تفطر (3) الصائم ـ وسائر ذلك ينقص الصوم.
وأكثر في هذا الشهر المبارك من قراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وكثرة الصدقة، وذكر الله في آناء الليل والنهار، وبر الإخوان وإفطارهم معك بما يمكنك، فإنّ في ذلك ثواب عظيم وأجر كبير.
فإن نسيت وأكلت أو شربت، فأتم صومك ولا قضاء عليك (4).
واغتسل في ليلة تسع عشرة منها، وفي ليلة إحدى وعشرين، وفي ليلة ثلاثة وعشرين، وإن نسيت فلا إعادة عليك (5).
وكذلك إن احتلمت نهاراً، لم يكن عليك قضاء ذلك اليوم (6).
وإن أصابتك جنابة في أول الليل، فلا بأس بأن تنام متعمداً وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر، فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس عليك شيء (7) إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت، وتوانيت ولم تغتسل وكسلت، فعليك صوم ذلك اليوم، وإعادة يوم آخر مكانه (8): وإن تعمدت النوم إلى أن تصبح ، فعليك قضاء ذلك اليوم، والكفارة: وهو صوم شهرين متتابعين، أو عتق رقبة، أو أطعام ستين مسكيناً (9).
____________
(1) الهداية: 46 عن رسالة أبيه، المقنع: 60، من « واتق في صومك.. . ».
(2) الخنا: الفحش « الصحاح ـ خنا ـ 6: 2332 ».
(3) تحف العقول: 11، من « وروي ».
(4) ورد مؤداه في الفقيه 2: 74|318، والمقنع: 61، والتهذيب 4: 277|838. من « فإن نسيت.. .. ».
(5) الفقيه 2: 103|461، والتهذيب 4: 196|561 باختلاف في ألفاظه.
(6) ورد مؤداه في الكافي 4: 105|3، وقرب الأسناد: 78.
(7) ورد مؤداه في الفقيه 2: 74|322، والكافي 4: 105|1، والتهذيب 4: 210|608.
(8) ورد مؤداه في الفقيه 2: 75|323، والتهذيب 4: 211|611 ـ 615، و الاستبصار 2: 86|267 ـ 271.
(9) ورد مؤداه في التهذيب 4: 212|616 ـ 618، والاستبصار 2: 87|272 ـ 274.

(208 )

ومن أراد أن يتسحّر فله ذلك إلى أن يطلع الفجر، ولو أن رجلين نظرا فقال أحدهما هذا الفجر قد طلع، وقال الآخر: ما طلع الفجر بعد، حل التسحّر للذي لم يره أنّه طلع، وحرم على الذي يراه أنه طلع (1).
ولو أن قوماً مجتمعين سألوا أحدهم أن يخرج وينظر هل طلع الفجر؟ ثم قال: قد طلع الفجر، وظن بعضهم أنه يمزح فأكل وشرب، كان عليه قضاء ذلك اليوم (2).
ولا يجوز للمريض والمسافر الصيام، فإن صاما كانا عاصيين وعليهما القضاء.
ويصوم العليل إذا وجد من نفسه خفة، وعلم أنه قادر على الصوم وهو أبصر بنفسه (3).
ولا يجوز للمسافر على حال من الأحوال، إلا عادياً أو باغياً والعادي: اللص، والباغي: الذي يبغي الصيد.
فإذا قدمت من السفر وعليك بقية يوم، فأمسك من الطعام و الشراب إلى الليل، فإن خرجت في سفر وعليك بقية يوم فافطر.
وكل من وجب عليه التقصير في السفر فعليه الإفطار، وكل من وجب عليه التمام في الصلاة فعليه الصيام، متى ما أتمّ صام، ومتى ما قصّر أفطر.
والذي يلزمه التمام للصلاة والصوم في السفر: المكاري، والبريد، والراعي، والملاح، والرابح، لأنه عملهم.
وصاحب الصيد إذا كان صيده بطراً فعليه التمام في الصلاة والصوم ، وإن كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والصوم. وروى أن عليه الإفطار في الصوم، وإذا كان صيده مما يعود على عياله فعليه التقصير في الصلاة والصوم (4)، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله »(5).
وإن أصابك رمد فلا بأس أن تفطر تعالج عينيك (6).
____________
(1) ورد مؤداه في الفقيه 2: 82|365، والكافي 4: 97|7.
(2) الفقيه 2: 83|367، والكافي 4: 97|4، والتهذيب 4: 270|814، باختلاف في ألفاظه.
(3) ورد مؤداه في الفقيه 2: 83|369، والكافي 4: 118|2 و3 و8 من « ويصوم العليل.. . ».
(4) ورد باختلاف يسير في المقنع: 62، من « فإذا قدمت من السفر.. . ».
(5) الكافي 5: 88|1 وفيه عن أبي عبد الله عليه السلام.
(6) ورد مؤداه في الفقيه 2: 84|373، والكافي 4: 118|4 و5، والتهذيب 4: 257|760.

(209)

وإذا طهرت المرأة من حيضها وقد بقي عليها يوم، صامت ذلك اليوم تأديباً وعليها قضاء ذلك اليوم (1) وإن حاضت وقد بقي عليها بقية يوم أفطرت وعليها القضاء.
ولا بأس أن يذوق الطباخ المرقة ـ وهو صائم ـ بطرف لسانه من غير أن يبتلعه.
ولا بأس بشم الطيب ـ الا أن يكون مسحوقاً ـ فإنه يصعد إلى الدماغ (2).
وقد ذكرنا صوم يوم الشك في أول الباب، ونفسره ثانية لتزداد به بصيرة ويقيناً. وإذا شككت في يوم لا تعلم أنه من شهر رمضان أو من شعبان، فصم من شعبان، فإن كان منه لم يضرك، وإن كان من شهر رمضان جاز لك من رمضان، وإلا فانظر أي يوم صمت من العام الماضي، وعدّ منه خمسة أيام وصم اليوم الخامس.
وقد روي: إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو من ليلة، وإذا غاب بعد الشفق فهو لليلتين، فإذا رأيت ظل رأسك فيه فلثلاث ليال (3).
وإذا شككت في هلال شوال وتغيمت السماء فصم ثلاثين يوماً وأفطر، وودع الشهر في آخر ليلة منه، وتقرأ دعاء الوداع.
وإذا كان ليلة الفطر صليت المغرب وسجدت وقلت: يا ذا الطول، ويا ذا الجود، وياذا الحول، يا مصطفي محمد وناصره، صلِّ ـ يا الله ـ على محمد وعلى آله وسلم، وأغفر لي كل ذنب أذنبته ونسيته وهو عندك في كتاب مبين، ثم يقول مائة مرة: أتوب إلى الله (4).
وكبر بعد المغرب والعشاء الآخرة والغداة ولصلاة العيد والظهر والعصر، كما تكبر أيام التشريق، تقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا وأبلانا، والحمد لله بكرة وأصيلاً (5).
وادفع زكاة الفطر عن نفسك، وعن كل من تعول ـ من صغير أو كبير، حر وعبد، ذكر وانثى (6) ـ واعلم أن الله تعالى فرضها زكاة للفطر قبل أن تكثر الأموال فقال: ( اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) وإخراج الفطرة واجب على الغني والفقير، والعبد والحر، وعلى الذكران
____________
(1) المقنع: 64.
(2) الفقيه 2: 70|292 باختلاف يسير.
(3) الفقيه 2: 78|342 و343، والمقنع: 58، والهداية: 45. من « وقد روي.. . ».
(4) الهداية: 52 باختلاف يسير. من « وإذا كان ليلة الفطر.. . ».
(5) الفقيه 2: 108|464، والهداية: 52 باختلاف يسير.
(6) المقنع: 66، والهداية: 51.

(210 )

والإناث، والصغير والكبير، والمنافق والمخالف، لكل رأس صاع من تمر ـ وهو تسعة أرطال بالعراقي ـ أو صاع من حنطة، أو صاع من شعير، أو صاع من زبيب، أو قيمة ذلك. ومن أحب أن يخرج ثمناً فليخرج ( ما بين ثلثي درهم ) (1) إلى درهم، والثلثان أقل ما روي، والدرهم أكثر ما روي، وقد روي ثمن تسعة أرطال تمر (2).
وروي، من لم تستطع يده لإخراج الفطرة، أخذ من الناس فطرتهم، وأخرج ما يجب عليه منها.
ولا بأس بإخراج الفطرة إذا دخل العشر الأواخر، ثم إلى يوم الفطر قبل الصلاة، فإن أخَّرها إلى أن تزول الشمس صارت صدقة.
ولا يدفع الفطرة إلا إلى مستحق، وأفضل ما يعمل به فيها أن تخرج إلى الفقيه ليصرفها في وجوهها، بهذا جاءت الروايات.
والذي يستحب الإفطار عليه يوم الفطر البرّ والتمر، وأروي عن العالم عليه السلام: الإفطار على السكر، وروي: أفضل ما يفطر عليه طين قبر الحسين عليه السلام (3).
وروي أن للفطر تشريقاً كتشريق الأضحى، يستحب فيه الذبيحة كما يستحب في الأضحى.
وعليكم بالتكبير يوم العيد، والغدوّ إلى مواضع الصلاة، والبروز إلى تحت السماء والوقوف تحتها، إلى وقت الفراغ من الصلاة والدعاء.
وروي: الفطرة نصف صاع من بر، وسائره صاعاً صاعاً (4).
ولا يجوز أن يدفع ما يلزمه واحد إلى نفسين، فإن كان لك مملوكاً ـ مسلماً أو ذمياً ـ فادفع عنه، وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، وكذلك إذا أسلم الرجل قبل الزوال أو بعد فعلى هذا (5).
ولا بأس بإخراج الفطرة في أول يوم من شهر رمضان إلى آخره ـ وهي الزكاة ـ الى أن
____________
(1) في نسخة « ش »: « ما تبين وثلثي درهم » وفي نسخة « ض »، والبحار 96: 107|11، ومستدرك الوسائل 1: 527|2: « مائتين وثلاثين درهماً ». والظاهر ما اثبتناه هو الصواب.
(2) ليس في نسخة « ش ».
(3) ورد مؤداه في الفقيه 2: 113|485 من « والذي يستحب.. . ».
(4) ورد مؤداه في التهذيب 4: 85|246 من « وروي: الفطرة.. . ».
(5) الفقيه 2: 116|499، المقنع: 66 باختلاف يسير.

(211 )

تصلي صلاة العيد، فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة، وأفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان (1).
واعلم أن الغلام يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين ـ على قدر ما يطيقة ـ فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر (2) وإذا صام ثلاثة أيام فلا يأخذه بصيام الشهر كله.
وإذا لم يتهيأ للشيخ، أو الشاب المعلول، أو المرأة الحامل أن تصوم من العطش والجوع، أو خافت أن تضر لولدها، فعليهم جميعاً الإفطار، و يتصدق عن كل واحد لكل يوم بمدّ من طعام، وليس عليه القضاء (3).
وإذا مرض الرجل وفاته صوم شهر رمضان كلّه، ولم يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان من قابل، فعليه أن يصوم هذا الذي قد دخل عليه، ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد طعام، وليس عليه القضاء إلا أن يكون قد صحّ فيما بين شهرين رمضانين، فإذا كان كذلك ولم يصم، فعليه أن يتصدق عن الأول لكل يوم مداً من طعام ، ويصوم الثاني، فإذا صام الثاني قضى الأول بعده.
وإن فاته شهران رمضانان حتى دخل الشهر الثالث وهو مريض، فعليه أن يصوم الذي دخله، ويتصدق عن الأول لكل يوم مداً من طعام، ويقضي الثاني (4).
فإن أردت سفراً، أو أردت أن تقدم من صوم السنة شيئاً، فصم ثلاثة أيام للشهر الذي تريد الخروج فيه (5).
وإن أردت قضاء شهر رمضان، فأنت بالخيار، إن شئت قضيتها متتابعاً، وإن شئت متفرقاً، فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: « يصوم ثلاثة أيام ثم يفطر » (6).
وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان، فعلى وليه أن يقضي عنه، وكذلك إذا فاته في السفر، إلا أن يكون مات في مرضه من قبل أن يصح فلا قضاء عليه، وإذا كان للميت
____________
(1) الفقيه 2: 118، عن رسالة أبيه، والمقنع: 67، والهداية: 51.
(2) الفقيه 2: 76|329، والمقنع: 61.
(3) المقنع: 61 باختلاف يسير، والمختلف: 245 عن رسالة علي بن بابويه.
(4) المختلف: 240، عن رسالة ابن بابويه، والمقنع: 64.
(5) الفقيه 2: 51، عن رسالة أبيه.
(6) المقنع: 63 باختلاف يسير.

(212 )

وليان فعلى أكبرهما من الرجلين أن يقضي عنه، فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء (1).
ومن جامع في شهر رمضان أو أفطر، فعليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً ـ لكل مسكين مد من طعام ـ وعليه قضاء ذلك اليوم، وأنّى له بمثله (2)!
وقد روي رخصة في قبلة الصائم، وأفضل من ذلك أن يتنزه عن مثل هذا، قال أمير المؤمنين عليه السلام: « اما يستحي أحدكم ألا يصبر يوماً إلى الليل، إنه كان يقال: إن بدو القتال اللّطام » ولو أن رجلا لصق باهله في شهر رمضان وادفق كان عليه عتق رقبة (3).
ولا بأس بالسواك ـ للصائم ـ والمضمضة والإستنشاق، إذا لم يبلع ولا يدخل الماء في حلقه، ولا بأس بالكحل إذا لم يكن مُمَسَّكَاً، وقد روي رخصة المسك، فإنه يخرج على عكرة (4) لسانه.
ولا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئاً، ولا يسعط، ولا يحتقن، والمرأة لا تجلس في الماء فإنها تحمل الماء بقبلها، ولا بأس للرجل أن يستنقع فيه ما لم يرتمس فيه.
واعلم أن النذر على وجهين (5): أحدهما أن يقول الرجل: إن افعل كذا وكذا فللّه عليّ صوم كذا، أو صلاة، أو صدقة، أو حج، أو عتق رقبة، فعليه أن يفي لله بنذره، إذا كان ذلك الشيء، كما نذر فيه.
فإن أفطر يوم صوم النذر، فعليه الكفارة ـ شهرين متتابعين ـ وقد روي أن عليه كفارة يمين.
والوجه الثاني من صوم النذر: أن يقول الرجل: إن كان كذا وكذا صمت، أو صليت، أو تصدقت، أوحججت، ولم يقل لله علي كذا وكذا، إن شاء لم يفعل فهو بالخيار (6).
فمتى وجب على الإنسان صوم شهرين متتابعين، فصام شهراً وصام من الشهر
____________
(1) الفقيه 2: 98|439، المقنع: 63 باختلاف يسير.
(2) المقنع: 60.
(3) الفقيه 2: 70|297 و298 باختلاف في ألفاظه.
(4) عكرة اللسان: اصله « الصحاح ـ عكر 2: 756 ».
(5) في نسخة « ش »: « قسمين ».
(6) ورد مؤداه في الفقيه 3: 232|1095، والمقنع: 137، والهداية: 73.

(213 )

الثاني أياماً ثم أفطر، فعليه أن يبني عليه ولا بأس، وإن صام شهراً أو أقل منه ولم يصم من الشهر الثاني شيئاً عليه أن يعيد صومه ـ إلا أن يكون قد أفطر لمرض ـ فله أن يبني على ما صام، لأن الله حبسه (1).
والرعاف والقلس والقيء لا ينقض الصوم، إلا أن يتقيأ متعمداً.
ولا يصوم في السفر شيئاً من صوم الفرض، ولا السنة ولا تطوع، إلا الصوم الذي ذكرناه في أول الباب، من صوم كفارة صيد الحرم، وصوم كفارة الإحلال في الإحرام أن كان به أذى من رأسه، وصوم ثلاثة أيام لطلب حاجة عند قبر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو يوم الأربعاء والخميس والجمعة، وصوم الإعتكاف في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومسجد الكوفة ومسجد المدائن.
ولا يجوز الإعتكاف في غير هؤلاء المساجد الأربعة، والعلة في ذلك أنه لا يعتكف إلا في مسجد جمع فيه إمام عدل، وجمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بمكة والمدينة ، وأميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الثلاثة المساجد، وقد روي في مسجد البصرة (2).
إذا قضيت صوم شهر رمضان والنذر، كنت بالخيار في الإفطار إلى زوال الشمس، فإن أفطرت بعد الزوال، فعليك كفارة مثل من أفطر يوماً من شهر رمضان (3)، وقد روي أن عليه إذا أفطر بعد الزوال، إطعام عشرة مساكين ـ لكل مسكين مد من طعام ـ فإن لم يقدر عليه صام يوماً بدل يوم، وصام ثلاثة أيام كفارة لما فعل (4).
وإذا أصبحت يوم الفطر، إغتسل وتطيب وتمشط والبس أنظف ثيابك وأطعم شيئاً من قبل أن تخرج إلى الجبانة، فإذا أردت الصلاة فابرز إلى تحت السماء، وقم على الأرض و لا تقم على غيرها، وأكثر ذكر الله والتضرع إلى الله عزّ وجل وسله أن لا يجعل منك آخر العهد، وبالله التوفيق (5).
____________
(1) المقنع: 64 باختلاف يسير.
(2) ورد مؤداه في الفقيه 2: 120|519، والمقنع: 66، والكافي 4: 176|1.
(3) المختلف: 248 عن رسالة علي بن بابويه، والمقنع: 63.
(4) المقنع: 63.
(5) الهداية: 53 باختلاف في ألفاظه.