بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 191 ـ 200
(191)
8 ـ إقتراض مبلغ لشخص بشرط التعامل به مع البنك عموماً أو في نشاط محدود
     قد يقوم البنك بإقراض بعض عملائه أو غيرهم مقداراً من المال بشرط أن يتعامل معه في صفقاته التجارية ، فهل في هذا الشرط حرمة ربوية ؟
     الجواب : اننا بلا شك نرى أنَّ هذه العملية القرضية إنّما يقصد بها البنك جرّ النفع له ، فهل تشمله الرواية القائلة « كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا » ؟
     ويمكن أن يقال : إنّ النفع الذي هو حرام في عملية القرض بواسطة الشرط هو النفع الذي يوجد من عملية الاقراض أو في مقابل الأجل ـ كما تقدّم ذلك ـ أمّا هذا النفع الذي يذكر في المقام فهو نفع قد حصل في مقابل عقد قام به البنك مع المقترض ، كأن يبيعه سيارة بمبلغ معين (1) كما يحصل البنك على نفس هذا النفع من عملاء آخرين قد تعاملوا معه بدون هذه العملية ، ولهذا يمكن ادّعاء إنصراف كل قرض جرّ نفعاً عن هذه الانتفاعات التي في مقابلها عقد تجاري.
     ولم يعدم الفقه الإسلامي من أمثلة لمثل هذه الشروط التي جوّزت هذه العملية ، فمن تلك النصوص حسنة جميل ، قال : « قلت للإمام الصادق ( عليه السلام ) أصلحك الله اننا نخالط نفراً من أهل السواد فنقرضهم القرض ويصرفون الينا غلاتهم فنبيعها لهم بأجر ، ولنا في ذلك منفعة ؟ قال : لا بأس. ولا أعلمه إلاّ قال : ولولا
     (1) أمّا إذا كان تعامل البنك مع عملية المقترض الذي اشترط عليه التعامل معه يختلف عن العميل الذي لم يقترض منه ولم يوجد بينهما هذا الشرط ، فيكون الربح في الصورة الاُولى عشرين بالمئة وفي الصورة الثانية عشرة بالمئة فهذه العملية من البنك مع شرط التعامل تكون ربا لأنّها دخلت تحت الرواية القائلة « كل قرض جرّ نفعاً فهو ربا » إذ يكون ما انتفع به البنك في العقد عشرة بالمئة والعشرة الثانية من عملية القرض أو في مقابل الأجل.
(192)
    ما يصرفون إلينا من غلاتهم لم نقرضهم ، قال : لا بأس » (1) بناءً على أنَّ جملة ولولا ما يصرفون إلينا من غلاتهم لم نقرضهم هي عبارة عن شرط صريح في ضمن عقد القرض أو شرط ارتكازي قام عليه عقد القرض.
     وبعبارة اُخرى : الروايات تحرم أن يكون القرض هو الذي جرّ النفع مباشرة بواسطة الشرط ، ونحن وإن قبلنا أن « جارَّ الجار جارٌّ » فإذا جر القرض بيعاً والبيع جرّ نفعاً فهو داخل عقلا في جرّ القرض للنفع ، إلاّ أن هذا منصرف عن الروايات التي معناها العرفي هو أن يكون القرض هو الجارّ للنفع مباشرة ، ولهذا ينبغي يكون معنى القرض الذي يجرّ منفعة الذي نَصِفُه بالربا هو ما كانت المنفعة مشترطة فيه ولم تكن في مقابل عمل يبذله المقرض.
     ثم إذا حكَّمنا الأصل العملي عند الشك ، فالجواز بمعنى عدم الحرمة هو الجاري في المقام ، وترتب الأثر على هذا العقد يكون بالتمسّك بإطلاق ( أوفوا بالعقود ).

9 ـ بيع الدين ( خصم الكمبيالات أو الشيكات )
     لقد تقدّم منا في بحث « بيع التقسيط » (2) جواز بيع الدين بأقل منه حالا ، وبما أنَّ الكمبيالة الحقيقية أو الشيك الحقيقي الذي يعبّر عن وجود قرض واقعي قد استلمه موقّع الشيك أو موقّع الكمبيالة ، فيكون الدائن هو من كتبت باسمه هذه الوثيقة ( السند ) لإثبات أنَّ المبلغ الذي تتضمّنه دين في ذمة موقِّعها لمن كتبت باسمه.
     (1) وسائل الشيعة : ج13 ، ب19 من الدين ، ح12 وإنّما عبّرنا عنها بالحسنة لأنّ طريق الشيخ الطوسي الس محمد بن أبي عمير حسن ، وقد عبّر عنها بالمرسلة لوجود طريق الصدوق بإسناده عن جميل بن دراج عن رجل. اذن الرواية لها طريقان أولهما حسن ، فهي حجّة عند مَنْ يعتبر الحَسَن.
     (2) البحث المقدّم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة المنعقدة بجدة سنة 1413 هـ ق.

(193)
    وهذه السندات لم تعتبر لها مالية كالأوراق النقدية ، بل هي مجرد سند إثبات ، فالمشتري عندما يشتري سلعة ويدفع الشيك أو الكمبيالة فهو لم يدفع ثمن البضاعة ، بخلاف ما إذا دفع ورقة نقدية.
     ولذا لو ضاعت الكمبيالة أو ضاع الشيك أو احترق عند البائع لم تفرغ ذمة المشتري ، بخلاف ما إذا احترق الورق النقدي الذي دفعه المشتري إلى البائع أو سُرِق أو ضاع.
     وعلى هذا يتبيّن أنَّ الشيك أو الكمبيالة هي : عبارة عن سند يثبت أن ذمّة الموقّع عليه مدينة بقدر المبلغ لمن صدر السند بأسمه. وعلى هذا فلا يوجد مانع من صحة بيع هذا الدين الكلي في ذمّة المصدِّر بأقل منه حالا للمصدِّر أو لغيره ، وقد قلنا فيما سبق إنّ هذا عقد يشمله ( أوفوا بالعقود ) أمّا إذا كان الثمن مؤجلا فهو لا يجوز ، بناءً على صدق بيع الدين بالدين هنا المنهي عنه.
     ولا بأس بالتنبيه الى أن صحة هذا العقد مشروطة بشروط :
     1 ـ أنْ لا يكون الدين من الذهب أو الفضة أو كل مكيل أو موزون ، لثبوت النهي عن بيع المكيل والموزون بأقل منه أو بأكثر.
     2 ـ أنْ لا يكون البيع نسيئة.
     وبما أن بيع الكمبيالة التي هي عبارة عن دين على ذمّة شخص ، بأوراق نقدية والبيع حالا فهو أمر جائز لا يشمله المنع ويشمله ( أوفوا بالعقود ) والروايات المؤيّدة لصحة هذا البيع ، ولكن ننبه الى أنَّ عملية بيع الدين بأقل منه تقترن بها مسؤولية المستفيد من البيع عن وفاء المدين للدين ، وعن وفاء المستفيد للبنك عند عدم وفاء محرِّر الكمبيالة أو الشيك ، ولذا نحتاج الى تخريج لهذه المسؤولية ، ولهذا نقول : يمكن تخريجها على أساس أن المستفيد ( البائع ) تعهد أمام البنك أو أمام المشتري بوفاء المدين للدين ، ووفائه هو عند عدم وفاء المحرر ، فيقبل المشتري ، ويكفي أنْ يصدق العقد على هذا التعهد وهذا القبول لأنّه يعتبر عقلائياً تحت


(194)
    سلطانهما معاً ، كما في الهبة التي اعتبرناها عقداً مع أنَّها مشتملة على تصرف الواهب مع قبول الموهوب له.
     فتبين أن عملية بيع الدين بأقل منه هي عبارة عن عقدين :
     الأول : بيع المستفيد من الشيك أو الكمبيالة التي تعبّر عن دين حقيقي في ذمّة مصدِّرها للمشتري بثمن أقل من الدين حالا.
     والثاني : تعهد وعقد من المستفيد بأداء المدين للمبلغ إلى المشتري ، وأداؤه هو عند عدم وفاء محرّر الكمبيالة.
     وهذا التعهد من المستفيد عقد ضمان صحيح شرعي ، دليله الارتكاز العقلائي مع ( أوفوا بالعقود ) ، وهو يختلف عن الضمان الذي هو ضم مسؤولية إلى مسؤولية ، أو نقل الدين من ذمّة الى ذمّة ، بل هو شيء آخر ينتهي الى استحقاق المشتري للمطالبة من الضامن فيما إذا امتنع المدين عن الوفاء لأنَّ هذا الامتناع معناه : أنَّ ما تعهد به الضامن ـ وهو اداء الدين للمشتري ـ لم يتحقّق ، بل تلف على المشتري ، وحينئذ يكون مضموناً على من تعهد به.
     والجدير بالاضافة هنا هو : أن مجمع الفقه الإسلامي قد قرر في دورته الثامنة جواز الأخذ برخص المذاهب فيما إذا كانت هناك حاجة الى هذا الأخذ لا لمجرد التلهي ، وهذه الرخصة قال بها الإمامية ، فيمكن للبنك أو للمشتري لهذه السندات التي تمثّل ديناً حقيقياً في ذمة موقّعها من شراء هذه الديون الحقيقية بثمن أقل حالا. وبهذا يكون للبنك الإسلامي أداة من أدوات الربح الشرعي والابتعاد عن الربا ، فيتمكن من شراء الديون التي في ذمّة الآخرين بأقل من قيمتها حالا ، كما يتمكن من بيع دينه على ذمّة الآخرين بالأقل إذا احتاج إلى السيولة النقدية.
     أمّا إذا كان السند الذي وقَّعه شخص لآخر ( شيكاً أو كمبيالة ) صورياً ولا يحكي عن وجود دين في ذمّة الموقع ـ وهو المسمى بالسند الصوري وكمبيالة المجاملة ـ وتقدم المستفيد لخصم قيمته من البنك أو من فرد آخر ، فحقيقته هو


(195)
    اقراض من البنك للمستفيد ، وتحويل المستفيد البنك الدائن على الموقع ، وهذا من الحوالة على البريء ، وعلى هذا فسوف يكون اقتطاع البنك شيئاً من قيمة الكمبيالة لقاء المدة الباقية محرَّم لأنّه ربا.

10 ـ الأوراق المالية : « اجرتها ، اقراضها ، رهنها »
     الأوراق المالية المقصودة هنا بالبحث هي الأسهم والسندات :
     1 ـ السهم : ونقصد به الصك الذي يمثل جزءاً من رأس مال الشركة المساهمة يزيد وينقص تبعاً لرواجها وعدمه ، وقد يسمى عند الاقتصاديين نصيباً أيضاً ، ولذا يعرّف بأنّه : نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال ، أو الجزء الذي ينقسم على قيمته مجموع رأس مال الشركة ، وكلامنا هنا يدور حول الأسهم العادية المتساوية القيمة والحقوق والواجبات وكانت تدور في نطاق المباحات.
     2 ـ السند : وهو صك يمثل جزءاً من قروض الحكومة أو الهيئات الرسمية أو غير الرسمية ، فيصدر الصك بقيمة ألف دينار الى أجل محدَّد ولكنه يباع بتسعمائة دينار نقداً ، وحينئذ يكون السند في حقيقته وثيقة بدين مع التزام المصدِّر بدفع نصيب من الفائدة في تاريخ محدد.
     ثم إنّ هذه الأوراق ( السهم والسند ) تصدر بقيمة محددة ، ولكنَّ اسعارها تتغيّر بعد ذلك كبقية السلع ، مثلا السهم له ثلاث قيم :
     1 ـ القيمة الأسمية : وهي التي تحدد للسهم عند انشاء الشركة ، فيكون مجموع القيم الاسمية يساوي رأس مال الشركة عند انشائها.
     2 ـ القيمة الحقيقية : وهي عبارة عن نصيب السهم من صافي اُصول الشركة بعد اعادة تقديرها وفقاً للاسعار الجارية بعد ملاحظة الارباح والديون.
     3 ـ القيمة السوقية : وهي عبارة عن القيمة التي يباع بها السهم ، وهذه القيمة


(196)
    مرتبطة بنجاح الشركة أو فشلها وبحسب رأس مالها الاحتياطي والظروف والأزمات المالية والسياسية والرغبة والدعاية وغير هذه الأمور ممّا هو دخيل في قيمة السهم السوقية.
     وهكذا الأمر بالنسبة للسندات ، فإنّ اسعارها تتغيّر بعد ذلك ، فيكون لها قيمة سوقية غير قيمتها الاسمية التي اشتريت بها (1).
     ولهذا السبب فإنَّ الناس ـ بما فيهم البنك أو الشركات ـ يقبلون على شرائها لغرض الربح الذي ينتج من الفرق بين قيمة الشراء والبيع ، كما أن الاحتفاظ بها يكون عبارة عن سيولة ، حيث يمكن تحويلها الى نقد بسرعة ، فهل هذا العمل صحيح شرعاً ؟
     الجواب : يوجد فرق بين السهم والسند ، فالسهم الذي يمثّل جزءاً من رأس مال الشركة المساهمة يكون بيعه وشراؤه جائزاً إذا كانت هذه الشركة تدور اعمالها في نطاق المباحات ، لأنَّ هذا السهم يمثل جزءاً من أعيان الشركة يجوز بيعه بأيّ ثمن أراد البائع بيعه.
     أمّا بالنسبة إلى السندات ففي واقعها هي ربا محرّم يمنع من التعامل به إلاّ في حدود خاصة وهي :
     (1) هناك اشتراك بين الأسهم والسندات في تساوي القيمة الأسمية لكل فئة ، وقابليتها للتداول وعدم قابليتها للتجزء ، ومع هذا يوجد فرق بين السند والسهم يتلخّص في هذه الأمور :
     أ ـ السند يعتبر شهادة دين على الشركة بينما السهم هو جزء من رأس المال.
     ب ـ السند يحصل صاحبه على الربا من دون أن يرتبط بربح الشركة أو خسارتها بخلاف السهم.
     ج ـ صاحب السند لا يشارك في إدارة الشركة بخلاف صاحب السهم.
     د ـ يحصل صاحب السند على قيمة سهمه وفوائده في الوقت المحدّد بخلاف صاحب السهم الذي ينتظر عادة تصفية الشركة للحصول على سائر أمواله.
     هـ ـ صاحب السند له ضمان على موجودات الشركة فيحصل على حقّه في حالات التصفية مقدّماً على صاحب السهم.

(197)
    1 ـ شراء سندات صدرت من أشخاص لا يؤمنون بالإسلام.
     2 ـ شراء سندات صدرت من بنوك حكومات لا تؤمن بالإسلام.
     والسبب في هذا المخرج هو ما ورد من الفتاوى والنصوص (1) التي تجوِّز التعامل بالربا مع الكافرين ( الذمي بشرط أن نأخذ منه الزيادة ) وهذه النصوص وإن كانت ضعيفة السند ولكن أخذ بها كل علماء الإمامية الذين يرون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف السند (2). وذهب الى هذا القول بعض علماء المسلمين من غير الإمامية كالامام الحنفي. وأرى أنَّه على وفق القاعدة إذا نظرنا الى حكم الكافر غير الذمّي ( الحربي ) الذي جوّز لنا الشارع قتله ، فكيف بأخذ المال منه بطريقة سلمية وباختياره!!
     وعلى كل حال فإنْ كان بيع هذه الأوراق صحيحاً بالقيود التي ذكرت له ، فهل يمكن للبنك أن يقوم بالتوسط لبيعها أو شرائها ؟
     (1) وسائل الشيعة : ج12 ، ب7 من أبواب الربا ، ح2 و ح3 و ح5.
     (2) أمّا الإمام الخوئي ( رحمه الله ) الذي لا يقول بأنّ عمل المشهور الفتوائي جابر لضعف سند الرواية ( حسب ما حقّقه في الاُصول ) فقد ذكر « جواز أخذ الربا من الكافر الحربي بعد وقوع المعاملة من باب الاستنقاذ » في رسالته العملية « منهاج الصالحين : ج2 ، ص61 مسألة 218 » فكأنّه يفرق بين الحكم الوضعي والتكليفي فقال بجواز أخذ الربا وضعاً بعد تمامية المعاملة ، أمّا نفس المعاملة الربوية مع الكافر الحربي فهي محرمة لأنّه تمسك بإطلاق « حَرَّم الربا ».
     ولكن الصحيح أن « حَرَّم الربا » غير شامل للحربي ، حيث أن الحرمة إنّما تكون لمن كان لماله حرمة بحيث لا يجوز التصرف فيه ، وأمّا الحربي الذي حكمه القتل فهو مهدور الدم فلا حرمة لدمه فضلا عن ماله فلا تشمله « حَرَّم الربا » فتكون منصرفة عنه ، وبهذا يكون أخذ الزيادة منه جائزاً بلا حاجة الى نص خاص وقد يقال : إنَّ دعوى الانصراف توجب الالتزام بجواز احراق أموال الكافر أو القائها في البحر باعتبار عدم حرمتها ، ولكن هذا لا يجوز لأنّه تبذير ، وحرمة التبذير لا تتأثر بعدم حرمة المال.
     والجواب : ان الانصراف المدعى هو لعدم حرمتها بحيث لا يجوز التصرّف فيها ، أمّا التصرف بنحو تكون حراماً من ناحية ثانية فهو أمر آخر.

(198)
    والجواب : أنَّ عملاء البنوك عندما يأمرون البنوك بشراء كمية من هذه الأوراق أو بيعها لهم ، يقوم البنك ـ بعد التأكّد من سلامة هذه الطلبات ـ بالاتصال بالبورصة مباشرة عن طريق ممثله أو بواسطة سماسرة الأوراق المالية ، لأجل الوقوف على سعر الأوراق لإنجاز عملية البيع أو الشراء بالسعر المتفق عليه ، والبنك من حقه أن يطلب أجراً أو جعلا على هذه العملية المشروعة.
     ولا بأس بالتنبيه على أن بيع أو شراء هذه الأسهم إنّما يكون بعد تكوّن الشركة كلها أو أغلبها من العينيات ( السلع والعروض ) وإن كان اساسها من النقد ، بناءً على أنَّ العبرة بالغالب لا بالقليل والتابع.
     وأمّا إذا كانت هذه الشركة تتعامل بالأوراق النقديّة فقط أو كان غالب عملها هو هذا ، فهل يجوز بيع السهم وشراؤه ؟ الجواب : نعم يصح إذا باع سهمه الذي هو من الأوراق النقدية المختلفة بورق نقدي واحد نقداً أو نسيئة ، حيث لا نشترط التقابض هنا ، كما ذهب الى ذلك المشهور ـ كما سيتّضح عند بحثنا للأوراق النقدية.
     أمّا بيع ورقة ونقده بنفس الورق فالارتكاز العرفي يقول : بأنَّه قرض لا يجوز الزيادة في رده ولو نسيئة.
     وهنا قد يطرح سؤال آخر ـ وهو المقصود بالبحث ـ وهو :
     هل يجوز تأجير الأسهم ؟ وهل يجوز اقراضها ؟ وهل يجوز رهنها وإعارتها ؟
     أمّا بالنسبة لتأجير السهم ، الذي هو : عبارة عن حصة من الشركة مشاعة ، فقد ذكر الفقهاء : « أن كل ما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه ، تصح إعارته وإجارته ، وينعكس في الاجارة كلياً دون الاعارة ، لجواز إعارة المنحة (1) مع أن المقصود منها هو اللبن ، ولا تبقى عينه ، ولا تصح اجارتها لذلك » (2) بعد أن كان ذلك بدليل ،
     (1) المنحة : هي الناقة التي تستعار للبنها.
     (2) شرح اللمعة الدمشقية ، للشهيد الثاني : ج4 ، ص331 ( كتاب الاجارة ).

(199)
    ولا يفرق فقهاء الإمامية بين الملك الخاص المتميز والمشاع حيث يمكن استيفاء المنفعة من الملك المشاع بموافقة الشريك ، فيدخل تحت قوله تعالى : ( أوفوا بالعقود ) وتشمله ـ أيضاً ـ خصوص اطلاقات الاجارة.
     نعم لا تسلّم العين إلى المستأجر إلاّ بإذن الشريك ، ولو أبى الشريك الإذن ، رفع المالك أمره إلى الحاكم الشرعي ليجبره على الإذن أو يأذن الحاكم الشرعي في التصرف إذا عاند الشريك.
     نقول : إنَّ كلامنا في تأجير السهم الذي هو حصة مشاعة من الشركة التي تعمل وفق إدارة لها ، وبما أن المستأجِر للسهم لا يريد استلام العين التي استأجرها ، بل يريد أن ينتفع بحاصلها الذي يُعلم في ضمن سنة مثلا ، فقد انتفى مشكل تسليم العين إلى المستأجر إذا لم يوافق الشريك ، وقد عرفنا أنَّه لا يمنع من صحة الاجارة للمشاع.
     ولكن لا يتمكن هذا المستأجر لهذه الحصة أن يؤجرها الى غيره بأكثر مما استأجرها ، ليأخذ الفارق بين الأجرتين بدون عمل يبرر هذا الأخذ ، وهذا يختلف عن حصول المستأجر على ربح السهم المشاع إذا سُلِّم إليه وكان أكثر من مال الاجارة ، إذ أنَّ المستأجر قد استحق حصة السهم المشاع من الربح المتلبس بالأعيان ، وقد قُدِّرت هذه بالنقد الورقي ، فكأنَّ المستأجر حينما يستلم النقد الورقي قد باع ربح السهم المشاع الذي استأجره ، والمتلبس بالأعيان بالنقد الورقي أو بادله بذلك فلا ينطبق عليه أنَّه ربح بدون عمل ، بل انَّ أمواله النقدية قد حوّلها الى منافع السهم المشاع ، وقد حصلت وبادلها بالنقد ، فيكون كالمشتري للدار التي يربح من بيعها ولو لم يعمل فيها عملا.
     وأمّا بالنسبة لرهن السهم : فكذلك لا يوجد اشكال في ذلك ، لأنّ رهن السهم عبارة عن رهن الحصة المشاعة من الشركة عند آخر لأجل التوثيق للدين ، ورهن السهم هنا لا يحتاج إلى تسليمه إلى المرهون عنده حتى نحتاج الى رضا


(200)
    الشركاء ، بل معناه تسجيل الحصّة في قائمة الحصص الممنوعة من البيع والاجارة والهبة والأرث إلاّ بعد سداد الدين للمرتهن الذي رهنت الحصة عنده. وان لم يدفع الراهن ما عليه عند تمامية مدة الدين يكون الحق للمرتهن من بيع هذه الحصة المشاعة وسداد مقدار دينه وارجاع الباقي إلى الراهن ، وهذا شيء صحيح يجري في كلّ عين مرهونة سواءٌ كانت محددة ومشخّصة أو مشاعة ، وقد ذكر الفقهاء في شرط الرهن : « أن يكون عيناً مملوكة يمكن قبضها ويصح بيعها » (1).
     وعلى هذا فهل يمكن قبض الحصة المشاعة ؟
     الجواب : نعم يصح قبضها بإذن الشريك ، فيقبض المرتهن الحصة المشاعة ويمنع الراهن من التصرف فيها الى سداد الدين وفك الرهن.
     أمّا بالنسبة لاقراض هذه الأسهم للغير ، فلا تخرج عن كونها إمّا أن تحسب من الأعيان المثلية أو القيمية ، والقاعدة هي جواز اقراضها للغير وهو معنى تمليكها مع الضمان ، ونطبق عليها قواعد القرض ، فإنْ كانت مثلية فيجب عليه إرجاع مثلها ، وإن كانت قيمية فيجب عليه ارجاع قيمتها حين اقترضها كما هي القاعدة في باب القرض.
     والخلاصة : أنّ السهم الذي هو عبارة عن حصَّة مشاعة في الشركة يترتب عليه جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاً للمالك ، من بيع وهبة وإعارة وإرث وإجارة وغيرها. ولا نحتاج لأجل إحكام العقد الذي حصل بين المالك والمشتري والواهب والمستأجر مثلا من قبول الجهة المصدِّرة للسهم البائعة له بعد أن كان السهم ملكاً لغير هذه الجهة إلاّ إذا اشترطت الجهة المصدِّرة والبائعة له أن يكون الانتقال بإذنها ، فإنَّ «المسلمون عند شروطهم » يوجب أخذ الإذن من الشركة في كل هذه التصرفات إلاّ الارث الذي هو حكم شرعي نافذ ولو بدون رضا المصدِّر
     (1) المصدر السابق : ص65 كتاب الرهن.

بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: فهرس