بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 241 ـ 250
(241)
    وأمّا أهل السنّة : فقد اشترطوا في آلة الذبح أن تكون محدّدةً بحيث تنهر الدم إذا فري الأوداج بها ( سواء كانت من الحديد أو غيره حتى الليطة أو الحجر المحدد بشرط أن لا تكون سنّاً أو ظفراً ) على خلاف في السنّ والظفر على ثلاثة أقوال.
     ودليلهم : هو ما رواه رافع بن خديج عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حيث قال : « ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنّاً أو ظفراً » (1).

التذكية بالمكائن الحديثة
     وبعد هذه المقدّمة في معنى التذكية وبيان شروطها الشرعية فهل يطلق على الذبح بالمكائن الحديثة الذكاة الشرعية ، أو لا يمكن أن يطلق عليها ذلك ؟
     والجواب : يمكن أن تطرح عدّة إشكالات ليستنتج منها عدم تحقّق التذكية أو عدم تحقّق الشروط المعتبرة فيها ، والاشكالات هي (2) :

الإشكال الأول : انتساب الذبح للآلة :
     من حيث إنّ الذبح إذا تمّ بالماكنة الحديثة يكون الانتساب إلى الآلة قهرياً ، بينما ذكرت الآية القرآنية في حلية الأكل من الذبيحة أن يكون انتساب التذكية إلى الإنسان ، فقد قال تعالى : ( حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اُهلّ لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنطيحة وما أكل السبع إلاّ ما ذكيتم ... ) (3).
     (1) راجع المغني : ج11 ، ص43 ، وعقد الجواهر الثمينة : ج1 ، ص586 ـ 587.
     (2) ذكر أكثر هذه الإشكالات آية الله السيد محمود الهاشمي في مقالته حول الذبح بالمكائن الحديثة المنشورة في مجلة فقه أهل البيت ( عليهم السلام ) العدد الأول.
     (3) المائدة : 3.

(242)
    هذا ، بالاضافة إلى أن التذكية هي فعل الإنسان فلا تصدق بفعل غيره ، وقد دلّت على ذلك الروايات الدّالة على أنّه لا يكفي في الحلية زهاق روح الحيوان من قبل نفسه أو بفعل حيوان آخر ولو بقطع مذبحه وأوداجه ما لم يدركه الإنسان فيذكيه ، فعن أبي بصير عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لا تأكل من فريسة السبع ولا الموقوذة ولا المتردّية إلاّ أن تدركها حية فتذكيه » (1).

الإشكال الثاني : عدم تحقّق التسمية :
     وذلك لوجود الفاصل الزمني بين ذبح الحيوان وبين زمان تشغيل الآلة ، أو ربط الحيوان بها إذا صدرت التسمية من الذابح حين تشغيل الآلة أو ربط الحيوان بها لأجل الذبح ، إذ يكون الذبح بلا تسمية حين صدوره.

الإشكال الثالث : عدم تحقّق الاستقبال :
     وهذا الاشكال مبني على اشتراط الاستقبال في حليّة الذبيحة ، إذ لا يحصل عندالذبح بالماكنة توجيه مقاديم الذبيحة إلى القبلة ، أو وضعها على الجهة اليسرى متوجّهة للقبلة.

الإشكال الرابع : الذبح بغير الحديد :
     وهذا الاشكال هو في صورة كون الذبح بالماكنة المشتملة على آلة الذبح بغير الفلزّ المعروف.
     (1) وسائل الشيعة : ج16 ، ب19 من الذبيحة ، ح5 وغيره.
(243)
الإشكال الخامس : وهو قطع المنحر :
     وهذا الإشكال نتيجة وجود الروايات الناهية عن قطع المنحر ، فتكون الذبيحة محرمة لذلك.

الاجابة عن الإشكالات الخمسة :
     أما الاشكال الأول ـ وهو انتساب الذبح للآلة لا للانسان ـ فلا أرى له وجهاً بعد صدق عنوان الذبح بالماكنة ، إذ أنّ الانتساب إلى الفاعل عرفاً يكفي فيه أن يحصل الذبح بفعل الإنسان ويترتّب عليه ترتّباً طبيعياً ، ولذا يصدق القتل وينسب إلى الإنسان إذا سدّد رصاصته من بندقيته ، فحكم الماكنة التي يشغّلها الإنسان لأجل الذبح هو حكم البندقية والسكينة التي تفعل القتل أو الذبح ، فيصدق عنوان القاتل أو الذابح على الإنسان إذا حصلت النتيجة بفعله من دون تخلل شيء بين عمله وبين حصول النتيجة ، وكانت النتيجة قهرية لعمله.
     وأمّا الاشكال الثاني ـ وهو عدم تحقّق التسمية من الذابح ـ فجوابه : أنّ الظاهر من أدلّة اشتراط التسمية هو حصولها حين الشروع في الذبح الذي هو عمل اختياري للفاعل ، وإن تحقّق الذبح في الحيوان متأخّراً عن ذلك زماناً. وبما أنّ الذبح في الماكنة يكون الشروع فيه عند تشغيلها أو عند تعليق الحيوان على الشريط السيّار المؤدي إلى الذبح فإنّ التسمية في هذا الحين تكون تسمية عند الشروع في الذبح ، فيصدق أنّه سمّى حين الشروع في الذبح.
     ومثل هذا ما ورد في الصيد الذي اشترطت التسمية فيه حين رمي السهم أو إرسال الكلب المعلَّم ، مع أنّ الإصابة متأخرة زماناً عن ذلك ، على أنّ الفاصل الزمني إذا كان قصيراً فيعدّه العرف بحكم المتصل بزمان الذبح ، فيشمله اطلاق ذكر اسم الله عليه.
     ويمكن أيضاً التخلص من هذا الاشكال بتكرار الذابح للتسمية إلى حين حصول الذبح بالماكنة.


(244)
تنبيهان :
     الأول : بما أنّ الذبح بالماكنة يستوجب تشغيل عمال عديدين لأجل انجازالعمل ، وأنّ التسمية لابدّ أن تكون من الذابح فمن هو الذابح الذي يجب عليه التسمية لأجل حليّة الذبيحة ؟
     الجواب : أنّ تعيين الذابح في الماكنة يكون بتعيين الشخص الذي يتحقّق على يده الجزء الأخير من سبب الذبح ، فلو فرضنا أنّ شخصاً معيناً شغّل الماكنة وجاء آخر وأخذ بتعليق الذبائح على الشريط المتحرك لأجل الذبح فإنّ هذا الشخص الأخير يعدّ هو الذابح الذي يتحقّق الذبح بعد عمله ، فيجب عليه التسمية ، كما أنّنا فرضنا أنّ شخصاً أخذ بتعليق الذبائح والشريط ساكن ، ثم جاء آخر وشغّل الماكنة لأجل الذبح ، فإنّ هذا الشخص الأخير المحرك للماكنة يعدّ هو الذابح الذي يتحقّق الذبح بعد عمله ويترتّب عليه ترتّباً طبيعياً.
     إذن يجب التسمية على مَنْ يحقّق الجزء الأخير الذي يحصل الذبح بعده (1).
     الثاني : إذا كانت الذبائح المعلّقة على الشريط الدائري للذبح كثيرة فهل يكفي تسمية واحدة عليها جميعاً ، أو لابدّ من تعدد التسمية بتعدد الذبائح ؟
     والجواب على هذا التساؤل يختلف باختلاف الماكنات المعدّة للذبح ، فإن كانت الماكنة المعدّة للذبح تذبح أعداداً كبيرة مرّة واحدة فيكفي للحلّ تسمية واحدة لصدق اسم الله عليها.
     (1) وهذا شيء عرفي يمكن تشبيهه بالمدفع الذي يكون وضع القذيفة فيه موجبة لاطلاقه ، فإنّ المطلق للقذيفة هو الواضع لها. أمّا المدفع الذي يكون وضع القذيفة فيه غير كافية لاطلاقها ، بل لابدّ من سحب آلة معينة لاطلاق القذيفة ، فإنّ المطلق للقذيفة هو الساحب للآلة المعيّنة التي يحصل الاطلاق بعدها.
(245)
    أمّا إذا كانت الماكنة المعدّة للذبح تذبح أعداداً كبيرة بالتدريج ، فلا يكفي للحِلِّ تسمية واحدة ، لأنّه لا يصدق عليها حين الذبح أنّها ممّا ذكر اسم الله عليها. نعم ، يصدق عليها ذكر اسم الله تعالى قبل الذبح ، وهو غير كاف في حلّية الذبيحة ، وحينئذ لابدّ من تكرار الذابح للتسمية على كل ذبيحة حين الشروع في ذبحها.
     وأمّا الإشكال الثالث ـ وهو عدم تحقّق الاستقبال للقبلة في الذبيحة حين ذبحها ـ فجوابه : إمّا بناءً على اشتراط الاستقبال ( كما ذهب إليه الإمامية وبعض من غيرهم كما تقدّم ) فيكفي فيه أنّ تكون مقاديم الذبيحة حين الذبح أو يكون منحرها مواجهاً للقبلة ، فإنّه يصدق عليه أنّه ذبح لجهة القبلة. وإمّا أن يكون مضجع الذبيحة حين الذبح على شمالها أو يمينها فهذا ليس عليه أي دليل.
     وعلى هذا فيكفي في صدق استقبال القبلة بالذبيحة أن يكون الذبح بشكل عمودي على أن توجّه المقاديم أو المنحر إلى القبلة.
     وإمّا بناء على عدم اشتراط الاستقبال في حليّة الذبيحة ، بل هو سنّة باعتبار أنّ جهة القبلة أفضل الجهات ، فلا إشكال في أصل عدم استقبال الذبيحة القبلة أيضاً.
     وأمّا الإشكال الرابع ـ وهو أنّ الذبح بالماكنة يكون بغير الحديد من الفلزات الاُخرى ، وقد ورد أنّ الذبح لا يكون إلاّ بالحديد ـ فجوابه ما تقدّم من أنّ المراد بالحديد هو الحادّ في مقابل الذبح بشيء ليس بحادّ ، كالقصبة أو الحجارة أو غيرهما ممّا لا يكون حاداً في ذلك الزمان ، ولذا نجد الروايات ـ والفقهاء تبعاً لها ـ قد جعلت الحديد في مقابل الزجاج والحجر والقصب ، ولم تجعله في مقابل بقية الفلزات ، حتى يفهم من الفلز الخاص المعروف (1).
     (1) راجع عبارة المبسوط : ج6 ، ص263 ، وموسوعة الينابيع الفقهية : ج21 ، ص98 ـ 290 من كتاب المهذب والغنية والوسيلة والشرائع والمختصر النافع والجامع للشرائع والقواعد واللمعة وغيرها.
(246)
    وأمّا بناءً على ما ذهب إليه مشهور علماء الإمامية فلا يرتفع الاشكال إلاّ بأنّ تكون الآلة الذابحة من جنس الحديد ( الفلز الخاص ) ، فإذا حصل هذا فلا اشكال من ناحية الذبح بالآلة عند الفريقين.
     وأمّا الإشكال الخامس ـ وهو أنّ الذبح بالماكنة يؤدّي إلى قطع الرأس عمداً وقد نهي عنه ، فتكون الذبيحة محرّمة ـ فجوابه : أنّ النهي الوارد في إبانة الرأس عمداً في صحيحة محمد بن مسلم (1) عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) إذ قال : « لا تقطع الرقبة بعدما تذبح » قد اختلف الفقهاء في افادته للحرمة ، فذهب جمع إلى الكراهة ، وذهب بعض إلى الحرمة.
     ولكنّ الصحيح على كلا التقديرين عدم حرمة الذبيحة بهذا الفعل. فقد ذكر الشهيد الثاني في الروضة البهية فقال : « ويكره إبانة الرأس عمداً حالة الذبح ، للنهي عنه في صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « لا تنخع ولا تقطع الرقبة بعدما تذبح » وقيل ـ والقائل الشيخ في النهاية وجماعة ـ بالتحريم لاقتضاء النهي له مع صحّة الخبر وهو الأقوى. وعليه هل تحرم الذبيحة ؟
     قيل : نعم ، لأنّ الزائد عن قطع الاعضاء يخرجه عن كونه ذبحاً شرعياً فلا يكون مبيحاً ، ويضعّف بأنّ المعتبر في الذبح قد حصل ، فلا اعتبار بالزائد ، وقد روى الحلبي في الصحيح عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) حيث سئل عن ذبح طير قطع رأسه أيؤكل منه ؟ قال : « نعم ، لكن لا يتعمّد قطع رأسه » وهو نصّ ، ولعموم قوله تعالى : ( فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه ) فالمتجه تحريم الفعل دون الذبيحة (2).
     وقد ذهب مشهور أهل السُنَّة إلى حلّية الذبيحة بهذا الفعل ، فقد ذكر في
     (1) وسائل الشيعة : ج16 ، ب15 من الذباحة ، ح2.
     (2) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : ج7 ، ص234 ، جواهر الكلام : ج36 ، ص120 ـ 123.

(247)
    المغني قائلا : « ولو ضرب عنقها بالسيف فأطار رأسها حلّت بذلك. نصّ عليه أحمد فقال : لو أنّ رجلا ضرب رأس بطة أو شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكله. روي عن عليٍّ ( رضي الله عنه ) أنّه قال : « تلك ذكاة وحية ». وأفتى بأكلها عمران بن حصين ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري. وقال أبو بكر : لأبي عبد الله فيها قولان ، والصحيح أنّها مباحة ، لأنّه اجتمع قطع ما تبقى الحياة معه مع الذبح فاُبيح كما ذكرنا ، مع قول من ذكرنا قوله من الصحابة من غير مخالف » (1).
    النتيجة : وبما تقدّم من ردّ الاشكالات الخمسة على طريقة الذبح بالمكائن الحديثة يتّضح أنّه لا اشكال في الذبح بالماكنة إذا حصلت التسمية من الذابح مع توجيه مقاديم بدن الذبيحة إلى القبلة إذا كان الذابح مسلماً على رأي مشهور الإمامية ، وحتى لو كان كتابياً على رأي مشهور أهل السُنَّة ، وكانت الشفرة ( السكين ) من جنس الحديد على رأي مشهور الإمامية ، أو من غير جنس الحديد على ما ذكرنا ، وذلك لتوفّر شروط حليّة الذبيحة.
نعم هناك إشكالات اُخر ، هي :
     1 ـ إنّ الغالب في هذه الطريقة أن يجتمع معها الصعق بالكهرباء قبل وصول الحيوان إلى الآلة الذابحة بوقت قصير; لغرض أن يكون الحيوان مشلولا ومنعدم الحركة ، فإذا اضفنا إلى ذلك قول المتخصّصين بأنّ بعض الحيوانات يموت بهذا الصعق فحينئذ يحصل عندنا علم اجمالي بموت بعض الحيوانات قبل إجراء التذكية لها ، وبهذا لا يمكن الحكم بحلّ اي ذبيحة من هذه الحيوانات التي نعلم بحصول ميتة فيها وهي شبهة محصورة.
     2 ـ إنّ الذبيحة المعلّقة على الشريط الدوّار ليست كلّها على نسق واحد من ناحية الطول ، وحينئذ فقد تضرب الآلة الحادّة موضع الذبح وقد تضرب الرأس
     (1) المغني لابن قدامة : ج11 ، ص50.
(248)
    نفسه أو الصدر ، وحينئذ لا تكون كل الحيوانات مذكاة لحصول علم اجمالي بقتل بعضه بما ليس ذبحاً شرعياً.
     وحينئذ لا يمكن الحكم بحل هذه الطريقة إلاّ إذا تأكّدنا من أنّ الحيوان الذي صعق بالكهرباء لم يمت وقد ذبحته الآلة الحادة في موضع التذكية.

طرق اُخرى للتذكية (1) :
     هناك طرق اُخرى قديمة وحديثة متداولة لازهاق الروح ، لابدّ من تسليط الضوء عليها لمعرفة أنّها هل تعتبر تذكية شرعية يمكن الحكم بحلية الحيوان الذي وقعت عليه أم لا ؟
     وقبل البدء في تعداد هذه الطرق بصورة مختصرة نذكر بأنّ التذكية الشرعية وشروطها التي تقدّمت هي عبارة عن قطع الأوداج الأربعة من قبل مسلم بآلة حادة مستقبلا للقبلة مع التسمية ( ذكر اسم الله على الذبيحة ) ، وقد ذكر الاطباء فوائد مهمّة صحّيّة لهذه العملية التي هي في العرف الطبي عبارة عن صدمة نزيفية تجتذب كل الدم السائل إلى الدورة الدموية واخراجه من خلال العروق المقطوعة حتى يتوقّف القلب وينقطع النفس.
     أمّا ما هي الطرق الاُخرى للتذكية ؟ فالجواب :

1 ـ تدويخ الحيوان قبل الذبح :
     وهي على صور :
     أ ـ تدويخ الحيوانات الكبيرة كالماشية والخيول; وذلك بضرب العظم الجبهي للحيوان بمطرقة ضخمة تحدث ألماً شديداً للحيوان وتفقده الوعي وينهار مباشرةً ثم
     (1) هذه الطرق اعتمدنا في توضيحها على بحث « الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة » للدكتور محمد الهوادي الاستاذ بجامعات المانيا من ص21 ـ 25.
(249)
    يتم تذكيته باليد.
     وهذه الطريقة قديمة قد تخلّت عنها المجازر الحديثة واستبدلتها بطرق حديثة للتدويخ سنشير إليها.
     ب ـ تدويخ الحيوان بواسطة المسدس الواقذ (1) الذي يحدث ثقباً في جوف الجمجمة ( دماغ الحيوان ) يؤدّي إلى فقدان الوعي بشكل فوري نتيجة لتخريب جزء من البنية الحيّة من الدماغ وهذا هو المسدس الواقذ الابري. وهناك قسم من المسدسات تحدث انهداماً في العظم الجبهي يفضي إلى فقدان الوعي ، وهذا هو المسدس الواقذ الكروي.
     ج ـ التدويخ بالصدمة الكهربائية : وهي طريقة حديثة نصّ عليها القانون البرطاني ( سنة 1958م ) تستعمل في بعض الحيوانات كصغار العُجول والشياة والأرانب ، وخلاصتها : إمرار تيار كهربائي ذي شدة معينة ولمدّة ثابتة إلى صدغي الحيوان يحدث فقدان الوعي مباشرة ، ثم يحدث طور من التقلص العضلي المزمن قبل الارتخاء التام (2).
     وقد نقل أن في نهاية الثمانينات من القرن العشرين تستخدم المجازر النيوزيلندية الصدمة الكهربائية لتدويخ الماشية; وذلك باستعمال تيار كهربائي شدته ( 5/2 أمبير ) يؤدّي إلى توقف القلب.
     د ـ التدويخ بغاز ثاني اوكسيد الكاربون : وهي طريقة قد يلجأ إليها لتدويخ الشياه والماشية ، استعملت في احدى المصانع المحلية بأمريكا سنة 1950م ثم انتقلت
     (1) هناك نوعان من المسدسات الواقذة : النوع الأول مسدس واقذ إبري ، بمعنى أن يكون المتفجر الناري يدفع سهاماً تصادمية تنتهي برأس ابري. والنوع الثاني : مسدس واقذ كروي ، بمعنى أن يكون رأسه التصادميّ ينتهي بكتلة نصف كروية.
     (2) لقد عدّل استخدام هذه الطريقة في الطيور والدواجن سنة 1970م بامرارها في حمام مائي مكهرب ليجمع لها الغرق والصعق.

(250)
    إلى الدانمارك ثم شملت معظم الدول الأوروپية ، وخلاصتها : حبس الحيوان في بيئة هوائية تحتوي على 70% من غاز ثاني اوكسيد الكاربون فيبقى الحيوان محتفظاً بوعيه خلال عشرين ثانية ، ثم يحدث فقدان الوعي مباشرة ، وتتبعه منعكسات حركية تستمر لمدّة عشر ثوان ، ثم تحدث حالة الارتخاء العضلي إذا حصلت حالة التخدير العميق ، وتستمر هذه الحالة عادة من دقيقتين إلى ثلاث دقائق ، ولا يؤدّي هذا التخدير العميق بواسطة غاز ثاني اوكسيد الكاربون توقّف القلب إلاّ في حالات نادرة.
     وفي حالة التدويخ يلاحظ أنّ زمن النزف للدم أطول من الوقت المعتاد بدون تدويخ.
     هـ ـ التخدير قبل الذبح بواسطة مادّة مخدرة كالبنج بشكل حقن أو بتقديم طعام فيه مادّة البنج.

2 ـ الخنق بالطريقة الانجليزية :
     وهي طريقة تعتمد على خرق جدار الصدر بين الضلعين الرابع والخامس ، ومن خلال هذا الخرق ينفخ بمنفاخ فيختنق الحيوان نتيجة لضغط هواء المنفاخ على رئتي الحيوان ، وهذا الاختناق يحول دون نزيف الدم وإنهاره (1).
     (1) اقول : إنّ ما تقدّم من العمليات التدويخية التي تسبق عملية الذبح إنّما هو لأجل أن لا يشعر الحيوان بالألم والضيق اثناء الذبح ، فهم يعتبرون أن تدويخه بالصور المتقدّمة أو خنقه بالطريقة الانجليزية ليس فيها أي ألم أو ضيق على الحيوان ، إلاّ أنّ هذا الرأي مخالف لرأي كثير من العلماء الذين يعتقدون بأنّ هذه العمليات حتى التدويخية المتطوّرة فيها ضيق شديد وألم على الحيوان. ولعلّي أقطع بأنّ اتباع الأداب الشرعية في الذبح أسهل على الحيوان من هذه العمليات التدويخية أو الخنقية أو الغرقية. على أن القوانين الغربية التي لا تُجيز تسويق لحوم الحيوانات الميتة لا تشترط بوضوح في طريقة التدويخ أن لا يؤدّي إلى موت الحيوان قبل الذبح ، وطريقة الخنق الانجليزية شاهد على ذلك.

بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: فهرس