بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 261 ـ 270
(261)
    5 ـ هل يستحب الاجتناب عن مشكوك الذابح ؟
     بعد أن ذكرنا حلية أكل اللحم المشكوك ذابحه « أو المشكوك حلية أكله من ناحية الشبهة الموضوعية » فهل يوجد دليل على استحباب اجتنابه ؟
     والجواب على ذلك : أنّ الشيخ الأنصاري ( قدس سره ) ذكر حسن الاحتياط بترك الأكل ، حيث إنّ الاحتياط حسن عقلا وراجح شرعاً في كل موضع لا يلزم منه الحرام ، وما قيل من أنّ الاحتياط يلزم منه العسر والحرج واختلال النظام فإنّه في صورة وجوب الاحتياط ، لا في حسنه واستحبابه (1) ، وعليه فيستحب اجتناب اللحم المشكوك ذابحه بلا كلام.
     هذا ، وقد ذكر صاحب الجواهر ( قدس سره ) : أنّ « ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم والجلود يجوز شراؤه ، ولا يلزم الفحص عن حاله أنّه جامع لشرائط الحلّ أو لا ، بل لا يستحب ، بل لعلّه مكروه; للنهي عنه في صحيحة الفضلاء (2) « سألوا الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن شراء اللحم من الأسواق ولا يدرون ما صنع القصابون ؟ فقال ( عليه السلام ) : كُلْ إذا كان ذلك في أسواق المسلمين ولا تسأل عنه » (3). وعلى هذا فيكره السؤال عما وجد في أرض المسلمين يباع ويشترى ، وهذا لا ينافي استحباب الاجتناب ، كما هو واضح.
     (1) فرائد الاُصول ( رسائل الشيخ الأنصاري ) : ج1 ، ص376.
     (2) الفضلاء هم : « زرارة والفضيل بن يسار ومحمد بن مسلم ».
     (3) جواهر الكلام 36 : 138 ، وصحيحة الفضلاء مصدرها الوسائل : ج16 ، ب29 من الذبائح ، ح1.

(262)
     الأصل العملي :
     إنّ ما تقدّم كان عبارة عن الأدلّة الدالة على حلية أكل لحم ما جهل اسلام ذابحه ممّا حلّ أكل لحمه. وأمّا هنا فنريد أن نثبت أنّ الأصل العملي ـ الذي يُلجأ إليه في حالة عدم قيام دليل في المسألة ـ يؤدّي إلى نفس نتيجة ما ادّى إليه الدليل ، حيث إنّ ادلة البراءة عن حرمة الأكل في ما نحن فيه جارية ، فيحلّ الأكل كما تجري قاعدة الطهارة أيضاً ، كما قرر ذلك في الشبهة الموضوعية (1).
     إشكال : لقد قرّر المشهور من علماء الإمامية أنّ الشبهة الموضوعية المحكومة بالحلية والطهارة إنّما تجري فيما إذا لم يكن أصل موضوعي يقتضي الحرمة ، أمّا في موردنا فتوجد اصالة عدم التذكية التي تقتضي حرمة اللحم ونجاسته على المشهور ، فيحكم على أصالة الإباحة ويتقدّم عليه.
     والجواب : لقد ذكر السيد السبزواري ( قدس سره ) في مهذب الأحكام فقال : « إنّ أصالة عدم التذكية لا تجري في المقام : إمّا للعلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة وهي عدم الذبح ، أو لما تقدّم من الأخبار في جواز الأكل » (2).
     وإذا لم تجر اصالة عدم التذكية فتبقى اصالة البراءة تقتضي عدم حرمة الأكل فيما نحن فيه.
     ولكن نقول : إذا استندنا إلى الأخبار في تكميل البراءة فلا حاجة إلى الأصل العملي حينئذ ، لعدم الشك في التذكية.
     وأمّا إذا غضضنا النظر عن الأخبار ولم تجر اصالة عدم التذكية للعلم الاجمالي بانتقاض الحالة السابقة ـ كما قرره السيد السبزواري ـ فتجزي اصالة الإباحة بلا مانع ، لعدم جريان اصالة عدم التذكية.
     ولكن الصحيح والمشهور أنّ اصالة عدم التذكية تجري وتتقدّم على أصالة
     (1) فرائد الاُصول : ج1 ، ص368 ـ 370.
     (2) مهذب الأحكام : ج5 ، ص276.

(263)
    الإباحة ، وذلك لأنّ الشارع المقدّس حرّم علينا ( الميتة والدم ... إلاّ ما ذكيتم ) (1) ، وحينئذ يكون الأصل في الحيوان عدم التذكية ، إلاّ أنّ تثبت تذكيته بأمارة معتبرة ، لأنّ التذكية أمر وجودي ، سواء كانت عبارةً عن الأفعال المخصوصة (2) ، أو شيئاً بسيطاً حاصلا منها ، فيستصحب عدمها عند الشك فيها ، وهو معنى اصالة عدم التذكية.

حكم اللحوم المستوردة :
     لا حاجة للبحث عن حكم اللحوم المستورَدة من البلاد الإسلامية التي تكون لحومهم بأيديهم يتصرفون فيها ويستعملونها في ما يشترط فيه الطهارة ، حيث يكون الحكم هو حلية الأكل كما هو واضح. إنّما الكلام في اللحوم المستورَدة من بلاد الكفر ( الذي يكون كل أهلها أو أكثرهم كفاراً ) وهذا البحث يشمل حكم اللحوم التي تكون بيد الكفار أو أرضهم أيضاً.
     أقول : إنّ الأصل الذي هو عدم التذكية ـ حيث إنّ التذكية أمر وجودي كما تقدّم فإذا شككنا في حصوله فالأصل عدمه ـ محكّمٌ هنا بلا إشكال ، وهو يقتضي بطلان المعاملة عليها إذا لم يكن لها منفعة محلّلة غير الأكل ، وحرمة أكلها واستعمالها ونجاستها على المشهور ، وبما أنّه لا توجد هنا أمارة تتقدّم على هذا الأصل ـ كيد المسلم مثلا ـ فيبقى أصل عدم التذكية محكّماً ، وهو يقتضي حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة في الجلد المستورد ونجاستها على المشهور ، حيث نكون قد عرفنا الحرام من جهة الأصل.
     (1) المائدة : 3.
     (2) من فري الأوداج مع التسمية ، واسلام الذابح ، وخروج الدم بالصورة المتعارفة مع التوجّه بالذبيحة إلى القبلة ، وغيرها ممّا اشترطه الشارع المقدّس.

(264)
    بل توجد بعض الروايات التي يستفاد منها الحكم بعدم التذكية المعاضد للأصل مثل :
     1 ـ موثق اسحاق بن عمار عن العبد الصالح ( الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ) انّه قال : « لا بأس بالصلاة في الفِراء اليماني وفي ما صنع في أرض الإسلام. قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال ( عليه السلام ) : إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس » (1).
     ومفهومها وجود البأس في ما صنع في أرض الكفر ، بضميمة عدم الفرق في استعمال ما يصنع أو أكل ما يوجد عندهم ، أو بأن يكون الأكل من مصاديق الاستعمال الذي هو موجود في الرواية ، لأنّ الكلام عن الصلاة ، فاللباس في الصلاة هو استعمال للملبوس.
     2 ـ رواية اسماعيل بن عيسى ، قال : « سألت الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف ؟ قال ( عليه السلام ) : عليكم انتم أن تسألوا إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه » (2).
     ومنطوق الرواية يقول : إذا رأينا المشركين يبيعون ذلك فعلينا أن نسأل ، ولا يفيد السؤال هنا إلاّ في صورة حصول العلم بالتذكية أو الحجّة الشرعية بها ، لعدم حجية خبر الكافر ، وحينئذ في صورة الشك في التذكية فالأصل
    عدمها.
     (1) وسائل الشيعة : ج2 ، ب50 من النجاسات ، ح5.
     (2) وسائل الشيعة : ج2 ، ب50 من النجاسات ، ح7.
     الحديث : رواه الصدوق بسنده عن اسماعيل بن عيسى ، والسند معتبر إلاّ أن الكلام في نفس اسماعيل ابن عيسى فهو لم يوثّق.

(265)
    ولنفس النكتة يحكم بعدم التذكية لما وجد في يد الكافر وإن كان في أرض المسلمين ، وكذا الحكم في اللحم المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين ، أو المطروح في أرض المسلمين إذا لم يكن عليه أثر الاستعمال.
    وبالجملة : كل مشكوك الذبح إذا لم توجد قرينة يد المسلم الدالة على الحلّية يحكم فيه بأصالة عدم التذكية (1) ، ولا نرى ضرورةً للتنبيه على أنّ هذا الحكم ليس مختصاً باللحوم ، بل يجري في الشحوم والجلود أيضاً ، فيكون الحكم فيها جميعاً هو الحرمة وعدم جواز الصلاة في الجلود.

المأخوذ من يد المسلم إذا علم أنّه قد أخذه من يد الكافر :
     إنّنا إذا علمنا أنّ تلك اللحوم التي في يد المسلم قد اخذها المسلم من يد الكافر ـ كما هو المتعارف في هذه الأيام في الدول الإسلامية ـ فهل تجري القرينة السابقة على التذكية وتقدّم على أصالة عدم التذكية ؟
     والجواب : أنّ يد المسلم إذا كانت مسبوقة بيد الكافر تكون على أقسام :
     القسم الأول : ما إذا علمنا إجمالا باشتمال يد الكافر على المذكّى وغيره ، كما إذا كان في بلاد الكفر نسبة معتبرة من المسلمين ، وكان هذا الكافر يحصل على اللحوم والجلود من المسلمين وغيرهم ، أو كان هذا الكافر يستورد الجلود واللحوم
     (1) قد يقال : إنّ خبر السفرة ينافي ذلك ، فقد روى النوفلي عن السكوني عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « أنّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة ، كثير لحمها وخبزُها وجبنُها وبيضُها وفيها سكين ؟ فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يقوّم ما فيها ثم يؤكل لأنّه يفسد وليس له بقاء ، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل له : يا أمير المؤمنين ، لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ ، فقال : هم في سعة حتى يعلموا ». وسائل الشيعة : ج2 : ب50 من النجاسات ، ح11.
     أقول : إنّ هذه الرواية لا تعارض ما تقدّم من أن أمارة سوق المسلمين هي في خصوص ما كان في يد المسلم يتعامل معه معاملة الطاهر ، حيث إنّها ضعيفة بالنوفلي.

(266)
    من المسلمين وغيرهم ثم يصنّعها ويبعثها اليهم ، ففي هذه الصورة قد يقال بعدم جريان أصالة عدم التذكية ، وذلك لوجود العلم الاجمالي بوجود المذكى ، ولم يثبت كون يد الكافر أمارة على عدم التذكية ، إذن يكون المرجع في هذه الشبهة الموضوعية أصالة الحلّ والطهارة (1).
     أقول : ولكن هذا الكلام بإطلاقه خلاف التحقيق ، حيث تجري أصالة عدم التذكية في جميع أطراف الشبهة الموضوعية (2) وذلك لعدم حصول مخالفة عملية حتى تتحقّق المعصية أو يتحقّق القبح ، بل الذي يحصل من جريان اصالة عدم التذكية المخالفة الالتزامية ، ولم يثبت وجوب الالتزام بالحكم الواقعي الفرعي مع قطع النظر عن العمل (3).
     لو تنزلنا عن ذلك والتزمنا بمسلك الشيخ الأعظم الأنصاري ( قدس سره ) القائل بأنَّ أصالة عدم التذكية لا تجري « للمناقضة بين الصدر والذيل في قوله : لا تنقض اليقين بالشك ، بل انقضه بيقين آخر » (4) فحينئذ تصل النوبة إلى أصالة الاباحة في أطراف
     (1) راجع مهذّب الأحكام ، للسيد السبزواري ( رحمه الله ) : ج5 ، ص280.
     (2) ملاحظة : ليس كلامنا في وجود ميتة واحدة في اطراف عديدة غير محصورة حتى يقال : إنّ العلم الاجمالي غير منجز أو أن أطراف العلم الاجمالي ليس كلّها محلّ ابتلائنا ، إذ ما نحن فيه هو وجود كميّة كبيرة من اللحوم مذكاة ووجود كميّة كبيرة غير مذكاة ، وفي هذا الفرض وإن لم يكن أطراف العلم الاجمالي كلّها مورد ابتلاء ، إلاّ أن ما هو مورد ابتلائنا فيه علم اجمالي بوجود الميتة أيضاً.
     (3) راجع فرائد الاُصول للشيخ الأنصاري : ج2 ، ص744 طبعة جماعة المدرسين في قم ، ومصباح الاُصول ، تقريرات السيد الخوئي : ج3 ، ص257 ـ 258.
     (4) فإنَّ « لا تنقض اليقين بالشك » ، شامل للشك المقرون بالعلم الاجمالي وجريان الاستصحاب بعدم تذكية للاطراف ، ومقتضى اطلاق اليقين في قوله ( عليه السلام ) : « ولكن تنقضه بيقين آخر » ، هو شموله للعلم الاجمالي وعدم جريان الاستصحاب ـ أصالة عدم التذكية ـ في بعض الاطراف ، ولا يمكن الأخذ بكلا الاطلاقين.

(267)
    الشبهة الموضوعية ، ولكنّها لا تجري في المقام; لوجود العلم الاجمالي بوجود غير المذكى ، حيث يكون جريانها موجباً للمخالفة العملية التي هي معصية.
     إذن يكون العلم الاجمالي بوجود غير المذكى موجباً لحرمة الاجتناب عن الجميع; تطبيقاً لقاعدة منجزية العمل الاجمالي ، أو جريان اصالة عدم التذكية في جميع الأطراف كما تقدّم.
     وبهذا نعرف أن فتوى السيد السبزواري في جريان اصالة الحلّ والطهارة مبنية على جواز جريان اصالة الاباحة والطهارة في أطراف العلم الاجمالي ، وهو مسلك ضعيف.
     القسم الثاني : إذا لم يعلم باشتمال يد الكافر على المذكى وغيره ولم يتفحّص المسلم عن المذكى ـ لأنّه لم يكن مبالياً بكون اللحم ميتة أو مذكى ـ ففي هذه الصورة تجري اصالة عدم التذكية ، فيحرم اللحم وينجس على المشهور ، ولا توجد أمارة حاكمة على هذا الأصل.
     القسم الثالث : إذا كانت هنا أمارة على تفحّص المسلم حين شرائه بأن كان ملتزماً ملتفتاً إلى حرمة ذبائح الكفار ، متثبتاً في كل اُموره التجارية ففي هذه الصورة يجوز الاعتماد على قوله وتفحّصه حملا لفعله على الصحّة. ومثل هذا ما إذا كانت الدولة مطبقة للإسلام تتفحّص في شراء الذبائح المذكاة بإرسال هيئات للدول المصدِّرة للّحوم تشرف على كيفية ذبحها وتسويقها إلى الدول الإسلامية أو إلى بلادها ففي هذه الصورة يحلّ اللحم المستورد بواسطة الدولة المتثبتة في عملها هذا.

خلاصة البحث :
    في التذكية الشرعية وطرقها الحديثة هناك عدّة نقاط :
     1 ـ بعد بيان الذبح الشرعي وشروطه عند طائفتي الامامية وأهل السنّة رأينا


(268)
    أن لا اشكال في ما يذبح بالمكائن الحديثة من ناحية التسمية واستقبال القبلة إذا كان الذابح مسلماً على رأي مشهور الإمامية ، أو مسلماً أو كتابياً على رأي
    أهل السُنَّة وبعض من الإمامية.
     2 ـ كما لا اشكال أيضاً من ناحية الذبح بالآلات الحادة في المكائن الحديثة إذا كانت الآلة من جنس الحديد المعروف على رأي مشهور الإمامية ، أو حتى إذا لم تكن من جنس الحديد المعروف إذا كانت الآلة حادّة قاطعة على رأي آخر يوافق عليه كل أهل السُنَّة.
     3 ـ كما لا اشكال في حلية الذبيحة إذا قطعت الرقبة بواسطة الذبح وإن كان هناك نهي عن قطع الرقبة حين الذبح ، لأنّ النهي وإن كان دالا على حرمة الفعل إلاّ أنّ حلية اللحم مستندة إلى توفر شرائط التذكية المفروض توفرها عند الذبح.
     ولكن الحلية في هذه الصور المتقدّمة مشروطة بعدم حصول علم اجمالي بموت بعض هذه الحيوانات قبل التذكية ، وأن لا يحصل علم اجمالي بموت بعضها نتيجة لضرب الآلة الحادة رأس الذبيحة أو صدرها.
     4 ـ إنّ خنق الحيوان حتى الموت بالطريقة الانجليزية محرّم بنصّ القرآن الكريم ، وكذا كل خنق يؤدّي إلى الموت كالخنق بثاني اُوكسيد الكاربون.
     5 ـ التدويخ بكل صوره إذا ادّى إلى توقّف القلب وموت الحيوان قبل التذكية فهو محرم الأكل لأنّه ميتة.
     6 ـ التدويخ بكل صوره إذا جعل الحيوان فاقد الوعي ـ كما هو الفرض ـ وسيعود إليه وعيه بعد مدّة معينة ، ثم اجريت عليه التذكية الشرعية حال فقدان الوعي وخرج منه الدم المتعارف فهو حلال الأكل.
     7 ـ إذا شككنا في حياة الحيوان بعد التدويخ فيكفي للحكم بحياته قبل الذبح حركته بعد الذبح كما صرحت بذلك الروايات عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم.


(269)
    
     8 ـ إذا حصل من التدويخ علم اجمالي بموت البعض قبل إجراء التذكية فلا نحكم بحلية أي واحد من هذه الحيوانات التي جرت عليها التذكية ، وكان بعضها ميتاً قبل التذكية ، وذلك للعلم الاجمالي بحرمة بعضها في الشبهة المحصورة.
     9 ـ إذا شككنا في حلية الذبيحة من ناحية جهلنا بإسلام الذابح ممّا حلّ أكل لحمه فالقاعدة تقتضي حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة في جلد هذه الذبيحة ، لوجود الروايات القائلة بأنّ جواز الأكل وجواز الصلاة في الجلد لا يكون إلاّ في ما علم بالتذكية.
     10 ـ إذا شككنا في حلية الذبيحة من ناحية جهلنا بإسلام الذابح ، أو جهلنا بتوفر شروط الذكاة وكانت في يد المسلم يتعامل معها معاملة المذكى فالحكم هو حلية أكل اللحم وصحة الصلاة في جلد هذه الذبيحة ، للروايات القائلة بأنّ ما وجد في سوق المسلمين أو أرض الإسلام يتعامل معه معاملة المذكى إذا كان المسلم يتعامل معه كذلك.
     11 ـ وأمّا اللحوم المستوردة من الدول الكافرة فالحكم فيها حرمة أكلها وعدم جواز استعمال جلودها في الصلاة ، ويحكم بنجاستها على المشهور ، وذلك لأصالة عدم التذكية التي لا توجد أمارة حاكمة عليها. كما يحكم بعدم صحة المعاملة عليها إذا لم يكن لها منفعة محلّلة غير الأكل. وكذا يحكم بحرمة أكل ما وجد في يد الكافر وإن كان في أرض الإسلام.
     وكذا يحكم بحرمة أكل اللحم المأخوذ من يد مجهول الحال في غير سوق المسلمين ، أو المطروح في أرض المسلمين إذا لم يكن عليه أثر الاستعمال فيما يشترط فيه الطهارة ، كل ذلك لأصالة عدم التذكية الموجب لذلك ولا حاكم عليها.


(270)
    12 ـ أمّا المأخوذ من يد المسلم إذا علم أنّه قد أخذه من يد الكافر فيحلّ منه ما إذا علم أنّ المسلم قد أخذه من الكافر بعد تفحّص عند الشراء بأنّ كان ملتزماً ملتفتاً إلى حرمة ذبائح الكفار ومتثبتاً في اُموره كلها ، وفي غير هذه الصورة يحكم بحرمة اللحم لأصالة عدم التذكية.

بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: فهرس