بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: 371 ـ 380
(371)
ما ورد من النصوص الشرعية التي يظن أنّها تمنع من العلاج التجميلي :
     نقول : إنّ ما ورد من الروايات في منع بعض مصاديق العلاج التجميلي مثل :
     1 ـ لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « الواشمة والمستوشمة ، والواشرة والمستوشرة ».
     2 ـ لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « المتفلّجات للحسن ، والمغيرات خلق الله ».
     3 ـ لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « النامصة والمنتمصة ».
     4 ـ لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « الواصلة والمستوصلة » (1).
     تحمل كلّها على اقتران هذه العلاجات بأمر محرّم مثل الغش المحرم أو ما شابه ذلك.
     ودليلنا على ذلك : أنّ اللعن الوارد في الروايات ظاهر في الحرمة وليس صريحاً فيها ، حيث إنّ اللعن لغةً من الإبعاد المطلق ، وحينئذ إذا دلّت الأدلّة على جواز أو استحباب تزيين المرأة لزوجها ، أو لأجل الذهاب إلى حفل نسائي مثلا ، فيكون هذا قرينة على صرف الحرمة الظاهرة في الأحاديث إلى صورة الغش أو اقتران هذه الأعمال ببعض المحرّمات ، أو نقول بكراهة التزيين في غير الموارد التي دلّ الجواز على استحبابها.
     والذي دعانا إلى هذا الكلام ولم نقل : « إنّ التزيين إذا كان جائزاً بصورة مطلقة وقد ورد التحريم في بعض أفراده ، فنخصّص الجواز بغير مورد التحريم » هو تذييل اللعن الوارد في المتفلّجات بقوله « المغيِّرات خلق الله » ونحن نعلم لما تقدّم : أنّ المراد من خلق الله في هذه الرواية هو دين الله ، كما جاء في آية النساء ( ولأضلنهم ولاُمنّيهم ولآمرنهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيّرن خلق الله ومن
     (1) راجع وسائل الشيعة : ج12 ، ب19 ممّا يكتسب به ، ح7 وغيره.
(372)
يتّخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً ) (1). وقال تعالى : ( فأقم وجهَك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ) (2).
     إذن المراد بتغيير خلق الله هو الخروج عن حكم الفطرة وترك الدين الحنيف ، وذلك بتحليل الحرام الذي حرمه الشارع المقدّس ، وبما أن الحرام هو الغش وليس التزيين نفهم من الروايات المتقدّمة أن المراد بالمحرم هو الغش ، والمراد باللعن هو خصوص حصول المحرم من هذه الأعمال ، أمّا التزيين الذي يحصل من هذه الأعمال فهو ليس فيه تغيير لدين الله ، حيث يكون جائزاً بأدلّته الكثيرة ، فلا يكون مشمولا للروايات اللاعنة ، كما أن الروايات اللاعنة لا تشمل التزيين.
     ولو أصر إنسان على أن المراد من آية ( ولآمرنّهم فليغيّرن خلق الله ) هو حرمة تغيير ما خلق الله من اشياء ، فلازم ذلك أن نحرّم حلق الرأس والشعر من الجسم ، ونحرم فتح الجسور والطرقات وبناء الأسواق وشق الأنهار وما إلى ذلك ، ويلزمنا أن نفتي بحرمة تعديل الشارب ولبس الثياب; لأنّه تغيير لخلق الله سبحانه ، وهذا ما لا يقول به أحد.
     أضف إلى ذلك الروايات الواردة في تحسين الوجه وصبغ الشيب بالحنّاء والسواد ، والحثّ عليه ، وقد ورد « لا بأس على المرأة بما تزيّنت به لزوجها » ففي رواية سعد الأسكاف قال : « سئل أبو جعفر ( الإمام الباقر ( عليه السلام ) ) عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلن شعورهن ؟ قال : لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها ، قال : فقلت بلغنا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعن الواصلة والمستوصلة ،
    فقال : ليس هنالك ، إنّما لعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الواصلة التي تزني
     (1) النساء : 119.
     (2) الروم : 30.

(373)
    في شبابها ، فإذا كبرت قادت النساء إلى الرجال ، فتلك الواصلة والموصولة » (1).
     ثم إنّ هذه الروايات الواردة في اللعن للواشمة والنامصة والواصلة والمفلّجة بين مرسل ومسند لم تثبت حجيته لضعف السند ، وحينئذ نبقى على أصالة الإباحة عند الشك في الحرمة ، وهي التي اقتضتها القاعدة الأوليّة.

أحكام الترقيع :
     قد يكون من العلاج التجميلي ترقيع جسم الإنسان الحي بجسم إنسان آخر حيٍّ أو ميّت ، وقد يكون العلاج بقطع جزء من جسم وإلحاقه بمكان آخر ، كما يكون بقطع جزء من جسم الحيوان ليرقع به جسم الإنسان ، وهذا الحيوان قد يكون نجس ، وقد يكون طاهر العين.

1 ـ الترقيع من جسم إنسان حيٍّ لجسم إنسان آخر :
     نقول : إنّ كان الجزء المقلوع من الأعضاء الرئيسية للبدن كالعين والكلية واليد والرجل أو ليس كذلك بل من قبيل قطعة جلد أو لحم فإنّ كل هذا هو أمر جائز إذا كان برضاً من صاحب الجسم المقلوع منه ، وأما الضرر المتوجّه إلى الجسم المقلوع منه فهو إنّما يكون حراماً في غير صورة الإضرار بالنفس ، أو في غير هذه الصورة التي فيها نفع لإنسان آخر قد يكون بمستوى انقاذ حياته في بعض الصور ، فيكون حديث « لا ضرر ولا ضرار » منصرفاً لغير هذه الصورة التي فيها ايثار للغير على نفسه.
     كما أنّ العضو إذا كان مريضاً وقرّر الأطباء قلعه فيجوز ذلك بلا كلام ، ولا يشمله حديث لا ضرر فكذلك ما نحن فيه إذا كان القلع قد نضر فيه إلى إنقاذ حياة
     (1) وسائل الشيعة : ج12 ، ب19 من أبواب ما يكتسب به ، ح3.
(374)
    إنسان مسلم أو مساعدته في تدبير اُموره الحياتية مثلا. ونفس الحكم فيما إذا قُلِعَ جزءٌ من جسمه ليوضع في مكان آخر لنفس الدليل المتقدّم.
     وأمّا ما قيل من عدم الجواز لاستلزام أن يكون بجسم المرقع قطعة من الميتة إذا كانت ظاهرة فهي تمنع من صحة الوضوء أو الغسل فهو أمر ضعيف ، لأنّ قطعة الميتة إذا لصقت بجسم الإنسان المرقع فيه فهي تحسب جزءاً من جسمه ، ولا ينطبق عليها عنوان الميتة بعد ذلك.

2 ـ الترقيع من جسم إنسان ميّت لجسم إنسان حي :
     وهذا ينقسم إلى قسمين ، إذ أنّ الأموات مرّةً من المسلمين ومرّةً من غيرهم ، فأمّا الميت المسلم فلا يجوز أخذ قطعة من بدنه لإلحاقها ببدن الحي ، وذلك لأنّ الله سبحانه قد جعل للميت حرمة ، وجعل الاعتداء عليه حراماً وله دية ، وهذا الحكم باق حتى إذا انتفع فرد من هذا الاعتداء بالقلع أو القطع.
     ولكن قد يقال : إنّ حكم حرمة الميت احترامية ، فإذا حصل من أخذ جزء من جسمه إنقاذ إنسان مسلم على وشك الموت فهل تنصرف أدلّة حرمة الميت عن هذه الحالة ؟
     الجواب : ليس من البعيد اختصاص أدلّة حرمة جرح الميت وقطع رأسه وتشريحه بصورة المثلة والتهتك واشباهها ، فمع وجود نفع كبير جداً كإنقاذ نفس مسلمة من الهلاك بأخذ جزء من جسم الميت لا يكون ذلك حراماً ، استناداًالتزاحم الملاكي الذي تقدّم ذكره ، وحتى لو كان هذا هو أمر حرام إلاّ أنّه إذا توقّف إنقاذ مسلم على ذلك فيتزاحم الواجب والحرام ، وطبعاً يتقدّم حفظ حياة المسلم على حرمة هتك الميت. ولكن ينبغي أن نلتزم بالدية على القاطع; لعدم المنافاة بين جواز القطع والقلع ووجوب الدية.
     وفي هذه الصورة أيضاً تكون العين أو ما شابهها بعد ذلك جزءاً من جسم


(375)
    الحي.
     ثم إنّ الميت يتمكّن أيضاً من أن يوصي بأخذ عينه بعد موته لإلحاقها ببدن الغير ، وفي هذه الصورة لا تثبت الدية على القاطع (1) ، ودليل ذلك هو : أنّ الميّت له حقّ في أن يسقط حقّه في احترامه حيّاً وميّتاً بشرط أن لا يصل إلى ذلّه ومهانته ، وعلى هذا يجوز له أن يوصي بهذه الوصايا التي ترجع عليه بالنفع والثواب.
     ونفس الكلام نقوله فيما إذا كان الميت كافراً أو مشكوك الإسلام ، ولكن هنا لا توجد دية على قاطع الجزء منه ، لعدم الاحترام للكافر الميت.

3 ـ الترقيع بعضو من أعضاء بدن الحيوان :
     سواء كان نجس العين أو طاهراً فإنّه جائز ، وتترتب عليه أحكام بدن الحي بعد ذلك لصيرورته جزءاً من بدن الحي. وجواز هذا العمل ينبع من عدم الاحترام للحيوان ، سواء كان نجس العين أو طاهرها ، فإذا ترتبت منفعة على الترقيع به فهو جائز.

العلاج بالرقى ( العلاج الروحي )
     إنّ من المعلوم وجود أمراض نفسية يبتلى بها بعض الأفراد ، وهي بحاجة علاج نفسي ، لذا يمكننا أن نقسم الأمراض قسمين :
     1 ـ مرض جسمي يبتلى به العضو نتيجة لعوارض خارجية ، كالميكروب ، أو التعرض للبرد وما شابه.
     2 ـ مرض نفسي تبتلى به النفس الإنسانية ، وقد يؤثر هذا المرض النفسي
     (1) ذهب إلى ذلك الإمام الخوئي ( رحمه الله ) ، منهاج الصالحين : ج1 ، ص426 « أحكام الترقيع ».
(376)
    على بعض اعضاء الإنسان فتمرض تبعاً للمرض النفسي الذي حلّ بها ، فهل يجوز
    في هذين القسمين العلاج بالرقى والتمائم ، أو بما يسمى بالعلاج الروحي والنفسي ؟
     الجواب :
     1 ـ إذا كانت الوقاية أو العلاج من الأمراض النفسية ومن الأرواح « الجن » أو من العين « الحسد » من طريق السحر والاُمور المحرمة الاُخرى فهي غير جائزة; لما تقدّم من حرمة التداوي بالاُمور المحرمة إلاّ في صورة توقف العلاج عليها لنجاة نفس الإنسان من الهلاك والالآم الجسيمة.
     2 ـ إذا كانت الوقاية أو العلاج من الأرواح الشريرة « كالجن » والعين « الحسد » أو من شر المؤذين ، أو كانت الاستعانة منها بقوى إلـهية تفوق القوى الطبيعية بتدخل غيبي من الخالق المسيطر عن طريق الدعاء وقراءة القرآن فهو عمل صحيح ولا بأس به.
     وتوضيح ذلك : أنّ الحسد والسحر أمران واقعيان موجودان في الخارج ، وقد صرّحت الآيات القرآنية بهما كما في سورة الفلق : ( قل أعوذ بربّ الفلق من شرّ ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد ومن شرّ حاسد إذا حسد ). وقد دلّت هذه السورة القرآنية على استحباب أن يتعوّذ الإنسان برب الفلق ، وهو الله سبحانه من شر الخلق ومن شر الحسّاد ومن شرّ السحر ( النفاثات في العقد ) ، وقد ورد عندنا أن العين حقّ « تُدخِل الرجلَ القبرَ والجمل القِدَر ».
     كما أنّ الشياطين والجنّ موجودات واقعية ، ويجوز أن يتعوّذ الإنسان برب الناس من الشيطان الذي يوسوس في صدره ، وقد يكون هذا الشيطان من الجن كما يمكن أن يكون من الناس ، وقد صرّحت سورة الناس بذلك : ( قل أعوذ بربّ الناس ملكِ الناس إلـهِ الناس من شرّ الوسواسِ الخنّاس الذي يوسوس في صدور الناس من الجِنّة والناس ).


(377)
    ثمّ إنّ الجن على قسمين : الصالحون وغير الصالحين ، قال تعالى في سورة الجن : ( وإنّا منّا الصالحون ومنّا دون ذلك كنّا طرائق قِدَدا ) (1).
     فإذا كان الإنسان يتعوذ ـ من الشيطان ومن الجن المفسدين ومن العين الحاسدة ومن السحر ـ بالله تعالى وبالدعاء له ، وبقراءة القرآن كان ذلك أمراً جائزاً لا بأس به ، بل قد دلّت آيات الفلق والناس على استحبابه على الأقل ، وقد وردت الروايات على أن ذكر الله سبحانه وخصوصاً البسملة يدفع الشيطان عن الإنسان ويبعده.
     ولماذا ننظر إلى الأمراض المادية التي تنشأ من التخمة والميكروب ولا ننظر الى الأمراض التي يصاب بها العقل والقلب في المبدأ والمعاد ، وما يتفرّع عليهما من اُصول ومعارف ، وهؤلاء المرضى هم الكافرون والمنافقون ، وبعض من آمن بالله وبرسوله وشك في معاده ورجوعه إلى الحساب ، قال تعالى : ( لئن لم ينتهِ المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ) (2) وقال تعالى : ( وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا ) (3) فالمرض الذي ذكره القرآن هو نوع من الشك والريب الذي يوجب اضطراب النفس الباطنية والميل إلى الباطل واتباع الهوى.
     ولهذا نقول : إنّ في قراءة القرآن والأدعية التي وردت عن المعصومين ( عليهم السلام ) تُزال أنواع الشكوك والشبهات المعترضة للحقائق والمعارف الحقيقية ، ففي القرآن من المواعظ الكافية الشافية والقصص والعبر والأمثال والوعد والوعيد والانذار والتبشير وما تنتهي إليه نتائج العلوم الصحيحة والأحكام الحقّة ما يدفع أمراض
     (1) الجن : 11.
     (2) الأحزاب : 60.
     (3) المدّثّر : 31.

(378)
    القلوب ، وقد صرّح القرآن بنفسه عن ذلك فقال : ( وننزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلاّ خساراً ) (1). وقال أيضاً : ( قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء ) (2). وقد ورد في دعاء كميل الذي علمه إيّاه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) « يا من اسمه دواء وذكره شفاء ».
     بل إنّ الإنسان قد يتوسّل بالله سبحانه لأن يتدخل بيده الغيبية لشفائه من المرض الجسماني ، وقد أكّد هذا الأمر البروفسور « الكسيس كارل » الحائز على جائزة نوبل في كتابه « الدعاء » الذي ترجمه الدكتور محمد كامل سليمان ، فقال : « إنّ نتائج الشفاء عن طريق الدعاء يستثير اهتمام الناس على مرّ العصور. وحتى يومنا الحاضر وفي الاوساط التي ما زالت تمارس الدعاء وتقوم بالصلاة ، ما زالوا يتحدّثون بإسهاب عن الأشخاص الذين تم شفاؤهم عن طريق التضرعات للباري عزّوجلّ أو لأوليائه الصالحين.
     أمّا بالنسبة للأمراض القابلة للشفاء تلقائياً أو بمساعدة الأدوية والعقاقير العادية فإنّه من الصعب أن نعرف العامل الحقيقي الكامن وراء الشفاء.
     إنّ المكتب الطبي التابع لـ « لورد » أدّى خدمة كبيرة للعلم عندما برهن على أن حقيقة شفاء كثير من الأمراض المستعصية كان بفضل الدعاء وحده ... وهكذا فإنّ للدعوة قوةً سريعةً في الشفاء حتى يمكن تشبيهها بسرعة الانفجار.
     هذا وأنّ كثيراً من المرضى تمّ لهم بفضل العاطفة الصادقة وعن طريق الدعاء تمّ لهم الشفاء من أمراض خطيرة مستعصية ، كمرض القِراض الجلديّ في الوجه ، وكالسرطان ، وتعفّن الطحال ، والقرحة ، والتدرّن الرئويّ أو السلّ العظمي ، أو السلّ في الحجاب الحاجز.
     (1) الأسراء : 82.
     (2) فصلت : 44.

(379)
    إنّ ظاهرة الشفاء هذه كانت تحدث تقريباً دائماً بنفس الأسلوب يعاني
    المريض ألماً شديداً ، ثمّ يعقبه شعور بإمكان الشفاء ، وهكذا خلال بضع ثوان أو بضع ساعات على الأكثر تختفي علامات المرض ، والجروح التشريحية تلتئم لتتمّ معجزة الشفاء بعد ذلك بسرعة هائلة ، تختصر مراحل العلاج العادية بشكل مذهل ، ومن الجدير التنويه به هنا أن هذه السرعة المتناهية في مسيرة الشفاء لم يلاحظها أي أحد من الجرّاحين النطاسيين أو أخصائيي وظائف الأعضاء المشهورين خلال ما أجروا من عمليات لمرضاهم حتى أيامنا الحاضرة.
     هذا ، ولكي تتم ظاهرة الشفاء بسبب الدعاء ـ كما سبق وأشرنا ـ ليس ضرورياً أن يكون الداعي هو المريض نفسه ، فإنّ هناك أطفالا صغاراً لا يستطيعون الكلام تمّت لهم معجزة الشفاء بالدعاء ، كما أنّ هناك أشخاصاً غير مؤمنين شُفُو من أمراضهم بسبب دعاء غيرهم لهم بالقرب منهم ، هذا وأنّ الدعاء للآخرين يكون دائماً أكثر نتيجةً من الشخص لنفسه (1).
     إنّ نتيجة الشفاء بالدعاء وسرعة الاستجابة إنّما يتوقّفان على كثافة الدعاء أو مدى الصدق والإخلاص فيه ...
     تلك هي آثار الدعاء في الشفاء التي يوجد عندي معرفة يقينية بها لانّني عايشتها عن كثب ... ولكن ينبغي أن لا يعزب عن بالنا حقيقة أنّ كلّ من يسعى لشيء لا جرم أن يصل إليه ، كما أن كل من طرق الباب يُفتح لاستقباله » (2).
     فالنتيجة : أنّ قراءة القرآن والأدعية الواردة عن المعصومين سلام الله عليهم ،
     (1) ورد في الأخبار استحباب أن يدعو الإنسان لغيره في يوم عرفة ، فإنّ له أربعين ملكاً يؤمِّنون على دعائه ...
     (2) الدعاء ، تأليف البرفسور « الكسيس كارل » الحائز على جائزة نوبل ، ترجمة الدكتور محمد كامل سليمان ، ص63 ـ 68.

(380)
    وقراءتها والدعاء بها للغير تفيد في دفع الأمراض النفسية والجسمية ، كما
    أن التوسّل إلى الله تعالى لدفع الشر والحسد والشياطين والجن غير الصالحين يفيد في دفع المرض الذي ينشأ عن هذه الاُمور.
     وحينئذ نقول : إنّ حمل الآيات القرآنية والأدعية على شكل تعويذات للتخلص من كثير من الأمراض أمر مفيد أيضاً ، كما وردت في ذلك الآثار الشرعية من قبل جميع المسلمين ، فممّا ورد في ذلك :
     1 ـ صحيحة داود بن فرقد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « سألته عن التعويذ يعلق على الحائض ؟ قال ( عليه السلام ) : لا بأس : وقال : تقرأه وتكتبه ولاتصيبه يدها » (1).
     2 ـ صحيحة منصور بن حازم عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « سألته عن التعويذ يعلق على الحائض ؟ فقال : نعم إذا كان في جلد أو قصبة حديد » (2).
     3 ـ وعن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) : « أنّ جبريل ( عليه السلام ) نزل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) والنبي مصدَع فقال : يا محمد ، عوّذ صداعَك بهذه العوذة يخفّف الله عنك ، وقال : يا محمد ، من عوّذ بهذه العوذة سبع مرات على أي وجع يصيبه شفاه الله بإذنه ، تمسح بيدك على الموضع وتقول : بسم الله ربنا الذي في السماء ، تقدس ذكر ربنا الذي في السماء والأرض ، أمره نافذ ماض ، كما أنَّ أمره في السماء ، اجعل رحمتك في الأرض واغفر لنا ذنوبنا وخطايانا يارب الطيبين الطاهرين ، انزل شفاء من شفائك ورحمةً من رحمتك على فلان بن فلانة وتسمي اسمه » (3).
     4 ـ عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن أبيه ( عليه السلام ) قال : « قيل لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رقى
     (1) وسائل الشيعة : ج2 ، ب37 من أبواب الحيض ح1.
     (2) المصدر السابق : ح3.
     (3) وسائل الشيعة : ج2 ، ب14 من الاحتضار ، ح5.


بحوث في الفقه المعاصر ـ الجزء الثاني ::: فهرس