من صبب ( 1 ) ، فإذا استقام أن يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله أحدا من الائمة علهيم السلام بالانبياء والرسل استقام لنا أن نشبه جميع الائمة بجميع الانبياء والرسل ، وهذا دليل مقنع وقد ثبت شكل صاحب زماننا عليه السلام في غيبته بغيبة موسى عليه السلام وغيره ممن وقعت بهم الغيبة ، وذلك أن غيبة صاحب زماننا وقعت من جهة الطواغيت لعلة التدبير من الذي قدمنا ذكره في الفصل الاول .
ومما يفسد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الائمة والانبياء أن الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبينا صلى الله عليه وآله كان أوصياؤهم أنبياء ، فكل وصي قام بوصية حجة تقدمه من وقت وفاة آدم عليه السلام إلى عصر نبينا صلى الله عليه وآله كان نبيا ، وذلك مثل وصي آدم كان شببث ابنه ، وهو هبة الله في علم آل محمد صلى الله عليه وآله وكان نبيا ، ومثل وصي نوح عليه السلام كان سام ابنه وكان نبيا ، ومثل إبراهيم عليه السلام كان وصيه إسماعيل ( 2 ) ابنه و كان نبيا ، ومثل موسى عليه السلام كان وصيه يوشع بن نون وكان نبيا ، ومثل عيسى عليه السلام كان وصيه شمعون الصفا وكان نبيا ، ومثل داود عليه السلام كان وصيه سليمان عليه السلام ابنه وكان نبيا . وأوصياء نبينا عليهم السلام لم يكونوا أنبياء ، لان الله عزوجل جعل محمدا خاتما لهذه الامم ( 3 ) كرامة له وتفضيلا ، فقد تشاكلت الائمة والانبياء بالوصية كما تشاكلوا فيما قدمنا ذكره من تشاكلهم فالنبي وصي والامام وصي ، والوصي إمام والنبي إمام ، والنبي حجة والامام حجة ( 4 ) ، فليس في الاشكال أشبه من تشاكل الائمة والانبياء .
وكذلك أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله بتشاكل أفعال الاوصياء فيمن تقدم وتأخر من قصة يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام مع صفراء بنت شعيب زوجة موسى وقصة
____________
( 1 ) أي يرفع رجليه رفعا بينا بقوة دون احتشام وتبختر . والصبب : ما انحدر من الارض أو الطريق .
( 2 ) في بعض النسخ « اسحاق » .
( 3 ) في بعض النسخ « لهذا الاسم » أي النبوة .
( 4 ) في بعض النسخ « والوصي حجة » .

( 27 )

أمير المؤمنين عليه السلام وصى رسول الله صلى الله عليه وآله مع عائشة بنت أبى بكر ، وإيجاب غسل الانبياء أوصيائهم بعد وفاتهم .
حدثنا علي بن أحمد الدقاق ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا حمزة بن القاسم قال : حدثنا أبو الحسن علي بن الجنيد الرازي قال : حدثنا أبو عوانة قال : حدثنا الحسن ابن علي ( 1 ) ، عن عبد الرزاق ، عن أبيه ، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الله بن مسعود قال : قلت للنبى عليه السلام : يا رسول الله من يغسلك إذا مت ؟ قال : يغسل كل نبي وصيه ، قلت : فمن وصيك يارسول الله ؟ قال : علي بن أبي طالب قلت : كم يعيش بعدك يا رسول الله ؟ قال : ثلاثين سنة ، فان يوشع بن نون وصي موسى عاش بعد موسى ثلاثين سنة ، وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى عليه السلام فقالت : أنا أحق منك بالامر فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها ، وأن ابنة أبي بكر ستخرج على علي في كذا وكذا ألفا من امتي فتقاتلها فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها ، وفيها أنزل الله عزوجل : « وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى » ( 2 ) يعنى صفراء بنت شعيب ، فهذا الشكل قد ثبت بين الائمة والانبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل ، وكل ما كان جائزا في الانبياء فهو جائز يجري في الائمة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة ، ولو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدمه من الائمة عليهم السلام لوجب أن تدفع نبوة موسى بن عمران عليه السلام لغيبته إذ لم يكن كل الانبياء كذلك ، فلما لم تسقط نبوة موسى لغيبتة وصحت
____________
( 1 ) هو الحسن بن علي الخلال أبو علي ـ وقيل أبو محمد ـ الحلواني نزيل مكة ثقة ثبت يروى عن عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبي بكر الصنعانى ، قال أحمد ابن صالح المصرى : قلت لاحمد بن حنبل : رأيت أحدا أحسن حديثا من عبد الرزاق ؟ قال : لا . ويرموه القوم بالتشيع . يروى عن أبيه همام وهو ثقة يروى عن مينا بن أبى مينا الزهري الخزاز مولى عبد الرحمن بن عوف وهو شيعي جرحه العامة لتشيعه . وما في النسخ من الحسين بن علي بن عبد الرزاق ، فهو تصحيف .
( 2 ) الاحزاب : 32 .

( 28 )

نبوته مع الغيبة كما صحت نبوة الانبياء الذين لم تقع بهم الغيبة فكذلك صحت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحت إمامة من تقدمه من الائمة الذين لم تقع بهم الغيبة .
وكما جاز أن يكون موسى عليه السلام في حجر فرعون يربيه وهو لا يعرفه ويقتل أولاد بني إسرائيل في طلبه فكذلك جائز أن يكون صاحب زماننا موجودا بشخصه بين الناس ، يدخل مجالسهم ويطأ بسطهم ويمشي في أسواقهم ، وهم لا يعرفونه إلى أن يبلغ الكتاب أجله .
فقد روي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : في القائم سنة من موسى ، و سنة من يوسف ، وسنة من عيسى ، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله : فأما سنة موسى فخائف يترقب ، وأما سنة يوسف فان إخوته كانوا يبايعونه ويخاطبونه ولا يعرفونه ، وأما سنة عيسى فالسياحة ، وأما سنة محمد صلى الله عليه وآله فالسيف .
رد اشكال :
فكان من الزيادة لخصومنا أن قالوا : ما أنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادعيتم من الغيبة كغيبة موسى عليه السلام ومن حل محله من الائمة ( 1 ) الذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجة موسى لم تلزم أحدا إلا من بعد أن أظهر دعوته ودل على نفسه وكذلك لا تلزم حجة إمامكم هذا لخفاء مكانه وشخصه حتى يظهر دعوته ويدل على نفسه [ كذلك ] فحينئذ تلزم حجته وتجب طاعته ، وما بقي في الغيبة فلا تلزم حجته ، ولا تجب طاعته .
فأقول ـ وبالله أستعين ـ : إن خصومنا غفلوا عما يلزم من حجة حجج الله في ظهورهم واستتارهم وقد ألزمهم الله تعالى الحجة البالغة في كتابه ولم يتركهم سدى في جهلهم وتخبطهم ولكنهم كما قال الله عزوجل : « أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها » ( 2 ) إن الله عزوجل قد أخبرنا في قصة موسى عليه السلام أنه كان له شيعة
____________
( 1 ) في بعض النسخ « من الانبياء » .
( 2 ) سوره محمد صلى الله عليه وآله : 24 .

( 29 )

وهم بأمره عارفون وبولايته متمسكون ولدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته ، ومن قبل دلالته على نفسه حيث يقول : « ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه » ( 1 ) وقال عزوجل حكاية عن شيعة : « قالوا اوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ـ الاية » ( 2 ) فأعلمنا الله عزوجل في كتابه أنه قد كان لموسى عليه السلام شيعة من قبل أن يظهر من نفسه نبوة ، وقبل أن يظهر له دعوة يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدعوة ولم يكونوا يعرفون أن ذلك الشخص هو موسى بعينه ، وذلك أن نبوة موسى إنما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعيب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتى استوجب بها أهله فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين قبل مسيره إلى شعيب ، وكذلك وجدنا مثل نبينا محمد صلى الله عليه وآله قد عرف أقوام أمره قبل ولادته وبعد ولادته ، وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوة ، ومن قبل ظهور دعوته وذلك مثل سلمان الفارسي ـ رحمه الله ـ ، ومثل قس بن ساعدة الايادي ، ومثل تبع الملك ، ومثل عبد المطلب ، وأبي طالب ، ومثل سيف بن ذي ـ يزن ، ومثل بحيرى الراهب ، ومثل كبير الرهبان في طريق الشام ، ومثل أبي مويهب الراهب ، ومثل سطيح الكاهن ، ومثل يوسف اليهودي ، ومثل ابن حواش الحبر المقبل من الشام ، ومثل زيد بن عمرو بن نفيل ، ومثل هؤلاء كثير ممن قد عرف النبي صلى الله عليه وآله بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده ، والاخبار في ذلك موجودة عند الخاص والعام ، وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها ، فليس من حجة الله عزوجل نبي ولا وصي إلا وقد حفظ المؤمنون وقت كونه وولادته وعرفوا أبويه ونسبه في كل عصر وزمان حتى لم يشتبه عليهم شيء من أمر حجج الله عزوجل في ظهورهم وحين استتارهم ، وأغفل ذلك أهل الجحود والضلال والكنود فلم يكن عندهم [ علم ] شيء من أمرهم ، وكذلك سبيل صاحب زماننا عليه السلام حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل
____________
( 1 ) القصص : 15 .
( 2 ) الاعراف : 129 .

( 30 )

المعرفة والعلم وقته وزمانه وعرفوا علاماته وشواهد أيامه ( 1 ) وكونه ووقت ولادته ونسبه ، فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده ، وأغفل ذلك أهل الجحود و الانكار والعنود ، وفي صاحب زماننا عليه السلام قال الله عزوجل : « يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل » ( 2 ) وسئل الصادق عليه السلام عن هذه الاية فقال : الايات هم الائمة ، والاية المنتظرة هو القائم المهدي عليه السلام فإذا قام لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدم من آبائه عليهم السلام » . حدثنا بذلك أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ؛ والحسن بن محبوب ، عن علي ابن رئاب وغيره ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام .
وتصديق ذلك ( أن الايات هم الحجج ) من كتاب الله عزوجل قول الله تعالى : « وجعلنا ابن مريم وأمه آية » ( 3 ) يعني حجة ، وقوله عزوجل لعزير ( 4 ) حين أحياه الله من بعد أن أماته مائة سنة « فانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس » ( 5 ) يعني حجة فجعله عزوجل حجة على الخلق وسماه آية . وإن الناس لما صح لهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبة غير موضعها أولهم عمر بن الخطاب فانه قال لما قبض النبي صلى الله عليه وآله : والله ما مات محمد وإنما غاب كغيبة موسى عليه السلام عن قومه وإنه سيظهر لكم بعد غيبته .
حدثنا أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ العدل قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن العباس ابن بسام قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن يزداد قال : حدثنا نصر بن سيار بن داود
____________
( 1 ) في بعض النسخ « وشواهد آياته » .
( 2 ) الانعام : 158 .
( 3 ) المؤمنون : 50 .
( 4 ) في بعض النسخ « لارميا » .
( 5 ) البقرة : 259 .

( 31 )

الاشعري قال : حدثنا محمد بن عبد ربه ( 1 ) ، وعبد الله بن خالد السلولي أنهما قالا : حدثنا أبو معشر نجيح المدني قال : حدثنا محمد بن قيس ، ومحمد بن كعب القرظي ، و عمارة بن غزية ، وسعيد بن أبي سعيد المقبري ( 2 ) ، وعبد الله بن أبي مليكة وغيرهم من مشيخة أهل المدينة قالوا : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله أقبل عمر بن الخطاب يقول : والله ما مات محمد وإنما غاب كغيبة موسى عن قومه وإنه سيظهر بعد غيبته فما زال يردد هذا القول ويكرره حتى ظن الناس أن عقله قد ذهب ، فأتاه أبو بكر وقد اجتمع الناس عليه يتعجبون من قوله فقال : اربع على نفسك يا عمر ( 3 ) من يمينك التى تحلف بها ، فقد أخبرنا الله عزوجل في كتابه فقال : يا محمد « إنك ميت وإنهم ميتون ( 4 ) » فقال عمر : وإن هذه الاية لفي كتاب الله يا أبا بكر ؟ فقال : نعم أشهد بالله لقد ذاق محمد
____________
( 1 ) محمد بن يزداد الرازي قال أبو النضر العياشي : لا بأس به . ونصر بن سيار لم أجد من ذكره وليس هو بنصر بن سيار والى خراسان من قبل هشام بن عبد الملك ، و محمد بن عبد ربه الانصاري اجاز التلعكبرى جميع حديثه وكان يروى عن سعد بن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحميرى ونظرائهما كما في منهج المقال . وأما عبد الله بن خالد فلم أعرفه .
( 2 ) أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي ـ بكسر المهملة وسكون النون ـ المدني مولى بني هاشم مشهور بكنيته وليس بقوى في الحديث ، ومحمد بن قيس شيخه ضعيف كما في التقريب . وأما محمد بن كعب القرظي فثقة عالم ولد سنة أربعين على الصحيح ومات سنة 120 وقيل قبل ذلك . وأما عمارة بن غزية المدني فوثقه أحمد وأبو زرعة وقال يحيى بن معين : صالح وقال أبو حاتم : ما بحديثه بأس ، وكان صدوقا . وأما سعيد بن أبي سعيد فاسمه كيسان المقبري أبو سعد المدنى ، والمقبري نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاورا لها فهو ثقة صدوق كما في التهذيب . واما عبد الله بن أبي مليكة فهو عبد الله بن عبيد الله وأبو ملكية بالتصغير ثقة فقيه .
( 3 ) أي ارفق بنفسك وكف عن هذا القول واليمين .
( 4 ) الزمر : 30 .

( 32 )

الموت ، ولم يكن عمر جمع القرآن ( 1 ) .
الكيسانية :
ثم غلطت الكيسانية بعد ذلك حتى ادعت هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية ـ قدس الله روحه ـ حتى أن السيد بن محمد الحميري رضي الله عنه ( 2 ) اعتقد ذلك وقال فيه :
ألا إن الائـمة من قــريـش * ولاة الامــر أربعة سـواء
علـي والثـلاثة مـن بنـيــه * هم أسباطنا والاوصياء ( 3 )
فـسبــط سبـط إيمـان وبـر * وسبط قد حوته كربلاء ( 4 )
وسبط لا يذوق المــوت حتـى * يقود الجيش يقدمه اللواء ( 5 )
يغيب فلا يـرى عنا زمانا ( 6 ) * برضوى عنده عسـل وماء

وقال فيه السيد ـ رحمة الله عليه ـ أيضا :
أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * فحتـى متـى يخفـى وأنت قريب
فلو غاب عنا عمر نوح لا يقنــت * منا النفوس بـأنه سيـؤوب ( 7 )

____________
( 1 ) أي لم يقرء أو يحفظ جميع القرآن .
( 2 ) هو اسماعيل بن محمد الحميري ، سيد الشعراء . كان يقول أولا بامامة محمد بن الحنفية ثم رجع إلى الحق ، وأمره في الجلالة والمجد ظاهر لمن تتبع كتب التراجم . قيل : توفى ببغداد سنة 179 فبعثت الاكابر والشرفاء من الشيعة سبعين كفنا له ، فكنفه الرشيد من ماله ورد الاكفان إلى أهلها .
( 3 ) في « الفرق بين الفرق » لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الاسفراييني « هم الاسباط ليس بهم خفاء » وكذا في الملل والنحل للشهرستاني .
( 4 ) في الفرق « وسبط غيبته كربلاء » . وكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين .
( 5 ) في الفرق والملل « يقود الخيل يقدمها اللواء » .
( 6 ) في الفرق « تغيب لا يرى فيهم زمانا » .
( 7 ) هذا المصراع في بعض النسخ هكذا « نفوس البرايا أنه سيؤوب » .

( 33 )

وقال فيه السيد أيضا :
ألاحي المقيم بشعـب رضـوى * واهد له بمنزلـه السـلاما
وقل : يا ابن الوصي فدتك نفسي * أطلت بذلك الجبـل المقاما
فمـر بمعشـر والـوك منــا * وسمـوك الخليـفة والاماما
فمـا ذاق ابن خـولة طعم موت * ولاوارت لـه أرض عظاما

فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية حتى لقى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ورأى منه علامات الامامة وشاهد فيه دلالات الوصية ، فسأله عن الغيبة ، فذكر له أنها حق ولكنها تقع في الثاني عشر من الائمة عليهم السلام وأخبره بموت محمد بن الحنفية وأن أباه شاهد دفنه ، فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحق عند اتضاحه له ، ودان بالامامة .
حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار النيسابوري ـ رضى الله عنه ـ قال : حدثنا علي بن محمد قتيبة النيسابوري ، عن حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حيان السراج قال : سمعت السيد بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي ـ ابن الحنفية ـ قد ضللت في ذلك زمانا ، فمن الله علي بالصادق جعفر بن ـ محمد عليهما السلام وأنقذني به من النار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالد لائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وأنه الامام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به ، فقلت له ، : يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي وهو الثاني عشر من الائمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحق بقية الله في الارض و صاحب الزمان ، والله لو بقى في غيبته ما بقى نوح في قومه ( 1 ) لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما . قال السيد : فلما
____________
( 1 ) في بعض النسخ « في الارض » .
( 34 )

سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه ، وقلت قصيدتي التي أولها :

فلما رأيت الناس في الدين قد غووا * تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا ( 1 )
ونـاديـت بــاسم الله والله اكبـر * وأيقنــت أن يـعـفو ويغــفــر
ودنت بدين الله ماكنــت دينا ( 2 ) * بـه ونهانــي سيــد الناس جعفـر
فقلت : فهبني قـد تهودت برهــة * وإلا فدينـــي ديـن مـن يتنصـر
وإني إلى الرحمـن من ذاك تـائب * إني قد أسـلمــــت والله أكبــر
فلست بغال ما حييــت وراجــع * إلـى ما عليــه كنـت اخفي واظهر
ولا قائــل حـي برضـوى محمد * وإن عـاب جهال مقـالي وأكثــروا
ولكنـه ممن مضــى لسبيلـــه * على أفضــل الحـالات يقفي ويخبر
مع الطيبين الطاهريــن الاولى لهم * من المصطفى فــرع زكي وعنصر

إلى آخر القصيدة ، ( وهي طويلة ) وقلت بعد ذلك قصيدة اخرى :

أيا راكبا نحو المدينـة جسـرة * عذافرة يطوى بها كل سبسب ( 3 )
إذا ما هداك الله عاينـت جعفرا * فقـل لـولي الله وابـن المهـذب
ألا يا أميـن الله وابن أمينــه * أتوب إلى الرحمـن ثم تــأوبي
إليك من الامر الذي كنت مطنبا ( 4 ) * أحارب فيه جاهدا كل معرب
وما كان قولي في ابن خولة مطنبا * معاندة مني لنســل المطيـب
ولكن روينـا عن وصي محمــد * وما كان فيمـا قال بالمتكــذب
بأن ولي الامر يفقد لا يــرى * ستيرا ( 5 ) كفعل الخائف المترقب

____________
( 1 ) في بعض النسخ « باسم الله والله اكبر » .
( 2 ) في بعض النسخ « ودنت بدين غير ما كنت دينا » .
( 3 ) الجسرة : البعير الذى أعيا وغلظ من السير . والعذافرة : العظمة الشديدة من الابل ، والناقة الصلبة القوية . والسبب : المفازة ، أو الارض المستوية البعيدة .
( 4 ) في بعض النسخ « كنت مبطنا » .
( 5 ) في بعض النسخ « سنين » . وفى بعضها « كمثل الخائف » .

( 35 )

فتقسم أموال الفقيــد كأنما * تغيبه بين الصفيح المنصب ( 1 )
فيمكث حينا ثم ينبع نبعــة * كنبعة جدي من الافق كوكب ( 2 )
يسير بنصر الله من بيت ربه * على سودد منه وأمر مسبب ( 3 )
يسيـر إلى أعدائه بلوائــه * فيقتلهم قتلا كحران مغضب ( 4 )
فلما روى أن ابن خولة غائب * صرفنـا إليــه قولنا لم نكـذب
وقلنا هو المهدي والقائم الـذي * يعيش به من عدلــه كل مجدب
فان قلت لا فالحق قولك والذي * أمرت ( 5 ) فحتم غير ما متعصب
واشهد ربي أن قولك حجــة * على الناس طرا من مطيع ومذنب
بأن ولي الامر والقائم الــذي * تطلـع نفسي نحــوه بتطـرب
له غيبة لابد مـن أن يغيبهــا * فصلى علهـى الله من متغيــب
فيمكث حينا ثم يظهر حينه ( 6 ) * فيملك من في شرقها والمغرب ( 7 )
بذاك أدين الله سرا وجهــرة * ولست وإن عوتبت فيه بمعتب ( 8 )

وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية ، ومتى صح موت
____________
( 1 ) الصفيح : من أسماء السماء ، ووجه كل شيء عريض . والمنصب المرتفع . ولعل المراد بالصفيح هنا موضع بين حنين وأنصاب الحرم . كما يظهر من بعض اللغات .
( 2 ) كذا وفى بعض نسخ الحديث :
« فيمكث حينا ثم يشرق شخصه * مضيئا بنور العدل اشراق كوكب »
وهكذا في اعلام الورى المنقول من كمال الدين . وليس هذا البيت في ارشاد المفيد ولا كشف الغمة للاربلي .
( 3 ) في بعض النسخ « وأمر مسيب » .
( 4 ) فرس حرون : الذى لا ينقاد والاسم الحران .
( 5 ) في الارشاد وكشف الغمة « تقول فحتم » .
( 6 ) في الارشاد « يظهر أمره » ولعله هو الصواب .
( 7 ) في اعلام الورى « فيملاء عدلا كل شرق ومغرب » .
( 8 ) « بمعتب » خبر ليست . يعنى عتابهم اياى ليس بموقع .

( 36 )

محمد بن علي ابن الحنفية بطل أن تكون الغيبة التي رويت في الاخبار واقعة به .
فمما روى في وفاة محمد بن الحنفية رضى الله عنه ( 1 )
ما حدثنا به محمد بن عصام ـ رضى الله عنه ـ قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال : حدثنا القاسم بن العلاء قال : حدثني إسماعيل بن علي القزويني قال : حدثني علي بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ( 2 ) قال : دخل حيان السراج على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقال له : يا حيان ما يقول أصحابك في محمد بن الحنفية ؟ قال : يقولون : إنه حي يرزق ، فقال الصادق عليه السلام : حدثني أبي عليه السلام أنه كان فيمن عاده في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوج نسائه وقسم ميراثه ، فقال : يا أبا عبد الله إنما مثل محمد بن الحنفية في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم شبه أمره للناس ، فقال الصادق عليه السلام : شبه أمره على أوليائه أو على أعدائه ؟ قال : بل على أعدائه فقال : أتزعم أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام عدو عمه محمد بن الحنفية ؟ فقال : لا ، فقال الصادق عليه السلام : يا حيان إنكم صدفتم عن أيات الله ، وقد قال الله تبار ك وتعالى : « سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون » ( 3 ) .
وقال الصادق عليه السلام : ما مات محمد بن الحنفية حتى أقر لعلي بن الحسين عليهما السلام . وكانت وفاة محمد بن الحنفية سنة أربع وثمانين من الهجرة .
حدثنا أبي ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد بن ـ يحيى : عن إبراهيم بن هاشم ، عن عبد الصمد بن محمد ، عن حنان بن سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : دخلت على محمد بن الحنفية وقد اعتقل لسانه فأمرته بالوصية ، فلم
____________
( 1 ) هذا العنوان للمؤلف وموجود في جميع النسخ .
( 2 ) هو الحسين بن المختار القلانسى الكوفى ثقة واقفى من أصحاب الكاظم عليه السلام . وما في بعض النسخ من « جعفر بن مختار » فهو تصحيف ، وعلي بن اسماعيل الظاهر هو على بن السندي الثقة . وأما حيان السراج فهو كيساني متعصب .
( 3 ) الانعام : 157 . والصدف الرجوع عن الشيء .

( 37 )

يجب ، قال : فأمرت بطست فجعل فيه الرمل ، فوضع فقلت له : خط بيدك ، قال : فخط وصيته بيده في الرمل ، ونسخت أنا في صحيفة .
ابطال قول الناووسية والواقفة في الغيبة
ثم غلطت الناووسية بعد ذلك في أمر الغيبة بعد ما صح وقوعها عندهم بحجة الله على عباده فاعتقدوها جهلا منهم بموضعها في الصادق بن محمد عليهما السلام حتى أبطل الله قولهم بوفاته عليه السلام وبقيام كاظم الغيظ الاواه الحليم ، الامام أبي إبراهيم موسى ابن جعفر عليهما السلام بالامر مقام الصادق عليه السلام .
وكذلك ادعت الوافقية ذلك في موسى بن جعفر عليهما السلام فأبطل الله قولهم باظهار موته وموضع قبره ، ثم بقيام الرضا علي بن موسى عليهما السلام بالامر بعده ، وظهور علامات الامامة فيه مع ورود النصوص عليه من آبائه عليهم السلام .
فمما روى في وفاة موسى بن جعفر عليهما السلام ( 1 )
ما حدثني به محمد بن إبراهيم بن إسحاق ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا أحمد بن ـ محمد بن عمار ، قال : حدثني الحسن بن محمد القطعي ، عن الحسن بن علي النخاس العدل عن الحسن بن عبد الواحد الخزاز ، عن علي بن جعفر ، عن عمر بن واقد قال : أرسل إلي السندي بن شاهك في بعض الليل وأنا ببغداد فاستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي ، فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم ركبت إليه ، فما رآني مقبلا قال : يا أبا حفص لعلنا أرعبناك وأفزعناك ، قلت : نعم قال : فليس ههنا إلا خير ، قلت : فرسول تبعثه إلى منزلي يخبرهم خبري ؟ فقال : نعم ثم قال : يا أبا حفص أتدري لم أرسلت إليك ؟ فقلت : لا فقال : أتعرف موسى بن جعفر ؟ فقلت : اي والله إني لاعرفه وبيني وبينه صداقة منذ دهر ، فقال : من ههنا ببغداد يعرفه ممن يقبل قوله ؟ فسميت له أقواما ووقع في نفسي أنه عليه السلام قد مات ، قال : فبعث إليهم وجاء بهم كما جاء بي ، فقال : هل تعرفون قوما يعرفون موسى بن ـ
____________
( 1 ) العنوان من المؤلف .
( 38 )

جعفر ؟ فسموا له قوما ، فجاء بهم ، فأصبحنا ونحن في الدار نيف وخمسون رجلا ممن يعرف موسى وقد صحبه ، قال : ثم قام ودخل وصلينا ، فخرج كاتبه ومعه طومار فكتب أسماءنا ومنازلنا وأعمالنا وخلانا ، ثم دخل إلى السندي ، قال : فخرج السندي فضرب يده إلي فقال : قم يا أبا حفص ، فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا وقال لي : يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر ، فكشفته فرأيته ميتا فبكيت و استرجعت ، ثم قال للقوم : انظروا إليه ، فدنا واحد بعد واحد فنظروا إليه ثم قال : تشهدون كلكم أن هذا موسى بن جعفر بن محمد ؟ قالوا : نعم نشهد أنه موسى بن ـ جعفر بن محمد ، ثم قال : يا غلام اطرح على عورته منديلا واكشفه ، قال : ففعل ، فقال : أترون به أثرا تنكرونه ؟ فقلنا : لا ما نرى به شيئا ولا نراه إلا ميتا ، قال : لا تبرحوا حتى تغسلوه واكفنه وأدفنه ، قال : فلم نبرح حتى غسل وكفن وحمل فصلى عليه السندي بن شاهك ، ودفناه ورجعنا ، فكان عمر بن ـ واقد يقول : ما أحد هو أعلم بموسى بن جعفر عليهما السلام مني ، كيف تقولون : إنه حي وأنا دفنته .
حدثنا عبد الواحد بن محمد العطار ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا علي بن محمد بن ـ قتيبة ، عن حمدان بن سليمان النيسابوري ، عن الحسن بن عبد الله الصيرفي ، عن أبيه قال : توفي موسى بن جعفر عليهما السلام في يد السندي بن شاهك فحملم على نعش ونودي عليه هذا إمام الرافضة فاعرفوه ، فلما اتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا الأمن أراد أن ينظر إلى الخبيث بن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج ، فخرج سليمان بن ـ أبي جعفر ( 1 ) من قصره إلى الشط فسمع الصياح والضوضاء ( 2 ) فقال لولده وغلمانه : ما هذا ؟ قالوا : السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش ، فقال لولده وغلمانه : يوشك أن يفعل به هذا في الجانب الغربي ، فإذا عبر به فأنزلوا مع غلمانكم
____________
( 1 ) هو عم الرشيد أحد أركان الدولة العباسية .
( 2 ) الضوضاء : وزنا ـ ومعنى ـ وأصوات الناس في الحرب .

( 39 )

فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فاضربوهم واخرقوا ما عليهم من السواد ، قال : فلما عبروابه نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ووضعوه في مفرق أربع طرق ( 1 ) وأقام المنادين ينادون : الأمن أراد أن ينظر إلى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر فليخرج ، وحضر الخلق وغسله وحنطه بحنوط وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفي وخمسمائة دينار ، مكتوبا عليها القرآن كله ، واحتفى ( 2 ) ومشى في جنازته ، متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه عليه السلام هناك ، وكتب بخبره إلى الرشيد ، فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر : وصلت رحمك يا عم وأحسن الله جزاك ، والله ، ما فعل السندي بن شاهك ـ لعنه الله ـ ما فعله عن أمرنا .
حدثنا أحمد بن زياد الهمداني ـ رضي الله عنه ـ قال : حدثنا علي بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن صدقة العنبري قال : لما توفي أبو إبراهيم موسى ابن جعفر عليهما السلام جمع هارون الرشيد شيوخ الطالبية وبني العباس وسائر أهل المملكة والحكام وأحضر أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام فقال : هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه ( 3 ) وما كان بيني وبينه ما استغفر الله منه في أمره يعني في قتله فانظروا إليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا إلى موسى بن جعفر عليهما السلام وليس به أثر جراحة ولاسم ولاخنق ، وكان في رجله أثر الحناء فأخذه سليمان بن أبي جعفر وتولى غسله وتكفينه واحتفى وتحسر في جنازته ( 4 ) .
حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن المعلى بن محمد البصري قال : حدثني علي بن رباط قال : قلت لعلي بن موسى الرضا عليهما السلام : إن عندنا رجلا يذكر أن أباك عليه السلام حي وأنك تعلم من ذلك ما تعلم ؟ فقال عليه السلام : سبحان الله مات رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم يمت موسى بن جعفر ؟ ! بلى والله
____________
( 1 ) يعنى الموضع الذى يتشعب منه الطرق ويقال له بالفارسية ( چهار راه ) .
( 2 ) أي مشى حافيا بلا نعل . وقوله : « متسلبا » أي بلا رداء ولازينة .
( 3 ) أي مات من غير قتل ولا ضرب ، بل مات بأجله .
( 4 ) تحسر إي تلهف أو مشى بلا رداء وعمامة .

( 40 )

لقد مات وقسمت أمواله ونكحت جواريه .
ادعاء الواقفة الغيبة على العسكري ( ع )
ثم ادعت الواقفة على الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام أن الغيبة وقعت به لصحة أمر الغيبة عندهم وجهلهم بموضعها وأنه القائم المهدي ، فلما صحت وفاته عليه السلام بطل قولهم فيه وثبت بالاخبار الصحيحة التي قد ذكرناها في هذا الكتاب أن الغيبة واقعة بابنه عليه السلام دونه .
فمما روى في صحة وفاة الحسن بن على بن محمد العسكري ( ع ) ( 1 )
ما حدثنا به أبي ، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ـ رضي الله عنهما ـ قالا : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا من حضر موت الحسن بن علي بن محمد العسكري عليهم السلام ودفنه ممن لا يوقف على إحصاء عددهم ولا يجوز على مثلهم التواطؤ بالكذب . وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين ومائتين وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن ابن علي العسكري عليهما السلام بثمانية عشرة سنة أو أكثر مجلس أحمد بن عبيد الله بن يحيى ابن خاقان ( 2 ) وهو عامل السلطان يومئذ على الخراج والضياع بكورة قم ، وكان من أنصب خلق الله وأشدهم عداوة لهم ، فجرى ذكر المقيمين من آل أبي طالب بسر ـ من رأى ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان ، فقال أحمد بن عبيد الله : ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام ، ولا سمعت به في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان وجميع بني هاشم ، وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر ، وكذلك القواد والوزراء والكتاب وعوام الناس فاني كنت قائما ذات يوم على رأس ابي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل عليه حجابه فقالوا له : إن ابن الرضا على الباب ، فقال بصوت عال : ائذنوا له ( 3 ) فدخل رجل أسمر أعين حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن
____________
( 1 ) العنوان من المؤلف .
( 2 ) في أعلام الورى « أحمد بن عبد الله بن يحيى بن خاقان » .
( 3 ) زاد في الكافي ج 1 ص 503 « فتعجبت مما سمعت منهم أنهم جسروا يكنون رجلا على أبي بحضرته ولم يكن عنده الا خليفة أو ولى عهد أو من أمر السلطان أن يكنى » .