لخدمته ولخرجت معه .
27 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال : حدثنا محمد بن يعقوب الاصم قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير الشيباني ( 1 ) عن زكريا بن يحيى المدني قال : حدثني عكرمة قال : سمعت ابن عباس يقول : لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما .

12
( باب )
* ( في خبر عبد المطلب وأبي طالب ) *
وكان عبد المطلب وأبو طالب من أعرف العلماء وأعلمهم بشأن النبي صلى الله عليه وآله وكانا يكتمان ذلك عن الجهال وأهل الكفر والضلال .
28 ـ حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي الله عنه قال : حدثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبي قال : حدثني الهيثم بن عمرو المزني ، عن إبراهيم بن عقيل الهذلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إلا هو إجلالا له وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب ، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج وهو غلام فيمشي حتى يجلس على الفراش فيعظم ذلك على أعمامه ( 2 ) ويأخذونه ليؤخروه فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم : دعوا ابني فو الله إن له لشأنا عظيما إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم ، إني أرى غرته غرة تسود الناس ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره ويقبله ويقول : ما رأيت قبلة أطيب منه ولا أطهر قط ، ولا جسدا ألين منه ولا أطيب منه ، ثم يلتفت إلى أبي طالب وذلك أن عبد الله وأبا طالب لام واحد ،
____________
( 1 ) هو يونس بن بكير الشيباني المعنون في التهذيب تحت رقم 844 قال ابن معين صدوق .
( 2 ) في بعض النسخ « فيعظمان ذلك أعمامه » .

( 172 )

فيقول : يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأنا عظيما فاحفظه واستمسك به فإنه فرد وحيد وكن له كالام ، لا يصل إليه بشئ يكرهه ، ثم يحمله على عنقه فيطوف به اسبوعا ، فكان عبد المطلب قد علم أنه يكره اللات والعزى فلا يدخله عليهما ، فلما تمت له ست سنين ماتت امه آمنة بالابواء بين مكة والمدينة وكانت قدمت به على أخواله من بني عدي فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله يتيما لا أب له ولا ام فأزداد عبد المطلب له رقة وحفظا ، وكانت هذه حاله حتى أدركت عبد المطلب الوفاة فبعث إلى أبي طالب ومحمد على صدره وهو في غمرات الموت وهو يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول : يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة امه ، انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك فإني قد تركت بني كلهم واوصيتك به لانك من ام أبيه ، يا أبا طالب إن أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس و أعلم الناس به ، فإن استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك فإنه و الله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي ، يا أبا طالب ما أعلم أحدا من ابائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا امه على حال امه فاحفظه لوحدته ، هل قبلت وصيتي فيه ؟ فقال : نعم قد قبلت ، والله علي بذلك شهيد ، فقال عبد المطلب : فمد يدك إلي ، فمد يده إليه ، فضرب يده على يده ثم قال عبد المطلب : الان خفف علي الموت ، ثم لم يزل يقبله ، ويقول : أشهد أني لم أقبل أحدا من ولدي أطيب ريحا منك ولا أحس وجها منك ، ويتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه ، فمات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين ، فضمه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل ولا نهار وكان ينام معه حتى لا يأتمن عليه أحدا .
29 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال : حدثنا محمد بن يعقوب الاصم قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد ابن إسحاق بن يسار المدني ( 1 ) قال : حدثنا العباس بن عبد الله بن سعيد ، عن بعض
____________
( 1 ) هو محمد بن اسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق ، امام المغازي ( التقريب )
( 173 )

أهله قال : كان يوضع لعبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وآله فراش في ظل الكعبة فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأتي حتى يجلس عليه فيذهب أعمامه ليؤخروه ، فيقول جده عبد المطلب : دعوا ابني ، فيمسح على ظهره ويقول : إن لابني هذا لشأنا .
فتوفي عبد المطلب والنبي صلى الله عليه واله ابن ثمان سنين بعد عام الفيل بثمان سنين .
30 ـ حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال : حدثنا أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد ابن إسماعيل قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبي ، عن خالد بن الياس ، عن أبي بكر ابن عبد الله بن أبي جهم قال : حدثني أبي ، عن جدي قال : سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال : بينا أنا نائم في الحجر ( 1 ) إذ رأيت رؤيا هالتني فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز ، وجمتي ( 2 ) تضرب منكبي فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي ، فقالت : ما شأن سيد العرب متغير اللون هل رابه من حدثان الدهر ريب ( 3 ) فقلت لها : بلي إني رأيت الليلة وأنا قائم في الحجر كأن شجرة قد نبتت على ظهري قد نال رأسها السماء وضربت أغصانها الشرق والغرب ورأيت نورا يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ورأيت العرب والعجم ساجدة لها وهي كل يوم تزداد عظما ونورا ، ورأيت رهطا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها وأنظفهم ثيابا فيأخذهم ويكسر ظهورهم ، ويقلع أعينهم ، فرفعت يدي لا تناول غصنا من أغصانها ، فصاح بي الشاب وقال : مهلا ليس لك منها نصيب ، فقلت : لمن النصيب والشجرة مني ؟ فقال النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها وستعود ( 4 )
____________
( 1 ) يعني حجر اسماعيل عليه السلام .
( 2 ) المطرف ـ بضم الميم وكسرها وفتحها الثوب الذي في طرفيه علمان . والجمة ـ بالضم والشد ـ : مجتمع شعر الرأس وما سقط على المنكبين منها وهي أكثر من الوفرة ، ويقال للرجل الطويل الجمة : الجماني بالنون على غير قياس ( الصحاح )
( 3 ) رابه أمر يريبه : رأى منه ما يكرهه ويزعجه ، والريب نازلة الدهر .
( 4 ) في بعض النسخ « سيعود » .

( 174 )

إليها فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون فرأيت لون الكاهنة قد تغير ، ثم قالت : لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق والغرب ، ينبأ في الناس ، فسرى عني غمي ( 1 ) فانظر يا أبا طالب لعلك تكون أنت ، فكان أبو طالب يحدث الناس بهذا الحديث والنبي صلى الله عليه وآله قد خرج ويقول : كانت الشجرة والله أبا القاسم الامين ، فقيل له : فلم لم تؤمن به ؟ فقال : للسبة والعار ( 2 ) .
قال أبو جعفر محمد بن علي مصنف هذا الكتاب ـ رضي الله عنه ـ : إن أبا طالب كان مؤمنا ولكنه يظهر الشرك ويستتر الايمان ليكون أشد تمكنا من نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله .
31 ـ حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ، عن علي بن أبي سارة ، عن محمد ابن مروان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن أبا طالب أظهر الكفر وأسر الايمان فلما حضرته الوفاة أوحى الله عزوجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أخرج منها فليس لك بها ناصر . فهاجر إلى المدينة .
32 ـ حدثنا أحمد بن محمد الصائغ قال : حدثنا محمد بن أيوب ، عن صالح بن أسباط عن إسماعيل بن محمد ، وعلي بن عبد الله ، عن الربيع بن محمد المسلي ، عن سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباته قال : سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : والله ما عبد أبي
____________
( 1 ) سرى الغم : ذهب وزال .
( 2 ) السبة : العار ، وقال العلامة المجلسي ( ره ) : يحتمل أن يكون المراد بالذين تعلقوا بها الذين يريدون قلعها ، ويكون قوله : « وستعود » بالتاء أي ستعود تلك الجماعة بعد منازعتهم ومحاربتهم إلى هذه الشجرة ويؤمنون بها فيكون لهم النصيب منها ، أو بالياء فيكون المستتر راجعا إلى الرسول صلى الله عليه وآله والبارز في « منها » إلى الجماعة أي سيعود النبي إليهم بعد اخراجهم له إلى الشجرة أي سيرجع هذا الشاب إلى الشجرة في اليقظة كما تعلق بها في النوم ، و احتمل احتمالين آخرين راجع البحار باب تاريخ ولادته صلى الله عليه وآله وما يتعلق بها .

( 175 )

ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنما قط ، قيل له : فما كانوا يعبدون ؟ قال : كانوا يصلون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسكين به .
33 ـ حدثنا علي بن أحمد رضي الله عنه قال : حدثنا أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبي ، عن سعيد بن مسلم ، عن قمار مولى لبني مخزوم ، عن سعيد بن أبي صالح ، عن أبيه ( 1 ) ، عن ابن عباس قال : سمعت أبي العباس يحدث قال : ولد لابي عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نورا يزهر كنور الشمس ، فقال أبي : إن لهذا الغلام شأنا عظيما ، قال : فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب ثم رجع راجعا حتى سقط على بيت الكعبة ، فسجدت له قريش كلها ، فبينما الناس يتأملونه إذا صار نورا بين السماء والارض وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب ، فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم فقالت لي : يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعا له ، قال أبي : فهمني أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقا فلما مات عبد الله ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه وآله أتيت فرأيت النور بين عينيه يزهر فحملته وتفرست في وجهه فوجدت منه ريح المسك ، وصرت كأني قطعة مسك من شدة ريحي ، فحدثتني آمنة وقالت لي : إنه لما أخذتي الطلق واشتد بي الامر سمعت جلبة ( 2 ) وكلاما لا يشبه كلام الادميين ، فرأيت علما من سندس على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السماء والارض ، ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السماء ، ورأيت قصور الشامات كلها شعلة نور ( 3 ) ، ورأيت حولي من القطاة أمرا عظيما قد نشرت من أجنحتها حولي ورأيت تابع شعيرة الاسدية قد مرت وهي تقول : آمنة ما لقيت الكهان والاصنام من ولدك ، ورأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا وأشدهم بياضا
____________
( 1 ) أبو صالح الذي يروي عن ابن عباس اسمه ميزان بصري وثقه ابن معين لكن لم أظفر على سعيد في كتب الرجال وكذا راويه قمار أو قصارو السند كما تري عامى مجهول مقطوع .
( 2 ) الجلبة : اختلاط الاصوات .
( 3 ) في بعض النسخ « شعلة نار » .

( 176 )

وأحسنهم ثيابا ما ظننته إلا عبد المطلب قد دنامني فأخذ المولود فتفل في فيه ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد ومشط من ذهب فشق بطنه شقا ثم أخرج قلبه فشقه فأخرج منه نكتة سوداء فرمى به ثم أخرج صرة من حريرة خضراء ففتحها فإذا فيها كالذريرة البيضاء فحشاه ، ثم رده إلى ما كان ، ومسح على بطنه واستنطقه فنطق فلم أفهم ما قال إلا أنه قال : في أمان الله وحفظه وكلاءته ، وقد حشوت قلبك إيمانا وعلما وحلما ويقينا وعقلا وحكما فأنت خير البشر ، طوبى لمن اتبعك وويل لمن تخلف عنك ، ثم أخرج صرة اخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب به على كتفيه ، ثم قال : أمرني ربي أن أنفخ فيك من روح القدس ، فنفخ فيه ، وألبسه قميصا وقال : هذا أمانك من آفات الدنيا ، فهذا ما رأيت يا عباس بعيني ، فقال العباس : وأنا يومئذ أقرء فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوة بين كتفيه ، فلم أزل أكتم شأنه ونسيت الحديث فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتى ذكرني رسول الله صلى الله عليه وآله ( 1 ) .

13
( باب )
* ( في خبر سيف بن ذى يزن ) *
وكان سيف بن ذي يزن عارفا بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وقد بشربه عبد المطلب لما وفد عليه .
32 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه قال : حدثني عمي محمد ابن أبي القاسم ، عن محمد بن علي الكوفي ، عن علي بن حكيم ، عن عمرو بن بكار العبسي ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وحدثنا محمد بن علي ابن محمد بن حاتم البوفكي قال : حدثنا أبو منصور محمد بن أحمد بن أزهر بهراة ( 2 ) قال :
____________
( 1 ) في بعض النسخ هنا حديث كعب الاخبار وهو موجود في الامالي ولا حاجة إلى ذكره بعد ما لم يكن في أكثر النسخ ـ
( 2 ) هو الازهري اللغوي الشافعي المترجم في الوافي بالوفيات ج 2 ص 45 تحت رقم

( 177 )

حدثنا محمد بن إسحاق البصري قال : أخبرنا علي بن حرب قال : حدثني أحمد بن عثمان ابن حكيم قال : حدثنا عمرو بن بكر ( 1 ) ، عن أحمد بن القاسم ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : لما ظفر سيف بن ذي يزن بالحبشة وذلك بعد مولد النبي صلى الله عليه وآله بسنتين أتاه وفد العرب وأشرافها وشعراؤها بالتهنئة وتمدحه و تذكر ما كان من بلائه وطلبه بثار قومه فأتاه وفد من قريش ومعهم عبد المطلب بن هاشم وامية بن عبد شمس وعبد الله بن جذعان وأسد بن خويلد بن عبد العزى ووهب ابن عبد مناف في اناس من وجوه قريش فقدموا عليه صنعاء فاستأذنوا فإذا هو في رأس قصر يقال له : غمدان ، وهو الذي يقول فيه امية بن أبي الصلت :
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا * في رأس غمدان دارا منك محلالا
فدخل عليه الآذن فأخبره بمكانهم ، فأذن لهم فلما دخلوا عليه دنا عبد المطلب منه فاستأذنه في الكلام فقال له : إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك ، قال : فقال عبد المطلب : إن الله قد أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا وأنبتك منبتا طابت أرومته ، وعذبت جرثومته ( 2 ) وثبت أصله وبسق فرعه ( 3 ) في أكرم موطن وأطيب ( موضع وأحسن ) معدن ، وأنت أبيت اللعن ( 4 ) ملك العرب وربيعها الذي تخصب به . وأنت أيها الملك رأس العرب الذي له تنقاد ، وعمودها الذي عليه العماد ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد ، سلفك خير سلف ، وأنت لنا منهم خير خلف ، فلن
____________
319 ، وأما راويه فلم أجده فيما عندي من كتب التراجم . وبوفك قرية من قرى نيسابور . و في بعض النسخ « محمد بن علي بن حاتم البرمكي » وفي بعضها « النوفلي » ثم اعلم أن أكبر رجال السندين مجاهيل أو ضعفاء .
( 1 ) متروك كما في تقريب التهذيب . وفي بعض النسخ « بكير » وهو تصحيف .
( 2 ) الباذخ : الشامخ . والارومة : الاصل . والجرثومة بمعناها .
( 3 ) الباسق : المرتفع ، وبسق النخل : طال .
( 4 ) قال الجوهرى : قولهم في تحية الملوك في الجاهلية : « أبيت اللعن » قال ابن السكيت : أي أبيت أن تأتي من الامور ما تلعن عليه .

( 178 )

يخمل من أنت سلفه ، ولن يهلك من أنت خلفه ، نحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته أشخصنا إليك الذي أبهجنا من كشف الكرب الذي فدحنا ( 1 ) فنحن وفد التهنئة لا وفد المرزئة ( 2 ) .
قال : وأيهم أنت أيها المتكلم ؟ قال : أنا عبد المطلب بن هاشم ، قال : ابن اختنا ؟ قال : نعم ، قال : ادن ، فدنا منه ، ثم أقبل على القوم وعليه فقال : مرحبا وأهلا ، وناقة ورحلا ، ومستناخا سهلا ، وملكا وربحلا ( 3 ) ، قد سمع الملك مقالتكم وعرف قرابتكم وقبل : وسيلتكم ، فأنتم أهل الليل وأهل النهار ، ولكم الكرامة ما أقمتم ، والحباء إذا ظعنتم ( 4 ) قال : ثم انهضوا إلى دار الضيافة والوفود فأقاموا شهرا لا يصلون إليه ولا يأذن لهم بالانصراف ، ثم انتبه لهم انتباهة ( 5 ) فأرسل إلى عبدا المطلب فأدنى مجلسه وأخلاه ، ثم قال له : يا عبد المطلب إني مفوض إليك ( 6 ) من سر علمي أمرا ما لو كان غيرك لم أبح له به ولكني رأيتك معدنه فاطلعك طلعة ( 7 ) فليكن عندك مطويا حتى يأذن الله فيه فان الله بالغ أمره ، إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي اخترناه لانفسنا واحتجنا دون غيرنا خبرا عظيما وخطرا جسيما ، فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة ، للناس عامة ، ولرهطك كافة
____________
( 1 ) البهج : السرور . و « فدحنا » أي أثقلنا وبهظنا .
( 2 ) المرزئة : المصيبة العظيمة .
( 3 ) في أكثر النسخ وكنز الفوائد للكراجكي بدون الواو . لكن في البحار « وربحلا » وقال في بيانه في النهاية : الربحل ـ بكسر الراء وفتح الباء الموحدة ـ : الكثير العطاء . وفي بعض النسخ « ونجلا » والنجل : النسل .
( 4 ) قوله : و « أنتم أهل الليل والنهار » أي نصحبكم ونأنس بكم فيهما . والحباء العطاء . والظعن : الارتحال .
( 5 ) أي ذكرهم مفاجأة .
( 6 ) في بعض النسخ « اني مفض اليك » وهو الاصوب .
( 7 ) في بعض النسخ « فأطلعك عليه » .

( 179 )

ولك خاصة ، فقال عبد المطلب : مثلك أيها الملك من سر وبر ، فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر ، فقال : إذا ولد بتهامة غلام بين كتفيه شامة ، كانت له الامامة ولكم به الدعامة ( 1 ) إلى يوم القيامة . فقال له عبد المطلب : أبيت اللعن لقد ابت بخبر ما آب بمثله وافد ، ولو لا هيبة الملك وإجلاله وإعظامه لسألته عن مساره إياي ما ازداد ( 2 ) به سرورا ، فقال ابن ذي يزن : هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد فيه ، اسمه محمد ، يموت أبوه وامه ويكلفه جده وعمه ، وقد ولد سرارا ، والله باعثه جهارا ، وجاعل له منا أنصارا ، ليعزبهم أولياؤه ، ويذل بهم أعداءه ، يضرب بهم الناس عن عرض ( 3 ) ، ويستفتح بهم كرائم الارض ، يكسر الاوثان ، ويخمد النيران ، ويعبد الرحمن ، ويدحر الشيطان ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهى عن المنكر ويبطله .
فقال عبد المطلب : أيها الملك عز جدك وعلا كعبك ( 4 ) ، ودام ملكك ، و طال عمرك فهل الملك ساري بافصاح فقد أوضح لي بعض الايضاح ، فقال ابن ذي يزن : والبيت ذي الحجب والعلامات على النصب ( 5 ) إنك يا عبد المطلب لجده غير كذب
____________
( 1 ) في بعض النسخ « الزعامة » أي الرئاسة . والدعامة : عماد البيت .
( 2 ) في البحار وبعض نسخ الكتاب « لسألته من أسراره ما أراد ـ الخ » .
( 3 ) العرض ـ بضم العين المهملة والضاد المعجمة بينهما راء مهملة ـ قال في القاموس : « يضربون الناس عن عرض » أي يبالون من ضربوا .
( 4 ) قال الجزري في حديث قيلة « والله لا يزال كعبك عاليا » هو دعاء لها بالشرف والعلو ، والاصل فيه كعب القناة ، وكل شيء علا وارتفع فهو كعب . ومنه سميت الكعبة للبيت الحرام ، وقيل : سميت لتكعيبها أي تربيعها . والمعنى : لا تزال كنت شريفا مرتفعا على من يعاديك . والجد : البخت والنصيب .
( 5 ) في بعض النسخ « على البيت » والنصب فسر بحجارة كانوا يذبحون عليها للاصنام ويمكن أن يكون المراد أنصاب الحرم .

( 180 )

قال : فخز عبد المطلب ساجدا فقال له : ارفع رأسك ثلج صدرك ( 1 ) وعلا أمرك ، فهل أحسست شيئا مما ذكرته ؟ فقال : كان لي ابن وكنت به معجبا وعليه رفيقا فزوجته بكريمة من كرائم قومي اسمها آمنة بنت وهب فجاءت بغلام سميته محمدا ، مات أبوه وامه وكفلته أنا وعمه ، فقال ابن ذي يزن : إن الذي قلت لك كما قلت لك ، فاحتفظ بابنك واحذر عليه اليهود فإنهم له أعداء ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا ، و اطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك ، فإني لست آمن أن تدخلهم النفاسة من أن تكون له الرئاسة ، فيطلبون له الغوائل ( 2 ) وينصبون له الحبائل ، وهم فاعلون أو أبناؤهم ، ولو لا علمي بأن الموت مجتاحي ( 3 ) قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى صرت بيثرب دار ملكه نصرة له ، لكني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن يثرب دار ملكه ، وبها استحكام أمره وأهل نصرته وموضع قبره ، ولو لا أني أخاف فيه الافات وأحذر عليه العاهات لاعلنت على حداثة سنه أمره في هذا الوقت ولا وطئن أسنان العرب عقبه ( 4 ) ولكني صارف إليك عن غير تقصير مني بمن معك .
قال : ثم أمر لكل رجل من القوم بعشرة أعبد وعشر إماء وحلتين من البرود ، ومائة من الابل ، وخمسة أرطال ذهب وعشرة أرطال فضة وكرش مملوءة عنبرا . قال : وأمر لعبد المطلب بعشرة أضعاف ذلك ، وقال : إذا حال الحول فائتني ، فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول ، قال : فكان عبد المطلب كثيرا ما يقول : يا معشر قريش لا يغبطني
____________
( 1 ) في النهاية « ثلجت نفسي بالامر » إذا اطمأنت إليه وسكنت وثبتت فيها ووثقت به . ومنه حديث ابن ذي يزن « وثلج صدرك » .
( 2 ) المراد بالنفاسة : الحسد ، وفي الاصل بمعنى البخل والاستبداد بالشيء والرغبة فيه . والغوائل جمع الغائلة وهي الشر ، والحبائل : المصائد .
( 3 ) الاجتياح : الاهلاك والاستيصال .
( 4 ) كذا وفى النهاية : في حديث ابن ذي يزن « لاوطئن أسنان العرب كعبه » يريد ذوي أسنانهم وهم الاكابر والاشراف . وقال العلامة المجلسي بعد ذكره : أي لرفعته على أشرافهم وجعلتهم موضع قدمه .

( 181 )

رجل منكم بجزيل عطاء الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد ، ولكن يغبطني بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره وشرفه . وإذا قيل متى ذلك ؟ قال : ستعلمن نبأ ما أقول ولو بعد حين .
وفي ذلك يقول امية بن عبد شمس يذكر مسيرهم إلى ابن ذي يزن :

جلبنـا الضح تحملـه المطايـا * على أكوار أجمـال ونوق ( 1 )
مغلغلـة مغالقهـا تغـالى ( 3 ) * إلى صنعـاء مـن فج عميـق
يؤم بنا ابن ذي يزن ويهدي ( 3 ) * ذوات بطونهـا أم الطريق ( 4 )
وتزجــي من مخائلـه بروقـا * مواصلة الوميض إلى بروق ( 5 )
فلمــا وافقت صنعاء صـارت * بدار الملك والحسب العريق ( 6 )
إلى ملـك يــدر لنـا العطايـا * بحسن بشـاشـة الوجه الطليـق

____________
( 1 ) قال الجزري : فيه « يكون رسول الله في الضح والريح » قال الهروي : أراد كثرة الخيل والجيش ، يقال : جاء فلان بالضح والريح أي بما طلعت عليه الشمس . وهبت عليه الريح . يعنون المال الكثير . وقال : الاكوار جمع كور ـ بالضم ـ وهو رحل الناقة بأداته .
( 2 ) المغلغلة ـ بفتح الغينين المعجمتين ـ الرسالة المحمولة من بلد إلى بلد . و ـ بكسر الثانية ـ : المسرعة من الغلغلة : سرعة السير . وقوله « تغالى » من الغلو وفى أكثر النسخ بالعين المهملة وفى البحار أيضا أي تتصاعد وتذهب .
( 3 ) في بعض النسخ وأكثر الروايات « وتفرى » أي تقطع .
( 4 ) أم الطريق : معظمه .
( 5 ) الازجاء : السوق والدفع . والمخائل جمع المخيلة وهي السحابة التي تحسبها ماطرة . والوميض : لمعان البرق .
( 6 ) أعرق الرجل أي صار عريقا وهو الذي له عرق في الكرم ( الصحاح ) .

( 182 )

14
( باب )
* ( في خبر بحيرى الراهب ) *
وكان بحيرى الراهب ( 1 ) ممن قد عرف النبي صلى الله عليه وآله بصفته ونعته ونسبه واسمه قبل ظهوره بالنبوة ، وكان من المنتظرين لخروجه .
35 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، وعلي بن أحمد بن محمد ، ومحمد بن أحمد الشيباني ( 2 ) قالوا : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى بن زكريا القطان قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبي ، عن الهيثم ( 3 ) ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن أبيه العباس بن ـ عبد المطلب ، عن أبي طالب قال : خرجت إلي الشام تاجرا سنة ثمان من مولد النبي صلى الله عليه وآله ، وكان في أشد ما يكون من الحر ، فلما أجمعت على السير قال لي رجال من قومي : ما تريد أن تفعل بمحمد وعلى من تخلفه ؟ فقلت : لا أريد أن أخلفه على أحد من الناس أريد أن يكون معي ، فقيل : غلام صغير في حر مثل هذا تخرجه معك ؟ فقلت : والله لا يفارقني حيثما توجهت أبدا فاني لاوطئ له الرحل ، فذهبت فحشوت له حشية ( كساء وكتانا ( 4 ) ) وكنا ركبانا كثيرا فكان والله البعير الذي عليه محمد أمامي لا يفارقني
____________
( 1 ) بحيرى ـ بفتح الموحدة وكسر الحاء ( كذا ضبطه الديار بكري في تاريخ الخميس ) .
( 2 ) في بعض النسخ « الشامي » ولعله السناني المكتب .
( 3 ) مجهول والظاهر الصواب « هشيم » لما ذكر هو فيمن يروى عن محمد بن السائب الكلبي كما في تهذيب التهذيب لكن تقدمت وتأتي رواية عبد الله بن محمد عن أبيه عن الهيثم بن عمرو . وأما عبد الله بن محمد فيحتمل أن يكون هو ابن محمد بن مروان السدي الاصغر المتهم بالكذب ، والعلم عند الله .
( 4 ) في بعض النسخ « ريشا وكنانا » ولعله هو الصوا ب .

( 183 )

وكان يسبق الركب كلهم ، فكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه فتقف على رأسه لا تفارقه ، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة إلا بدينارين ، وكنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض ويكثر الماء وتخضر الارض ، فكنا في كل خصب وطيب من الخير ، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله صلى الله عليه وآله ومسح يده عليها فسارت ، فلما قربنا من بصرى الشام ( 1 ) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت وإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق رسول الله صلى الله عليه وآله ساعة واحدة وكان الراهب لا يكلم الناس ولا يدري ما الركب ولا ما فيه من التجارة ، فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله عرفه فسمعته يقول : إن كان أحد فأنت أنت قال : فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الا غصان ليس لها حمل ، وكانت الركبان ننزلون تحتها فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة وألقت أغصانها ( 2 ) على رسول الله صلى الله عليه وآله وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء ، فتعجب جميع من معنا من ذلك ، فلما رأى بحيرى الراهب ذلك ذهب فاتخذ لرسول الله صلى الله عليه وآله طعاما بقدر ما يكفيه .
ثم جاء وقال : من يتولى أمر هذا الغلام ؟ فقلت : أنا ، فقال : أي شيء تكون منه ؟ فقلت : أنا عمه فقال : يا هذا إن له أعمام فأي الاعمام أنت ؟ فقلت : أنا أخو أبيه من أم واحدة ، فقال : أشهد أنه هو وإلا فلست بحيرى ، ثم قال لي : يا هذا تأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله ؟ فقلت له : قربه إليه ، ورأيته كارها لذلك ، والتفت إلى
____________
( 1 ) بصرى ـ بضم الموحدة ـ : مدينة حوران ، فتحت صلحا لخمس بقين من ربيع الاول سنة ثلاث عشرة وهي أول مدينة فتحت بالشام . وقد وردها رسول الله صلى الله عليه وآله مرتين كما في المواهب المدينة .
( 2 ) في بعض نسخ الحديث « وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وآله ـ الخ » وقال الجزري : أصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه اليك وتعطفه ، ومنه الحديث « انه صلى الله عليه وآله كان مع أبي طالب فنزل تحت شجرة فهصرت أغصان الشجرة » أي تهدلت عليه .

( 184 )

النبي صلى الله عليه وآله فقلت : يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل فقال : هو لي دون أصحابي ؟ فقال بحيرى : نعم هو لك خاصة فقال النبي صلى الله عليه وآله فإني لا آكل دون هؤلاء ، فقال بحيرى : إنه لم يكن عندي أكثر من هذا ؟ فقال : أفتأذن يا بحيرى إلى أن يأكلوا معي ؟ فقال : بلى ، فقال : كلوا بسم الله ، فأكل وأكلنا معه فوالله لقد كنا مائة وسبعين رجلا وأكل كل واحد منا حتى شبع وتجشأ ، وبحيري قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام ، وفي كل ساعة يقبل رأسه و يافوخه ، ويقول : هو هو ورب المسيح ، والناس لا يفقهون فقال له رجل من الركب : إن لك لشأنا قد كنا نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر ؟ فقال بحيرى : والله إن لي لشأنا وشأنا ، وإني لارى ما لا ترون وأعلم ما لا تعلمون وإن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه ، والله ما أكرمتكم إلا له ، ولقد رأيت له ـ وقد أقبل ـ نورا أضاء له ما بين السماء والارض ، ولقد رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبر جدير وحونه ، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ثم هذه السحابة لا تفارقه ، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الاغصان ولقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه ، فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء ، ثم هذه الحياض التي غارت و ذهبت ماؤها أيام تمرج بني إسرائيل ( 1 ) بعد الحواريين حين وردوا عليهم فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها ، ثم قال : متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لاجل نبي يخرج في أرض تهامة مهاجرا إلى المدينة اسمه في قومه الامين وفي السماء أحمد وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه . فوالله إنه لهو .
ثم قال بحيرى : يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى إلا ( ما ) أخبرتنيها ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزى وقال : لا تسألني بهما فوالله
____________
( 1 ) المرج ـ بالتحريك ـ : الفساد والغلق والاضطراب .
( 185 )

ما أبغضت شيئا كبغضهما ، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي ، فقال بحيرى : هذه واحدة ، ثم قال : فبالله إلا ما أخبرتني ، فقال : سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شيء ، فقال : أسألك عن نومك ويقظتك ، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه ، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته التي عنده ، فانكب عليه بحيرى ، فقبل رجليه وقال : يا بني ما أطيبك وأطيب ريحك ، يا أكثر النبيين أتباعا ، يا من بهاء نور الدنيا من نوره ، يا من بذكره تعمر المساجد ، كأني بك قد قدت الاجناد والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعا وكرها وكأني باللات والعزى وقد كسرتهما وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد ، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه ، معك مفاتيح الجنان والنيران ، معك الذبح الاكبر وهلاك الاصنام ، أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قميئة ( 1 ) فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول : لئن أدركت زمانك لاضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند ( 2 ) أنت سيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين و خاتم النبيين ، والله لقد ضحكت الارض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا بك ، والله لقد بكت البيع والاصنام والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة ، أنت دعوة إبراهيم وبشرى عيسى ، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية ، ثم التفت إلى أبي طالب وقال : ما يكون هذا الغلام منك ؟ فإني أراك لا تفارقه ، فقال أبو طالب : هو ابني ، فقال : ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا ولا أمه فقال : إنه ابن أخي وقد مات أبوه وأمه حاملة به ، وماتت أمه وهو ابن ست سنين ، فقال : صدقت هكذا هو ، ولكن أرى لك أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه فإنه ما بقي على ظهر الارض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام ، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينه شرا وأكثر ذلك هؤلاء اليهود ، فقال
____________
( 1 ) أي ذليلة .
( 2 ) الزند : الذي يقدح به النار .

( 186 )

أبو طالب : ولم ذلك ؟ قال : لانه كائن لابن أخيك هذه النبوة والرسالة ويأتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى ، فقال أبو طالب : كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه .
ثم خرجنا به إلى الشام فلما قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلها قد اهتزت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس ، فلما توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحموا الناس وينظرون إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ، وذهب الخبر في جميع الشامات حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه ، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا فجلس حذاه ينظر إليه ولا يكلمه بشيء حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا فقلت له : يا راهب كأنك تريد منه شيئا ؟ فقال : أجل إني أريد منه شيئا ما اسمه ؟ قلت : محمد بن عبد الله فتغير والله لونه ، ثم قال : فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لانظر إليه ، فكشف عن ظهره ، فلما رأى الخاتم انكب عليه يقبله ويبكي ، ثم قال : يا هذا اسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك ، فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام ، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده فقال لي : أترى أن يلبس هذا القميص ليذكرني به ، فلم يقبله ورأيته كارها لذلك ، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم وقلت : أنا البسه وعجلت به حتى رددته إلى مكة ، فوالله ما بقي بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل ـ لعنه الله ـ فإنه كان فاتكا ماجنا ( 1 ) قد ثمل من السكر ( 2 ) .
____________
( 1 ) الفاتك : الذي يرتكب ما دعت إليه النفس ، والجرى الشجاع . والماجن : الذي لا يبالى قولا وفعلا . والثمل : السكر . يقال : ثمل ـ كفرح ـ والمراد هنا شدته ، أو السكر ـ بالتحريك ـ وهو الخمر ونبيذ يتخذ من التمر .
( 2 ) اعلم أن هذه القصة مع ضعف سندها وانقطاعها واشتمالها على الغرائب التى كانت شأن الاساطير نقلها جمع من المؤرخين باختلافات في متنها وألفاظها راجع سيرة ابن هشام

( 187 )

36 ـ وبهذا الاسناد ، عن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي . وحدثني عبد الرحمن ابن محمد ، عن ( محمد بن ) ( 1 ) عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده أن أبا طالب قال : لما فارقه بحيرى بكى بكاء شديدا وأخذ يقول : يا ابن آمنة كأني بك وقد رمتك العرب بوترها ، وقد قطعك الاقارب ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الاولاد ثم التفت إلى وقال : أما أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة واحتفظ فيه وصية أبيك فإن قريشا ستهجرك فيه فلا تبال ، وإني أعلم أنك لا تؤمن به ظاهرا ولكن ستؤمن به باطنا ، ولكن سيؤمن به ولد تلده وسينصره نصرا عزيزا اسمه في السماوات البطل الهاصر ، و ( في الارض ) الشجاع الانزع ( 2 ) منه الفرخان المستشهدان وهو سيد العرب ورئيسها وذو قرنيها وهو في الكتب أعرف من أصحاب عيسى عليه السلام ، فقال أبو طالب : والله قد رأيت كل الذي وصفه بحيرى وأكثر .
37 ـ حدثنا أبي رحمه الله قال : حدثنا على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان يرفعه قال : لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله أراد أبو طالب أن يخرج إلى الشام في عير قريش ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وتشبث بالزمام وقال : يا عم على من تخلفني لا على ام ولا على أب ، وقد كانت امه توفيت ، فرق له أبو طالب ورحمه وأخرجه معه وكانوا إذا ساروا تسير إلى رأس رسول الله صلى الله عليه وآله غمامة تظله من الشمس
____________
ج 1 ص 191 ، والمواهب اللدنية وشرحه ، واعلام الورى ، وتاريخ الطبري ، وتاريخ الخميس وغيرها .
( 1 ) ما بين القوسين زائد من النساخ ولا يخفى على من له معرفة بالرجال ، والمراد بعبد الرحمن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم . وبعبد الله عبد الله ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الانصاري كما يظهر من تهذيب التهذيب ج 6 ص 264 وج 5 ص 164 .
( 2 ) البطل : الشجاع . والهاصر : الاسد الشديد الذي يفترس ويكسر ، والانزع : الذى ينحسر شعر مقدم رأسه مما فوق الجبين ، وفي بعض النسخ « الاقرع » والمراد : الاصلع .

( 188 )

فمروا في طريقهم برجل يقال له : بحيرى فلما رأى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته واتخذ لقريش طعاما وبعث إليهم يسألهم أن يأتوه ، وقد كانوا نزلوا تحت شجرة فبعث إليهم يدعوهم إلى طعامه فقالوا له : يا بحيرى والله ما كنا نعهد هذا منك ، قال قد أحببت أن تأتوني ، فأتوه وخلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله في الرحل ، فنظر بحيرى إلى الغمامة قائمة ، فقال لهم : هل بقي منكم أحد لم يأتني ؟ فقالوا : ما بقي منا إلا غلام حدث خلفناه في الرحل ، فقال : لا ينبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فلما أقبل أقبلت الغمامة ، فلما نظر إليه بحيرى قال : من هذا الغلام ؟ قالوا : ابن هذا وأشاروا إلى أبي طالب ، فقال له بحيرى : هذا ابنك ؟ قال أبو طالب : هذا ابن أخي قال : ما فعل أبوه ؟ قال : توفي ، وهو حمل ، فقال بحيرى لابي طالب : رد هذا الغلام إلى بلاده فإنه إن علمت به اليهود ما أعلم منه قتلوه ، فإن لهذا شأنا من الشأن ، هذا نبي هذه الامة ، هذا نبي السيف .
15
( باب )
* ( ذكر ما حكاه خالد بن اسيد بن أبى العيص ، وطليق بن سفيان بن امية عن ) *
* ( كبير الرهبان في طريق الشام من معرفته بأمر النبي صلى الله عليه وآله ) *
38 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، وعلي بن أحمد بن محمد ، ومحمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنهم قالوا : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني الهيثم بن عمرو المزني ( 1 ) ، عن عمه ، عن يعلى النسابة قال : خرج خالد بن أسيد بن أبي العيص ، وطليق بن سفيان بن امية تجارا إلى الشام سنة خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فيها فكانا معه ، وكان يحكيان أنهما رأيا في مسيره وركوبه مما يصنع الوحش والطير ، فلما توسطنا سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاؤوا متغير الالوان كأن على
____________
( 1 ) تقدم الكلام فيه ص 182 .
( 189 )

وجوههم الزعفران ترى منهم الرعدة فقالوا : نحب أن تأتوا كبيرنا فإنه ههنا قريب في الكنيسة العظمى ، فقلنا : ما لنا ولكم ؟ فقالوا : ليس يضركم من هذا شئ ولعلنا نكرمكم ، وظنوا أن واحد منا محمد فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة البينان فإذا كبيرهم قد توسطهم وحوله تلامذته ، وقد نشر كتابا في يديه ، فأخذ ينظر إلينا مرة وفي الكتاب مرة فقال لاصحابه : ما صنعتم شيئا لم تأتوني بالذي اريد ، وهو الان ههنا .
ثم قال لنا : من أنتم ؟ فقلنا : رهط من قريش ، فقال : من أي قريش ؟ فقلنا من بني عبد شمس ، فقال لنا : معكم غيركم ؟ فقلنا : نعم شاب من بني هاشم نسميه يتيم بني عبد المطلب ، فو الله لقد نخر نخره ( 1 ) كاد أن يغشى عليه ، ثم وثب فقال : أوه أوه هلكت النصرانية والمسيح ، ثم قام واتكأ على صليب من صلبانه وهو مفكر وحوله ثمانون رجلا من البطارقة والتلامذة ، فقال لنا : فيخف عليكم أن ترونيه ؟ فقلنا له : نعم فجاء معنا فإذا نحن بمحمد صلى الله عليه وآله قائم في سوق بصرى ، والله لكأنا لم نر وجهه إلا يومئذ كأن هلالا يتلالا من وجهه ، وقد ربح الكثير واشترى الكثير ، فأردنا أن نقول للقس هو هذا ؟ فإذا هو قد سبقنا فقال : هو هو ، قد عرفته والمسيح ، فدنا منه وقبل رأسه وقال له : أنت المقدس ، ثم أخذ يسأله عن أشياء من علاماته ، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله يخبره فسمعناه يقول : لئن أدركت زمانك لاعطين السيف حقه ، ثم قال لنا : أتعلمون ما معه ؟ معه الحياة والموت ، من تعلق به حيى طويلا ، ومن زاغ عنه مات موتا لا يحيى بعده أبدا ، هو هذا الذي معه الذبح الاعظم ( 2 ) ، ثم قبل رأسه ورجع راجعا .
____________
( 1 ) نخر الانسان : مد الصوت والنفس في خياشيمه .
( 2 ) في بعض النسخ « الربح الاعظم » .

( 190 )

16
( باب )
* ( في خبر أبى المويهب الراهب ) *
وكان أبوالمويهب الراهب من العارفين بأمر النبي صلى الله عليه وآله وبصفته ، وبوصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه .
39 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، وعلي بن أحمد بن محمد ، ومحمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنهم قالوا : حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي ، وقيس بن سعد الديلمي ( 1 ) عن عبد الله بحير الفقعسي ( 2 ) ، عن بكر بن عبد الله الاشجعي ، عن آبائه قالوا : خرج سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وعبد مناة بن كنانة ، نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن يعمر بن نعمامة بن عدي تجارا إلى الشام فلقيهما أبوالمويهب الراهب فقال لهما : من أنتما ؟ قالا : نحن تجار من أهل الحرم من قريش ، فقال لهما : من أي قريش ؟ فأخبراه ، فقال لهما : هل قدم معكما من قريش غيركما ؟ قالا : نعم شاب من بني هاشم اسمه محمد ، فقال أبوالمويهب ، إياه والله أردت ، فقالا : والله ما في قريش أخمل ذكرا منه إنما يسمونه يتيم قريش وهو أجير لامرأة منا يقال لها : خديجة ، فما حاجتك إليه ؟ فأخذ يحرك رأسه ويقول : هو هو ، فقال لهما : تدلاني عليه ، فقالا : تركناه في سوق بصرى ، فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : هو هذا ، فخلا به ساعة يناجيه ويكلمه ، ثم أخذ يقبل بين عينيه وأخرج شيئا من كمه لا ندري ما هو ورسول الله صلى الله عليه وآله يأبى أن يقبله ، فلما فارقه قال لنا : تسمعان مني هذا والله نبي آخر الزمان ، والله
____________
( 1 ) في بعض النسخ « قيس بن سعيد الديلمي » وفي بعضها « قيس بن سعد الديلي » .
( 2 ) في بعض النسخ « عبد الله بن يحيى الفقعسي » . وفي بعضها « عبد الله بن بحير الثقفي » . فقعس أبو قبيلة من بني أسد . ( الصحاح ) .

( 191 )

سيخرج قريب فيدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه ، ثم قال : هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له علي ؟ فقلنا : لا قال : إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته هو أول من يؤمن به ، نعرفه ، وإنا لنجد صفته عندنا بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة ، وإنه سيد العرب وربانيها وذو قرنيها ، يعطى السيف حقه ، اسمه في الملأ الاعلى علي ، هو أعلى الخلائق بعد الانبياء ذكرا ، وتسميه الملائكة البطل الازهر المفلج ، لا يتوجه إلى وجه إلا أفلج وظفر ، والله لهو أعرف بين أصحابه في السماء من الشمس الطالعة .

17
( باب )
* ( خبر سطيح الكاهن
( 1 ) ) *
40 ـ حدثنا أحمد بن محمد رزمة القزويني ( 2 ) قال : حدثنا الحسن بن علي بن نصر بن منصور الطوسي قال : حدثنا علي بن حرب الموصلي الطائي قال : حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران من ولد جرير بن عبد الله قال : حدثني مخزوم بن هانئ ( 3 ) المخزومي ، عن أبيه وقد أتت له مائة وخمسون سنة قال : لما كانت الليلة التي ولد
____________
( 1 ) سطيح ـ كامير ـ الكاهن الذئبي من بني ذئب كان يتكهن في الجاهلية ، سمى بذلك لانه كان إذا غضب قعد منبسطا على الارض فيما زعموا . وقيل : سمى بذلك لانه لم يكن له بين مفاصله قصب تعمده ، فكان أبدا منبسطا منسطحا على الارض لا يقدر على قيام ولا قعود ، ويقال : كان لاعظم له فيه سوى رأسه ( لسان العرب ) .
( 2 ) ترجمه الرافعي في التدوين كما في فهرسته تحت رقم 251 وقال : أحمد بن محمد ابن رزمة القزويني المعدل .
( 3 ) في لسان العرب في مادة « سطح » قال : روى الازهرى باسناده عن مخزوم بن هانئ المخزومى عن أبيه . وساق كما في المتن إلى قوله « امارة عثمان » في آخر الخبر .

( 192 )

فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ارتجس أيوان كسرى ، وسقطت منه أربع عشرة شرافة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس ، ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة ( 1 ) ، ورأى الموبذان ( 2 ) إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت الدجلة وانتشرت في بلادها ، فلما أصبح كسرى هاله ما رأى فتصبر عليها تشجعا ، ثم رأى أن لا يسر ذلك عن وزرائه ، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم وأخبرهم بما رأى ، فبينما هم كذلك ، إذ ورد عليه الكتاب بخمود نار فارس ، فازداد غما إلى غمه وقال الموبذان : وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة ، ثم قص عليه رؤياه في الابل والخيل ، فقال : أي شيء يكون هذا يا موبذان ؟ ـ وكان أعلمهم في أنفسهم ـ فقال : حادث يكون في ناحية العرب ، فكتب عند ذلك : من كسرى ملك الملوك إلى نعمان بن المنذر : أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه ، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني فلما قدم عليه قال : عندك علم ما أريد أن أسألك عنه ؟ قال : ليسألني الملك أو ليخبرني فان كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه ، فأخبره بما رأى ، فقال : علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف الشام ( 3 ) يقال له : سطيح ، قال : فأته فاسأله وأخبرني بما يرد عليك ، فخرج عبد المسيح حتى ورد على سطيح وقد أشرف على الموت فسلم عليه وحياه ، فلم يرد عليه سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول :
أصم أم يسمع غطريف اليمن * أم فاز فاز لم به شأو العنن ( 4 )

____________
( 1 ) في اللسان « مائة عام » .
( 2 ) في القاموس الموبذان ـ بضم الميم وفتح الباء فقيه الفرس ، وحاكم المجوس كالموبذ . والجمع الموابذة واللهاء فيها للعجمة .
( 3 ) المشارف : القرى التي تقرب من المدن ، وقيل : القرى التى بين بلاد الريف و . جزيرة العرب .
( 4 ) الغطريف ـ بالكسر ـ : السيد . وقوله « فاز » أي مات . وفي بعض النسخ « فاد » بالدال وهو بمعناه و « ازلم » أي ذهب مسرعا . وأصله « ازلام » فحذفت الهمزة تخفيفا والشأو : السبق والغاية . والعنن : الاعتراض ، وشأ والعنن : اعتراض الموت وسبقه .

( 193 )

يا فاصل الخطة أعيت من ومن * وكاشف الكربة في الوجه الغضن ( 1 )
أتاك شيـخ الحي مـن آل سنن * وأمـه من آل ذئب بــن حجن ( 2 )
أروق ضخم الناب صـرار الاذن * أبيض فضفاض الرداء والبـدن ( 3 )
رسول قيل العجم كسرى للوسـن * لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن ( 4 )
تجوب في الارض علنداة شجـن * ترفعني طورا وتهوي بي وجن ( 5 )

____________
( 1 ) الفاصل : المبين ، الحاكم . والخطة ـ بضم الخاء وشد الطاء ـ : الخطب ، والامر والحال ، أي يامن يبين ويظهر امورا أعيت وأعجزت « من ومن » أي جماعة كثيرة . والوجه الغضن هو الوجه الذي فيه تكسر وتجعد من شدة الهم والكرب الذى نزل به . ( النهاية )
( 2 ) السنن ـ محركة ـ : الابل تسنن في عدوها . وفي بعض النسخ « شتن ـ بالمعجمة والتاء المثناة الفوقانية ـ وفي القاموس الشتن : النسج والحياكة . وفي تاريخ اليعقوبي « آل يزن » .
( 3 ) أروق في بعض النسخ « أزرق » وهو صفة للبعير ولونه ، وأروق أيضا بمعناه . وفي بعض الكتب « أصك » أي الذى يصطك قدماه . وقوله « ضخم الناب » كذا في جميع النسخ وفى النهاية : في حديث سطيح « أزرق مهم الناب صرار الاذن » أي حديد الناب ، قال الازهري : هكذا روى ، وأظنه « مهو الناب » بالواو ، يقال : سيف مهو أي حديد ماض وأورده الزمخشري « ممهى الناب » وقال : الممهي : المحدد ، من أمهيت الحديدة إذا حددتها ، شبه بعيره بالنمر لزرقة عينيه وسرعة سيره . وقال : صر اذنه وصررها : سواها ونصبها . والاصوب كون هذا المصرع بعد ذلك في سياق ذكر البعير كما في سائر الكتب فانه فيها بعد قوله : « والقطن » . والفضفاض : الواسع والبدن : الدرع . قال الجزري : يريد به كثرة العطاء ، وقال غيره : كناية عن سعة الصدر .
( 4 ) الفيل ـ بالفتح ـ : الملك . وقيل : الملك من ملوك حمير ، وقيل : هو الرئيس دون الملك الاعلى . راجع « ق ول » من أقرب الموارد . وقوله « كسرى » في بعض الكتب « يسرى » أي يجرى . و « للوسن » أي لشأن الرؤيا التي رآها الموبذان أو الملك . و « الرعد » في بعض النسخ « الوعد » . وفي بعض الكتب « الدهر » .
( 5 ) تجوب أي تقطع . والعنلداة : الناقة القوية . والشجن ـ بالتحريك ـ الناقة

( 194 )

حتى أتى عاري الجآجي والقطن * تلفه في الريح بوغاء الدمن ( 1 )
كأنما حثحث من حضني ثكن ( 2 )
فلما سمع سطيح شعره فتح عينيه وقال : عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح ، وقد أوفى على الضريح ( 3 ) بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الايوان ، وخمود النيران ، ورؤيا الموبذان ، رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا ، قد قطعت الدجلة ، وانتشرت في بلادها ، وغاضت بحيرة ساوة ، فقال : يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة ، وبعث صاحب
____________
المتداخلة الخلق . وفي اللسان « علنداة شرن » أي تمشى من نشاطها على جانب . وفيه أيضا « ترفعني وجنا وتهوى بي وجن » والوجن : الارض الغليظة . والوجناء : الناقة الشديدة أي لم تزل الناقة التي هذه صفتها ترفعني مرة في الارض بهذه الصفة وتخففني اخرى . وفي أكثر نسخ الكتاب « تهوى بي دجن » ـ بالدال المهملة ـ والظاهر انه تصحيف . ودجن بالمكان دجنا أقام به واستأنس والدجنة : الظلمة .
( 1 ) الجآجى جمع الجؤجؤ وهو الصدر . والقطن ـ بالتحريك ـ : ما بين الوركين يعني أن السير قد هزلها وذهب بلحمها . وفي بعض الكتب « عالى الجآجى » وهو قريب من العاري لان العظم إذا عرى عن اللحم يرى مرتفعا عاليا . والبوغاء : التراب الناعم . والدمن جمع دمنة ـ بكسر الدال وفتح الميم ـ : ما تدمن منه أي تجمع وتلبد . كذا في النهاية وقال : كأنه من المقلوب تقديره « تلفه الريح في بوغاء الدمن » وتشهد له الرواية الاخرى « تلفه الريح ببوغاء الدمن » .
( 2 ) حثحث : أسرع وحث . والحضن : الجانب . وثكن ـ بفتح أوله وثانيه ـ : جبل بالبادية . يعني من كثرة التراب والغبار الذى أصابه في سرعة سيره كأنما أعجل من هذا الموضع الذى اجتمع فيه التراب الكثير .
( 3 ) « يسيح » كذا في النسخ وفي اللسان والعقد الفريد والنهاية « مشيح » والمشيح ـ بضم الميم وكسر المعجمة والحاء المهملة ـ : الجاد المسرع . « وقد أوفى » أي أشرف . والضريح : القبر أي قرب أن يدخل القبر .

( 195 )

الهراوة ( 1 ) ، وفاض وادي سماوة ، وغاضت بحيرة ساوة فليس الشام لسطيح شاما ، ( 2 ) يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكلما هو آت آت ، ثم قضى سطيح مكانه ، فنهض عبد المسيح إلى رحله ويقول :
شمر فانك ماضي العـزم شمير * لا يفزعنك تفريـق وتغيير ( 3 )
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم * فان ذا الدهر أطوار دهارير ( 4 )
وربما كان قد أضحوا بمنـزلة * تهاب صولهم الاسد المهاصير ( 5 )
منهم أخو الصرح بهرام وإخوته * والهرمزان وسابور وسابور ( 6 )
والناس أولاد علات فمـن علموا * أن قد أقل فمحقور ومهجور ( 7 )
وهم بنو الام لما ان رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور ( 8 )
والخير والشر مقرونـان في قرن * فالخيـر متبع والشـر محذور

قال : فلما قدم على كسرى أخبره بما قال سطيح فقال : إلى أن يملك منا أربعة
____________
( 1 ) المراد بالتلاوة تلاوة القرآن . والهراوة : العصا ، وصاحب الهراوة هو النبي الاكرم صلى الله عليه وآله لانه يأخذ العنزة بيده .
( 2 ) أي لم يبق سطيح ، أو يتغير أحوال الشام .
( 3 ) الشمير : الشديد التشمير ، وفي اللسان « شمر فانك ما عمرت شمير » .
( 4 ) أفرطهم " أي تركهم وزال عنهم . والاطوار : الحالات . والدهارير : الشديد جمع الدهر يعنى أن الدهر ذو تصاريف ونوائب .
( 5 ) المهاصير جمع المهصار وهو الشديد الذى يفترس .
( 6 ) الصرح : القصر . وفي بعض النسخ « وهرمزان » بدون اللام .
( 7 ) اولاد علات أي لامهات شتى ، كناية عن عدم الالفة بينهم . وقوله : « أن قد أقل » أي افتقر وقل ما في يده .
( 8 ) « وهم بنو أم » أي يعطف بعضهم على بعض . والنشب ـ بالتحريك ـ : المال والعقار .

( 196 )

عشر ملكا قد كانت أمور ، قال : فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى إمارة عثمان .
وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس وذلك أكثر من ثلاثين قرنا ، وكان مسكنه بالبحرين فيزعم عبد القيس أنه منهم وتزعم الازد أنه منهم ، وأكثر المحدثين قالوا : هو من الازد ولا يدرى ممن هو ، غير أن عقبه يقولون : نحن من الازد .
18
( باب )
* ( خبر يوسف اليهودي بالنبي « ص » وبصفاته وعلاماته ) *
41 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان رفعه بإسناده قال : لما بلغ عبد الله بن عبد المطلب زوجه عبد ـ المطلب آمنة بنت وهب الزهري فلما تزوج بها حملت برسول الله صلى الله عليه وآله فروي عنها أنها قالت : لما حملت به لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النساء من ثقل الحمل ، فرأيت في نومي كان آت أتاني فقال لي : قد حملت بخير الانام ، فلما حان وقت الولادة خف علي ذلك حتى وضعته ، وهو يتقي الارض بيده وركبتيه ، وسمعت قائلا يقول : وضعت خير البشر فعوذيه بالواحد الصمد من شر كل باغ وحاسد .
« فولد رسول الله صلى الله عليه وآله عام الفيل لاثنتي عشرة ليلة مضت ( 1 ) من ربيع الاول يوم الاثنين » .
فقالت آمنة : لما سقط إلى الارض اتقى الارض بيديه وركبتيه ورفع رأسه إلى السماء ، وخرج مني نور أضاء ما بين السماء والارض ، ورميت الشياطين بالنجوم و حجبوا عن السماء ، ورأت قريش الشهب والنجوم تسير في السماء ، ففزعوا لذلك ، و قالوا : هذا قيام الساعة ، فاجتمعوا إلى الوليد بن المغيرة فأخبروه بذلك ، وكان شيخا كبيرا مجربا ، فقال : انظروا إلى هذه النجوم التى تهتدوا بها في البر والبحر ، فإن
____________
( 1 ) كذا . ولعله يكون « بقيت » فصحف وهذا من كلام المصنف .
( 197 )

كانت قد زالت فهو قيام الساعة وإن كانت هذه ثابته فهو لامر قد حدث .
وأبصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه أنهم قد منعوا من السماء ورموا بالشهب ، فقال : اطلبوا فإن أمرا قد حدث ، فجالوا في الدنيا ورجعوا وقالوا : لم نر شيئا ، فقال : أنا لهذا ، فخرق ما بين المشرق والمغرب فلما انتهى إلى الحرم وجد الحرم محفوفا بالملائكة ، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل عليه السلام فقال : اخسأ يا ملعون ، فجاء من قبل حراء فصار مثل الصرد قال : يا جبرئيل ما هذا ؟ قال : هذا نبي قد ولد وهو خير الانبياء ، قال : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا ، قال : ففي أمته ؟ قال : بلى ، قال : قد رضيت .
قال : وكان بمكة يهودي يقال له : يوسف فلما رأى النجوم يقذف بها وتتحرك قال : هذا نبي قد ولد في هذه الليلة وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد ـ وهو آخر الانبياء ـ رجمت الشياطين وحجبوا عن السماء ، فلما أصبح جاء إلى نادي قريش فقال : يا معشر قريش هل ولد فيكم الليلة مولود ؟ قالوا : لا قال : أخطأتم والتوراة ولد إذا بفلسطين وهو آخر الانبياء وأفضلهم ، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كل رجل منهم أهله بما قال اليهودي فقالوا : لقد ولد لعبد الله بن عبد المطلب ابن في هذه الليلة ، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي فقال لهم : قبل أن أسألكم أو بعده ؟ قالوا : قبل ذلك ، قال : فاعرضوه علي ، فمشوا إلى باب آمنة فقالوا : اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي ، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه ، وكشف عن كتفيه فرأى شامة سوداء بين كتفيه وعليها شعرات ، فلما نظر إليه وقع على الارض مغشيا عليه ، فتعجب منه قريش وضحكوا منه فقال : أتضحكون يا معشر قريش ، هذا نبي السيف ليبيرنكم ( 1 ) وقد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الابد ، وتفرق الناس ويتحدثون بخبر اليهودي ونشأ رسول الله صلى الله عليه وآله في اليوم كما ينشأ غيره في الجمعة وينشأ في الجمعة كما ينشأ غيره في الشهر .
____________
( 1 ) أي ليهلكنكم . وفي بعض النسخ « ليتبرنكم » .
( 198 )

19
( باب )
* ( خبر ( دواس ) ابن حواش المقبل من الشام ) *
42 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن أبي عمير ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي جميعا ، عن أبان بن عثمان الاحمر ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله بكعب بن أسد ( 1 ) ليضرب عنقه فاخرج وذلك في غزوة بني قريظة نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له : يا كعب أما نفعك وصية ابن حواش الحبر الذي أقبل من الشام فقال : « تركت الخمر والخمير وجئت إلى الموس والتمور ( 2 ) لنبي يبعث ، هذا أو ان خروجه يكون مخرجه بمكة وهذه دار هجرته وهو الضحوك القتال ، يجتزي بالكسيرات والتمرات ويركب الحمار العاري ، في عينيه حمرة وبين كتفيه خاتم النبوة ، يضع سيفه على عاتقه ولا يبالي بمن لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر » ؟ ! قال كعب : قد كان ذلك يا محمد ، ولو لا أن اليهود تعيرني أني جبنت عند القتل لامنت بك وصدقتك ولكني على دين اليهودية عليه احيى وعليه أموت ، فقال رسول الله صلى عليه وآله : فقد موه واضربوا عنقه ، فقدم وضرب عنقه .
20
( باب )
* ( خبر زيد بن عمرو بن نفيل ) *
وكان زيد بن عمرو بن نفيل ( 3 ) يطلب الدين الحنيف ويعرف أمر النبي صلى الله عليه وآله و
____________
( 1 ) هو رئيس بني قريظة .
( 2 ) كذا وفي بعض النسخ « جئت إلى البؤس والتمور » .
( 3 ) في المعارف لا بن قتيبة الدينوري : زيد بن عمرو بن نفيل هو أبو سعيد أحد العشرة

( 199 )

43 ـ حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسين البزاز النيسابوري قال : حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني قال : كان زيد بن عمرو بن نفيل أجمع على الخروج من مكة يضرب في الارض ويطلب الحنيفية ـ دين إبراهيم عليه السلام ـ وكانت امرأته صفيه بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض إلى الخروج وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل ( 2 ) فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الاول دين إبراهيم عليه السلام ويسأل عنه ، فلم يزل في ذلك فيما يزعمون حتى أتى الموصل و الجزيرة كلها ، ثم أقبل حتى أتى الشام فجال فيها حتى أتى راهبا بميفعة من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم النصرانية فيما يزعمون فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام فقال له الراهب : إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد له الان من يحملك عليه اليوم ، لقد درس علمه وذهب من كان يعرفه ، ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم الحنيفية فعليك ببلادك فإنه مبعوث الان ، هذا زمانه ولقد كان سئم اليهودية والنصرانية ، فلم يرض شيئا منهما ، فخرج مسرعا حين قال له الراهب ما قال يريد مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه .
فقال ورقة بن نوفل ـ وقد كان اتبع مثل أثر زيد ولم يفعل في ذلك ما فعل ـ فبكاه ورقة وقال فيه :

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنــورا من النار حاميـا
بدينـك ربا ليــس رب كمثله * وتركك أوثان الطواغي كماهيا ( 2 )
ينتظر خروجه وخرج في طلبه فقتل في الطريق .
____________
المسمين للجنة ، وكان رغب عن عبادة الاوثان وطلب الدين ، فقتله النصارى بالشام . وقال النبي صلى الله عليه وآله : « يبعث أمة وحده » .
( 1 ) وكان الخطاب بن نفيل عمه وأخاه لامه وكان يعاتبه على فراق دين قومه ، وكان الخطاب قد وكل صفية به ، وقال : إذا رأيته قدهم بأمر فآذنيني به . ( قاله ابن هشام ) .
( 2 ) في المعارف « وتركك جنان الجبال كماهيا » وجنان ـ بكسر الجيم وشد النون ـ

( 200 )

وقد تدرك الانسان رحمة ربه * ولو كان تحت الارض ستين واديا
44 ـ وبهذا الاسناد ، عن أحمد بن محمد بن إسحاق بن يسار المدني قال : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ( 4 ) ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الحصين التميمي : أن عمر بن الخطاب وسعيد بن زيد قالا : يا رسول الله أنستغفر لزيد ؟ قال : نعم فاستغفروا له فإنه يبعث يوم القيامة امة وحده .
45 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين البزاز قال : حدثنا محمد بن يعقوب بن ـ يوسف قال : حدثنا أحمد بن عبد الجبار ، عن يونس بن بكير ، عن المسعودي ، عن نفيل بن هشام ، عن أبيه أن جده سعيد بن زيد سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عن أبيه زيد بن عمرو ، فقال : يا رسول الله إن أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت وكما بلغك فلو أدركك كان آمن بك فأستغفر له ؟ قال : نعم فاستغفر له ، وقال : إنه يجئ يوم القيامة امة وحده ، وكان فيما ذكروا أنه يطلب الدين فمات وهو في طلبه .
قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : حال النبي صلى الله عليه وآله قبل النبوة حال قائمنا وصاحب زماننا عليه السلام في وقتنا هذا وذلك أنه لم يعرف خبر النبي صلى الله عليه واله في ذلك الوقت إلا الاحبار والرهبان والذين قد انتهى إليهم العلم به فكان الاسلام غريبا فيهم وكان الواحد منهم إذا سأل الله تبارك وتعالى بتعجيل فرج نبيه وإظهار أمره سخر منه أهل الجهل والضلال وقالوا له : متى يخرج هذا النبي الذي تزعمون أنه نبي السيف و أن دعوته تبلغ المشرق والمغرب وأنه ينقاد له ملوك الارض كما يقول الجهال لنا في وقتنا هذا : متى يخرج هذا المهدي الذي تزعمون أنه لا بد من خروجه وظهوره و ينكره قوم ويقربه آخرون ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : إن الاسلام بدء غريبا وسيعود غريبا
____________
جمع جان ، ويريد بجنان الجبال : الذين يأمرون بالفساد من شياطين الانس .
( 1 ) محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام الاسدي المدني قال ابن سعد : كان عالما وقال الدار قطني ثقة مدني ( تهذيب التهذيب ) ، وفي بعض النسخ « محمد بن جعفر بن الاثير » وهو تصحيف .

( 201 )

( كما بدء ) فطوبى للغرباء ، فقد عاد الاسلام كما قال عليه السلام غريبا في هذا الزمان كما بدء و سيقوي بظهور ولي الله وحجته كما قوى بظهور نبي الله ورسوله وتقر بذلك أعين المنتظرين له والقائلين بإمامته كما قرت أعين المنتظرين لرسول الله والعارفين به بعد ظهوره ، وإن الله عزوجل لينجز لاوليائه ما وعدهم ويعلي كلمته ويتم نوره ولو كره المشركون .
46 ـ حدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي رضي الله عنه قال : حدثني جدي الحسن بن علي ، عن جده عبد الله بن المغيرة ، عن إسماعيل ابن مسلم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الاسلام بدء غريبا وسيعود غريبا ، فطوبى للغرباء .
47 ـ حدثنا المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي العمري السمرقندي رضي الله عنه ـ قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود ، عن أبيه محمد بن مسعود ، عن جعفر بن أحمد العمركي ابن علي البوفكي ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الاسلام بدء غريبا وسيعود غريبا كما بدء ، فطوبى للغرباء .

21
( باب )
* ( العلة التى من أجلها يحتاج إلى الامام عليه السلام ) *
1 ـ حدثنا أبي ، ومحمد الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت له : أتبقي الارض بغير إمام ؟ قال : لو بقيت الارض بغير إمام ساعة لساخت .
2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد ـ


( 202 )

ابن الحسن الصفار قال : حدثنا العباس بن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن محمد ابن الهيثم ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قلت له : أتبقى الارض بغير إمام ، فقال : لا ، قلت : فإنا نروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله على أهل الارض أو على العباد ، فقال : لا تبقى إذا لساحت .
3 ـ حدثنا أبي ؛ ومحمد الحسن رضي الله عنهما قالا : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي عبد الله زكريا بن محمد المؤمن ، عن أبي ـ هراسة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : لو أن الامام رفع من الارض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله ( 1 ) .
4 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أحمد بن ـ محمد بن عيسى ، وإبراهيم بن مهزيار ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسين بن سعيد ، عن أبي علي البجلي ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث له في الحسين علي عليهما السلام أنه قال في آخره : ولو لا من على الارض من حجج الله لنفضت الارض ما فيها وألقت ما عليها ، إن الارض لا تخلو ساعة من الحجة .
5 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن أبي داود سليمان بن سفيان المسترق ، عن أحمد بن عمر الحلال قال : قتل لابي الحسن الرضا عليه السلام : إنا روينا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : إن الارض لا تبقى بغير إمام ، أو تبقى ولا إمام فيها ؟ فقال : معاذ الله لا تبقى ساعة إذا لساخت .
6 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا الحسن بن أحمد المالكي ، عن أبيه عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا عليه السلام : نحن حجج الله في خلقه ، وخلفاؤه في عباده ، وأمناؤه على سره ، ونحن كلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريته ، بنا يمسك الله السموات والارض أن تزولا ، وبنا ينزل الغيث و ينشر الرحمة ، ولا تخلو الارض من قائم منا ظاهر أو خاف ، ولو خلت يوما بغير حجة
____________
( 1 ) ماج أي اضطرب .