(111)
وحاجتهم إلى آل الزبير ، فيستعطون أرزاقهم ويتقربون لهم للحصول على أعطياتهم ، وقد تنكر الراوي إلى حقائق تاريخية تظهر شأن علي بن الحسين عليهما السلام وقدره حتى من أعدائه ، وهو عليه السلام كان يعيش بعد واقعة الطف في أخطر ظرف سياسي يتربص لتحركاته ، ومع هذا فقد هيمن عليه السلام على قلوب أعدائه ، فضلا عن شيعته ومريدية . فقد كانت وقعة الحرة في المدينة شاهدا على تعظيم علي بن الحسين عليهما السلام في أعين أعدائه فضلا عن أتباعه ، وكان مسرف بن عقبة حين دخل المدينة لم يتعرض لعلي بن الحسين عليهما السلام ، بل قال حين رأي الإمام عليه السلام : إن أمير المؤمنين أوصاني بك خيرا .
     وروى ابن سعد في الطبقات أن مروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان كانا يحبان علي بن الحسين عليهما السلام ويجللانه (1) .
     على أن هذا التجليل لا يعني الاعتقاد ، بقدر ما يعني رضوخهما لواقع الأمر مما كان عليه الإمام عليه السلام ، من الهيمنة على قلوب المسلمين وتعظيمهم له ، بل كان له سيرته المعروفة في البر والعطاء ، وكان موفور المال غير محتاج إلى أحد ، بل كان عليه السلام يعطي للمحتاجين .
     فقد روى ابن الجوزي أن علي بن الحسين عليهما السلام دخل على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي ، فقال علي : ماشأنك ؟ قال : عليّ دين ، قال : كم هو ؟ قال : خمسة عشر ألف دينار ، قال : فهو عليّ .
     وما رواه أيضا من أن رجلا كان يتعرض لعلي بن الحسين عليهما السلام ، فأمر له الإمام بألف درهم وألقى عليه خميصة كانت عليه ، فكان الرجل بعد ذلك يقول : أشهد أنك من أولاد الرسول (2) .
(1) الطبقات الكبرى 3 : 421 .
(2) صفة الصفوة 1 : 393 .

(112)
     إلى غير ذلك من كرائم صفاته وجليل عطاياه ، فهل كان بعد ذلك يحتاج إلى عطايا آل الزبير ليحمل أخته إلى مصعبهم فيعطيه ألف ألف درهم ؟! ومتى عرف آل الزبير بالعطاء ؟ إذ لم ير منهم سوى الشح والضيق على الرعية ، حتى ضج الناس من بخل آل الزبير ، فقال قائلهم وهو أبو وجزة مولى الزبير:
إن المـوالي أمست وهـي عـاتبة مـاذا عـلينا ومـاذا كـان يرزؤنا على الخليفة تشكو الجوع والحربا أي الملوك على ما حولنا غلبا (1)
     وقال الضحاك بن فيروز الديلمي :
تـخبرنا أن سـوف تكـفيك قـبضة وأنت إذا مـا نـلت شـيئا قـضمـته فـلو كـنت تجزي إذ تـبيت بنـعمة وبـطنك شـبرا أو أقـل من الشبر كما قضمت نار الغضى حطب السدر قريبا لردتك العطوف على عمرو (2)
     وعمرو هذا هو أخو عبدالله بن الزبير ، قتله حرصا على الملك دون تحرج في سفك دماء حتى إخوته ومقربيه .
     فروايات آل الزبير في الطعن على أئمة آل البيت عليهم السلام ، ورفع منزلة ذويهم ، تكذبها وقائع التاريخ ، وتناقضها شواهد أخر أعرضنا عن ذكرها .
     والنتيجة : بعد استعراضنا لمقدمات تاريخية مهمة تشير إلى مواقف آل الزبير من أهل البيت عليهم السلام ، وعدائهم لهم ، وعدم توافقهم ، فإن حكاية زواج مصعب بن الزبير من السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام تمنعها مقتضيات دينية واجتماعية عدة .
(1) مروج الذهب 3 : 88 .
(2) المصدر السابق .

(113)
أما المقتضيات الدينية
     فقد عرفنا عداء مصعب لأهل البيت عليهم السلام ، وعدم توافقه معهم ، حيث لاحق شيعتهم وقتلهم تبعا لأخيه عبدالله بن الزبير ، فقد نكل ببني هاشم وأراد تحريقهم . فعداؤهم لآل البيت عليهم السلام يكشف عن انحرافهم عن ولايتهم ، ويدل على مخالفتهم لما أمر به الله ورسوله من الطاعة لهم والالتزام بنهجهم ، وبذلك فأي تخلف عنهم ـ صلوات الله عليهم ـ يعد تخلفا عن طاعة الله ورسوله ، فطاعة الله ورسوله تدور مدار ولاية علي وطاعته ، والإيمان مرهون بالتمسك بنهج أهل البيت عليهم السلام .
     أخرج الحاكم في مستدركه عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن عصى عليا فقد عصاني » (1) .
     أخرج بسند صحيح عن أبي عبدالله الجدلي أنه دخل على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الموسم مع جماعة من الناس ليسلموا عليها ، فسمعها تقول : ياشبث (2) بن ربعي ، فأجابها رجل جلف جاف : لبيك يا أمتاه ، قالت : أيسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ناديكم ؟ قال : وأنى ذلك ! قالت : فعلي بن أبي طالب ؟ قال : إنا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا . قالت : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « من سب عليا فقد سبني ، ومن سبني فقد سب الله تعالى » (3) .
(1) المستدرك على الصحيحين 3 : 131 ، ح 4617 وصححه الذهبي في التلخيص .
(2) في المصدر: شبيب ، وأحسبه تصحيفا . فالأوصاف التي وصف بها لا تنطبق إلا على شبث بن ربعي الرياحي التميمي اليربوعي .
(3) المستدرك على الصحيحين 3 : 130 ، ح 4616 . سكت عنه الذهبي في التلخيص ؛ لأنه صحح الحديث الذي قبله ، وهو : « من سب عليا فقد سبني » . ولا يبعد أنه أراد تصحيحه ، لكن نفسه لم تطاوعه .

(114)
     وأخرج عن أبي ذر رحمه الله كذلك قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « ياعلي من فارقني فقد فارق الله ، ومن فارقك يا علي فقد فارقني » (1) .
     وإذا استعرضنا تاريخ آل الزبير ، وما كانوا عليه من المفارقة لعلي وانحرافهم عنه ، والنيل منه وسبه ، اتضح لنا جليا مدى عدائهم وعدم توافقهم مع آل علي بعد ذلك ، على أن الإمام زين العابدين عليه السلام يتحرى مواطن الاتفاق والالتزام بولاية علي عليه السلام دون موارد الانحراف والضلال . هذا هو مقتضى سيرة المؤمنين ، فكيف بالإمام زين العابدين عليه السلام يتصاهر مع بيوت مخالفيه دون مراعاة جانب الإيمان والورع والتقوى ؟! مما يكشف لنا عن عدم إمكانية وقوع زواج مصعب من آمنة حسب المقتضيات الدينية التي كان يراعيها الإمام علي بن الحسين عليهما السلام .
أما المقتضيات الاجتماعية
     وهي التي تشمل المقتضيات السياسية كذلك ، فالزبيريون طلاب منصب وإمارة كما هو معروف ، وهم المنافسون لخصومهم السياسيين من بني مروان ، الذين انكفؤوا في استغلال الفرص السياسية بعد انعزال معاوية ابن يزيد عن السلطة ، وخلو الساحة السياسية عمن يشغل منصبه ، فتسارع مروان إلى اقتناص الفرصة السياسية هذه كونه الوريث السياسي للأمويين ، فنصب نفسه لرأس نظام أموي مرواني جديد ، وهو ما حدى بمنافسيه السياسيين إلى استغلال هذه الظروف السياسية ، فوثب عبدالله بن الزبير على مكة بعد صراعات دموية عنيفة ، مقتطعا بذلك مكة وما والاها ، وضاما إلى إمارته البصرة وما حاذاها ، حتى طمع في الكوفة ، فكانت وقعة مصعب مع
(1) المستدرك على الصحيحين 3 : 133 ، ح 4624 . قال الحاكم : صحيح الإسناد .
(115)
المختار ، وما نجم عنها من سفك دماء شيعة علي عليه السلام ، وإعلانها إمارة زبيرية بعد ذلك .
     لم يكن هذا الوضع الزبيري قد أراح عبدالملك بن مروان الذي يعد موطد الحكم الأموي المرواني فعلا ، فابن الزبير قد امتد نفوذه في أرجاء البلاد الإسلامية وشاع أمره ، وحيل ذلك بين نفوذ بني أمية المهدد كيانهم من آل الزبير ، وبين طموحاتهم المستقبلية التي ترنو إلى السيطرة على جميع الأنحاء الإسلامية دون منافس عسكري أو معارض سياسي له سطوته وآثاره . وطبيعي أن يكون لهذا المنافس القوي في حسابات الأمويين الأولوية في تصفيته ، وانتزاع ما في يده من الإمارة ، وقد رافق ذلك تحسبا حذرا من تحركات الإمام علي بن الحسين عليهما السلام الذي فرغ توّاً من واقعة الطف ، وقد رأى مصارع أبيه وآل بيته أمامه ينفذه الأمويون بأبشع صوره ، ولا بد أن يكون علي بن الحسين عليهما السلام متربصا لآل أمية متحينا فرص الثأر والانتـقام ، فأية حركة مناقضة لبني أمية ستكون فرصة علي بن الحسين عليهما السلام بعد ذلك ، هكذا كان ظن الأمويين ، فكانوا يراقبون مواقف الإمام عليه السلام من الأحداث الجارية ، وكانوا يحسبون التأييد لآل الزبير ـ إن حصل ـ إسباغا للشرعية على آل الزبير ، لذا فهم في وجل من أية تحركات ينجم عنها تأييد علي بن الحسين عليهما السلام لمنافسيهم الأقوياء ، إلا أن الإمام عليه السلام لم يتوافق مع الحركة الزبيرية أبدا ، وذلك لما ذكرنا من عداء عبدالله بن الزبير لبني هاشم عموما ، وللإمام خصوصا . هذا من جهة .
     ومن جهته علم الإمام عليه السلام ـ بغض النظر عما يكنه علمه اللدني المقدس ـ من عدم مصير الخلافة لآل الزبير ، فإن الأحداث السياسية الهائجة


(116)
كانت توحي بفشل حركة آل الزبير ، وعدم رغبة الناس فيهم . والإمام عليه السلام لم يجازف في تأييد حركة ابن الزبير التي ستؤول إلى السقوط ، وما سيتحمل من تبعات ذلك من قبل بني أمية ، وهو عليه السلام انعزل عن هذه الأحداث ليترك الأمور تنقشع وشيكا عن هزيمة ابن الزبير وغلبة عبدالملك بن مروان ، ومن ثم فإن الفريقين غير جديرين للنصرة والمبايعة ، وكلاهما طلاب مناصب وأتباع دنيا ، والدين لعق على ألسنتهم ، فأي توافق سيبديه الإمام زين العابدين عليه السلام مع آل الزبير حتى على مستوى المصاهرة ، يعد توافقا سياسيا وتأييدا شرعيا في حسابات النظام الأموي القادم ، فهل يبقى أدنى احتمال لإمكانية التقارب بين الإمام عليه السلام حتى يعمد إلى مصاهرة مصعب بن الزبير المغامر السياسي النزق ؟!
     فالإمام علي بن الحسين عليهما السلام يتجنب التقارب الظاهري مع الزبيريين ، خوفا من عواقب ذلك المزامن لأفول النجم الزبيري وشيكا ، لذا فاحتمال زواج السيدة آمنة من مصعب بن الزبير غير ممكن تبعا لهذه الظروف الآنفة ، والأبعد من ذلك أن يكون الزواج قد تم دون رغبة الإمام عليه السلام كما سيأتي مناقشة ذلك لاحقا .
مناقـشتان
    المناقشة الأولى:
     ذكر سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ما نصه :
     وأول من تزوجهاـ أي سكينة ـ مصعب بن الزبير قهرا ... (1) .
     يثبت النص الذي أمامنا عدم وقوع الزواج ، وهو إحدى القرائن
(1) تذكرة الخواص : 249 .
(117)
المؤيدة إلى ما نذهب إليه . وذلك لأمرين :
     الأمر الأول : يستبعد النص وجود أي توافق بين بني هاشم وبين الزبيريين ، أي أن الفجوة القائمة بين البيتين يؤكدها هذا النص ، وذلك فإن وقوع الزواج قهراً لا يعني إلا عدم التوافق وقبول أحد الطرفين بالآخر ، وهو الأمر الذي كنا نؤكده سابقا من عدم وجود أي تقارب وتفاهم بين البيتين ، وبالتالي أية رغبة في التفاهم ، بل حالة العداء والكراهية ظاهرة على تصرفات أحدهما للآخر .
     الأمرالثاني : إننا نتوقف في مسألة وقوع هذا الزواج القهري ، فإن عبدالله بن الزبير لم يحكم سيطرته على المدينة بعد ، حتى يتسنى لأخيه مصعب قهر بني هاشم على الزواج من آمنة ، فالهاشميون رفضوا البيعة لعبدالله بن الزبير كما مر ، وعرفت ما اتخذه عبدالله من إجراءات مشددة في إجبار الهاشميين على بيعته ، وهددهم بتحريقهم إن لم ينصاعوا بعد ذلك ، ومع هذا فلم يستطع عبدالله بن الزبير مع سطوته أن يفرض بيعته على الهاشميين ، فإن لبني هاشم قوتهم النابعة من احترام المسلمين لهم ، مع ما عانوه من جور حكامهم إلا أن هيبتهم لا تزال تطغى على قلوب الناس ، وعلي بن الحسين عليه السلام يمثل الأنموذج الأمثل في هيمنته على القلوب وحبه وتكريمه ، وحادثة انفراج الحجيج له لاستلام الحجر بمرأى من هشام بن عبدالملك إحدى الشواهد التي تؤكد محبة الناس له ، فهو لا يزال يمثل واقعة الطف بكل فصولها الفجيعة .
     والإمام عليه السلام لم يبتعد عما نزل في ساحة آله من القتل والأسر والتنكيل ، فهو لا يزال يستذكر ما حصل لأبيه الشهيد عليه السلام ولآل بيته من الذبح وسفك


(118)
الدماء وكان الناس يرون مظلومية الإمام الحسين عليه السلام شاخصة في ولده علي ابن الحسين عليهما السلام الذي لم يبعد أذهان الأمة عن مجريات ذلك اليوم الرهيب ، وما فعله بنو أمية بأهل هذا البيت الطاهر ، والناس وإن لم يقدموا النصرة لآل البيت عليهم السلام وقتذاك وما أظهروه من تخاذل ونكوص ، فإن المأساة تعيش في وجدانهم ، وفصولها تستعيدها ذاكرتهم ، ولا يزال الأشخاص الذين حضروا المأساة يعيشون بين ظهرانيهم ، كعلي بن الحسين عليهما السلام والسيدة آمنة وأخواتها الطاهرات ، حتى إن بني مروان تحاشوا في بادئ الأمر سفك دماء الهاشميين ، وأظهروا الورع في أول أمرهم من اضطهاد العلويين ، وذلك لما أحسوه من خطر المجازفة في دمائهم بعد واقعة الطف التي تحفظها ذاكرة الأمة ، ومظلومية أهل البيت عليهم السلام شاخصة لديهم ، لذا فإن عبدالملك بن مروان يبدي تحفظه في دماء آل أبي طالب لا عن قناعته في حرمة دمائهم ، بل عن خوفه على مستقبل دولته الفتية المحاطة بمعارضات سياسية قوية تهدد كيانه .
     قال اليعقوبي في تاريخه : وكان عبدالملك قد كتب إلى الحجاج وهو على الحجاز : جنبني دماء آل أبي طالب ، فإني رأيت آل حرب لما تهجموا بها لم ينصروا (1) .
     وهو ما يعكس شعور المسلمين في نظرتهم لآل البيت عليهم السلام ، فيترجمها عبدالملك بن مروان في كتابه هذا وتحفظه على سفك دماء آل أبي طالب حتى حين .
     هذه مكانة آل البيت عليهم السلام في قلوب الأمة ، فمتى يتاح لمصعب وأمثاله
(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 230 .
(119)
أن يقهروا أهل هذا البيت على أمر غير راضيه ؛ ليتعاملوا معهم على أساس القهر والقوة ، وإذا كانت حادثة آمنة بنت الحسين عليهما السلام يمكن قبولها ، فإن ذلك تكذبه واقعة السيدة فاطمة بنت الحسين عليهما السلام التي حاول عبدالرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري أن يخطبها قهراً ، فأبت وشكت أمرها إلى يزيد بن عبد الملك ، فلنر ما حل بعبدالرحمن هذا في رواية اليعقوبي وغيره ، وما آل إليه مصيره بمجرد محاولة التجرؤ على قهر السيدة فاطمة بنت الحسين عليهما السلام من الزواج منه .
     قال اليعقوبي : وخطب عبدالرحمن فاطمة بنت الحسين بن علي ، فأرسل إليها رجالا يحلف بالله لئن لم تفعلي ليضربن أكبر ولدها بالسياط ، فكتبت إلى يزيد بن عبدالملك كتابا ، فلما قرأ كتابها سقط عن فراشه وقال : لقد ارتقى ابن الحجام مرتقى صعبا ، من يسمعني ضربه وأنا على فراشي هذا ؟ فكتب إلى عبدالواحد بن عبدالله بن بشر النضري وكان بالطائف أن يتولى المدينة ، ويأخذ عبدالرحمن بن الضحاك بأربعين ألف دينار ، ويعذبه حتى يسمعه ضربه ، ففعل ذلك ، فرئي عبدالرحمن وفي عنقه خرقة صوف يسأل الناس (1) .
     هذا مصير من حاول أن يقهر أهل البيت على أمر غير راضين به ، ولا يقل عبدالرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري شرفا عن مصعب بن الزبير ، فهو ابن أبي بحر حليم العرب وسيدها ، كما كان يلقبه معاوية بن أبي سفيان ، ومع هذا فلم يتحمل يزيد بن عبدالملك أن يتجرأ عبدالرحمن على قهر السيدة فاطمة بنت الحسين من الزواج . فاحتمال وقوع الزواج قهرا من قبل
(1) تاريخ اليعقوبي 2 : 240 .
(120)
مصعب بن الزبير للسيدة آمنة أمر غير مقبول من خلال ماذكرناه من قرائن .
  المناقشة الثانية :
     روى ابن عبد ربه أنه : لما قتل مصعب خرجت سكينة بنت الحسين تريد المدينة ، فأطاف بها أهل العراق وقالوا : أحسن الله صحابتك يا ابنة رسول الله ، فقالت : لا جزاكم الله عني خيرا ، ولا أخلف عليكم بخير من أهل بلد ، قتلتم أبي وجدي وعمي وزوجي ، أيتمتموني صغيرة وارملتموني كبيرة (1) .
     يشير الخبر إلى مصاحبة سكينة بنت الحسين لمصعب بن الزبير عند وروده الكوفة ، والخبر رغم إرساله إلا أن مؤرخي مقتل مصعب بن الزبير أرسلوه إرسال المسلمات دون مناقشته سندا ودلالة .
     أما سنده : فقد ذكرنا إرساله فهو ساقط عن الاعتبار .
     وأما دلالته : فإنه يريد إثبات قضيتين أشغلت الكثير ممن نحى المنحى الزبيري في كتابة التاريخ .
     أما القضية الأولى
     فهي محاولة تأكيد زواج آمنة من مصعب بن الزبير ، وكونه جاء بأهله إلى الكوفة فقتل هناك .
     والحق أن هؤلاء خلطوا بين « آمنة » سكينة بنت الحسين التي أوردتها روايات مصعب بن الزبير حتى ارتكز في أذهانهم أن سكينة هذه التي ترافق مصعب في مسيره إلى الكوفة هي بنت الحسين عليه السلام ، إلا أن الحق في ذلك أن
(1) العقد الفريد 5 : 150 .