(121)
سكينة التي رافقت مصعبا في مسيره هي سكينة ابنته وليست زوجته ، فهي بنت مصعب من زوجته فاطمة بنت عبدالله بن السائب .
     قال ابن كثير في البداية والنهاية : وكان لمصعب من الولد عكاشة وعيسى الذي قتل معه ، و « سكينة » وأمهم فاطمة بنت عبدالله بن السائب (1) .
     فسكينة التي رافقت مصعبا هي ابنته وليست بنت الحسين كما اختلط على رواة الخبر ، وليس لـ« آمنة » سكينة بنت الحسين في أحداث مصعب أية دخالة .
     القضية الثانية
     محاولة الخبر التأكيد على نظرة أموية مختلقة ، مفادها أن الذين قتلوا الحسين بن علي عليهما السلام هم شيعة الحسين عليه السلام وليس لبني أمية دخل في ذلك ، محاولة منهم لإبعاد المسؤولية عن الأمويين ، وإلقائها على عاتق الشيعة الذين راسلوا الحسين عليه السلام وأقنعوه بالمسير إليهم ، فوثبوا عليه وقتلوه . وبهذا يحاولون أن يجردوا الأمويين عن وصمة عار ما ارتكبوه في حق سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهي محاولات خاسرة كما ترى . فالشيعة لا يمكن أن يتحملوا مسؤولية سفك دماء آل البيت الأطهار عليهم السلام ، والكوفة عرفت بولائها لهذا البيت الطاهر ، فهم حملة أخبارهم ورواة حديثهم وأجلة أصحابهم ، ومأساة الطف إحدى نزعات بني أمية في محاولة استئصال أهل هذا البيت عليهم السلام ، ولا يمكن للتاريخ أن يتنكر ما ارتكبه هؤلاء من سفك دماء الأطهرين منافسة لهم وخشية على سلطانهم ، والذين ناصروا بني أمية هم خوارج هذه الأمة وشذاذها من شاميين ومرتزقة يقتاتون على موائد
(1) البداية والنهاية 8 : 322 .
(122)
الأمويين ، ولا يمكن بعد ذلك للشيعة أن يلتقوا مع أعدائهم التقليديين الأمويين ، ليتحالفوا معهم على محاربة أهل البيت عليهم السلام وسفك دمائهم .
     وبهذا حاول الخبر التأكيد على قضيتي زواج آمنة من مصعب بن الزبير ، ومحاولة إلقاء مسؤولية شهادة الحسين بن علي عليهما السلام على عاتق شيعته ، وبراءة الأمويين من عار ما جنوه حرصا منهم على الملك والسلطان .
     والنتيجة : عدم وقوع زواج السيدة « آمنة » بنت الحسين عليهما السلام من مصعب بن الزبير ؛ لعدم تمامية الأخبار الزبيرية الضعيفة الواردة في هذا الشأن ، فضلا عن قرائن تمنع من وقوع مثل هذا الزواج الذي صورته روايات زبيرية فقط ، رواها الزبير بن بكار ومصعب الزبيري وعروة بن الزبير ، وقد عرفت حالهم فلا نعيد .
ثانيا : عبدالله بن عثمان ابن حزام
     وهو ضمن القائمة الثانية من أزواج « آمنة » سكينة بنت الحسين عليهما السلام التي روتها الأخبار ، وسنكتفي في رد الرواية لضعفها ، وذلك إذا ما علمنا أن رواة الخبر هما الزبيريان المعروفان ، الزبير بن بكار وعبدالله بن مصعب الزبيري ، وتقدم شرح حالهما من الضعف ورد أحاديثهما ، وكونهما يرويان المناكير ويكثران عن الضعفاء ، إلى غير ذلك من الطعون التي ذكرها أهل الجرح وطعنوا في وثاقتهما ، هذا أولا .
     وثانيا : أن خبر زواج عبدالله بن عثمان ابن حزام أكده الزبيريون ؛ لكون أمه رملة بنت الزبير بن العوام ، فخؤولته الزبيرية تدفع بالرواة الزبيريين إلى إثباته ، محاولة منهم للحصول على موقف التوافق بين البيتين ، آل علي وآل الزبير ، وتصوير حالة من التقارب والتفاهم بينهما ، تغطية منهم على أحداث


(123)
الجمل ، وما كان من خروج الزبير بن العوام في تلك المعركة الخاسرة على إمام زمانه علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأن آل البيت عليهم السلام لا يزالون ينظرون إلى الزبير وآله بعين الرضا والقبول ، وهذا ما لا يمكن قبوله فعلا ؛ إذ لا يزال الزبير وآله من الخارجين على إمام زمانهم ، ومواقف عبدالله بن الزبير العدائية لآل البيت عليهم السلام يشهد بها تاريخه المعروف بمغامراته ، ومحاولات التقارب المفتعلة لاسباغ الشرعية على البيت الزبيري موهونة لا يمكن قبولها ، ولا زال التباعد بين هذين البيتين ظاهرا على مواقف الفريقين ، فلا يمكن تحسين صورة الزبيريين بحالات الزواج المتعددة من السيدة آمنة ، وتبقى الفجوة بين الأطروحتين عميقة لا يمكن إلغاؤها ، وفي ضمن نظرة العداء والخلاف بين آل علي وآل الزبير لا يمكن أن نتصور صحة خبر زواج عبدالله بن عثمان من السيدة آمنة فضلا عن ضعف سنده وسقوطه عن الاعتبار .
     ومما يثير الشك في صحة هذه الدعوى ، ما رواه أبو منصور البغدادي ، عن المدائني ، عن مجالد ، عن الشعبي : أن سكينة نشزت على زوجها عبدالله ابن عثمان ابن حزام فشكتها أمه رملة بنت الزبير بن العوام إلى عبدالملك (1) .
     ولا ندري مكان عبدالملك من قضية النشوز هذه ، مع وجود أخيها الإمام علي بن الحسين عليهما السلام ، الذي بإمكانه حل هذه القضية الخاصة بأخته آمنة وزوجها ، وهي ليست من الأهمية بمكان حتى تلجأ أم عبدالله إلى رفع أمر ابنها وزوجته إلى عبدالملك ، وكان يومئذ خليفة يقيم في الشام ، ورملة بنت الزبير في المدينة ، فما الذي دعا رملة إلى أن تشكو كنتها إلى الخليفة ؟!
(1) بلاغات النساء : 146 .
(124)
وهل تقتضي هذه الحادثة الخاصة ـ التي لا علاقة لها بشؤون الخلافة ـ أن يستمع الخليفة إلى دعاوي نشوز امرأة على زوجها ؟!
     ثم إن الحادثة معلومة دوافعها ، وهي محاولة تصوير السيدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام بارتكاب مخالفات الشريعة ، والخروج عن طاعة الزوجية دون مراعاة الأحكام ، وبهذا سيحصل رواة هذا الخبر إلى تصوير أهل البيت عليهم السلام المعروفين بقداستهم وورعهم ، إلى أهل بيت من عامة الناس يرتكبون ما يرتكبه الآخرون من مخالفة أحكام الدين ومحظورات الشريعة .
     أما رواة الخبر مثل مجالد والشعبي فليسا بشيء .
     أما مجالد : فقد عده ابن عدي في الضفعاء .
     قال علي بن المديني : قلت ليحيى بن سعيد : فمجالد ؟ قال : في نفسي منه ... (1) .
     وعن بشر بن آدم ، قلت لخالد بن عبدالله الواسطي : دخلت الكوفة وكتبت عن الكوفيين ولم تكتب عن مجالد ؟ قال : لأنه كان طويل اللحية . [وهي كناية عن استخفاف الواسطي بمجالد] .
     وعن يحيى قال : مجالد بن سعيد ، ضعيف .
     وفي موضع آخر : مجالد وحجاج لا يحتج بحديثيهما .
     وقال ابن عدي : سمعت ابن حماد يقول : قال السعدي : مجالد بن سعيد يضعف حديثه .
     وعن عبدالرحمن بن مهدي يقول : سمعت سفيان يقول : أشعث ـ يعني ابن سوار ـ أثبت من مجالد ، وكان يحيى يضعف حديث مجالد بن
(1) الكامل في الضعفاء لابن عدي 168 : 8 .
(125)
سعيد وكان ابن مهدي لا يروي عنه .
     وعن ابن مهدي : لا يروى عنه .
     وعن ابن أبي عصمة ، عن أبي طالب : سألت أحمد بن حنبل عن مجالد ، فقال : ليس بشيء ، يرفع حديثا منكرا لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس .
     وقال النسائي : مجالد بن سعيد ، كوفي ضعيف (1) .
     أما الشعبي : فهو عامر بن شراحيل بن عبد ، أبو عمرو الهمداني ، أنموذج من نماذج العداء والبغض لعلي وشيعته ، فكان لا يروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام على الرغم من روايته وحفظه ، واعترف بذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب فقال : وقال الدار قطني في العلل : لم يسمع الشعبي من علي إلا حرفا واحدا ما سمع غيره (2) .
     وهو يعني رواية الشعبي عن علي رواية واحدة على الرغم مما عرف به من حفظه . ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل أوغل في عدائه لعلي عليه السلام بحجة أن الشيعة كانوا السبب في تجنبه مروياته عنه عليه السلام فقال : لقد بغضوا إلينا حديث علي بن أبي طالب (3) .
     وإذا كان هذا حال الشعبي في عدائه وبغضه لعلي عليه السلام ، فمتى يتم لنا قبول مروياته خصوصا ما يتعلق بأهل البيت عليهم السلام ، والرواية واضحة الطعن والتوهين لأهل البيت وهي من موارد الخلاف والشك في صحة الحادثة
(1) الكامل في الضعفاء 170 : 169 ـ 8 .
(2) تهذيب التهذيب 62 : 4 .
(3) العقد الفريد لابن عبد ربه 223 : 2 . وراجع ما ذكره ابن عبد ربه من كلام الشعبي في الشيعة ، وكونهم يهود هذه الأمة .

(126)
وعدم وقوعها .
     أما ما رووه عن ولادة السيدة آمنة من عبدالله بن عثمان ابن حزام ولدا اسمه قرين (1) فغير صحيح ، فإن قرينا المعروف هو قرين بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة وأمه زبيبة (2) . وليس لقرين بن عبدالله بن عثمان من وجود ، ولم تشر إلى ذلك المصادر الرجالية ، ولعل مقتضيات الواقعة أجبرت رواتها إلى اختلاق مثل هذه الشخصية الموهومة .
     إذن لم يثبت زواج السيدة « آمنة » بنت الحسين عليهما السلام من عبدالله بن عثمان ابن حزام لضعفها سندا ، وعدم تماميتها دلالة .
ثالثا : الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان
     وهو ممن أشارت إليه روايات الإصفهاني وابن خلكان وسبط ابن الجوزي ، واتفقت على عدم الدخول بها ـ إن صح وقوع ذلك ـ إلا خبر ابن سعد في الطبقات فقال : تزوجها . ولعله أشار إلى الأعم من الدخول وعدم الدخول ، واتفاقهم على عدم الدخول يشير إلى ما قصده ابن سعد من عدم الدخول كذلك .
     والخبر لا يمكن قبوله بقرينة مهمة ، وهي : أن الأصبغ بن عبدالعزيز كان واليا لعبد الملك بن مروان في مصر ، والسيدة آمنة بنت الحسين إقامتها في المدينة ، وهي لم تغادرها أبدا ، فكيف يتسنى لهذا المرواني من زواجها ؟ بل كيف ومتى وقع العقد ولم يدخل بها ؟ وما هي أسباب عدم الدخول ؟
(1) وجاء في الأغاني 16 : 161 أن سكينة ولدت من هذا الحزامي بنتا . وقبلها في صفحة 159 ذكر أبوالفرج أن هذه البنت لمصعب بن الزبير . وأما قرين فهو المسمى بعثمان ولد زيد بن عمرو بن عثمان ، كما قال في الأغاني 16 : 163 . روايات الواحدة تلو الأخرى متهافتة ، وكل رواية تنقض الأخرى ، والكل في تناقض وتهافت .
(2) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد 127 : 4 .

(127)
     كل هذه الاستفهامات وغيرها ، التي نضعها على الخبر توجب توهينه وعدم قبوله ، مما يعني عدم وقوع الزواج ، وما ذكرت من أخبارها أكثرها مرسلة ، وما أسند منها فضعيف ؛ لروايته من قبل الزبير بن بكار ومصعب الزبيري ، من أبطال وضع روايات وقصص سكينة ، وقد عرفت حالهما ، وقد أشرنا في مطاوي البحث إلى أن أخبار الزواج هي تشكيلات زبيرية ـ مروانية واضحة القصد ومعلومة الإرادة.
     وعلى هذا فخبر زواج الأصبغ بن عبدالعزيز من السيدة آمنة بنت الحسين غير تام.
رابعا وخامسا : زيد بن عمرو بن عثمان وإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف
     وهما المشتركان في قائمتي أبي الفرج الإصفهاني وابن سعد ، بل هما المشتركان في حدث واحد هكذا :
     قال ابن سعد : فخلف عليها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري . كانت ولته نفسها ، فتزوجها ، فأقامت معه ثلاثة أشهر ، فكتب هشام ابن عبدالملك إلى واليه بالمدينة أن فرق بينهما ففرق بينهما... (1) .
     قال ابن خلكان : تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل... (2) .
     يضعانا هذين النصين أمام تساؤلات مهمة :
     الأول : اشتراك الاسمين في حدث واحد.
     الثاني : ما الذي دفع هشام بن عبدالملك وسليمان بن عبدالملك أن
(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 320 : 6.
(2) وفيات الأعيان 378 : 1.

(128)
يأمرا إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وعمرو بن عثمان من طلاقهما للسيدة « آمنة » سكينة بنت الحسين ؟
     الثالث : هل كان لهذين الأمويين هشام وسليمان ولاية على نساء آل أبي طالب ، مع وجود الإمام علي بن الحسين عليهما السلام وآل علي وآل عقيل ، حتى يتوليا أمر طلاقهن وتسريحهن ؟!
     الرابع : ذكر الخبر أن السيدة آمنة ولت أمر نفسها إلى إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فتزوجها... فأين كان أولياء أمورها كأخيها الإمام زين العابدين عليه السلام ، أو ابن أخيها الإمام محمد الباقر عليه السلام ، حتى تولي أمر نفسها إلى أبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الذي كان معروفا باختلاف موقفه من أهل البيت عليهم السلام ، وتباينه عنهم ، كما كان عليه أبوه من قبل ؟!
     هذه التساؤلات نضعها أمام خبري زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، فهل نجد الإجابة الوافية لهذه التساؤلات حتى يتم لنا قبول الخبر أو رفضه؟
     أحسب أن الإجابة لذلك غير وافية ، ويبقى خبر زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وزيد بن عمرو بن عثمان مردودا؛ إذ لم تكن هناك قرائن على صحة قيام مثل هذين الزواجين ، بل القرائن على خلافهما ، ومن هذه القرائن :
     أولا : صرح الإصفهاني في خبر خطبة أبراهيم بن عبدالرحمن أن سكينة بعثت إليه : أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخطبها ؟ فامسك عن ذلك (1) .
(1) الأغاني 161 : 16.
(129)
     والخبر يشير إلى عدم وجود كفاءة بين الطرفين ، وإقدام إبراهيم على ذلك أمر مخالف لما ارتكز في أذهان الناس من عدم كفئه لبني هاشم ، ولسكينة بالخصوص ، فكيف يتم الزواج بعد ذلك ؟!
     ثانيا : أن ابن عساكر يروي أنها تزوجت الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف من غير ولي ، في حين تذكر بقية الأخبار أن إبراهيم ابن عبد الرحمن قد تزوجها.
     قال ابن عساكر : نكحت سكينة بنت الحسين الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف بغير ولي ، فكتب عبدالملك إلى هشام بن إسماعيل أن فرق بينهما (1) .
     وبهذا فإن الخبر يذكر مرة أنه تزوجها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وأخرى أنه تزوجها ولده الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، فما معنى هذا الاضطراب ؟
     إذن فخبر زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف مضطرب أشد الاضطراب ، فمرة أنها تزوجته بعد أن ولته نفسها ، ومرة لم يدخل بها ، وأخرى رفضته كونه غير كفء لها ، وتارة أنها تزوجت من ولده الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وهذا الاضطراب يؤكد عدم وقوع الحادثة لتناقضاتها الواضحة واضطرابها البين.
     ثالثا : أن خبر زواجها من زيد بن عمرو بن عثمان ثم طلاقها من قبل سليمان بن عبدالملك أمر يثير السخرية ، فهو يصور السيدة آمنة بأنها امرأة خرقاء ، ترتكب أعمالا لا يقدم عليها إلا الأحمق ، فما معنى خروجها إلى
(1) تاريخ دمشق لابن عساكر ، تراجم النساء : 158 .
(130)
مكة ثم عودتها إلى المدينة ثم خروجها إلى مكة ، وهكذا لا يقر لها قرار ، حتى إن ذلك أثار حفيظة الخليفة الأموي فأمر العثماني بطلاقها ؟!
     قال الاصفهاني : بعد طلاق سكينة من الأصبغ المرواني فخلف عليها العثماني ، وشرطت عليه ألا يطلقها ولا يمنعها شيئا تريده ، وأن يقيمها حيث خلتها أم منظور ، ولا يخالفها في أمر تريده ، فكانت تقول له : يا بن عثمان أخرج بنا إلى مكة ، فإذا خرج بها فسارت يوما أو يومين قالت : ارجع بنا إلى المدينة ، فإذا رجع يومه ذاك قالت : أخرج بنا إلى مكة ، فقال له سليمان بن عبدالملك : اعلم أنك قد شرطت لها شروطا لم تف بها فطلقها فطلقها (1) .
     وهذا التصرف الأهوج الذي صوره الخبر لا ينسجم مع امرأة سوية عاقلة ، بل هو يحكي عن تصرفات امرأة حمقاء لا هم لها إلا الخروج من المدينة ، ثم عودتها إليها ، ثم خروجها منها ، وهكذا دون طائل ، فكيف يمكننا قبول مثل هذا الهوس وحكايات الحمقى لامرأة توصف بأنها من عقائل قريش ؟! مما يعني أن خبر الزواج أمر موضوع يراد منه المس بكرامة هذا البيت العلوي الطاهر.
     رابعا : ومن القرائن المهمة على بطلان الخبر ، أن راويه هو أشعب ، وأشعب هذا متروك الحديث ضعيف ، يتعاطى الغناء واللهو ، ويكذب من أجل إضحاك الآخرين .
     قال الأزدي : لا يكتب حديثه ، ونقل ابن حجر عنه في لسان الميزان أنه قال : أخذت الغناء عن معبد (2) .
(1) الأغاني 162 : 16 ، 163.
(2) لسان الميزان 503 : 1.