تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 21 ـ 30
(21)
الباب الثاني
في معرفة تاريخ المقام
من خلال المخطوطات


(22)

(23)
أهتمت الشريعة السماوية بطلب العلم اذ نطقت عن لسان رسولها صلى الله عليه و آله :
     « طلب العلم فريضة على كل مسلم » و ما طلب العلم إلاّ سمة العلوّ ، و شتان بين المتعلم و الجاهل و ما أحلى أن يكون العالم مخلصاً و ما إخلاصه إلاّ محض عبادة و تأدب و ارتباط مع صاحب السماء ، فتعلّمَ العلماء كيف يدوّنون علمهم من وعاة العلم و دعاته و هم الانبياء و الأوصياء عليهم الصلاة و السلام ، فهذا الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حديثه يقول : « ان كمال الدين طلب العلم و العمل به » و في حديث آخر « إن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال » و قد دأب علماؤنا الاعلام على تدوين شتّى فنون العلم و تقييد مسائله و تصنيف موضوعاته وبذلوا في ذلك من الجهود العظيمة ما استفرغوا به الوسع و أمكنتهم الطاقة لتعود ثمرات جهودهم على أمتهم بالخير العميم و العطاء الجسم ، حتى أخذوا يرتقون باممهم الى حيث الرُّقى ، فنحن نشكر لهم ذلك أيّما شكر وذلك لحفظهم تراث الدين وعلم النبي صلى الله عليه و آله و أوصيائه عليهم السَّلام وما أحلى أن يكون جمع هذا التراث و العلم في مكان هو مرآة لوجه الله تعالى (1) و في بلد العلم و في عصر العلم ، الحلة وما أدراك ما الحلة بلد الاربعمائة مجتهد في عصر واحد ، مدينة يبلغ
1 ـ ورد عنهم في دعاء الندبة ( أين وجه الله الذي يتوجه اليه الاولياء ) وفي مكان آخر ( اين وجه الله الذي منه يؤتى ).

(24)
بها الرجل الاجتهاد قبل سن بلوغه (1) مدينة يوصّى فيها الوالد من قبل أبيه و عمره سبع سنين بالكتابة ، ففي كتاب ( كشف المحجة ) للسيد الأجل ابن طاووس الحلي وهو وصايا لولده ، قال لولده : يرفعه الى المفضل بن عمر قال ، قال أبو عبد الله عليه السَّلام « اكتب ويث علمك في إخوانك ، فإن مت فورّث كتبك بنيك ، فإنه يأتي على الناس زمان هرج ما يأنسون فيه الابكتبهم ». (2)
     فما ذكر تاريخها إلى الآن الّا دلالة على محض الاخلاص و التقى :
إذا مابناء شاده العلم و التّقى تهدمت الدنيا و لم يتهدّمِ
    إذا مابناء شاده العلم و التّقى تهدمت الدنيا و لم يتهدّم فهي في علم التاريخ ، و هي في علم الفقه ، و هي في علم الاصول ، وهي في علم الادب ، وهي في علم الرجال وهي وهي ... و قد حفظ لنا التاريخ شيئاً من ذلك الاخلاص ، حفظ لنا مخطوطات خطت بيد الامانة و التقوى في هذا المقام الشريف و كان من محاسن الاقدار أن الله سبحانه و تعالى حرّك فينا الهمة وقوّى العزم وشد الأزر في أن يكون لنا شرف التتبع و البحث لجمع هاتيك المخطوطات و التنويه عنها ليتعرف العالم الاسلامي على قدم هذا المقام و قدسيته ، و هو مكان شاء الله أن يرفعه ويذكر فيه اسمه و يسبّح له بالغدو و الآصال ، ولايظن المرء أن هذه المخطوطات الست التي نحن بصدد الحديث عنها هي الوحيدة التي كتبت في هذا المقام ، فالمئات المئات من المخطوطات
1 ـ اشارة الى العلامة الحلي : وهذا ليس ببعيد فقد ذكر السيد حسن الصدر رَحَمَهُ الله عن بلوغ درجة الاجتهاد لعدة من العلماء قبل باوغهم فمنهم السيد صدر الدين العاملي و الفاضل الهندي.
2 ـ انظر : الكافي ج 1 / ص 52 / حديث 11.


(25)
الحلية التي وصلت حتى الى المتحف البريطاني عليها عبارة كتبت بالحلة المحروسة دون ذكر لعبارة ( كتبت داخل هذا المقام ) وذلك لشهرة المقام التي جعلت الناسخ لا يذكر تلك العبارة ، غير المخطوطات التي ضاعت عنّا من جراء الحروب و التلف و الحرق و غيرها من الآفات الطبيعية ... الخ ، (1) فبعد هذا كله تعال معي أيها الباحث عن تاريخ المقام الشريف لنطلعك في هذا الباب عن كل ما يتعلق بتلك المخطوطات التي حصلنا على ذكرها أو صورة منها بالسفر و الحضر :

    المخطوطة الاولى : ( 636 هـ / 1216 م )
مخطوطة الشيخ ابن هيكل
     إن أهم ما يرشدنا في هذه المخطوطة الى تأريخ مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحلة هو وجود تاريخ لعمارة المقام سنة 636 هـ فيظهر منها أن المقام كان قبل هذا التاريخ بسنوات عدة ، و لكن و للأسف الشديد لم اعثر أنا على تأريخ قبل هذا التأريخ أي بقي تأريخه غامضاً علينا نحو مئة و أربعين سنة من سنة 495 هـ و هي سنة تمصير الحلة الى سنة 636 هـ ، و لكن اعتناء العلماء بهذا المقام و زيارتهم إياه و عمارته
1 ـ و من العجيب ان كتب السيد الاجل ابن طاووس تـ 664 هـ ، المطبوعة التي تربو على العشرين لا يوجد فيها ذكر لهذا المقام ، و هذا لا يعني عدم الاثبات فكثير من كتبه رَحَمَهُ الله فقدت منا ، و لقد أحصى الشيخ المحقق ، فارس الحسون لهذا السيد خمسة و خمسين كتاباً عم لسان السيد نفسه و هي الآن ما بين مطبوع و مخطوطو مفقود ، وربما ذكر السيد هذا المقام في كتابه المفقود ( الكرمات ) الذي نوه عنه في كتابه الامان ص 127 ، فلاحظ.

(26)
و الدرس فيه يدل على عنايتهم به وأي عناية ، فلابد من أثر و على قولهم ( الأثر يدل على المسير ) والآن نأتي على تفصيل ما ذكرناه :
     قال المحقق الحجة السيد محمد صادق بحر العلوم ( 1315 ـ 1399 هـ ) في تحقيقه لكتاب ( لؤلؤة البحرين ) للشيخ يوسف البحراني رَحَمَهُ الله ص 272 ناقلاً عن آية الله العظمي السيد ابي محمد الحسن الصدر في كتابه النفيس ( تكملة أمل الآمل ) : {رأيت بخط الشيخ الفقيه الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي ... تلميذ ابي العباس ابن فهد الحلي ما صورته : حوادث سنة 636 هـ ، فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نمّا الحلي بيوت الدرس الى جانب المشهد المنسوب الى صاحب الزمان عليه السـَّلام بالحلة السيفية ، و أسكنها جماعة من الفقهاء ».

    أقول : إن من هذه الاسطر نستخرج عدة فوائد فمنها :
     1 ـ وجود عمارة للمقام الشريف قبل سنة 636 هـ
     2 ـ وجود مدرسة بجانب المقام قبل سنة 636 هـ ( و هي المدرسة التي أتكلم عليها فيما بعد ).
     3 ـ إن ابن نما هذا لم يؤسس المدرسة هذه بل عمّرها من خراب أو صدع وقع فيها.
     4 ـ كان لا يمكن هذه المدرسة إلاّ الفقهاء ( بصريح قول ابن هيكل ).
     و الآن نأتي على ذكر مصدر المخطوطة :
     أقول : كتاب ( تكملة أمل الآمل في علماء جبل عامل ) للعلامة الشريف شيخ المحدثين آية الله في العالمين أبي محمد السيد حسن بن الهادي بن


(27)
محمد علي من آل صدر الدين الموسوي العاملي ( 1272 ـ 1354 هـ ) صاحب التصانيف المنيفة على التسعين والتي لم يطبع منها الاّ نحو عشرين و فيها أسمى الفوائد و أجود العوائد ، (1) و يا خبذا لو يلتفت اليها ، طبع الجزء الاول من هذا الكتاب و هو ما يخص علماء جبل عامل في سنة 1406 هـ في قم المقدسة باشراف مكتبة السيد المرعشي رحمّهُ الله وبتحقيق السيد أحمد الحسيني ( دامت بركاته ) وبقي منه جزءان في غير علماء جبل عامل لم يطبعا ، والأن ابن نما من غير علماء جبل عامل فمن المؤكد أن هذه العبارة موجودة في الاجزاء الباقية لهذا الكتاب.
     و أما ابن هيكل : فهو الشيخ الجليل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي تلميذ الشيخ أبي العباس أحمد بن فهد الحلي الذي توفي سنة 841 هـ له کتاب الادعية و الاوراد والختوم.
     أقول : انني من خلال كتاب ( الذريعة الى تصانيف الشيعة ) استقصيت كتب ابن هيكل رَحَمَهُ الله و الموجودة في مكبتة السيد حسن الصدر رَحَمَهُ الله في الكاظمية ، حتى يتسني لي معرفة مصدر قوله الذي نقله عنه ( أي قول ابن هيكل ) فظهر لي ان لأبن هيكل في هذه المكتبة عدة مخطوطات و جميعها بخط يده ، فبعضها له ( أي من تآليفه ) و بعضها لأستاذه ( أي ابن فهد ) و بعضها لعلماء الامامية ، و خدمة للتاريخ و المذهب فانا ذاكرها لعل الله يختار من يحيي تلك الآثار القيمة التي لم تر النور الى الان فالتي له و بخط يده :
1 ـ من أراد التفصيل عن ترجمته و كتبه و مكتبته فعليه بكتاب ( المسلسلات في الاجازات ) لجامعه الحجة السيد محمود المرعشي ج 2/ ص 100 ـ 106.

(28)
     1 ـ كتاب الادعية والاوراد ـ راجع الذريعة ج 1 ص 393.
     2 ـ مقالة في فضل صلاة الجماعة ـ راجع الذريعة ج 21 ص 403 و التي لأستاذه الشيخ أحمد بن فهد الحلي رَحَمَهُ الله و بخط يده هي :
     1 ـ المسائل الشامية في فقه الامامية ( الاولى ) راجع الذريعة ج 5 ص 223
     2 ـ المسائل الشامية في فقه الامامية ( الثانية ) راجع الذريعة ج 5 ص 224.
     3 ـ التواريخ الشرعية عن الائمة المهدية ـ راجع الذريعة ج 4 ص 475.
     4 ـ الخلل في الصلاة ـ راجع الذريعة ج 7 ص 247.
     5 ـ رسالة في كثير الشك ـ راجع الذريعة ج 17 ص 282.
     6 ـ الادعية و الختوم.
     7 ـ رسالة في فضل صلاة الجماعة.
     و التي لغيره من العلماء رَحَمَهُمُ الله و بخط يده :
     1 ـ ( مسار الشيعة ) للشيخ المفيد رَحَمَهُ الله.
     2 ـ ( واجبات الصلاة الثمانية ) لفخر المحققين رَحَمَهُ الله.
     3 ـ الآداب الدينية للخزانة المعينية ) لأمين الاسلام ابي علي الطبرسي تـ 548. (1)

    أقول : وأما الشيخ محمد بن نما المذكور ، فهو الشيخ نجيب الدين أبو ابراهيم محمد بن جعفر بن أبي البقاء الرئيس العفيف هبة الله بن نما بن علي بن حمدون الربعي الحلي الشهير بابن نما ، هو من
1 ـ أنظر : الذريعة في اجزائها.

(29)
مشايخ سديد الدين يوسف بن المطهر و المحقق الحلي ويروي عنه أيضا رضي الدين علي و ابو الفضائل احمد ابنا موسى بن طاووس ، و الشيخ نجيب الدين يحيى ( جامع الشرائع ) وولداه جعفر و أحمد ، ويروي عنه شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح القسيني باجازات آخرها جمادى الأولى سنة 637 هـ ويروي هو عن والده جعفر بن علي في شوال سنة 556 هـ الصحيفة السجادية فظهر ان بين سماع المترجم له للصحيفة سنة 556 هـ وبين إجازته للقسيني 637 هـ إحدى و ثمانين سنة و هذا يستلزم عمراً طويلاً. (1)

    المخطوطة الثانية : ( سنة 677 هـ / 1256 م )
نهج البلاغه
     إن أهم ما يرشدنا الى باريخ المقام في هذه المخطوطة انها كتبت في داخل مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف سنة 677 هـ كما صريح به جمع من العلماء ، وسوف نأتي على ذكر كلامهم ، و لتسليط الضوء على هذه النسخة ، نأتي على ذكر أصل الكتاب و جامعه و أحوال الناسخ و مواصفاب تلك النسخة و مكانها ، و هذا المطلب يتطلب ذكر عدة أمور فلنأت على ذكرها.

    في أصل الكتاب و جامعه :
     نهج البلاغة : كتاب عربي ، اشتهر في مملكة الادب الاُممي ، اشتهار الشمس في الظهيرة ، وهو صدف لآلئ من الحكم النفيسة ، ضم بين دفتيه 242 خطبة وكلاماً و 78 كتاباً ورسالة و 498 كلمة من يواقيت
1 ـ انظر : الانوار الساطعة ص 154.

(30)
الحكمة و جوامع الكلم لأمير المؤمنين عليه السلام ، ويعدّ الكتاب الوحيد الذي جُمع بأسلوب فريد روايات منتقاة من بليغ آثاره وبديع كلامه عليه السلام و الذي وُصف بأنه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ، و الذي حظي عبر القرون ، استنساخاً وشرحاً و تعليقاً من قبل أعلام البلاغة و الأدب ، و حملة العلم و الحديث جيلاً بعد جيل و تم شرحه شروح عديدة ، تربو على الستعين ، وألفت عنه مؤلفات كثيرة.
     الجمامع لنهج البلاغة : السيد محمد بن أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن ابراهيم ابن الامام موسى بن جعفر عليهما السَّلام المشهور بالشريف الرضي رَحَمَهُ الله ( 359 ـ 406 هـ ) الذي جمعه خلال 17 عاماً تقريبا. (1)

    أحوال الناسخ : السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن اردشير بن محمد الطبري الآبدار آبادي ، (2) من تلاميذ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن سعيد الحلي تـ 690 هـ كتب له اجازة على نسخة ( نهج البلاغة ) في 677 هـ وصفه فيها : بالسيد الاجل الاوحد الفقيه العالم الفاضل المرتضى نجم الدين ابو عبد الله الحسين ... (3) كما كتب نسخة من كتاب ( النهاية ) للشيخ الطوسي رَحَمَهُ الله و اتمها في يوم الثلاثاء 15 شهر ربيع الاول سنة 681 هـ ، وقرأ الكتاب على العلامة الحلي فأجازه باجازتين في شهر ربيع الآخر و جمادى الآخرة من سنة 681 هـ
1 ـ انظر : مجلة تراثنا عدد 65 ، كذلك طبقات أعلام الشيعة ( القرن الخامس ).
2 ـ ضبطه الشيخ آغا بزرك في الانوار الساطعة ص 2 ( آبدار اوادي ) وضبطه السيد أحمد الحسيني في تراجم الرجال ص 162 ( الأندراوذي ).
3 ـ أنظر : الانوارالساطعة ص 46.
تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: فهرس