تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 51 ـ 60
(51)
الباب الثالث
في ذكر تاريخ مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف
من خلال الحكايات


(52)

(53)
    ورد في كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) (1) ثلاث حكايات وقعت ببركة صاحب المقام عجل الله تعالى فرجه الشريف في القرن الثامن الهجري ، لم تقتري الحكاية الأولى بتاريخ لكن الحكايتين التاليتين ورد فيهما تاريخ صريح ، فلنورد الحكاية الأولى ثم الثانية والثالثة تباعاً ...
     وقبل أن ننقل الحكايات الثلاث ، تذكر ترجمة صاحب الكتاب ، وثناء العلماء عليه حتى يتبين لنا صدقه في النقل.

    أقول : إن مؤلف كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الإيمان ) ، هو السيد بهاء الدين علي ابن السيد غياث الدين عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الله بن أحمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي غياث الدين (2) ابن السيد جلال الدين عبد الحميد (3) بن عبد الله بن أسامة (4) بن أحمد بن علي بن محمد بن عمر (5) بن يحيى ( القائم
1 ـ نقلاً عن بحار الأنوار / للعلامة المجلسي ( أعلى الله مقامه ).
2 ـ الذي خرج عليه جماعة من العرب بشط سوراء بالعراق وحملوا عليه وسلبوه فمانعهم عن سلب سراويله فضربه أحدهم فقتله وكان عالماً تقياً.
3 ـ الذي يروي عنه محمد بن جعفر المشهدي في المزار الكبير وقال فيه : أخبرني السيد الأجل العالم عبد الحميد بن التقي عبد الله بن أسامة العلوي الحسيني رَضيَ اللهُ عَنه في ذي القعدة نم سنة ثمانين وخمسمائة قراءة عليه بحلة الجامعين.
4 ـ متولّي النقابة بالعراق.
5 ـ الوئيس الجليل الذي رد الله على يده الحجر الأسود لما نهبت القرامطة مكة في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة وأخذوا الحجر وأتو به إلى الكوفة وعلقوه في السارية السابعة من المسجد التي كان ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام فإنه قال ذات يوم بالكوفة : لا بد أن يسلب في هذه السارية وأومى إلى السارية السابعة والقصة طويلة وبنى قبة جده أمير المؤمنين عليه السلام من خالص ماله.


(54)
بالكوفة ) ابن الحسين ( النقيب الطاهر ابن أبي عاتقة أحمد الشاعر المحدث ) ابن أبي علي عمر بن أبي الحسين يحيى (1) ابن أبي عاتقة الزاهد العابد الحسين (2) بن زيد الشهيد ابن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السَّلام النيلي (3) النجفي النسابة.
     وهو من مشايخ العلامة أبي العباس أحمد بن فهد المجاز منه في 791 هـ أدرك أواخر عهد فخر المحققين تـ 771 هـ والسيدين العلمين عميد الدين وضياء الدين والشهيد محمد بن مكي العاملي ويروي عنهم جميعاً ، كما يروي عن الشيخ المقريء والحافظ شمس الدين محمد بن قارون وغيرهم.
     وأما كتابه هذا فقد نقل عنه الشيخ حسن ين سليمان الحلي ( من علماء القرن التاسع ) في كتابه ( مختصر بصائر الدرجات ) ص 176 ، والعلامة المجلسي رَحَمَهُ الله في ( بحار الأنوار ) ، والميرزا الافندي رَحَمَهُ الله في ( رياض العلماء ) والبهبهاني رَحَمَهُ الله في ( الدمعة الساكبة ).
1 ـ من أصحاب الكاظم عليه السلام المقتول سنة خمسين ومثتين الذي حمل رأسه في قوصرة إلى المستعين.
2 ـ الملقب بذي الدمعة الذي رباه الإمام الصادق عليه السلام وأورثه علماً جمّا.
3 ـ النيل : بلدة تقع على نهر النيل ، وهو يتفرع من نهر الفرات العظمى احتفره الحجاج بن يوسف الثقفي سنة 82 هـ وهي مركز الإمارة المزيدية قبل تأسيس الحلة.


(55)
    ويظهر من بعض حكايات الكتاب أن تاريخ كتابته سنة 789 هـ (1) وللسيد هذا كتب أخرى لا أرى بايراد أسمائها هنا بأساً :
     أ ـ كتاب الأنوار المضيّة في الحكم الشرعية.
     ب ـ كتاب الغيبة.
     جـ ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد.
    د ـ سرور أهل الإيمان.
     هـ ـ كتاب الانحراف من كلام صاحب الكشاف.
     و ـ كتاب الأنصاف في الرد على صاحب الكشاف.
     ز ـ كتاب شرح المصباح للشيخ الطوسي.
     ي ـ كتاب الرجال ( ينسب اليه ).
     في الثناء عليه :
    قال تلميذه ابن فهد الحلي رَحَمَهُ الله تـ 841 هـ : حدثني المولى السيد السعيد الإمام بهاء الدين ...
     وقال تلميذه الشيخ حسن بن سليمان الحلي رَحَمَهُ الله : ومما رواه لي ورويته عنه السيد الجليل السعيد الموفق الموثق بهاء الدين ...
     وقال العلامة المجلسي رَحَمَهُ الله : السيد النقيب الحسيب بهاء الدين ...
     وقال الميرزا الافندي رَحَمَهُ الله : السيد المرتضى النقيب الحسيب
1 ـ وللاسف الشديد ان هذا الكتاب لم يطبع إلى الآن برغم وجود نسخه الخطية في المكتبات العامة فمن قلمنا هذا ندعو مؤسسات النشر والتأليف إلى اخراجه للطبع وطبع كتب هذا السيد الجليل وتحقيقها خدمة للمذهب الإمامي واحياءً لآثار هذا السيد الجليل.

(56)
النسابة الكامل السعيد الفقيه الشاعر الماهر العالم الفاضل الكامل صاحب المقامات والكرامات العظيمة قدس الله روحه الشريفة كان من أفاضل عصره ... وقال الميرزا النوري رَحَمَهُ الله : السيد الأجل الأكمل الارشد المؤيد العلامة النحرير ، (1) كان حياً سنة 800 هـ

    الحكاية الأولى :
حكاية أبي راجح الحمامي الشيخ الذي أصبح شاباً
    نقل العلامة المجلسي ( 1037 ـ 1111 هـ ) في بحار الانوار عن كتاب ( السلطان المفرج عن أهل الايمان ) تأليف العامل الكامل السيد علي بن عبد الحميد النيلي النجفي ، انه قال : فمن ذلك ما اشتهر وذاع ، وملأ البقاع ، وشهد بالعيان أبناء الزمان ، وهو قصّة أبي راجح الحمامي بالحلة ، وقد حكى ذلك جماعة من الاعيان الاماثل ، وأهل الصدق الافاضل ، منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون سلّمه الله تعالى قال :
     كان الحاكم بالحلة شخصاً يدعى مرجان الصغير ، فرفع إليه أنّ أباراجح هذا يسبّ الصحابة ، فأحضره وأمر بضربه فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه ، حتى انه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه ، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلّة من الحديد ، وخرق النفه ، ووضع فيه شركة من الشعر وشدّ فيها حبلاً وسلمه الى جماعة من اصحابه ،
1 ـ انظر : رياض العلماء ج 4 / ص 88 و 124 ـ 130 ، خاتمة المستدرك ط ح ص 435 ، سفينة البحار ج 2 / ط. ح / ص 248 الذريعة في أجزائها وطبقات أعلام الشيعة.

(57)
وأمرهم أن يدوروا به أزقّة الحلة ، والضرب يأخذه من جميع جوانبه ، حتى سقط الى الارض وعاين الهلاك ، فأخبر الحاكم بذلك ، فأمر بقتله ، فقال الحاضرون انه شيخ كبير ، وقد حصل له ما يكفيه ، وهو ميّت لما به فاتر كه وهو يموت حتف أنفه ، ولا تتقلّد بدمه ، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخليته وقد انتفخ وجهه ولسانه ، فنقله أهله في البيت ولم يشكّ أحدّ أنه يموت من ليلته.
     فلما كان من الغدغدا عليه الناس فاذا هو قائم يصلّي على أتم حالة ، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت ، واندملت جراحاته ، ولم يبق لها أثر ، والشجّة قد زالت من وجهه !
     فعجب الناس من حاله وساءلوه عن أمره فقال : اني لما عاينت الموت ولم يبق لي لسان اسأل الله تعالى به فكنت اسأله بقلبي واستغثت الى سيدي ومولاي صاحب الزمان عليه السَّلام.
     فلما جنّ عليّ الليل فاذا بالدار قد امتلأت نوراً وإذا بمولاي صاحب الزمان عليه السَّلام قد أمرّ يده الشريفة على وجهي وقال لي : ( اخرج وكدّ على عيالك ، فقد عافاك الله تعالى ) فأصبحت كما ترون.
     وحكى الشيخ شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال :
     وأقسم بالله تعالى إن هذا ابو راجح كان ضعيفاً جداً ، ضعيف التركيب ، اصفر اللون ، شين الوجه ، مقرض اللحية ، وكنت دائماً أدخل في الحمام الذي هو فيه ، وكنت دائماً أراه على هذه الحالة وهذا الشكل.
     فلما أصبحت كنت ممن دخل عليه ، فرأيته وقد اشتدّت قوته وانتصبت قامته ، وطالت لحيته ، واحمر وجهه ، وعاد كأنّه ابن عشرين سنة ولم يزل على ذلك حتى أدر كته الوفاة.


(58)
     ولما شاع هذا الحبر وذاع ، طلبه الحاكم و أحضره عنده وقد كان رآه بالأمس على تلك الحالة ، وهو الان على ضدّها كما وصفناه ، ولم يرَ لجراحاته أثراً ، وثناياه قد عادت ، فداخل الحاكم في ذلك رعب عظيم ، وكان يجلس في مقام الأمام عليه السَّلام في الحلة ويعطي ظهره القبلة الشريفة ، فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها ، وعاد يتلطّف بأهل الحلة ، ويتجاوز عن مسيئهم ، ويحسن الى محسنهم ، ولم ينفعه ذلك بل لم يلبث في ذلك الا قليلاً حتى مات. (1)
     أقول : روحي وأرواح العالمين لك الفداء.
     إيه أيتها الجوهرة المحفوفة بالاسرار كم جهلناك وكم بخسناك حقك ؟!
     كم أغفلنا ذكرك وانشغلنا بغيرك كم سرحنا أفكارنا بعيداً عنك ؟
     أترك تعطف علينا اليوم بنظرة من تلك التي مننت بها على ذاك الرجل صاحب الحمام ( العمومي ) ، فتمسح قلوبنا بذاك الاكسير ؟! ... فنحن في هذا الحمى.

    بحث حول الحكاية :
    أقول : إن هذه الحكاية مشهورة ومتواترة النقل في عصر المؤلف السيد بهاء الدين وتناقلها علماء الحلة ، انظر إلى قول السيد في بداية الحكاية ( فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان ... وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل ).
1 ـ انظر : بحار الانوار ج 52 / ص 71 ؛ النجم الثاقب ج 2 / ص 219.

(59)
    في أحوال راوي الحكاية وعصرها :
     أقول : إن راوي الحكاية هو شمس الدين محمد بن قارون الذي لم أجد له ترجمة في كتب الرجال ، فللفائدة والاستدراك على الكتب الرجالية نذكر ترجمته :
     قال السيد بهاء الدين : انه من الأعيان وأهل الصدق الأفاضل ، وقال عنه أيضاً الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمد بن قارون ، ... (1) المحترم العامل الفاضل ... (2) الشيخ العالم الكامل القدوة المقري الحافظ المحمود المعتمرشمس الحق والدين محمد بن قارون. (3)
     وكما قال عنه الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي ، (4) وكما وصفه أيضاً الشيخ عز الدين حسن بن عبد الله بن حسن التغلبي بـ ( الشيخ الصالح محمد بن قارون ) ، (5) كان حياً سنة 759 هـ
     فهو يعد من مشايخ السيد بهاء الدين ، يعني أن شمس الدين كان بالقطع مععاصراً للشهيد الأول ( 734 ـ 786 هـ ) فاذن وجود شمس الدين محمد بن قارون في بداية القرن الثامن الهجري حياً وروايته لهذه الحكاية ، يدل على أن الحكاية وقعت في النصف الأول من هذا
1 ـ انظر : بحار الأنوار / المجلسي رَحَمَهُ الله ، ج 52 / ص 71.
2 ـ انظر : المصدر السابق ص 72.
3 ـ انظر : جنة المأوى / النوري رَحَمَهُ الله ص 202.
4 ـ نسبة إلى ( السيب ) بكسر أوله وسكون ثانيه ، وهو نهر في ذنابة الفرات بقرب الحلة ، وعليه بلد يسمى باسمه.
5 ـ كتاب الدر النضيد في تعازي الحسين الشهيد نقلا عن رياض العلماء ج 2 / ص 11.


(60)
القرن السالف الذكر والدليل على ذلك الحكاية الثانية التالية والتي يرويها أيضا شمس الدين محمد بن قارون والحاصلة في سنة 744 هـ
     وهو غير الشيخ الفقيه الصالح شمس الدين محمد بن أحمد بن صالح السيبي القسيني ، تلميذ السيد فخار بن معد الموسوي المجاز منه سنة 630 هـ ( وهي سنة وفاة السيد فخار ) وهو صغير لم يبلغ الحلم وأجازه الشيخ والده أحمد سنة 635 هـ وأجازه الشيخ محمد بن أبي البركات اليماني الصنعاني سنة 636 هـ والمجيز لنجم الدين طومان بن أحمد العاملي سنة 728 هـ فإن هذا الشيخ متقدم على الشيخ شمس الدين محمد بن قارون السيبي. (1)

    تنبيه لكل نبيه :
     قال ابن بطوطة في رحلته ( سافرنا من البصرة فوصلنا إلى مشهد علي ابن ابي طالب رَضي اللهُ عَنه وزرنا ، ثم توجهنا إلى الكوفة فزرنا مسجدها المبارك ثم إلى الحلة حيث مشهد صاحب الزمان واتفق في بعض الأيام أن وليها بعض الامراء فمنع أهلها من التوجه على عادتهم الى مسجد صاحب الزمان وانتظاره هنالك ومنع عنهم الدابة التي كانوا يأخذونها كل ليلة من الأمير فأصابت ذلك الوالي علة مات منها سريعاً فزاد ذلك في فتنة الرافضة وقالوا انما أصابه ذلك لأجل منعه الابة فلم تمنع بعد ). (2)
     أقول : ان كلام ابن بطوطة المتقدم آنفاً هو في زيارته الثانية للحلة ، فابن بطوطة مرَّ في الحلة مرتين الأولى كانت سنة 725 هـ في عهد الوالي ( حسن
1 ـ انظر : الذريعة إلى تصانيف الشيعة / الطهراني رَحَمَهُ الله ج 1 / ص 229 و 220.
2 ـ انظر : رحلة ابن بطوطة ج 2 / ص 174.
تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: فهرس