تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 111 ـ 120
(111)
مما يعرفه كل باحث في تاريخ الحلة ، وتراجم علمائها ، ان أولئك العلماء الاعلام ، لابد أن يكون لهم
    مدارس ومعاهد علمية يلقون فيها دروسهم ويحاضرون بها تلامذتهم ، وينسخون فيها كتبهم ، ولم يرد في التواريخ إحصاء دقيق لهاتيك المدارس والمعاهد العلمية ، فلابد أن تكون مدرسة مقام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والتي تقع بجانبه من جملة المدارس التي كانت تضم طلبة العلوم الدينية في الحلة الفيحاء ، وقد دلت الأثار التي وقفنا عليها في بعض المخطوطات ( كما أشرنا اليها سابقا في الباب الاول من كتابنا هذا ) على وجود مدرسة تعرف بـ ( مدرسة صاحب الزمان ) ولا يختلج في نفس المتتبع ريب أن مشاهير أعلام الحلة كابن إدريس وآل نما وآل طاووس والمحقق والعلامة كانوا يلقون دروسهم في هذه المدرسة ، لبركتها وكونها متصلة بمقام بقية الله الخلف المهدي عليه السلام والآن نأتي على ما عثرنا عليه من التواريخ التي تخص تلك المدرسة المباركة : (1)
1 ـ اقول : أنني وجدت في كتاب ( ديوان الشيخ يعقوب ) للشيخ محمد علي اليعقوبي رَحَمَهُ الله ص 106 بالهامش أن دبيس بن سيف الدولة صدقة بن منصور المزيدي تـ 529 هـ ، شيدأبوه من عمارات الحلة وتوسيع نطاق مدارسها ومعاهدها العلمية والادبية ( أنتهى ) وباعتبار أن المقام ومدرسته الدينية من بلك المعاهد العلمية والادبية ربما شملتها رعاية ذلك الأمير ، علما ان الشيخ يوسف كركوش رَحَمَهُ الله في كتابه ( تاريخ الحلة ) والسيد هادي كمال الدين رَحَمَهُ الله في كتابه ( فقهاء الفيحاء ) لم يذكرا هذه المدرسة بتاتاً.

(112)
    التاريخ الأول :
     قال ابن هيكل رَحَمَهُ الله في حوادث سنة 636 هـ فيها عمَر الشيخ محمد بن نمّا الحلي بيوت الدرس الى جانب المشهد المنسوب الى صاحب الزمان عليه السلام بالحلة السيفية وأسكنها جماعة من الطلبة. (1)
     أقول : يظهر من العبارة المذكورة آنفا :
     أولا : أن المدرسة كانت موجودة قبل هذا التاريخ أي ( 636 هـ ) وأن الشيخ الجليل محمد بن جعفر بن نمَا لم يكن هو المؤسس ، بل كان المعمَر لها والساعي بتجديدها.
     ثانياً : اهتمام العلماء الاجلاء أمثال الشيخ ابن نّما بتلك المدرسة المباركة.
     ثالثاً : يظهر من عظيم منزلتها أنه لا يسكنها إلا الفقهاء من الطلبة.
     التاريخ الثاني :
     في بداية القرن الثامن صرح أبو محمد الحسن بن ناصر الحداد العاملي وهو من تلاميذ العلامة الحلي رَحَمَهُ الله بكتابة كتابه ( الدرة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة ) مجاور مقام صاحب الزمان عليه السلام بالحلة. (2)
     أقول : يظهر من عبارة التاريخ الاول أن ابن الحداد العاملي كتب مخطوطته بهذه المدرسة المجاورة للمقام إذ أن معنى كلمتي جانب ومجاور واحد.
1 ـ أنظر : الباب الأول ( المخطوطة الأولى ).
2 ـ انظر : الباب الأول ( المخطوطة الثالثة ).


(113)
     التاريخ الثالث :
     في سنة 776 هـ نسخ حسين بن محمد العراقي لأبنه سعد الدين محمد كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله وانتهى من نسخه غرة جمادى الآخرة من تلك السنة في مدرسة صاحب الزمان عليه الاسلام. (1)
     التاريخ الرابع :
     في سنة 786 هـ قابل جعفر بن محمد العرقي نسخئ من كتاب ( قواعد الاحكام ) للعلامة الحلي رَحَمَهُ الله على نيخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان عليه السلام. (2)
     التاريخ الخامس :
     في 16 شهر ربيع الاول سنة 957 هـ نسخ بمدرسة صاحب الزمان عليه السلام كتاب ( المختصر النافع ) للمحقق الحلي رَحَمهُ الله. (3) أقول :
     وبعد سنة 957 هـ ضاعت علينا أخبار بلك المدرسة العريقة التي كانت مائلة لعدة قرون ، وبعد التحقيق يظهر أن فترة ضياع ذكرها هي فترة الاحتلال العثماني للعراق ( 914 ـ 1335 هـ ) يقابلها ( 1535 ـ 1917 م ) ذلك الحكم الذي جهد في طمس آثار مذهب الامامية وطبيعي أن ذلك المحتل العنصري المتزمت لا تطيب نفسه على أن تكون للمذهب الامامي الشيعي مدرسة خاصة به فعلى ما احتمل أن أرضيّة بناية جامع الحلة الكبير التابع لأبناء السنة والذي يقع
1 ـ انظر : الباب الأول ( المخطوطة الخامسة ).
2 ـ المصدر السابق.
3 ـ أنظر : الباب الأول ( المخطوطة السادسة ).


(114)
بظهر المقام مباشرة هي أصل تلك المدرسة علماً أن مساحة واسعة من تلك الارضية اقتطعت منه في عام ( 1387 هـ / 1967 م ) وجعلت دكاكين وأسواقا تنوف على المئة ، جعل ريعها لداثرة الوقف السني من ذلك العصر وذلك في عهد الزعيم عبد الرحمن عارف الذي كثر في عصره أعداء الاسلام من الشيوعيين والبعثيين وغيرهم والذين توغلوا في عامة دواثر الدولة وأكملوا لعب الكرة التي لعبها العثمانيون. وحدثني رجل من موظفي دائرة الوقف الشيعي في الحلة انه رأى مساحة الجامع قبل عمارته الاخيرة عبارة عن مساحة تحوطها حجر قديمة على هيئة بيوت الدرس في المدارس الدينية القديمة ، وكذلك حدثني بذلك الوجيه أمجد بن هلال بن مبارك وانه رأى تلك الحجر ، فعظمت بك المصيبة يوم هدمت تلك العمارة القديمة التابعة أصلا للمقام من قبل السياسات الظالمة وجعلها محلات تجارية وأحسب أن الحلة فقدت مادتها المعنوية يوم أخذت تلك الاراضي المقدسة كما تبع هذا الحكم حزب البعث الظالم وأراد هدم قبر المحقق المحلي رَحَمَهُ الله بحجة التوسعة ولولا جهود الخيرين الحلي ، كما هدم حرم قبر الشيخ محمد بن نما الحلي رَحََمَهُ الله وقبر السيد محمد بن طاووس رَحَمَهُ الله وقبر السيد محمد المنتجب رَحَمَهُ الله وغيرها من القبور بحجة التوسعة وتهديم المدارس الدينية القديمة وجعلها أسواقا كسوق الصّاغة في السوق الكبير الذي كان أصله مدرسة دينية ماثلة للعيان وذلك في أواخر السبعينات الميلادية ، وإنا لله وأنا إليه راجعون.
     وبعد هذا التاريخ كله فهذه دعوة حرة الى كل من يهمه الامر ،


(115)
وخاصة دائرة الوقف الشيعي في التطلع على هذا الامر وخاصة بعدما سهلنا لهم الامر بجمع تلك الحقائق والمعلومات التي أوردنا فيها تاريخ المدرسة من خلال الكتب المطبوعة والمخطوطة.
     أقول : ولا يتعجب المرء ويستغرب من قولي هذا ، فسأذكر مثالاً واحداً يدل على أفعال الدولة العثمانية وفي الحلة خاصة ، الدولة التي حاولت طمس آثارنا الشيعية مدة أربعمائة سنة من الطلم والفقر والاضطهاد.
     والمثال هذا هو حول المدرسة الزينبية : (1)
1 ـ أقول : قد ذكرت هذه المدرسة في عدة مصادر بعدة أسماء كما يلي :
     1 ـ المدرسة الزعية تاريخ الحلة 1 / 105 ، 2 / 94 و 98.
     2 ـ المدرسة الشرعية تاريخ الحلة 1 / 105.
     3 ـ المدرسة الزعنية :
     أ ـ فقهاء الحلة 1 / 299 ( السيد هادي كمال الدين ).
     ب ـ تتميم الرجال المصدر السابق ( السيد علي بن عبد الحميد النيلي ).
     4 ـ المدرسة الزينبية :
     أ ـ أالفوائد الرجالية 3 / 107 ( السيد مهدي بحر العلوم ).
     ب ـ مجلة معهد المخطوطات العربية 3 / 152.
     5 ـ المدرسة الزينبية :
     أ ـ مقدمة كتاب ( المهذب البارع ) 1 / 11 ( تحقيق الشيخ مجتبى العراقي ).
     ب ـ بأرسخ الحلة 1 / 145.
     وهذا ما اخترّناه لأن هذا الاسم يوحي ان المدرسة سميت تبركا بأسم السيدة زينب بنت أمير المؤمنين عليها السلام ولا وجه بتسميتها بالزعنية أو الزعية أو غيرها فانه تصحيف ـ ل ( الزينبية ) أو من خطأ النساخ.


(116)
     كانت هذه المدرسة في الحلة تضم فئة من رجال العلم والادب والفلسفة ، ولم تكن بغداد في ذلك الوقت تضاهيها من هذه الناحية ، فقد هاجر عنها العلماء ورجال الفكر الى أنحاء أخرى ، وكان أكبر مدرسي هذه المدرسة الشيخ جمال الدين أبو العباس أحمد بن فهد الحلي ( 841 هـ / 1757 م ) وقد تخرج منها على يدي ابن فهد رَحَمَهُ الله جماعة من العلماء الافاضل منهم عز الدين المهلبي والشيخ عبد الشفيع بن فياض الاسدي الحلي صاحب كتاب ( تحفة الطالبين في أصول الدين ) وكتاب ( الفرائد الباهرة ) والسيد محمد بن فلاح المشعشع ، وأضرابهم من علماء ذلك العصر ، وموقع تلك المدرسة في رأس سوق الهرج في الحلة ، وفي مدة حكم الوالي رؤوف باشا سنة 1289 هـ وتحت شعار نشر العلم ( كلمة حق يراد بها باطل ) قامت بتغيير اسم تلك المدرسة الى المدرسة الرشيدية (1) وجعل المدرسة من انشاءات ومشاريع الدولة العثمانية (2) والحال أن المدرسة الزينبية من مدارس الحلة ، إبًان نهضتها في القرون الوسطى وآثارها الى الآن باقية في عصرنا ، فمن خلال قلمنا هذا ندعو دائرة الآثار ، ودائرة الوقف الشيعي للأطلاع على هذا الامر.
     ملاحظة : كان الحديث عن المدرسة الزينبية في الحلة في هذا الباب لسببين :
1 ـ أقول : أن الظاهر اسم المدرسة ( الرشدية ) وليس ( الرشيدية ) وذلك لما أحصيته من ذكر هذا الاسم على ثلاث مدارس في بغداد ( في تلك الفترة ) ، راجع كتاب بغداد الفديمة ص 25 و 26 لعبد الكريم العلاّف ( ومؤلف هذا الكتاب كان حيا في تلك الفترة ).
2 ـ انظر : تاريخ الحلة ج 1 / ص 145.


(117)
    أولهما :
     الدعوة الى إحياء ذكر بلك المدرسة التاريخية ، والأهتمام بالمدارس العلمية ، وملاحظة طمس الآثار الشيعية ، من قبل السياسات الحاكمة.
     وثانيهما :
     حتى لا يشتبه الامر ، على المتتبع لأثار مدرسة صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، الواقعة جوار المقام في سوق الصفارين بالقرب من سوق الهرج ، فأن اثار المدرسة الزينبية ( الرشدية ) الآن في نهاية سوق الهرج كما صرح به صاحب كتاب تاريخ الحلة ( الشيخ يوسف كركوش ).


(118)

(119)
الباب الثامن
في ذكر سدنة وأوقاف
مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة
تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: فهرس