تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: 121 ـ 130
(121)
    الأمر الأوّل : في ذكر سدنة المقام : اهتم الشيعية الامامية بمشاهد العترة الطاهرة ، فبقوا يحافظون على تلك المشاهد المنسوبة اليهم ، بالعمارة بعد العمارة ، وفي كل مشهد من تلك المشاهد المعظمة وضعوا طائفة وظيفتها أن تهتم بتنظيف تلك المشاهد والعناية بها ، واحترام زائريها وبقديم الخدمات لهم ، وسموا تلك الطائفة بالسدنة ، ومن تلك المشاهد ، مشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة ، فان مشهده لم يخلُ من تلك الطائفة لكن التاريخ لم يحفظ لنا أسماء من تلك الطائفة ، إلا ما وجدته من اسم واحد ، وبيت واحد ، وهو بيت ( آل القيم ) وأكرم به من بيت ، فيخدمتهم لهذا المقام الشريف نالوا ذلك اللقب السامي ، وقد نال هذا البيت الحظ الأوفر من تلك السدانة وبحقبة زمنية تقدر بنحو ثلاثة قرون أو أكثر ، يستلمها خلف عن سلف وكابر عن كابر ، فقد ذكرهم الشيخ الخاقاني رَحَمَهُ الله في كتابه ( شعراء الحلة ) قائلاً : إن صاحب كتاب ( ديوان القيم ) الذي جمعه الشيخ محمد علي اليعقوبي رَحَمَهُ الله ، هو حسن بن الملا محمد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي ، وكان جده هذا سادناً على مقام العيبة التي في نهاية سوق الهرج من جهة الغرب ومن هنا جاءهم لقب ( القيم ) وكانت السدانة لهم من لدن دولة الصفويين في العراق ( 930 ـ 1120 هـ ) وهم حتى


(122)
اليوم يستغلون ثمرة أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة ، ولد المترجم له أي الشاعر سنة 1276 هـ (1)

    أقول : ربما ان أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة هي مما وقفه الحكام الصفويّون للماقم الشريف ، وكان هذا من عادتهم مع المشاهد الشريفة.
     ومن ثمّ انتقلت السدانة الى بيت آخر من بيوتات الحلة ولمدة قصيرة ، ومن بعد تحولت الى بيت آخر ثالث يدعى بـ ( ال الصفار ).
وكان السادن الأول منهم الحاج حميد حسين الظاهر الصفار الخفاجي الذي خدم المقام نحواً من أربعة عقود وكان معروفاً بتدينه وورعه وتوفي هذا السادن سنة ( 1408 هـ ) ثم استلم السدانة بعده ولداه عبد الله وعبد علي اللذان كانا يسعيان بين حقبة وأخرى لترميم وصيانة وتطوير المقام وبالشكل اللائق وببعض جهود الخيرين دامت توفيقاتهم وأخبرني سادن المقام عبد الله الصفار عن كرامة رآها بأم عينيه أحببت تدوينها هنا وهي من إملائه عليّ قال : في سنة ( 1408 هـ / 1988 م ) وفي الشهر الخامس وفي يوم الجمعة حدثت كرامة في هذا المقام وهي : كان مفتاح باب المقام عند رجل كبير السن وكان مؤمناً اسمه حمزة الحمود ( ابو ابراهيم الصفار ) اُمر هذا الرجل من قِبل مدنة المقام لغيابهم عنه في تلك المدة بفتح وغلق باب المقام ، وعندما اغلق الباب
1 ـ انظر : شعراء الحلة / الخاقاني رَحَمَهُ الله ج 3 / ق 1 / ص 50 ( بتصرف ) وذكر لي بعض اهل العلم الثقاة انه سأل الحاجّ خليلاً القيّم حفيد الحاج حسن القيم المذكور عن نسبهم فاجابه انهم ينتمون الى بني اسد.

(123)
ليلة الجمعة اغفل أمراً مهماً وهو أن بعضاً من النساء وضعنَ بعض الشموع ومباشرة على كرسي خشب قديم كان داخل المقام ، وكان المقام مفروشاً بحصير من النايلون ( البلاستك ) لان الموسم كان صيفاً ، فأغفل الرجل إطفاء تلك الشموع التي وضعت على الكرسي مباشرة ، فجاء يوم الجمعة صباحاً لفتح باب المقام فوجد أمراً عجيباً ! قد حدث وهو أن الكرسي قد احترق بأكمله ولم يبق إلا رمادُ ولم يروا أثراً لاحتراقه على الحصير سوى بقع صغيرة بقدر الدرهم والحصير لم يحترق فاجتمع الناس لرؤية هذه الكرامة وأخذ الناس رماد ذلك الكرسي للتبرك فيركة صاحب هذا المقام لم يحترق الحصير ولو احترق الحصير لحرق المقام بأكمله لكن أبى الله الا أن يتم نوره ولو كره المشركون.
     أقول : لقد انطفأ النور الناتج من احتراق الكرسي عندما حضر النور الالهي تواضعاً منه لذلك النور المقدس فخمدت تلك النيران ببركات يمن وجوده عليه السلام كما خمدت نيران كسرى ببركات يمن جده صلى الله عليه وآله.

    الأمر الثاني : في ذكر الأوقاف الخاصة بالمقام :
     دأبت الشيعة الامامية ( أنار الله برهانهم ) بجعل وقف من الاراضي أو المشاريع الخيرية وذلك لتعاهد عمارة تلك المشاهد بالبناء والتعمير وقد قدمنا ذكر أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلة التي من المحتمل أن تكون خاصة بهذا المقام ، والان نأتي على ما تبقى من الذكر ، أقول : إنني زرت في سنة 1425 هـ دائرة الوقف الشيعي في الحلة فعثرت في طيات مخزوناتها على أوراق عثمانية يدّعى فيها وجود مقام للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في منطقة المحتية


(124)
التابعة للحلة ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو قطعة 114 و 11 أو 14 و 15 العوادل خيكان الغربي وخيكان الشرقي / مدحتية ، كما عثرت في أوراق عثمانية أخرى على ادّعاء وجود مقام آخر للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في قضاء الكفل التابع للحلة ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو 5 و 6 م 2 هور الشوك / كفل ، جار ابن الجباوي ، والذي اعتقده أن الموضعين المذكورين ليس فيهما مقامان للأمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لعدم وجود عين ولا أثر لهما ولو كان لهما وجود لما طمست آثارهما ودرست معالمهما وأغلب الظن أنهما من جملة المواضع الموقوفة على مقام الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في الحلة الذي كتبنا هذا البحث في تحقيقه ، وقد لا يبعد أن يكون ذكر هذين المقامين في المكانين المزبورين هو من تزويرات الدولة العثمانية المتعصبة على الشيعة تعصباً لاهوادة فيه ( وتوظيفاً ) لهذا التعصب وبدافع التشويش والتضبيب على عقائد الشيعة اختلقت لهم ما لم يعرفوه ولم ينقله منهم ناقل.


(125)
الباب التاسع
في موقع ووصف
مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلة


(126)

(127)
يقع المقام في مركز مدينة الحلة السيفية في منطقة تدعى ( السنية ) وفي سوق الصفارين على يمين الداخل الى هذا السوق ، و يقع على يسار الداخل للسوق الكبير ، وخلف جامع الحلة الكبير بالضبط.
والمشهور عند أهل الحلة ( مقام الغيبة ) مشتقة من الغائب الذي هو اسم من أمائه عليه السلام.
     وفي يوم 2 من شهر ربيع الأول من سنة 1425 هـ تشرفت بزيارة المقام كما كنت أتردد عليه كثيراً وخاصة عند نزولي في الحلة وهي البلدة التي ولدت فيها في سنة 1391 هـ في منزل يقع بالقرب من قبر المحقق الحلي صاحب كتاب ( شرائع الاسلام ) ثم انتقلت الى الارض المقدسة التي حوت جسد أمير المؤمنين عليه السلام وعشت بجواره متنعماً مدة حياتي سوى خمس سنين وأشهر قضيتها في الحلة أوائل عمري.
     وعوداً الى بدء

    أقول : إن المقام يطل على السوق بمساحة قدرها ( 5 ، 9 م ) والمساحة الكلية للمقام بنحو ( 35 م 2 ) ويتوسط واجهة المقام باب من خشب الساج ارتفاعه ( 2 م ) ويعلو الباب شعر يؤرخ عمارة السيد القزويني ( 1317 هـ ) ويعلو واجهة المقام آية التطهير جددت عام ( 1422 هـ ) وزيارة مختصرة للامام عجل الله تعالى فرجه الشريف وزينت واجهة المقام بالزخارف الاسلامية ، ويقع على يمين الداخل من الخارج مكان للوضوء.وعند الدخول للمقام ترى أمامك شباك مصنوع من خشب الساج علوه ( 75 ، 1 م ) وعرضه ( 1م ) تعلوه زيارة للامام عجل الله تعالى فرجه الشريف وهي الزيارة


(128)
المعروفة بـ ( السلام على الحق الجديد ) (1) كتبت بالقاشي الازرق وعند توجهك الى جهة القبلة يكون الشباك خلفك و باب المقام أمامك وكتب على لوح فوق الباب من الداخل شعر يؤرخ العمارة الاخيرة وهـي في سـنة ( 1422 هـ ) ثم يعلو الباب الدعاء المعروف ( يا من أظهر الجميل ) ( دعاء أهـل البيت المعمور ) وعليه تأريخ كتابته عـام ( 1417 هـ / 1996 م ) وكتب بالقاشي الازرق ، والقبة من الداخل مزينة وكتب فيها آية النور وأسماء اهل البيت عليه السلام يعلوها لفظ الجلالة وتتوسطها ثريا جميلة وفاخرة ، وصعدنا على مكان مرتفع لنشاهد القبة الشريفة السامية المنيفة فرأيتها قد جدد تغليفها حديثاً وهي خالية من الكتابة والتأريخ سوى أسماء المعصومين عليها السلام وهي شامخة ظاهرة للعيان من بعد ، ومن خلال قلمنا هذا ندعو العلماء الأعلام ودائرة الوقف الشيعي والاخوة المؤمنين والمؤسسات الخيرية الذين يريدون أن يعظموا شعائر الله ان يلتفتوا لتوسعة حرم المقام الذي لا يتجاوز مساحته سوى ( 35 م 2 ) وذكرنا أنّ المقام كان أوسع بكثير ولكن ... فان مساحته لا تليق وعمره التأريخي وذلك بضم بعض المحلات الى مساحته حتى تشملهم رعاية الأمام عليه السلام ولطفه.
1 ـ هذه الزيارة موجودة في كتاب ( مفاتيح الجنان ) وهي زيارة مطلقة يزار بها في كل الازمنة والامكنة ، نقلها السيد ابن طاووس في كتابه ( مصباح الزائر ) ، ولم أوردها هنا خوف الاطالة.

(129)
الباب العاشر
في ذكر عدة أمور تتعلق بزيارة مولانا
صاحب الزمان اروحنا فداه في هذا المقام
تاريخ مقام الإمام المهدي ( عج ) في الحلة ::: فهرس