أخبرنا الشيخ الحافظ شيخ الإسلام أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك ابن أحمد بن الحسن الأنماطي (1) قال : أخبرنا الشيخ أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي (2) بقراءتي عليه في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، وقال : أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد بن محمد ابن جعفر الوكيل (3) قراءة عليه وأنا أسمع ، في رجب من سنة ثمان وثلاثين
لما قدم علي بن أبي طالب من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين ، وقد أعز الله نصره وأظهره علي عدوه ، ومعه أشراف الناس وأهل البصرة ، استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم ، فدعوا له بالبركة وقالوا : يا أمير المؤمنين ، أين تنزل ؟ أتنزل القصر ؟ فقال : لا ، ولكني أنزل الرحبة . فنزلها وأقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال : " أما بعد يا أهل الكوفة فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا . دعوتكم إلى الحق فأجبتم ، وبدأتم بالمنكر فغيرتم . ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين الله في الأحكام والقسم . فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه . ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى ، وطول الأمل . فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة . ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة ، والآخرة ترحلت مقبلة ، ولكل واحدة منها بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة . اليوم عمل ولا حساب ، وغدا حساب ولا عمل .
فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي ـ وكان صاحب شرطته ـ فقال : والله إني لأرى الهجر وإسماع المكروه لهم قليلا . والله لئن أمرتنا لنقتلنهم . فقال علي : سبحان الله يا مال ، جزت المدى ، وعدوت الحد ، وأغرقت في النزع ! فقال : يا أمير المؤمنين ، لبعض الغشم أبلغ في أمور تنو بك من مهادنة الأعادي . فقال علي : ليس هكذا قضى الله يا مال ، قتل النفس بالنفس فما بال الغشم (4) . وقال : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ) . والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك ، فقد نهى الله عنه ، وذلك هو الغشم .
فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي ـ وكان ممن تخلف عنه ـ فقال :
وكان أشياخ الحي يذكرون أنه كان عثمانيا ، وقد شهد مع علي على ذلك صفين ، ولكنه بعد ما رجع كان يكاتب معاوية ، فلما ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلوجة (2) ، وكان عليه كريما .
ثم إن عليا تهيأ لينزل ، وقام رجال ليتكلموا ، فلما رأوه نزل جلسوا وسكتوا .
نصر : أبو عبد الله سيف بن عمر ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة ، أن عليا لما دخل الكوفة قيل له : أي القصرين ننزلك ؟ قال : « قصر الخبال لا تنزلونيه » . فنزل على جعدة بن هبيرة المخزومي (3) .
نصر ، عن الفيض بن محمد ، عن عون بن عبد الله بن عتبة ، قال : لما قدم
نصر ، عن سيف قال : حدثني إسماعيل بن أبي عميرة ، عن عبد الرحمن ابن عبيد بن أبي الكنود ، أن سليمان بن صرد الخزاعي (2) دخل على علي ابن أبي طالب بعد رجعته من البصرة ، فعاتبه وعذله وقال له : « ارتبت وتربصت وراوغت ، وقد كنت من أوثق الناس في نفسي وأسرعهم ـ فيما أظن ـ إلى نصرتي ، فما قعد بك عن أهل بيت نبيك ، وما زهدك في نصرهم ؟ » . فقال يا أمير المؤمنين ، لا تردن الأمور على أعقابها ، ولا تؤنبني بما مضى منها واستبق مودتي يخلص (3) لك نصيحتي . وقد بقيت أمور تعرف فيها وليك من عدوك . فسكت عنه وجلس سليمان قليلا ، ثم نهض فخرج إلى الحسن بن علي وهو قاعد في المسجد ، فقال : ألا أعجبك من أمير المؤمنين وما لقيت
نصر ، عن عمر ـ يعني ابن سعد ـ عن نمير بن وعلة (3) عن الشعبي (4) ، أن سعيد بن قيس دخل على علي بن أبي طالب فسلم عليه ، فقال له علي : « وعليك ، وإن كنت من المتربصين » . فقال : حاش لله يا أمير المؤمنين لست من أولئك . قال : فعل الله ذلك » .
نصر ، عن عمر بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن مخنف قال : دخلت مع أبي على علي عليه السلام حين قدم من البصرة ، وهو عام بلغت الحلم ، فإذا بين يديه رجال يؤنبهم ويقول لهم : ما بطأ بكم عني وأنتم أشراف قومكم ؟ والله لئن كان من ضعف النية وتقصير البصيرة ؟ إنكم لبور (5) .
والله لئن كان من شك في فضلي ومظاهرة على إنكم لعدو » . قالوا : حاش لله يا أمير المؤمنين ، نحن سلمك وحرب عدوك . ثم اعتذر القوم ، فمنهم من
ثم إن عليا مكث بالكوفة ، فقال الشني في ذلك (3) شن بن عبد القيس :
| قل لهذا الإمام قـد خبـت الحر | * | ب وتـمت بـذلك الـنعماء |
| وفرغنا من حرب من نقض العه | * | د وبـالشـام حيـة صمـاء |
| تنفـث السـم ما لمن نـهشته ، | * | فارمها قبل أن تـعض ، شفاء |
| إنـه والـذي يـحـج لـه النا | * | س ومن دون بيتـه البيـداء |
| لضعيف النخـاع إن رمي اليـو | * | م بخيـل كأنها الأشـلاء (1) |
| جانحـات تحـت العجاج سخالا | * | مجهضات تخالها الأشلاء (2) |
| تتبـارى بـكـل أصيـد كالفح | * | ل بكـفيـه صعـدة سمـراء |
| ثـم لا ينـثنـي الحديـد ولمـا | * | يخضـب العاملين منها الدماء |
| إن تـذره (3) فما معاوية الده | * | ر بمعطيـك ما أراك تشـاء |
| ولنيـل السمـاك أقرب مـن ذا | * | ك ونجم العيوق والعواء (4) |
| فاضرب الحد والحديد (5) إليهم | * | ليـس والله غيـر ذاك دواء |
حدثنا نصر عن أبي عبد الله سيف بن عمر ، عن الوليد بن عبد الله ، عن أبي طيبة (6) ، عن أبيه قال : أتم على الصلاة يوم دخل الكوفة ، فلما كانت الجمعة وحضرت الصلاة صلى بهم وخطب خطبة .
انظر المفضلية ( 114 : 9 طبع المعارف ) . وفي الأصل وح : « سحال » محرفة . والمجهضات : التي ألقيت لغير تمام ولما يستبن خلقها . والأسلاء : جمع سلى ، وهو الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد . وفي البيت إقواء .
نصر : قال أبو عبد الله ، عن سليمان بن المغيرة ، عن علي بن الحسين : خطبة علي بن أبي طالب في الجمعة بالكوفة والمدينة :
« إن الحمد لله ، أحمده (1) وأستعينه وأستهديه ، وأعوذ بالله من الضلالة . من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، انتجبه (2) لأمره ، واختصه بالنبوة ، أكرم خلقه وأحبهم إليه ، فبلغ رسالة ربه ، ونصح لأمته ، وأدى الذي عليه . وأوصيكم بتقوى الله ، فإن تقوى الله خير ما تواصي به عباد الله وأقربه لرضوان الله ، وخيره في عواقب الأمور عند الله . وبتقوى الله أمرتم ، وللإحسان والطاعة خلقتم . فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه ، فإنه حذر بأسا شديدا . واخشوا الله خشية ليست بتعذير (3) ، واعملوا في غير رياء ولا سمعة ، فإن من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل له ، ومن عمل لله مخلصا تولى الله أجره . وأشفقوا من عذاب الله ، فإنه لم يخلقكم عبثا ، ولم يترك شيئا من أمركم سدى ، قد سمى آثاركم ، وعلم أعمالكم ، وكتب آجالكم . فلا تغروا بالدنيا فإنها غرارة بأهلها ، مغرور من اغتر بها ، وإلى فناء ما هي . وإن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون . أسأل الله منازل الشهداء ، ومرافقة الأنبياء ، ومعيشة السعداء ، فإنما نحن له وبه » .
ثم إن عليا عليه السلام أقام بالكوفة ، واستعمل العمال .
نصر ، عن عمر بن سعد قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، والصقعب بن زهير عن يوسف وأبي روق ، أن عليا حين قدم من البصرة إلى الكوفة بعث يزيد بن قيس الأرحبي على المدائن وجوخا كلها .
وقال أصحابنا : وبعث مخنف بن سليم على أصبهان وهمدان .
نصر ، عن محمد بن عبيد الله ، عن الحكم ، قال : لما هرب مخنف بالمال قال علي عليه السلام : « عذرت القردان فما بال الحلم (1) ؟ » .
ثم رجع إلى حديث عمر بن سعد ، قال : وبعث قرظة بن كعب على البهقباذات (2) ، وبعث قدامه بن مظعون الأزدي على كسكر ، وعدى بن الحارث على مدينة بهرسير وأستانها (3) ، وبعث أبا حسان البكري على أستان العالي (4) ، وبعث سعد بن مسعود الثقفي على أستان الزوابي (5) ،
وبعث علي الأشتر على الموصل ونصيبين ، ودارا ، وسنجار ، وآمد ، وهيت ، وعانات ، وما غلب عليه من تلك الأرضين من أرض الجزيرة .
وبعث معاوية بن أبي سفيان الضحاك بن قيس على ما في سلطانه من أرض الجزيرة ، وكان في يديه حران والرقة والرها وقر قيسيا . وكان من كان بالكوفة والبصرة من العثمانية قد هربوا فنزلوا الجزيرة في سلطان معاوية ، فخرج الأشتر وهو يريد الضحاك بن قيس بحران ، فلما بلغ ذلك الضحاك بعث إلى أهل الرقة فأمدوه ، وكان جل أهلها يومئذ عثمانية ، فجاءوا وعليهم سماك بن مخرمة ، وأقبل الضحاك يستقبل الأشتر ، فالتقى الضحاك وسماك بن مخرمة ، بمرج مرينا بين حران والرقة ، فرحل الأشتر حتى نزل عليهم فاقتتلوا اقتتالا شديدا حتى كان عند المساء ، فرجع الضحاك بمن معه فسار ليلته كلها حتى
| أبلغ أمير المؤمنـين رسالـة | * | من عـاتبين مسـاعر أنجـاد |
| منيـتهم ، أن آثروك ، مثوبة | * | فرشـدت إذ لم تـوف بالميعاد |
| أنسيـت إذ في كـل عام غارة | * | في كل ناحية كرجل جراد (2) |
| غارات أشتر في الخيول يريدكم | * | بمـعـرة ومـضـرة وفسـاد |
| وضع المسالح مرصدا لهلاككم | * | ما بين عانـات إلى زيداد (3) |
| وحوى رسـاتيق الجزيرة كلها | * | غصبـا بكل طمـرة وجـواد |
| لمـا رأى نيران قومي أوقدت | * | وأبـو أنيـس فـاتر الإيقـاد |
| أمضـى إلينا خيـله ورجاله | * | وأغـذ لا يجـرى لأمر رشاد |
| ثرنـا إليهـم عند ذلـك بالـقنا | * | وبكل أبيض كالعقيقة صاد (1) |
| في مرج مرينا (2) ألم تسمع بنا | * | نبغـي الإمام بـه وفيه نعادي |
| لو لا مقام عشيـرتي وطعانهـم | * | وجـلادهم بالمـرج أي جـلاد |
| لأتاك أشتـر مذحـج لا ينثـني | * | بالجيش ذا حنق عليك وآد (3) |
نصر : عبد الله بن كردم بن مرثد ، قال : لما قدم علي عليه السلام حشر أهل السواد ، فلما اجتمعوا أذن لهم ، فلما رأى كثرتهم قال : إني لا أطيق كلامكم ، ولا أفقه عنكم ، فأسندوا أمركم إلى أرضاكم في أنفسكم ، وأعمه نصيحة لكم . قالوا : نرسا ، ما رضى فقد رضيناه ، وما سخط فقد سخطناه . فتقدم فجلس إليه فقال : أخبرني عن ملوك فارس كم كانوا ؟ قال : كانت ملوكهم في هذه المملكة الآخرة اثنين وثلاثين ملكا (4) . قال : فكيف كانت سيرتهم ؟ قال : ما زالت سيرتهم في عظم أمرهم واحدة (5) ، حتى ملكنا كسرى بن هرمز ، فاستأثر بالمال والأعمال ، وخالف أولينا ، وأخرب الذي للناس ، وعمر الذي له ، واستخف بالناس ، فأوغر نفوس فارس ، حتى ثاروا عليه فقتلوه ، فأرملت نساؤه ويتم أولاده . فقال : يا نرسا ، إن الله عز وجل خلق الخلق بالحق ، ولا يرضى من أحد إلا بالحق ، وفي سلطان الله
ثم أمر عليهم أمراءهم . ثم إن عليا عليه السلام بعث إلى العمال في الآفاق ، وكان أهم الوجوه إليه الشام .
نصر ، عن محمد بن عبيد الله القرشي ، عن الجرجاني قال : لما بويع علي وكتب إلى العمال في الآفاق كتب إلى جرير بن عبد الله البجلي ، وكان جرير عاملا لعثمان على ثغر همدان (1) ، فكتب إليه مع زحر بن قيس الجعفي (2) :
" أما بعد فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال . وإني أخبرك عن نبأ (3) من سرنا إليه من جموع طلحة والزبير ، عند نكثهم بيعتهم (4) ، وما صنعوا بعاملي عثمان بن حنيف (5) . إني هبطت من المدينة بالمهاجرين والأنصار ، حتى إذا كنت بالعذيب بعثت إلى أهل الكوفة بالحسن بن علي ، وعبد الله بن عباس ، وعمار بن ياسر ، وقيس بن سعد بن عبادة ، فاستنفروهم
![]() |