صلح الحسن ( عليه السلام ) ::: 226 ـ 240
(226)
    « أمير المؤمنين » على لسان مسلم (1) بن عقبة والمغيرة (2) بن شعبة وعمرو (3) بن العاص ، وهو المتنعم الدنيوي الذي « لم يبق شيء يصيبه الناس من
1 ـ هو صاحب واقعة الحرة في مدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله يوم أباحها ثلاثاً شر اباحة. وهو هادم الكعبة ( زادها اللّه شرفاً ) يوم رماها بالمنجنيق. وكان معاوية هو الذي نصح لابنه يزيد ، فيما مهد له من الأمور. بأن يولي « مسلماً » هذا. قال له : « ان لك من أهل المدينة ليوماً ، فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فانه رجل قد عرفت نصيحته !!. »
« يراجع الطبري والبيهقي وابن الاثير ».
2 ـ كان المغيرة [ فيما يحدثنا عنه البيهقي في المحاسن والمساوئ ] اول من رشي في الاسلام. وكان [ فيما يحدثنا به سائر مؤرخته ] الوسيط في قضية استلحاق زياد ـ رغم النواميس الاسلامية ـ. وكان السابق الى ترشيح يزيد بن معاوية للخلافة ، وهو الذي يقول في ذلك : « لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أمة محمد ، وفتقت عليهم فتقاً لا يرتق أبداً !! .. » ـ. وكان هو الذي عناه حسان بن ثابت بقوله :
لو ان اللؤم ينسب كان عبداً تركت الدين والايمان جهلاً وراجعت الصبا وذكرت لهواً قبيح الوجه أعور من ثقيف غداة لقيت صاحبة النصيف من الاحشاء والخصر اللطيف
3 ـ نار على علم. اعتركت الدنيا والآخرة على قلبه ـ على حد تعبير غلامه « وردان » ـ فقدم الدنيا على الآخرة ، وشايع معاوية على أن تكون له مصر طعمة ، فلا ظفرت يد البائع وخزيت أمانة المبتاع.
     روى ابن عبد ربه بسنده الى الحسن البصري قال : « علم معاوية واللّه ان لم يبايعه عمرو لم يتم له أمر ، فقال له : يا عمرو اتبعني. قال : لماذا ؟ اللآخرة فواللّه ما معك آخرة ، أم للدنيا فواللّه لا كان حتى أكون شريكك فيها. قال : فانت شريكي فيها. قال : فاكتب لي مصر وكورها. فكتب له مصر وكورها. وكتب في آخر الكتاب : وعلى عمرو السمع والطاعة. قال عمرو : واكتب ان السمع والطاعة لا يغيران من شرطه شيئاً. قال معاوية : لا ينظر الى هذا. قال عمرو : حتى تكتب ...!! ».
     ورضي الصحابي المسن الذي مات في الثامنة والتسعين أن يختم هذا العمر المديد على مثل هذه المداورة الخبيثة في الدين ، وراح يقول غير مبال : « لولا مصر وولايتها لركبت المنجاة منها فاني أعلم ان علي بن أبي طالب على الحق ، وأنا على ضده! ».
     اما بواكير حياته فكانت أبعد اثراً في النكاية بالاسلام ونبي الاسلام



(227)

(ص). وهو اذ ذاك أحد السهميين الذين ساهموا في فكرة قتل النبي (ص) ليلة الفراش في مكة. وهو « الابتر » المقصود بقوله تعالى « ان شانئك هو الابتر ». ثم كان بعد ذلك من المساهمين في التأليب على عثمان ، ولم يخرج الى فلسطين حتى نكأ القرحة كما قال هو عن نفسه يوم بلغه مقتل عثمان. والتحق اخيراً بمعاوية على هذه المساومة المفضوحة. ونجا من القتل المحقق في صفين بأشنع وسيلة عرفها التاريخ. ثم كان صاحب الفكرة في رفع المصاحف التي فتن بها المسلمين ونقض بها فتل الاسلام. وحضرته الوفاة فقال لابنه : « اني قد دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند اللّه فيها ». ثم نظر الى ماله فرأى كثرته فقال : « ياليته كان بعراً ، ياليتني مت قبل هذا بثلاثين سنة ، أصلحت لمعاوية دنياه وأفسدت ديني ، آثرت دنياي وتركت آخرتي ، عمي على رشدي حتى حضرني أجلي ». وخلف من المال ثلاثمائة الف دينار ذهباً ومليوني درهم فضة عدا الضياع. وكان رسول اللّه (ص) يقول فيه وفي معاوية : « انهما ما اجتمعا الا على غدر ». أخرج هذا الحديث كل من الطبراني وابن عساكر ، وأخرج أحمد وأبو يعلى في مسنديهما عن أبي برزة قال : « كنا مع النبي (ص) فسمع صوت غناء فقال : انظروا ما هذا. فصعدت فاذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان فجئت فأخبرت النبي (ص) فقال : اللهم أركسهما في الفتنة ركساً. اللهم دعهما في النار دعاً ». وعن تطهير الجنان لابن حجر : « أن عمراً صعد المنبر فوقع في علي ثم فعل مثله المغيرة بن شعبة ، فقيل للحسن : اصعد المنبر لترد عليهما ، فامتنع الا أن يعطوه عهداً انهم يصدقونه ان قال حقاً ويكذبونه ان قال باطلاً فأعطوه ذلك ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال : انشدك اللّه يا عمرو ويا مغيرة ، أتعلمان ان رسول اللّه لعن السائق والقائد أحدهما فلان ـ يعني معاوية ـ ، قالا : بلى ، ثم قال : أنشدك اللّه يا معاوية ويا مغيرة ألم تعلما ان النبي لعن عمراً بكل قافية قالها لعنة ، فقالا : اللهم بلى ، ثم قال : أنشدك اللّه يا عمرو ويا معاوية الم تعلما ان النبي لعن قوم هذا ـ يعني المغيرة ـ قال الحسن فاني احمد اللّه الذي جعلكم فيمن تبرأ من هذا ـ يعني علياً ـ ». وكان ابن العاص هذا ، هو الذي عناه الصحابي الكريم عمار بن ياسر (رض) بقوله للمجاهدين في صفين : « أتريدون ان تنظروا الى من عادى اللّه ورسوله وجاهدهما ، وبغى على المسلمين وظاهر المشركين ، فلما رأى اللّه عز وجل يعز دينه ويظهر رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، أسلم وهو فيما نرى راهب غير راغب. ثم قبض اللّه رسوله (ص) فواللّه أن زال بعده معروفاً بعداوة المسلم وهوادة المجرم. فاثبتوا له وقاتلوه ، فانه يطفئ نور اللّه ويظاهر أعداء اللّه عز وجل!! » ( الطبري ، ابن أبي الحديد ، المسعودي ، وغيرهم ).

(228)
الدنيا الا وقد أصابه » ـ على حد تعبيره عن نفسه ـ. ولن يضيره بعد اعتراف ابن العاص وابن عقبة وابن شعبة له بالخلافة وامارة المؤمنين ، أن يكون التشريع الاسلامي ينكر عليه هذا اللقب ، لانه لا يسيغ غزو الالقاب الدينية بالقوة ، ولا يسبغ لقب « الخليفة » على أحد ، الا عند قرب الشبه بين صاحبه وبين النبي (ص) ، ويصرفه دائماً عن الرجل الذي يكون بينه وبين النبي كما بين دينين.
     ولا ندري على التحقيق مبلغ ما كلفت معاوية هذه الالقاب في دينه ، يوم غزاها لنفسه ، أو يوم غزاها لابنه يزيد ، وانه لاعرف الناس بابنه ؟!.
     ولا ندري مبلغ اهتمام الرجل ، بمحاسبة نفسه تجاه اللّه ، فيما كان يجب أن يحاسبها عليه ؟.
     ولكننا علمنا ـ على ضوء محاولاته الكثيرة في الاخذ والرد ـ ، أنه لم يعن بمحاسبة نفسه قطّ ، وعلمنا أن الانانية الطموح كانت تملأ مجاهل نفسه ، فتنسيه موقفه الواهن ـ المفضوح الوهن ـ الواقف في مهاب الرياح ، والمتركز في حقيقته على خيوط العنكبوت ، يوم طارت من حواليه الالقاب كلها.
     وعلمنا أن قبليته الطاغية الجامحة ، كانت تأخذ عليه منافذ تفكيره ، فتريه من شهادة ابن العاص له بالخلافة ، ومن ترشيح المغيرة بن شعبة ابنه يزيد لامارة المؤمنين ، مبرراً يردّ به الصريح من شرائط الاسلام. وهل كانت هذه الشهادة أو ذاك الترشيح ، الا نبت المساومات الرخيصة على ولاية مصر وولاية الكوفة ، كما هو الثابت تاريخياً؟.
     ولا عجب من « ابن أبي سفيان » ان يكون كما كان ، وهو الاموي الصريح ، أو الاموي اللصيق الذي يعمل جاهداً ليكون أموياً صريحاً (1).
1 ـ يراجع الزمخشري في « ربيع الابرار » وابن السائب في « المثالب » وابو الفرج في « الاغاني » وابن السمان في « مثالب بني امية » وجعفر بن محمد الهمداني في « بهجة المستفيد ». ثم ليكن القارئ بعد ذلك عند اختياره في نسبة معاوية الى أي آبائه الاربعة المذكورين هناك باسمائهم.
     اقول : والى ذلك يشير سيد العرب في نهجه بقوله : « وليس الصريح كاللصيق ».


(229)
    وللأموية والهاشمية تاريخهما الذي يصعد بهما حتى يلتقيا وينزل معهما كلما نزل الزمان.
     وكان من طبيعة « ردّ الفعل » في النفوس التي شبت مع العنعنات القبلية جاهليةً واسلاماً ، والتي قبلت الاسلام مرغمة يوم الفتح ، ثم لم تهضم الاسلام ـ كما يريده الاسلام ـ أن تكون دائماً عند ذحولها من الضغائن الموروثة ، والترات القديمة العميقة الجروح.
     وكان معاوية ـ بعد الفتح ـ وعلى عهد النبوة الطالعة بالنور ، الطليق « الحافي القدمين » كما يحدثنا هو عن نفسه. امّا في الدور الذي تململ معه النفوذ الاموي ليسترجع مكانته في المجتمع ، وعلى عهد السياسة الجديدة التي رشحت للشورى عضواً أموياً عتيداً ، فلِمَ لا يكون ابن عم عثمان والي الشام القوي المرهوب ، الذي يصطنع الاعوان والمؤيدين ، ويسترضي الاتباع والاجناد والمشاورين ، ويتخذ القصور والستور والبوابين ، وفي ثروة ولايته ما يسع كل صاحب طمع أو بائع ضمير أو لاحسن قصعة !!.
     ولئن كان معاوية في دور النبوة الرعية المخذول العاجز عن الانتصاف لنفسه ولقبيله من القوة التي غلبت على أمره وأمر قبيله ، فَلِمَ لا يحاسب تلك القوة حسابها العسير في الدور الذي ملك فيه مقاليد القوة بنفسه أو بقبيله ، ولِمَ لا يعود الى طبيعته فيتحسس بذحوله القديمة من الابناء والاخوة والاصحاب ، ويأخذ بثاره من المبادئ والاهداف ؟. ولذلك فقد كان من المنتظر المرقوب لمعاوية ، أن يشنّ غاراته المسلحة على عليّ والحسن ( عليهما السلام ) في أول فرصة تمكنه من ذلك ، وأن يشن معهما حروبه ( الباردة ) الاخرى ، التي كانت أطول الحربين أمداً ، وأبعدهما حراً ، وأفظعهما نكالاً في الاسلام.
     ويستدل من كثير كثير من الاعمال الدبلوماسية التي قام بها معاوية في عهده الطويل الامد ، أنه كان قد قرر التوفر على حملة واسعة النطاق لتحطيم المبادئ العلوية ، أو قل لتحطيم جوهرية الاسلام متمثلة في دعوة


(230)
علي وأولاده المطهّرين عليهم السلام.
     ويظهر أنه كان ثمة أربعة أهداف تكمن وراء هذه الحملة.
     1 ـ شلّ الكتلة الشيعية ـ وهي الكتلة الحرة ـ والقضاء تدريجياً على كل منتمٍ الى التشيع وتمزيق جامعتهم.
     2 ـ خلق الاضطرابات المقصودة في المناطق المنتمية لأهل البيت والمعروفة بتشيعها لهم ، ثمَّ التنكيل بهؤلاء الآمنين بحجة تسبيب الشغب.
     3 ـ عزل أهل البيت عن العالم الاسلامي ، وفرض نسيانهم على المسلمين الا بالذكر السيئ ، والحؤول ـ بكل الوسائل ـ دون تيسّر النفوذ لهم ، ثم العمل على ابادتهم من طريق الغيلة.
     4 ـ تشديد حرب الاعصاب.
     ولمعاوية في الميدان الاخير جولات ظالمة سيطول حسابها عند اللّه عزّ وجل كما طال حسابها في التاريخ ، وسيجرّنا البحث الى عرض نماذج منها عند الكلام على مخالفاته لشروط الصلح ، وهو مكانها من الكتاب.
     وكان من أبرز هذه الجولات في سبيل مناوأته لعلي وأولاده ولمبادئهم وأهدافهم ، أنه فرض لعنهم في جميع البلدان الخاضعة لنفوذه ، بما ينطوي تحت مفاد « اللعن » من انكار حقهم ، ومنع رواية الحديث في فضلهم ، وأخذ الناس بالبراءة منهم فكان ـ بهذا ـ أول من فتح باب اللعن في الصحابة ، وهي السابقة التي لا يحسده عليها مسلم يغار على دينه ، وتوصّل الى استنزال الرأي العام على ارادته في هذه الاحدوثة المنكرة « بتدابير محبوكة » تبتعد عن مبادئ اللّه عزّ وجل ، بمقدار ما تلتحم بمبادئ معاوية.
     وان من شذوذ أحوال المجتمع ، أنه سريع التأثر بالدعاوات الجارفة القوية ـ مهما كان لونها ـ ولا سيما اذا كانت مشفوعة بالدليلين من مطامع المال ومطامع الجاه.
     وما يدرينا بِمَ رضي الناس من معاوية ، فلعنوا معه علياً وحسناً


(231)
وحسيناً عليهم السلام ؟ وما يدرينا بماذا نقم الناس على أهل البيت فنالوا منهم كما شاء معاوية أن ينالوا ؟!.
     ربما يكون قد أقنعهم بأن علياً وأولاده ، هم الذين حاربوا النبي صلى اللّه عليه وآله ابان دعوته ، وأنهم هم الذين حرموا ما أحلّ اللّه وأحلّوا ما حرّم اللّه ، وهم الذين ألحقوا العهار بالنسب ، وهم الذين نقضوا المواثيق وحنثوا بالايمان ، وقتلوا كبار المسلمين صبراً ، ودفنوا الابرياء أحياء ، وصلوا الجمعة يوم الاربعاء (1).
     وربما يكون قد أطمعهم دون أن يقنعهم ، وربما يكون قد أخافهم دون أن يطمعهم ، فكان ما أراد « وارتقى بهم الامر في طاعته الى أن جعلوا لعن علي سنّةً ينشأ عليها الصغير ويهلك الكبير (2) ». والمرجّح أن معاوية هو الذي فضّل تسمية هذه البدعة « بالسنّة » فسماها معه المغرورون بزعامته والمأخوذون بطاعته كما أحبَّ ، وظلّ الناس بعده على بدعته. الى أن ألغاها عمر بن عبد العزيز ـ « وأخذ خطيب جامع ( حرّان ) يخطب ثم ختم
1 ـ يراجع عن هذا مروج الذهب ( ج 2 ص 72 ) وعن غيره مما ذكر قبله ، المصادر التي أشرنا اليها آنفاً عند ذكر بعض هذه الحقائق ، والمصادر التي سنذكرها في فصل الوفاء بشروط الصلح فيما يأتي ، عند ذكرنا للبعض الآخر.
2 ـ مروج الذهب ( ج 2 ص 72 ).
ولنتذكر هنا ، أن علياً عليه السلام سمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين ، فنهاهم ، وقال لهم : « اني اكره لكم أن في القول وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبكم اياهم : اللهم احقن دماءنا تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم ، كان أصوب ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به ... » ـ النهج : ( ج 1 ص 420 و421 ). ـ وجاء يوماً رسول معاوية الى الحسن عليه السلاموكان فيما قال له : « أسأل الله ان يحفظك ويهلك هؤلاء القوم ». فقال له الحسن : « رفقاً لا تخن من ائتمنك ، وحسبك ان تحبني لحب رسول اللّه (ص) ولابي وأمي ، ومن الخيانة ان يثق بك قوم وأنت عدو لهم وتدعو عليهم .. ». الملاحم والفتن ( ص 143 طبع النجف ).


(232)
خطبته ولم يقل شيئاً من سب أبي تراب كعادته ، فتصايح الناس من كل جانب : ويحك ويحك السنة السنة ، تركت السنة ! (1) ».
     ثم كانت « سنّة معاوية » هي الاصل التاريخي لتكوين هذه الكلمة تكويناً اصطلاحياً آخر ، تناسل مع الاجيال ، وتنوسيت معه مناسباته السياسية الاولى.
     وانتباهة منصفة في تناسق نفسيات الرجل ، تغنيك عن استعراض أمثلة كثيرة من أعماله في هذا السبيل ..
     وبعد هذا ، فما ظنك بمعاوية لو قدّر له الظفر في حربه مع الحسن ، وقدّر للحسن الشهادة في الحرب ؟.
     أفكان من سوابق الرجل هذه ، ما يدل على أنه سيلزم جانب الاعتدال والقصد ، في استغلال انتصاره تجاه فلول الحرب من شيعة الحسن والبقية الباقية من الثابتين على العقيدة والايمان ؟ أم أن موجة ابادة ساحقة ستكون هي عنوان علاقاته بهؤلاء ، بعد موقفه الصريح من السلالة النبوية نفسها ، وبعد أن يكون قد طحن في هذه الحرب أكبر رأس في البيت النبوي العظيم.
     ان معاوية سوف لا يتقي بعد ذلك أحداً. وانه سوف لا يتردد سياسياً ، ولا يتورع ديناً ، من أن يمضي قدماً في تصفية حسابه مع المبدأ الذي أقض مضجعه وأكل قلبه وهزئ بكيانه ، منذ ولي عليّ الخلافة ، بل منذ طلعت الهاشمية بالنور على الدنيا ، بل منذ هزمت المنافرة أمية الى الشام.
     وما كان معاوية بالذي يعجز عن وضع « تدابير محبوكة » أخرى لعملية محق الشيعة ، بعد مقتل الحسن ، يحتال بها على المغرورين بزعامته من الجيل الذي شدّ أزره على اصطناع ما أتاه من مخالفات.
1 ـ « الاسلام بين السنة والشيعة » ( ص 25 ).

(233)
    وهو صاحب تدابير « لعن أهل البيت » وصاحب تدابير « رمي عليّ بدم عثمان » ، فلتكن ثالثة أثافيه تدابيره في « القضاء على التشيع » مادياً ومعنوياً. وانه لرجل الميدان في تعبئة هذه الالوان من التدابير.
     وفي جنبات قصوره الشاهقات في الشام ، الضمائر المعروضة للبيع والاقلام المفوضة للايجار ، فلتضع الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وفق الخطط المرسومة ، ولتنتهك المبادئ العلوية انتهاكاً فتمسخها مسخاً وتزدريها ازدراء تنتزع به استحقاقها للبقاء بين الناس ، ثم لتخلق منها ـ وقد خلا الجوّ من آل محمد (ص) ـ ردة اخرى عن الاسلام تتهم بها بناة الاسلام ومهابط تنزيله ومنازل وحيه ومصادر تعاليمه أنفسهم ، ثم لتشرّع للناس ـ مع تمادي الوضع والرفع ـ اسلاماً آخر ، هو قريحة معاوية ـ لا ما هتفت به الهاشمية من وحي السماء.
     وكان هذا هو الذي عناه الحسن عليه السلام حين قال : « ما تدرون ما عملت ، واللّه للَّذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس ».
     وما شيء خيراً مما طلعت عليه الشمس من حفظ العقيدة وتخليد المبدأ.
     وكان هو ما عناه ـ أيضاً ـ الامام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( الباقر ) عليه السلام ، حين سُئِل عن صلح الحسن (ع) فقال : « انه أعلم بما صنع ولولا ما صنع لكان أمر عظيم ».
     النتائج :
    وأغلب الظن أن خطوات هذه المراحل الثلاث ، بلغت بالقارئ الكريم هدفنا المقصود من البحث ، قبل ان نعلن عنه صريحاً ، وكشفت له بتدرّجها الرفيق كثيراً من الغموض الذي هيأ جواً للنقد الموروث.
     ونقول الآن تدليلاً على ما ادعيناه أولاً من انغلاق طريق الشهادة عن الحسن (ع) ، الذي كان معناه امتناعها هي منه ، دون امتناعه هو منها :


(234)
ان الحسن لو حاول أن يجيب على حدّة مأزقه التي اصطلحت عليه في لحظته الاخيرة في المدائن ، باراقة دمه الطاهر في سبيل اللّه عزّ وجل انكاراً على البغي الذي صارحه به ستون ألفاً من أجناد الشام ، وايثاراً للشهادة ومقامها الكريم ـ لحيل بينه وبين ما يريد ، ولكان ـ بلا ريب ـ ذلك المقتول الضائع الدم الذي لن يستطيع أصدقاؤه في التاريخ أن يسجلوا له الشهادة كما تقتضيها كلمة « شهيد ».
     ذلك لان الظرف المؤسف الذي انتهى اليه طالع المدائن بما عبرت عنه الفوضى الرعناء في صيحاتها الكافرة وفي سلاحها ـ أيضاً ـ ، وبما كشفت عنه كتب الخونة الكوفيين في مواثيقهم لمعاوية على الفتك بالحسن ـ وهو ما وقف عليه الحسن نفسه في رسائلهم ـ ، كل ذلك يفرض علينا الاستسلام للاعتقاد بأن فكرةً قوية الانصار من رجالات المعسكر ، كانت قد قررت التورط في أعظم جريمة من أمر الامام عليه السلام ، وأنهم كانوا يتحينون الفرص لاقتراف هذه البائقة الكبرى.
     ووجدوا من تلاشي النظام في المعسكر ، بما انتاشه من الفزع وبما انتابه من الفتن ، وبما بلغه من أخبار مسكن ، ومن الفوضى « المصطنعة » التي اطلعت رأسها بين جماهيره الهوج ـ ظرفاً مناسباً لانزال الضربة الحاسمة التي كانت هدف الخوارج فيما أرادوه من جهادهم مع الحسن وكانت غاية « الحزب الاموي » فيما تم عليه الاتفاق بينه وبين معاوية. ولا ننسى أن معاوية نفسه كان قد لوّح للحسن عليه السلام في رسائله الاولى اليه ، بما يشعره التهديد بهذه الخطة العدوة ـ من أول الامر ـ. والا فما معنى قوله هناك : « فاحذر أن تكون منيتك على أيدي رعاع من الناس !!. ».
     وبلغ من دقة الموقف وتوتر الوضع ، في لحظات المدائن الاخيرة ، أن أيَّ حركة من الامام عليه السلام سواء في سبيل الحرب أو في سبيل الصلح ، وفي سبيل الانضمام الى الجبهة في مسكن أو في سبيل العودة الى الكوفة ـ مثلاً ـ ، لابد أن تنقلب الى خلاف حادّ ، فتمرد واسع ، فثورة


(235)
مسلحة هوجاء ، هي كل ما يتمناه معاوية ، ويُصوِّب له ذهبه وخزائنه.
     ولن يطفئ النائرة يومئذ لو اتقدت جذوتها الا دم الحسن الزكي.
     وللثورات الجامحة أحكامها القاسية وتجنياتها التي لا تبالي في سبيل الوصول الى أهدافها بالاشخاص مهما عظمت مكانتهم في النفوس.
     أَوَليست طعنة الحسن في ساباط المدائن دليلاً على ما نقول ؟. وهل كانت الا الطعنة التي تطوعت الى قتله عن ارادة وعمد ؟ وكان قد خرج اذ ذاك من فسطاطه يؤم مقصورة عامله على « المدائن » ليتجنب ضوضاء الناس ، وليكون هناك أقدر على اتخاذ ما يحتمله الظرف من تدبير.
     وهنا يقول المؤرخون ما لفظه : « وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته ، ومنعوا عنه من أراده ». وفي نص آخر : « فأطافوا به ودفعوا الناس عنه » أقول : فمِمَّ كانوا يدفعون الناس عنه ؟ ومِمَّ منعوا من أراده ؟ .. أوَليس هذا كله صريحاً بأنه أصبح مهدداً على حياته ، وأن الذين خرجوا معه كمجاهدين يدافعون عنه انكشفوا ـ بعد قليل ـ عن أعداءٍ يتدافعون عليه ؟؟.
     وهل كان انكفاؤه الى مقصورة سعد بن مسعود ، الا ليبتعد عن المحيط المفتون الذي أصبح يستعد لثورة لا يُدرى مدى اندفاعها بالموبقات ؟. ورأى بأم رأسه انسياح فصائله أنفسهم في مضاربه نهباً ، وفي مقامه المقدس تكفيراً وسباً ، ورأى تحاملهم المقصود على ايذائه وتدافعهم العامد على العظيم من أمره ، فعلم أنهم أصبحوا لا يطيقون رؤيته ، وأن ظهوره بشخصه بينهم هو مثار تمردهم الخبيث ، فانتقل غير بعيد ، وكانت انتقالته نفسها احدى وسائله لعلاج الموقف ، لو أنه وجد للعلاج سبيلاً.
     وبديهيّ أنه لم يكن أحد آخر في الدنيا كلها ، أحرص من الحسن نفسه على الفوز في قضيته ، ولا أكثر عملاً ، ولا أشد اهتماماً ، ولا أنشط حيوية ، ولا أسرع تضحية فيما تستدعيه من تضحيات.


(236)
    وبديهيّ أيضاً ، أنه لم يكن ليفوته ما لا يفوتنا من رأي ، ولا يخطئه ما لا يخطئنا من تدبير. ولقد برهنت سائر مراحله على أنه الرجل الحصيف الذي غالب مشاكله كلها ثم اختار لها أفضل الحلول في حربه وسلمه ومع مراحل جهاده ومعاهدات صلحه ، وفي عاصمة ملكه « الكوفة » وعاصمة امامته « المدينة ».
     ترى ، أفكان من جنون هذه اللحظات في المدائن ، مجال للموت الذي يصنع الحياة ؟ أم هو المجال الذي لا يصنع الا الموت في الموت أبدياً ، وهو ما يجب أن تربأ عنه النفوس الكريمة التي لا تموت الا لتحيي بعدها سنة أو تنقذ أمة.
     فأين امكان الشهادة للحسن يا ترى ؟ ..
    ولقد يحز في النفس حتى ليضيق محب الحسن ذرعاً بما يترسمه في ذهنه من معالم الخطوب السود ، التي كانت تتدفق بطوفانها الرهيب على هذا الامام الممتحن في أحرج ساعاته وأدق لحظاته.
     ربما كان للذهن قابلية التصور أو قابلية الهضم للحوادث التي ترجع الى مصادرها الاعتيادية في الناس ، من العداء الشخصي ، أو النزاع القبلي ، أو الخلاف النظري ـ كعداء معاوية للحسن ، أو خصومة بني أمية للهاشميين ، أو خلاف الخوارج على عليّ وأولاده (ع) ـ. أما الحوادث التي لا مرجع لها الا الطمع الدنيء فانه من آلم ما يتصوره الانسان من شذوذ الناس.
     أفتظن ان من الممكن لشيعي يعتقد امامة الحسن كما يعتقد نبوة النبي ، ويعيش في نعمة الحسن كما يعيش في نعمة أبيه ، ثم تحدثه نفسه بالخيانة العظمى في أحرج اللحظات التي تمر بامامه وولي نعمته ، وأحوجها الى الاخلاص الصحيح من شيعته ؟.
     أجل ، انها للمؤامرة الدنيئة التي كانت من صميم الواقع الذي دار


(237)
    حول الحسن عليه السلام ، في ابان وجوده في المقصورة البيضاء بالمدائن !! ..
     فانظر الى أيّ حد كان قد بلغ التفسخ الخلقي في الجيل الذي قدّر للحسن أن يتخذ منه أجناده الى جهاد عدوه.
     قد يكون الفرد بذاته من ذوي الحسب ، وقد يكون على انفراده من ذوي السكينة ، ولكنه اذا انساح بضعفه المتأصل في نفسه مع العاصفة الطارئة ، واحتضنته الجماهير المتحمسة من حوله ، كان جديراً بان تغلب عليه روح الجماعة فلا يشعر الا بشعورها ، ولا يفكر الا بفكرها ، ولا يعمل الا بعملها ـ ويخالف ـ عندئذٍ ـ مشاعره الفطرية مخالفة لا تنفك في أكثر الاحيان عن الندم الجارح عند سكون العاصفة وتبدّل الاحوال.
     وهكذا كان من السورة الجامحة في ضوضاء المدائن يومئذ ما أخضع لتياره حتى الشيعيّ الضعيف ، فنسي تشيعه ونسي عنعناته ، ونسي حتى المعنويات العربية الساذجة التي تتحلل من الدين على اختلاف نزعاته !! ..
     فانه ان لم يكن امامك فولي نعمتك ، وان لم يكن ولي نعمتك فالكريم الجريح.
     وهذا مثلٌ واحد ـ حفظه التاريخ ـ عن شيعيهم ، ظنك بخارجيهم وأمويهم وشكاكهم وأحمرهم ؟.
     ومثلٌ واحد حفظه التاريخ ، يدل على أمثال كثيرة نسيها التاريخ أو تناساها.
     ووجه آخر :
    هو ما أشار اليه الحسن نفسه في أجوبته لشيعته الذين نقموا عليه الصلح. قال : « ما أردت بمصالحتي معاوية الا أن ادفع عنكم القتل (1) ».
1 ـ الدينوري ( ص 303 ).

(238)
وأثر عنه بهذا المعنى كلمات كثيرة.
     وللتوفر على فهم هذه الحقيقة بشيء من التفصيل الذي يخرج بنا الى القناعة بما أجمله الامام بهذا القول ، نقول :
     لم يكن النزاع بين الحسن ومعاوية في حقيقته ، نزاعاً بين شخصين يتسابقان الى عرش ، وانما كان صراعاً بين مبدأين يتنازعان البقاء والخلود. وكان معنى الانتصار في هذا النزاع ، خلود المبدأ الذي ينتصر له أحد الخصمين المتنازعين. وكذلك هي حرب المبادئ التي لا تسجل انتصاراتها من طريق السلاح ، ولكن من طريق الظفر بثبات العقيدة وخلود المبدأ. وربما ظفر المبدأ بالخلود ولكن تحت ظل اللواء المغلوب ظاهراً.
     وانقسم المسلمون يومئذ ، على اختلاف رأيهم في المبدأين ، الى معسكرين يحمي كل منهما مبدأه ، ويتفادى له بكل ما أوتي من حول وقوة.
     فكانت العلوية والاموية ، وكانت الكوفة والشام.
     ونخلت الادوار الاستفزازية التي لعبها معاوية ، باسم الثأر لعثمان ، معسكر الشام من شيعة عليّ وأولاده عليهم السلام. فكان لابد لهؤلاء أن ينضووا الى معسكرهم في الكوفة ، وفي البلاد التي ترجع بأمرها الى الكوفة ، غير مروعين ولا مطاردين.
     واجتمع ـ على ذلك ـ في الكوفة والبصرة والمدائن والحجاز واليمن عامة القائلين بالتشيّع لأهل البيت عليهم السلام.
     وخلص الى عاصمة الامام في العراق من الامصار كلها ، الثقل الاكبر من أعلام المسلمين ، وبقايا السيوف من المهاجرين والانصار. فكانت كوفة علي على عهد الخلافة الهاشمية ، مباءة الاسلام ، والمركز الذي احتفظ بتراث الرسالة بأمانة وصبر وايمان.
     وكان طبيعياً ان يستجيب لدعوة الحسن ، في زحفه للموقعة الفاصلة بين المبدأين ، عامة هذه النخبة المختارة المتبقية في الكوفة بعد وفاة أبيه عليه


(239)
    السلام ، من شيعته وشيعة أبيه وصحابة جده صلى اللّه عليه وآله ، فاذا هم جميعاً عند مواقعهم من صفوف وحداتهم ، في الجيش الذي يستعدّ في « النخيلة ».
     ولم يكن في الدنيا كلها ، قابلية أخرى لصيانة التراث الاسلامي على وجهه الصحيح ، كالقابليات التي لفّها جناح هذا الجيش ، بانضواء هذه الكتل الكريمة اليه ، وفيها أفراد الاسرة المطهرة من الهاشميين.
     واحتضنت وحدات النخيلة مع هؤلاء ، أجناساً كثيرة من الناس ، أتينا ـ فيما سبق ـ على عرض واسع لمختلف عناصرهم وشتى منازعهم ونتائج أعمالهم.
     وكان المضيّ في الزحف ضرورة اقتضاها الظرف الطارئ كما أشير اليه آنفاً.
     وما هي الا أيام لم تبلغ عدد الاصابع ، حتى انتظم المعسكران في « المدائن » و « مسكن » أقسام الجيش كلها ، فكان في كل منهما جماعة من الطبقة الممتازة في مسلكها ومعنوياتها واخلاصها ، وجماعات أخرى من طبقات مختلفة منوّعة.
     وجاءت هزيمة عبيد اللّه بن عباس ومن معه الى معاوية ، أشبه بعملية تصفية قد تكون نافعة ، لو لم تعزّزها نكبات أخرى من نوعها ومن غير نوعها ، ذلك لانها نخلت معسكر مسكن ، وهو المعسكر الذي نازل العدو وجهاً لوجه ، من الاخلاط التي كانت العضو الفاسد في هذا الجيش.
     أما في المدائن فقد كان الحسن وخاصته في سواد من أشباه المهزومين لا يتسنى لهم الوصول الى معاوية فيفرون ، ولا يستفزّهم الواجب فيرضخون. وكانوا في المستقبل القريب ، أداة الكارثة التاريخية ، بما حالوا بين الحسن وبين أهدافه من هذه الحرب ، وبما أغلقوا عليه من طريق الشهادة الكريمة ، وبما أفسدوا عليه كل شيء من أمره ، ( كما مرّ


(240)
    بيانه قريباً ).
    ولنفترض الآن أن شيئاً واحداً كان لا يزال تحت متناول الحسن في سبيل الاستمرار على الحرب ، أو في سبيل الامتناع على الصلح.
     ذلك هو أن يصدر أوامره من حصاره في « المدائن » الى انصاره في « مسكن » بمباشرة الحرب ، تحت قيادة القائد الجديد « قيس بن سعد بن عبادة الانصاري » ، الرجل العظيم الذي نعرف من دراسة ميوله الشخصية ، أنه كان يؤثر الحرب حتى ولو صالح الامام (1). واذا كانت ثورة المشاكسين في المدائن ، قد حالت دون تكتيب هذا الجيش للقتال ، فما كانت لتحول دون ارسال الاوامر الى المخلصين الاوفياء في جيش مسكن بالحرب ، ان سراً وان علناً.
     ومن المحتمل أن كثيراً من المغلوبين على أمرهم من مجاهدة المدائن المخلصين ، كانوا يستطيعون التسلل الى « مسكن » لانجاد القوات المحاربة هناك ، فيما لو وجدوا من جانب الحسن استعداداً لهذه الفكرة او تشجيعاً عليها.
     ولعل من المحتمل ايضاً ان الامام نفسه كان يستطيع هو ايضاً وبعد تريث غير طويل ، ينتظر به خفوت الزوابع الدائرة حوله في المدائن ، أن يخفّ الى مسكن حيث النصر الحاسم ، أو الشهادة بكل معانيها الكريمة في اللّه وفي التاريخ.
     فلماذا ينزل الى الصلح ، وله من هذا التدبير مندوحة عنه ؟.
     نقول :
     ربما كان في مستطاع الحسن اصدار هذه الاوامر في لحظاته الاخيرة في المدائن ، وربما لم يكن.
1 ـ يراجع عن هذا ابن الاثير ( ج 3 ص 162 ).
صلح الحسن ( عليه السلام ) ::: فهرس