83
    وقفة مع خبر عمار
    إنّ هناك عللاً خفية في ـ خبر عمار بن ياسر = عمار بن أبي عمار ـ في محكي الخلاف ومرويّ العامّة يجب الاِشارة إلى بعضها :
   

84
أحدها : الاختلاف في زيد بن عمر ، وهل أنّه مات غلاماً أم رجلاً ؟
    وهل هناك فرق بينهما في الاستدلال ؟
    ثم هل أنّه وأُمّه ماتا في يوم واحد أم على التعاقب ؟
    الثاني : ما المراد من قول عمار بن أبي عمار( قالوا إنها السنة ) ؟
    هل يعني بكلامه لزوم جعل المرأة قبلة الغلام والغلام قبلة الاِمام ؟ أو أرادوا شيئاً آخر ؟
    وكيف كان التكبير في خبره ؟ ولماذا لم يذكره ؟ هل كان التكبير على الميت أربعاً كما صلاها ابن عمر عليهما ؟ أم خمساً كما عليه إجماع أهل البيت ؟
    وما هو حكم الصلاة على المرأة ، هل السنة في أن يكون الاِمام عند رأسها ـ كما تقوله الشيعة (1) ـ ؟ أم عند وسطها أو عجيزتها ـ كما تقوله العامة (2) ـ ؟
    وهل السنة هي التسوية في الجنائز أم التدرج فيها ؟
    بل من هو الاحق بالصلاة على الميت ، هل السنة أن يصلي عليها الاِمام ؟ أم أولياء الميت ؟ إلى غيرها من الفروع الفقهية التي يمكن أن تبحث ضمن هذه المسالة.
    جاء في مختصر تاريخ دمشق :... كانت في زيد وأمه سنّتان : ماتا
( 1 ) انظر في ذلك وسائل الشيعة 3 : 618 الباب 27.
( 2 ) صحيح البخاري 2 : 91 كتاب الجنائز باب اين يقوم من المرأة والرجل وسنن الترمذي 2 : 249 ابواب الجنائز باب 44.



85
في ساعة واحدة لم يعرف أيّهمامات قبل الآخر فلم يورث كلّ واحد منهما من صاحبه ، ووضعا معاً في موضع الجنائز ، فأخّرت أمّه وقدّم هو ممايلي الاِمام ، فجرت السنة في الرجل والمرأة بذلك بعد (1).
    أما الكلام عن الاَمر الاول : وهل أنّ زيداً مات رجلاً أم غلاماً ؟
    فقد عرّف الخليل في العين (2) والصاحب بن عباد في المحيط (3) وابن سيده في المحكم (4) والازهري في التهذيب (5) : الغلام بـ « الطارّ الشارب ».
    وفي المصباح المنير للفيومي :
    الغلام : الابن الصغير ، ويطلق على الرجل مجازاً باسم ما كان عليه ، كما يقال للصغير :( شيخ ) ، مجازاً باسم ما يؤول إليه ، وقال الاَزهري : وسمعت العرب تقول للمولود حين يولد ذكراً : « غلام » ، وسمعتهم يقولون للكهل « غلام » وهو فاشٍ في كلامهم (6).
    فالغلام حقيقة هو للابن الصغير ، وقد يطلق على الشيخ مجازاً باسم ما يؤول إليه حسبما عرفت ، والآن نتساءل عن زيد بن عمر ، هل مات صغيراً أم رجلاً ؟
( 1 ) تاريخ دمشق 19 : 488 ـ 489.
( 2 ) العين ، للخليل 4 : 422 مادة : غلم.
( 3 ) المحيط في اللغة 5 : 88.
( 4 ) لسان العرب 12 : 440 عن المحكم.
( 5 ) تهذيب اللغة 8 : 141.
( 6 ) المصباح المنير : 452.



86
فإن قيل بموته صغيراً ، فإنه سينافي ما دل على أنّه مات رجلاً ؟
    ولو قلنا بأنّه مات رجلاً ، فيعارض كونه مات صبيّاً طفلاً صغيراً ؟
    وإليك بعض الكلام في أنّه مات رجلاً.
    ذكر ابن حبيب( ت 245 ) في المنمق عند بيانه( حروب بني عدي بن كعب بن لؤي في الاِسلام ) (1) دور زيد بن عمر في حل هذا النزاع ، وأنّه قد مات على أثر شجة أصابته في ظلمة الليل.
    وفي أسد الغابة : توفي زيد في حرب ، وقد خرج ليصلح بينهم ، وقد عاش أياماً ثم مات (2) وقد رثاه عبدالله بن عامر شعراً (3).
    وفي سير أعلام النبلاء : كان [ زيد ] من سادة أشراف قريش توفّي شاباً ولم يعقّب ، وأضاف الذهبي : وكان ذلك في أوائل دولة معاوية (4).
    وقال الزبير بن بكار : ضرب في حرب كانت بين عدي في خلافة بعض بني أمية فصرع وحمل فمات (5).
    وصرحت بعض المصادر بأنّه كان متزوجاً وله اولاد ، ففي هامش تاريخ دمشق قال الزبير : وأما زيد بن عمر فكان له ولد
( 1 ) المنمق : 309 ـ 310.
( 2 ) اسد الغابة 5 : 615 ، الاِصابة 8 : 465 ، ت 12267.
( 3 ) أسد الغابة 3 : 190.
( 4 ) سير اعلام النبلاء 3 : 502.
( 5 ) المغني 2 : 421 ، الشرح الكبير 2 : 345.



87
فانقرضوا (1).
    وقال محمد بن سعد في تسمية أولاد عمر بن الخطاب : « وزيد الاَكبر لا بقية له » (2).
    وقد عُدّ زيد بن عمر من العلماء ، مع ابن عباس بعد معاذ بن جبل وعبدالله بن مسعود وأبي الدرداء وسلمان (3).
    ولمعاوية حكاية طويلة مع زيد بن عمر تؤكّد على أنّه كان رجلاً يمكنه أن يعترض ويردّ معاوية (4).
    وقد ذكر ابن معين في تاريخه أسماء عدة أشخاص كانوا أبناء لزيد بن عمر كعبد الرحمن ومحمد.
    كل هذه النصوص توضح لنا بأن زيداً لم يكن صغيراً كما صوّرته نصوص أخرى ، بل كان رجلاً له مكانته عند التابعين حتّى كانوا يعدّونه من العلماء مع ابن عباس بعد معاذ بن جبل وعبدالله بن مسعود وأبي الدرداء كما مر عليك في خبر الطبراني في الكبير وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني وغيرهما.
( 1 ) تاريخ دمشق 19 : 484.
( 2 ) طبقات ابن سعد 3 : 265.
( 3 ) انظر الاحاد والمثاني 4 : 86 وفيه عن سعيد بن عبد العزيز قال : كان العلماء بعد معاذ بن جبل ، عبد الله بن مسعود ، وأبو الدرداء ، وسلمان ، وعبد الله بن سلام ، وكان العلماء بعد هؤلاء زيد بن ثابت ثم كان بعد زيد بن عمر وابن عباس رضى الله عنهم ، المعجم الكبير 5 : 108.
( 4 ) انظر تاريخ دمشق 19 : 489 و 484 ، الكامل في التاريخ 3 : 373. سير اعلام النبلاء 3 : 502 مختصر تاريخ دمشق 9 : 190.



88
فلو مات زيد في خلافة بعض بني أمية وهو غلامٌ بمعنى الطّار الشارب ، فهذا لا يتفق مع كونه بمنزلة ابن عباس عند الصحابة والتابعين وأن يعدوه من العلماء ، وهو الاخر لا يتفق مع تدخله لحلّ حرب من حروب بني عدي.
    فلو كان زيد قد عاش إلى بعض خلافة بني أمية ، فما كانت أخباره في عهد جده الاِمام عليّ ؟
    وهل شارك في معركة الجمل وصفين معه أم عليه ؟
    بل أي شيء خلف له عمر بن الخطاب من الميراث.
    وما هي كلمات حفصة وابن عمر وغيرهما من أولاد عمر في أخيهم زيد ؟
    ولماذا تظهر شخصية زيد بن عمر وأمه بعد وفاتهما في المصادر ، ولا نرى لهما ذكراً واضحاً دقيقا قبل ذلك ؟
    وعلى أي شيء يدل هذا ؟
    كل هذه التساؤلات تشككنا في وجود شخص اسمه زيد بن عمر وأمه أم كلثوم بنت علي (1).
    نعم ، قد يكون هذا الشخص هو ابن أم كلثوم بنت جرول ـ حسبما قالته المصادر ـ وقد شارك مع أخيه عبيدالله بن عمر مع معاوية في وقعة صفين ، ثّم إنّ المؤرخين وبلحاظ التطبيع التاريخي
( 1 ) ونحن سنعود ضمن بحثنا عن خبر القداح في المواريث إلى هذا الاَمر تارة أخرى بأذن الله ومشيئته.


89
والعقائدي جعلوه ابن أم كلثوم بنت علي الصغيرة ! وذلك لتطبيق الاَهداف التي كانوا يرجونها.
    أمّا الكلام عن الاَمر الثاني : وهو قول عمار : « قالوا إنّها السنة ».
    ربما يكون هذا الكلام مبهماً حيث لا نعرف مراد المتكلم = عمار بن أبي عمار من نقله قولهم ( هذا هو السنة ) :
    هل عنى بكلامه أن السنة هي تقديم الغلام إلى الاِمام وإبعاد المرأة إلى القبلة ؟
    أم أنّه أراد بها كون التكبير على الميت أربعاً لا خمساً ؟
    أو أنّه أراد بأن الصلاة على الميت هي للاِمام والاَمير لا لاَوليائه ، وبذلك جرت السنة.
    أو أنّ المقصود من كلامهم( هذا هو السنة ) أي التسوية بين الموتى لا التدرج ، لان سعيد بن العاص سوى بينهم والصحابة أمضوا ذلك ، أو أنّه أراد بذلك شيئاً آخر.
    فلو كان مراده القول الاَول فهو صحيح؛ لاَنّ السنة عندنا هو أن يقدم الغلام إلى الاِمام وتبعد المرأة إلى القبلة ، وفي ذلك صحاح مروياتنا (1).
    أما لو أراد بذلك القول الثاني فانه يخالف فقه أهل البيت ، لاَنّ أهل البيت كانوا يكبرون خمساً ولا يرتضون التكبير على الميت
( 1 ) انظر احاديث الباب في وسائل الشيعة 3 : 124 باب 32.


90
أربعاً ، فكيف يقبل الاِمامان الحسن والحسين وابن الحنفية ما فعله ابن عمر مع أختهم المفترضة ؟
    والمطالع في فقه الطالبيين يعرف أنهم كانوا يصرون على أنّ التكبير على الميت خمسٌ ولا يرتضون غيره ، وهذه حقيقة ثابته دلت عليها نصوص كثيرة ، منها ما جاء في مقاتل الطالبيين : أن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن صلّى على جنازة بالبصرة فكبر عليها أربعاً.
    فقال له عيسى بن زيد : لم نقصت واحدة وقد عرفت تكبير أهلك ؟
    قال : إن هذا أجمع للناس ونحن إلى اجتماعهم محتاجون ، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله.
    ففارقه عيسى واعتزله ، وبلغ أبا جعفر [ أي المنصور ] فارسل إلى عيسى يسأله أن يخذل الزيدية عن إبراهيم ، فلم يفعل ، ولم يتم الاَمر حتّى قتل إبراهيم ، فاستخفى عيسى بن زيد ، فقيل لاَبي جعفر : ألا تطلبه ؟
    فقال : لا والله لا أطلب منهم رجلاً بعد محمد وإبراهيم ، أنا أجعل لهم بعد هذا ذكراً (1) ؟ !
    ففي النص المذكور عدة أمور ينبغي التامل فيها !
    1 ـ لِمَ نقصت واحدة وقد عرفت تكبيرة أهلك.
    2 ـ إنّ هذا أجمع للناس ونحن إلى اجتماعهم محتاجون.
( 1 ) مقاتل الطالبين : 268 ـ 269.


91
    3 ـ ففارقه عيسى واعتزله.
    4 ـ بلغ أبا جعفر [ أي المنصور ] فأرسل إلى عيسى يسأله أن يخذل الزيدية عن إبراهيم فلم يفعل.
    فلو أريد من « هذه السنة » هو التكبير على الميت أربع تكبيرات فهو باطل لتخالفه مع فقه الطالبيين ، إلا أنّ نقول بأنّ أمّ كلثوم المفترضة هي بنت أبي بكر لا بنت عليّ ، لتخالف فقه علي وأهل بيته مع فقه الحكّام في كثير من الاَمور.
    كل ذلك ونحن نستبعد أن يقدم الاِمام الحسن عبد الله بن عمر للصلاة على اخته المفترضة مع علمنا باستفاضة الاَخبار في استحباب تقديم الهاشمي على غيره في الصلاة على الميت.
    أما لو أراد القول الثالث والرابع فهو مما يجب البحث عنه كي نراه هل يتفق مع فقه أهل البيت أم لا ؟
    كان هذا بعض الشيء عن مقصود عمار بن أبي عمار من جملة : أنّها السنة ، والان مع خبر القداح في المواريث.