91
    3 ـ ميراث الغرقى والمهدوم عليهم
    روى الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في تهذيب الاَحكام ( باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد ) :
    « عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن جعفر بن محمد القمي ، عن القداح ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام قال : ماتت أم كلثوم بنت عليّ وابنها زيد بن عمر بن


92
الخطاب في ساعة واحدة لا يُدرى أيّهما هلك قبل فلم يُورَّث أحدهما من الآخر وصُلِّي عليهما جميعاً » (1).

    السند
    وفي هذا الاسناد جعفر بن محمد ، الذي قال عنه السيّد الخوئي :
    « جعفر بن محمد القمي = جعفر بن محمد الاشعري.
    روى عن القداح ، وروى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، التهذيب : الجزء 9 ، باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم الحديث 1295.
    أقول : الظاهر إتحاده مع جعفر بن محمد الاشعري المتقدم » (2).
    وقد كان رحمه الله قد قال قبل ذلك :
    « جعفر بن محمد الاشعري = جعفر بن محمد القمي : وقع في اسناد عدة من الروايات تبلغ مائه وعشرة موارد ، فقد روى عن ابن القداح ، ورواياته عنه بهذا العنوان تبلغ تسعة وسبعين مورداً ، وعن
( 1 ) تهذيب الاَحكام 9 : 363 ح 1295 وعنه في الوسائل 26 : 314 ح 33067 وفيه عن ابن القداح.
( 2 ) معجم رجال الحديث 5 : 99.



93
عبدالله بن القداح ، وعبدالله بن ميمون ، وعبدالله بن ميمون القداح ، وعبدالله الدهقان والقداح... » (1).
    إلى أن يقول :
    « أقول : قيل أن جعفر بن محمد هذا هو جعفر بن محمد بن عبيدالله الآتي ، أو جعفر بن محمد بن عيسى الاشعري ، إلاّ أن كلا منهما وإن كان محتملاً في نفس الاَمر ، لكنه لا دليل عليه ، فإن جعفر بن محمد بن عبيدالله لم يثبت أنّه كان أشعرياً ، ومجرّد رواية كل منهما عن ابن القداح لا يثبت الاتّحاد.
    كما أن أحمد بن محمد بن عيسى ، لم يثبت أنّه كان له أخ يسمى بجعفر.
    هذا ، ومن المطمأَنّ به أنّ جعفر بن محمد الاَشعري هو جعفر بن محمد بن عبيد الله الآتي ، وذلك فإنّ جعفر بن محمد الاشعري قد روى عن ابن القداح كثيراً يبلغ عددها مائة وتسعة موارد ، ولم يذكر له رواية عن غيره إلاّ في مورد واحد... » (2).
    وقال السيّد الخوئي أيضاً في ترجمة جعفر بن محمد بن عبيدالله :
    « روى عن عبدالله بن ميمون القداح ، ويروى عنه أحمد بن محمد بن عيسى كامل الزيارات ، باب في
( 1 ) معجم رجال الحديث 5 : 68 ، ولينظر للاَمالي : 603 للشيخ الطوسي كذلك.
( 2 ) معجم رجال الحديث 5 : 68 ـ 70.



94
فضل كربلاء وزيارة الحسين 88 الحديث 11.
    وقال الشيخ( 150 ) : « له كتاب رويناه عن عدة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن عبيدالله عن ابنه عن جعفر بن محمد بن عبيدالله وطريقه إليه ضعيف بأبي المفضل وبأبي بطة وتقدم في جعفر بن محمد الاشعري ما له ربط بالمقام » (1).
    وقد علق الشيخ التستري على ما قاله الميرزا الاسترآبادي ـ في جعفر بن محمد الاشعري من أنّه جعفر بن محمد بن عبدالله الذي يروي عن ابن القداح كثيراً أو جعفر بن محمد بن عيسى الاَشعري = اخو أحمد بن محمد ـ في كتابه قاموس الرجال بقوله :
    « أقول : كان عليه أن يحقّق أولاً موضوعه وموضع وروده ، هل ورد في الاَخبار أو الرجال ؟ ثمّ يردّد في المراد منه » (2).
    وكيف كان فجعفر بن محمد القمي مشترك بين عدة أشخاص منهم الثقة ومنهم غير الثقة ، ويمكن للمطالع وبمراجعة مثل كتاب الشيخ فخر الدين الطريحي( جامع المقال فيما يتعلق باحوال الرجال ) أو( هداية المحدثين ) للكاظمي أو غيرها من كتب
( 1 ) معجم رجال الحديث 5 : 83 ـ 84.
( 2 ) قاموس الرجال للشيخ التستري 2 : 665.



95
المشتركات أن يستعلم حال ما نحن فيه؛ إذ( لما يعسر التمييز تقف الرواية ) (1) .
    إذاً كان جعفر بن محمد مشترك بين الثقة وغيره ، فهو إما جعفر بن محمد الاشعري أو جعفر بن محمد بن عبيدالله أو جعفر بن محمد بن عيسى الاَشعري ، أو أنّ هؤلاء جميعاً شخص واحد (2) ، ولما تعسر التمييز بينهم وقفت الرواية عن الاحتجاج بها.
    مشيرين إلى أن الراوي ( جعفر بن محمد القمي ) لم يرو عنه أحد في كتب الحديث بهذا الاسم إلا الشيخ الطوسي في تهذيب الاَحكام ، والاستبصار ، والاَمالي ، وعنه أخذ الحر العاملي في وسائل الشيعة.
    ففي المطبوع من تهذيب الاحكام روى الشيخ بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن جعفر بن محمد القمّي عن القداح (3).
    وفي نسخة صاحب الوسائل من التهذيب عن ابن القداح (4).
    فلو كانت الرواية عن ابن القداح فهو عبدالله بن ميمون بن الاسود القداح ، الثقة حسبما قاله النجاشي (5).
( 1 ) انظر احوال الرجال : 103 ، هداية المحدثين.
( 2 ) انظر فى ذلك كلام الشيخ الطوسي في أماليه 3 : 6 ح 1247.
( 3 ) تهذيب الاحكام 9 : 362 ح 1295 ، وروى له أيضاً فى الاستبصار 1 : 477 ح 1845 بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن جعفر بن حمد بن عبد الله القمى عن عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه آن علياً.
( 4 ) وسائل الشيعة 26 : 314 ح 33067.
( 5 ) رجال النجاشي : 213 ت 557.



96
وأما لو كان عن القداح ، فهو ميمون بن الاَسود ، الذي عدّه الشيخ في رجاله تارة من اصحاب السجاد عليه السلام وأخرى من أصحاب الباقر عليه السلام قائلاً : ميمون قداح مولى بني مخزوم ، مكي.
    وثالثة من أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً : ميمون القداح المكّي مولى بني هاشم روى عنهما.
    ثم جاء السيّد الخوئي برواية الكليني التي فيها مدح لميمون القداح وقال :( وغير بعيد أن يكون ميمون القداح مولى لهم سلام الله عليهم من جهة ولائه لهم سلام الله عليهم اجمعين ويظهر من الرواية شدة اختصاصه بهم ، كما يدل عليه قول ابن شريح فانه منهم وفي هذا مدح عظيم ، غير ان الرواية ضعيفة بجهالة رواتها ) (1).
    وعليه فالراوية تعدّ مجهولة لعدم ورود توثيق في جعفر بن محمد القمّي ، والقداح.
    أما لو ان ابن القداح فهو ثقة حسبما قاله النجاشي ، لكنها تنحصر في نسخة صاحب الوسائل.
    أما نسخ غالب فقهاءنا العظام ( كصاحب المستند ) (2) و
( 1 ) معجم رجال الحديث 20 : 127. وقال الشيخ الممقاني في تنقيح المقال 3 : 265 ط ـ قديم : الحديث دل على كون الرجل امامياً ولم أقف فيه على مدح يدرجه في الحسان( وانظر قاموس الرجال 10 : 327 ) وقد أورده ابن داود الحلي في القسم الثاني من رجاله : 282 وقال : ميمون القداح ين ، ق[ جخج ملعون.
( 2 ) مستند الشيعة 19 : 452 و 463.



97
( الجواهر ) (1) ٍ و ( المسال ) (2) و ( مجمع الفائدة والبرهان ) (3) و ( كشف اللثام ) (4) وغيرهم فجميعها عن « القداح » لا ابنه ، وهو مجهول.
    ولما كان الرواي هو القداح ولم يثبت توثيق فيه ، وكان في الرواية أيضاً جعفر بن محمد القمّي المشترك في الرواية ، سقطت عن الاعتبار ولا يؤخذ بها..
    وقد علق العلاّمة المجلسي( ت 1111 هـ ) في كتابه « ملاذ الاَخيار في فهم تهذيب الاَخبار » على الحديث الرابع عشر من أحاديث باب الغرقى والمهدوم عليهم بقوله :
    « مجهول ، وجعفر بن محمد هو ابن عبدالله المجهول » (5).
    سؤلان ؟ !
    لنا هنا سؤالان :
    الاول : هل أن أم كلثوم وزيداً ماتا في يوم واحد أم لا ؟
    الثاني : هل يمكن تعميم نصوص توريث الغرقى والمهدوم
( 1 ) جواهر الكلام 39 : 308.
( 2 ) مسالك الافهام 13 : 270.
( 3 ) مجمع الفائدة والبرهان 11 : 529.
( 4 ) كشف اللثام 9 : 525.
( 5 ) ملاذ الاخيار 15 : 382.



98
عليهم على الذين ماتوا حتف أنفهم ـ كما في رواية القداح ـ أم لا ؟
    أما الجواب عن السؤال الاَول.
    فالنصوص متضاربة في ذلك ، فتارة تصرح بأنّ زيد بن عمر مات وهو غلام (1).
    وأخرى : مات وهو رجل (2).
    وثالثة : مات وأمه في يوم واحد (3).
    ورابعة : لم نر قيداً فيها (4).
    وخامسة : مات على اثر نزاع نشب لبني عدي (5).
    وسادسة أن عبدالملك بن مروان سمّ زيداً وأمّه فماتا ، وذلك بعد ما قيل لعبد الملك : هذا ابن علي وابن عمر ، فخاف على ملكه فسمّهما (6).
    وليس في كل تلك النصوص أنه مات على أثر هدم حائط أو أنه غرق في بحر أو ما شابه ذلك.
( 1 ) سير اعلام النبلاء 3 : 502 وفيه توفي شاباً ولم يعقب.
( 2 ) تاريخ المدينة 2 : 654.
( 3 ) أنساب الاَشراف : 190 ، نسب قريش : 353.
( 4 ) السنن الكبرى للبيهقي 7 : 70 ـ 71.
( 5 ) الاستيعاب بهامش الاصابة 4 : 491 ، سير اعلام النبلاء 3 : 502 وفيه وقعت هوسة بالليل ، فركب زيد فيها ، فأصابه حجر فمات ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 70 ، تاريخ دمشق 19 : 483.
( 6 ) المصنف لعبد الرزاق 6 : 164 | ح 10354.



99
والان مع خبر ابن حبيب البغدادي( ت 245 ) في المنمق في اخبار قريش إذ أفرد باباً في كتابه بعنوان( حروب بني عدي في الاِسلام ) أشار فيه إلى وجود رجلين قبل الاِسلام كانا أشد الناس عداوة لرسول :
    أحدهما : عمر بن الخطاب.
    والثاني : أبو الجهم بن حذيفة.
    وقد فتح الله على عمر بن الخطاب وهداه إلى الاِسلام ، أما أبو الجهم بن حذيفة فبقي على كفره حتى أسلم يوم الفتح (1).
    ولما أسلم عمر وسمع بقوله تعالى( لا تمسكوا بعصم الكوافر ) طلّق زوجته أم كلثوم بنت جرول والتي كانت تسمى بـ ( مليكة ) مع أنه كان قد أولدها عبيدالله وزيداً و... (2) وكان ذلك في الهدنة فخلف عليها أبو الجهم بن حذيفة (3) ولما حدث نزاع في بني جهم جاء عبدالله وسليمان ابنا أبي الجهم إلى زيد بن عمر بن الخطاب يسألاه النصر ، فأجابهما وقال : لا هضيمة عليكما ولا ضيم (4).
    فبنو الجهم كانوا يدرسون ويتباحثون النزاع العائلي في الصباح نظرياً ولفظياً ويجربونه في المساء تطبيقا عملياً ، وقد تدخّل زيد بن
( 1 ) المنمق : 294.
( 2 ) البداية والنهاية 7 : 156..
( 3 ) الاصابة 2 : 519.
( 4 ) المنمق : 301.



100
عمر لحلّ النزاع بين الاَخوة فأصابه شيء ، فجرح وقد أدى ذلك إلى موته.
    وقد كان زيد يتهم خالد بن أسلمَ ـ أخا زيد بن أسلم ، من موالي عمر بن الخطاب ـ بأنّه هو ضاربُهُ (1) الضربة التي أدّت إلى موته.
    وقد عاتب عبدالله بن عمر أخاه زيداً بقوله : اتق الله يا زيد لا تدري من ضربك فلا تتهم خالداً...
    كل هذه النصوص توكد على أن زيداً ـ ابن أم كلثوم بنت جرول أو ابن أم كلثوم بنت فاطمة ـ كان رجلاً مقبولاً عند الآخرين بحيث كان يُقدّم على إخوته أمثال : عبدالله بن عمر وأولاده ، ولم يمكن تصور تقديمه على أولئك إلاّ لوجاهته ومكانته الاجتماعية.
    ومن الطريف في الاَمر أنّ غالب المورخين يذكرون وجود ابنين لعمر بن الخطاب :
    اسم أحدهما : زيد الاَكبر ، وهذا ابن أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب الذي مات مع أمه في يوم واحد حسبما يقولون (2).
    وثانيهما : زيد الاَصغر ، وهو ابن أم كلثوم بنت جرول (3).
    وفي( المنمق ) إن الذي تدخّل في النزاع هو ابن أم كلثوم بنت علي ، وقد مدحه بعض الشعراء مصرّحاً بأنّه من الفاطميين الذين
( 1 ) انظر تاريخ دمشق 19 : 498 ، والمنمق : 310.
( 2 ) عون المعبود 8 : 665 عن المنذري.
( 3 ) تاريخ الطبري 3 : 269 ، تاريخ دمشق 38 : 58.


101
نصروهم في هذا النزاع (1).
    ولو راجعت كتب التراجم ، ـ ترجمة أم كلثوم بنت جرول ـ لرايتها قد ولدت لعمر( عبيدالله وزيداً ) قبل الاِسلام ، فيكون زيد هذا هو أكبر حقيقة من ابن أم كلثوم بنت فاطمة.
    فلماذا يطلق على ابن أم كلثوم بنت جرول : الاَصغر ، ويقال عن ابن أم كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب : الاَكبر ؟ ! ! هذا تساؤل يثار ويبحث عن جواب ، ولا ناه مَقْنعاً ـ بعد الوقوف على كل هذه الملابسات ـ ما قالوه من أنّه سميّ الاَصغر أكبر كرامةً لاتصاله برسول الله ، وتسمى الاَكبر حقيقة أصغر لاَنه ليس له نسبة برسول الله.
    ومن الطبيعي لو كان هناك نزاع بين بني جهم أن يتدخل زيد ابن أم كلثوم بنت جرول لكونه أقرب لبني جهم من ابن فاطمة وعلي ، وذلك للعلقة الموجودة بين أولاد عمر وأولاد جهم؛ لاَن أمّ زيد صارت زوجة أبي جهم بن حذيفة بعد عمر بن الخطاب.
    لكنا نرى الاَمر يختلف حسب فرضهم ، حيث إنّهم يذكرون أنّ زيد ابن أم كلثوم بنت علي هو الذي تدخل لحلّ النزاع مع أنّه كان صغيراً في ذلك الوقت وليس بتلك المكانة التي كان يحظى بها إخوانه في بني جهم. في حين أن العصبية القبلية لبني جهم كانت تدعوهم لتدخل ابن أمّ كلثوم بنت جرول لانّه هو الاَكبر والاَشهر
( 1 ) المنمق : 305. وفيه قول عبدالله بن أبي الجهم :
وزيدٌ اتيناه فهشَّ ولم يَخِمْلدن أن ندبناه ابن خير الفواطمِ



102
والاَعرف عندهم.
    ولكي يتأكد لك الاَمر أقرأ ما قاله ابن شبة في تاريخ المدينة :
    زيد الاَصغر وعبدالله قتلا يوم صفين زمن معاوية ، وأمّهما أم كلثوم بنت جرول (1) ؟
    وبنظرنا ان تسليط الضوء على هذه الفترة من تاريخ العرب وتاريخ زواج عمر من أم كلثوم بنت جرول وطلاقه لها هو اللغز الذي يمكن أن يفتح به موضوع تزويج عمر من أم كلثوم بنت علي.
    وأما الجواب عن السؤال الثاني
    فهو : أنّه لا خلاف بين الفقهاء في توريث الغرقى والمهدوم عليهم حسب تفصيل مذكور في كتب الفقه ، بل الاِجماع بقسميه دالٌّ عليه ، والنصوصُ به متواترة ، لكن هنا تساؤل مفادُهُ : هل يمكن تعميم هذا الحكم على الذين ماتوا حتف أنفهم في يوم واحد ؟ بحيث لا يعلم أيّهما مات قبل الاخر ؟ أم أنه يختص بالغرقى والمهدوم عليهم ؟
    ذهب البعض إلى عدم ذلك للاَصل ، والاِجماع الذي نقله صاحب مسالك الاِفهام ، ولرواية القداح ، وهناك من شك في الاِجماع وضَعَّف خبر القداح وقال بالتوريث بناءً على ان العلّة قطعية ، وهي جهالة تقدم موت أحدهما على الآخر ، كما مال إليه صاحب الرياض.
( 1 ) تاريخ المدينة 2 : 654.


103
وقد علق صاحب الجواهر على كلام صاحب الرياض بقوله :
    « ومن الغريب ما في الرياض هنا من الميل إلى الاَول [ أي التوريث ] محتجاً عليه بقوة احتمال كون العلة المُحْتَجّ بها قطعية منقّحة بطريق الاعتبار لا مستنبطة بطريق المظنة لتلحق بالقياس المحرم في الشريعة... » (1).
    وقال الاردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان :
    قال [ العلامة ] في المختلف : لنا ان الاصل عدم توريث أحدهما من صاحبه لعدم العلم ببقائه بعده ، خرج عنه الغرقي والمهدوم عليهم للنصوص الدالة عليه ، فيبقى الباقي على أصل المنع ، احتج : بأن العلة الاشتباه ، وهو موجود في القتل والحرق.
    والجواب : المنع من التعليل بمطلق الاشتباه فجاز أن يكون العلّة الاشتباه المستند إلى أحدهما ، على أن قول ابن حمزة لا يخلو من قوة.
    وأنت تعلم ان هذا الاحتجاج يدل على كون الاَمر كذلك في مطلق الاشتباه ولو كان الموت حتف آنفه ، والظاهر ان لا قائل به ، بل نقل الاِجماع في شرح الشرائع على عدم القائل به.
    وتويّده رواية القداح ، عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : ماتت أمّ كلثوم بنت علي عليه السلام وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا
( 1 ) جواهر الكلام 39 : 309 ـ 311.


104
يدرى أيهما هلك قبل ، فلم يورث أحدهما من الاخر وصلى عليهما جميعاً.
    ولكنها ضعيفة مع مخالفتها لبعض الاصول (1).
    وعلى كُلّ حال ، فإنّ عمدة من قال بعدم التوريث هو الاَصل لا رواية القداح ، فلو كانت معتبرةً عندهم لما وصلت نوبة الاستدلال إلى الاَصل.
    وللوقوف على تشعبات هذه المسألة يمكنك مراجعة كتاب ( فقه الصادق ) للسيد صادق الروحاني (2) ، لان فيه مزيد بيان.
    قال المحقق السبزواري في آخر كتاب( كفاية الاحكام ) عند ذكره الاَحكام المتفرقه لهذا الباب :
    « مسائل : الاَولى : من شروط الاِرث عند الاَصحاب العلم بحياة الوارث بعد موت الموروث ، فلو علم موتهما معاً لم يرث أحدهما من الآخر ، ولو اشتبه التقدم والتأخر والمعية لم يرث المشتبه عندهم إلاّ فيما استثنى ونقل في ذلك الاِجماع على ذلك ، وقد روى القداح عن الصادق عليه السّلام عن أبيه قال : ماتت أم كلثوم بنت عليّ... إلى أن يقول : وفي ثبوت الاِجماع
( 1 ) مجمع الفائدة والبرهان 11 : 520.
( 2 ) فقه الصادق 34 : 311.



105
تأمّل ، والرواية ضعيفة ، ولم يذكر الاَصحاب احتمال القرعة ههنا ، وهو احتمال صحيح إن لم يثبت... » (1).
    وبهذا فقد عرفت أن هناك من يذهب إلى إمكان سراية أحكام ميراث الغرقى والمهدوم عليهم إلى مَن مات حتف أنفه لاتّحاد العلة في الجميع ـ وهو الاشتباه ـ حيث لا يُدرى أيهما مات قبل الآخر ، وهذا يرشدنا إلى إمكان تخطي رأي المشهور ، وخصوصاً لو قسنا ما نقوله مع ما جاء عن أهل السنة والجماعة في هذا الفرع وأمثاله.
    فإنك لو راجعت كتب الصحاح والسنن عند أهل السنة لوقفت على نصوص كثيرة عن زيد بن ثابت وغيره توكّد على عدم التوريث ، في حين جاء عن ابن عباس وابن مسعود وعليّ بن أبي طالب ما يشير إلى توريث أحدهما من الاخر ، نترك بسط الكلام عن هذا الموضوع إلى حينه.
    وبهذا فقد وقفنا على عدة أمور :
    الاَوّل : الشك في أصل وقوع الزواج. وعلى فرض وقوعه الشك في ولادة زيد ، وعلى فرض ولادته أيّهما هو ؟
    الثاني : التشكيك في أن يكون زيد وأمّه قد ماتا في يوم واحد. إذ لا نعرف سبب الموت : هل كان بسبب هدم الحائط أو الغرق ؟ أو ان بني عدي ضربوا زيداً ، أو أنّ عبدالملك بن مروان سمّهما ؟ أو...
( 1 ) كفاية الاحكام : 307.


106
الثالث : مسالة التوارث بين الام والابن وامكان تخالفه مع فقه أهل البيت.
    الرابع : إنّ قضية الزواج من أوّلها إلى آخرها تضجّ بالاِشكالات والتناقضات ، في كيفية الخطبة ، والتزويج ، والولادة ، ومن هو المزوِّج ، وما هو المهر ، وهل كان برضا أم غصب ، ومن هم أزواج أم كلثوم بنت علي ووو...
    وعليه فقد اتضح عدم إمكان أن يلزمنا الخصم بهاتين الروايتين وأمثالهما والاستدلال على ضوئهما بولادة زيد من عمر بن الخطاب وأم كلثوم ، لاَنّ الروايات التي ارادوا الاستدلال بها على الاِنجاب كانت هذه ، وهي غير صحيحة بنظرنا ، ومخالفة للحقائق التاريخية والاَصول الشرعية عند الشيعة الاِمامية.
    أمّا عندهم فقد صرّح الزرقاني : بأنّ عمر قد مات عنها قبل بلوغها ، كلّ ذلك مع الاَخذ بنظر الاعتبار اختلاف النصوص.
    ففي مختصر تاريخ دمشق : مات زيد وهو صغير (1).
    وفي صفة الصفوة ، والبداية والنهاية ، وتاريخ الاِسلام وغيرها : أنها ولدت له زيداً ورقية (2).
    وفي المعارف لابن قتيبة : فاطمة وزيداً (3).
( 1 ) مختصر تاريخ دمشق 9 : 160.
( 2 ) سير اعلام النبلاء 3 : 501 ، تركة النبي : 95 ، الذرية الطاهرة : 118 ، تاريخ الطبري 3 : 270 ، تاريخ دمشق 19 : 482.
( 3 ) المعارف : 185.


107
وفي رابع : عاش حتى صار رجلاً (1) لى.
    وفي خامس : إنّ لزيد بن عمر عقباً (2).
    وفي سادس قتل بلا عقب (3) ، إلى غيرها من الاقوال.
    وانت تعلم بأن ما جاء في كيفية الصلاة على الجنائز كانت رواية عامية وقد ذكرها الفقهاء في كتبهم استشهاداً لا استدلالاً ، فلا يمكنهم ان يلزمونا بولادة زيد وموته مع أمه في يوم واحد وكذا لا يمكن اثبات كون زيد هو ابن لاَم كلثوم بنت فاطمة.
    أمّا رواية القداح فهي الاخرى متروكة عند أعلامنا لجهالة جعفر بن محمد القمي ومخالفتها لبعض اصول المذهب ، وقد تكون جملة ( بنت علي ) هي من توضيحات الراوي ذكرها تبرعاً من عند نفسه ، وقد يكون الراوي قد تأثر بالاشاعات والموترات الخارجية فأضاف هذه الزيادة ، ولو علم بأنّ كل ذلك تحريف وتزوير لما فعل ذلك.
    بعد كل هذا نقول ان هذه الاَقوال تشككنا في صحة الاَخبار المنقولة عن حادثة زيد بن عمر وموته وأمّه في يوم واحد ، وكذا ما نقل من مسألة التوريث بينهما.