107
    4 ـ عدة المتوفّى عنها زوجها
( 1 ) انظر تاريخ دمشق 9 : 489 ، 484 ، الكامل في التاريخ 3 : 373 ، سير اعلام النبلاء 3 : 502.
( 2 ) هامش تاريخ دمشق 19 : 484.
( 3 ) سير اعلام النبلاء 3 : 502 ، الطبقات الكبرى 8 : 463.



108
« روى الكليني عن حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن محمد بن زياد ، عن عبدالله بن سنان ، ومعاوية بن عمّار بنأبي عبدالله ، قال : سالته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها اتعتدُّ في بيتها أو حيث شاءت ؟
    قال : بل حيث شاءت ، إنّ علياً لمّا توفّي عمر أتى أمّ كلثوم فانطلق بها إلى بيته » (1).
    وفي آخر : « فأخذ بيدها فانطلق بها إلى بيته » (2)..
    فهذه الرواية هي الاَخرى لا تدل على الاِنجاب ، فإن قيل : إنّها تدل على التزويج ، وهو كاف لاِثبات المراد.
    قلنا : بان تفسير الخبر جاء معه بقوله في الخبر الآخر ( ذلك فرج غصبناه ) (3) أو ( غصبنا عليه ) (4) ، وأقصى ما يمكن هو الدلاله هو
( 1 ) الكافي 6 : 115 ح 1 وانظر التهذيب 8 : 161 ، والاستيعاب 3 : 252 كذلك ، وفي السنن الكبرى للبيهقي 7 : 436 وكنز العمال 9 : 694 عن الشعبي قال : نقل علي رضي الله عنه أم كلثوم بعد قتل عمر رضي الله عنه بسبع ليال ، ورواه الثوري في جامعه وقال : لانها كانت في دار الامارة.
( 2 ) الكافي 6 : 115 ح 2 ، وفي النوادر للراوندي عن جعفر الصادق عن ابنه عليه السلام : نقل علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم في عدتها حين مات زوجها عمر بن الخطاب ، لانها كانت في دار الامارة.
( 3 ) الكافي 5 : 346 ، ح 2 ، وسائل الشيعة 2 : 561 ح 26349 ، البحار 42 : 106.
( 4 ) الاستعانة 1 : 78 ، 81 ، شرح الاَخبار 2 : 507 ، رسائل المرتضى ، المجموع الثالثة : 149 ، 150 ، الصراط المستقيم 3 : 130.



109
وقوع التزويج عن إكراه لا عن طيب خاطر وهذا لا يفيد شيئاً ، بل يشير إلى المنافرة بين علي وعمر لا الاَخّوة بينهما كما يريدون.
    بل الشيخ المجلسي ذهب إلى أكثر من ذلك ، وقال : إنّ هذين الخبرين [ أي خبر زرارة (1) وهشام (2) لا يدلان على وقوع تزويج أم كلثوم من عمر (3) ، لمنافاتهما لما جاء في الخرائج والجرائح عن الصفار...
    واحتمل آخر : بأنّ جملة( ذلك فرج غصبناه ) جاءت على سبيل المجاراة مع من يدعي ذلك وليس لها دلالة على وقوع التزويج.
    واحتمل ثالث : أنّ الجملة( ذلك فرج غصبناه ) استفهام استنكاري من الاِمام ، وهي الاَخرى لا دلالة لها على وقوع الزواج من أم كلثوم.
    وقرأ رابع الجملة هكذا : « ذلك فرجٌ عَصَبْنَاهُ » و « ذلك فرج عَصَبْنَا عليه ».
    وبنظرنا انّ كثيراً من هذه الاَقوال هي خلاف الظهور ، بل في كلام الاِمام ما يشير إلى الاِكراه والجبر ، وهو لا يدلّ على أكثر من وقوع
( 1 ) الكافي 5 : 346 ح 1 بسنده عن زرارة ، عن الصادق عليه السلام وفيه « إن ذلك فرجٌ غُصبناه ».
( 2 ) الكافي 5 : 346 ح 2 بسنده عن هشام بن سالم ، عن الصادق عليه السلام ، وفيه أنّ عمر هدَّد باتهام علي بالسرقة وقطع يديه إن لم يزوّجه ابنته أمّ كلثوم.
( 3 ) مرآة العقول 20 : 42.



110
العقد ، إذ المتوفى عنها زوجها تجب عليها العدة وإن لم يدخل بها ، على أنّه ليس في تلك الاخبار دلالة على أنّ أم كلثوم هي ابنة فاطمة ، فقد تكون ابنته من غير فاطمة ، وهذا القول هو الآخر بعيد؛ لاَنّ علياً لم يتزوّج في زمن فاطمة بامرأة أخرى فلا يعقل أن تكون له بنت مؤهلة للزواج من عمر إلاّ أن نقول بأنّها ربيبته من امرأة أخرى ، والربيبة تعد في الشرع من حيث محرميتها بمنزلة البنت ، وعند العرب بمنزلة البنت مطلقاً حتى في الاِرث وغيره.
    وعليه فلا دلالة لهذا الخبر على الدخول والانجاب كذلك ، وخصوصاً لو قلنا بتافيه مع ما رواه القطب الراوندي عن الصفار باسناده الى عمر بن أذينة.
    وأنّ فقهاءنا حينما قالوا بجواز اعتداد المرأة في غير بيت زوجها قالوا بذلك طبقاً لروايات كثيرة في الباب عندهم ، لا لما جاء في خبر تزويج أم كلثوم فقط.

    5 ـ الوكالة في التزويج
    مرت عليك نصوص أهل السنة والجماعة في إيكال الاِمام علي بن أبي طالب أمر زواج أم كلثوم لابنيه الحسن والحسين (1) ، لكنّ الروايات الشيعية تشير إلى أنّ الاِمام قد وكّل أمرها لعمّه العباس اتقاءً
( 1 ) مجمع الزوائد 4 : 272 ، الاوسط 6 : 357 ، حياة الصحابة 2 : 527 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 139.


111
للحرج (1).
    وهنا سؤال يطرح نفسه وهو : لماذا يوكّل الاِمام في أمر زواج أم كلثوم ابنيه وفي آخر عمه العباس ولا يزوّجها هو بنفسه ، وعلى أي شيء يدل هذا ؟
    ألم يكن الانسب ـ إن صح الخبر ـ أن تكون الوكالة لعمه العباس من ابنيه الحسن والحسين ؟
    وهل تعقل بأنّ الحسن والحسين قد أغضبا والدهما عليّاً ـ كما جاء في روايات العامة ـ
    بل كيف بعلي يغضب من قول الحق وابناه سيّدا شباب أهل الجنة يقولان ذلك ، ورسول الله قال عن علي : انّه مع الحقّ والحقّ معه ، أما لو قلنا بأن كلامهما كان باطلاً ـ والعياد بالله ـ فكيف يقولان الباطل.
    ألا تذهب معي إلى أنّ تلك النصوص وضعت للتعريض بعلي والحسن والحسين.
    ان مسالة التوكيل إن دلت على شيء فإنّما تدل على عدم رضا الاِمام بهذا الزواج ، لكنّ العسر والحرج هما العاملان اللذان الجئَا علياً إلى ذلك.
    ولو راجعت مجمل حياة عمر بن الخطاب لوقفت على غلظته
( 1 ) الكافي 5 : 346 ، الاستغاثة : 81 ، بحار الانوار 42 : 93 ، المجموعة الثالثة من رسائل المرتضى : 149 ، مرآة العقول 20 : 44 ، الشافي 36273.


112
في الاَمور وضربه ونفيه وحبسه للصحابه ، وهو الذي يتّفق مع ما جاء في روايات الشيعة من أنّ عمر قد هدد عليّاً بقطع يده بدعوى السرقة ، أو رجمه بدعوى الزنى ، وأنّه لبّس ذلك على عامة الناس بدعوى القربى إلى رسول الله ، إنها مسألة تحتاج إلى تدبر وتفكّر ، فعُد معي أخي القارىء إلى ما روته الشيعة لتقف على ما ورائيات الحديث :
    عن أبن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : لما خطب عمر إلى أمير المؤمنين قال له : إنّها صبية ، فأتى العباس فقال مالي ؟ أبي بأس ؟
    قال له : وما ذاك ؟
    قال : خطبتُ إلى ابن أخيك فردّني ، أما والله لاَعوِّرنَّ زمزم ولا أدع لكم مكرمة إلاّ هدمتها (1) ، ولاَقيمن عليه شاهدين أنّه سرق ولاقطعن يمينه.
    فاتاه العباس فاخبره وساله ان يجعل الامر إليه فجعله إليه (2).
    وروى الكوفي في الاستغاثة قال : حدثنا جماعة من مشايخنا الثقات ، منهم جعفر بن محمد بن مالك الكوفي ، عن أحمد بن المفضل ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت
( 1 ) لاحظ محاولة عمر من قبل ذلك قلع ميزاب العباس بن عبد المطلب عن الكعبة راجع سير أعلام النبلاء 2 : 96.
( 2 ) النوادر لاَحمد بن عيسى الاَشعري : 130 ح 332 ، الكافي 5 : 356 ح 2.



113
جعفر بن محمد عن تزويج عمر من أم كلثوم ، فقال : ذلك فرج غصبنا عليه.
    وهذا الخبر مشاكل لما رواه مشايخنا أن عمر بعث العباس إلى عليّ صلوات الله عليه فسأله أن يزوّجه أمّ كلثوم ، فامتنع عليّ من ذلك ، فلما رجع العباس إلى عمر يخبره بامتناع عليّ عليه السلام وأعلمه بذلك ، قال : يا عباس أيانف من تزويجي [ والله لئن لم يزوجنيج لاَقتلنه.
    فرجع العباس إلى عليّ عليه السلام فأعلمه بذلك ، فأقام علي عليه السلام على الامتناع ، فأخبر العباسُ عمرَ ، فقال له : يا عباس احضر يوم الجمعة في المسجد وكن قريباً مني لتعلم أنّي قادر على قتله.
    فحضر العباس المسجد ، فلمّا فرغ عمر من الخطبة ، قال : أيها الناس إنّ ها هنا رجلاً من عليّة أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله قد زنى وهو محصن ، وقد اطّلع عليه أمير المؤمنين وحده ، فما أنتم قائلون ؟
    فقال الناس من كل جانب : إذا كان أمير المؤمنين قد اطّلع عليه فما حاجته أن يطلع عليه غيره.
    فلما انصرف عمر قال للعباس : امضِ إليه فأعلمه ما قد سمعت ، فوالله لئن لم يفعل لاَفعلن.
    فصار العباس إلى عليّ عليه السلام فعرّفه ذلك.
    فقال عليّ عليه السلام : أنا أعلم أنّ ذلك مما يهون عليه ، وما كنتُ بالذي أفعل ما تلتمسه أبدا.
    فقال العباس : إن لم تفعل أنتَ فأنا أهله ، وأقسمتُ عليك إن


114
خالفتَ قولي وفعلي.
    فمضى العباس إلى عمر فأعلمه أن يفعل ما يريد من ذلك.
    فجمع عمر الناس فقال : إنّ هذا العباس عمّ عليّ ، وقد جعل إليه أمر ابنته أم كلثوم ، وقد أمره أن يزوّجني منها ، فزوّجه العباس ، وبعث بعد مدة يسيرة فحولها إليه (1).
    كانت هذه بعض النصوص الدالة على توكيل العباس في أمر التزويج ، وهي قد تتفق مع الاَحداث آنذاك ، أما نصوص أهل السنة في توكيل الحسن والحسين فهي بعيدة عن الواقع بعد الاَرض عن السماء ، وخصوصاً ما جاء من قولهما لعلي : يا ابتاه ، من بعد عمر ! ! صحب رسول الله وتوفّي وهو عنه راض ، ثم ولي الخلافة بعده ، فقال له أبوه : صدقت (2)...
    وفي آخر : إنّ الحسن والحسين قالا لعلي ـ حيث أمرهما بتزويجه بقوله : زوِّجا عمكما ـ : هي امرأة من النساء تختار لنفسها.
    فقام علي مغضباً ، فأمسك الحسن بثوبه ، وقال : لا صبر لي على هجرانك يا ابتاه ، قال : فزوجاه (3).
    إنّ الحسن والحسين عليهما السلام لا يخفى عليهما قول أبيهما : أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وهو يعلم أنّ محلي منها محل القطب من الرحى... حتى إذا مضى أبو بكر لسبيله أدلى بها إلى عمر بعده... حتى
( 1 ) الاستغاثة : 78 ـ 79 ، وعنه في مستدرك وسائل الشيعة 14 : 443 ـ 444.
( 2 ) ذخائر العقبى : 170.
( 3 ) المعجم الاَوسط 6 : 357 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 : 114.



115
إذا مضى عمر إلى سبيله جعلها في جماعة زعم اني احدهم...
    كما لا يخفى عليهما ظلم عمر لاَبيهما وامّهما وهجومه على دارهم واسقاطهم لمحسناً.
    إن سيرة علي والحسنين تأبى أشدّ الاِباء هذه الفرية ، خصوصاً إذا رأيت بعين الاعتبار قول الحسين وهو صبي صغير لاَبي بكر : انزل عن منبر أبي... ووو.
    خصوصاً وأن الخلق العلوي الحسني الحسيني أرفع من أن تصدر منه مثل هذه المشادات التي كانت تصدر من غيرهم ، وقد كانت لبني هاشم وأهل البيت مناكحات ومزاوجات كثيرة لم نعهد في واحدة منها مثل هذا الهرج والمرج الذي صوّروه في قضية أمّ كلثوم ، وهذا كلّه يدل على ما صنعته الاصابع البكرية العدوية الاَموية في التاريخ والشريعة.
    وعلى فرض وقوع هذا الزواج المفترض فأن علماء الشيعة خرجوا من هذه المشكلة بأن الزواج يأتي على ظاهر الاِسلام ، فمن شهد الشهادتين يزوَّج إلاّ الناصبي ، والاَخير لا يزوج إلا عند العسر والحرج ، اذ دلت نصوص على ذلك.
    وقد روي عن الاِمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال في جواب من قال له : قد أتيت ذنباً لا يغفر الله لك.
    قال : وما هو ؟
    قال : زوَّجتَ ابنتك رجلاً من بني أمية.
    فقال أبو عبدالله : أسوتي في ذلك رسول الله قد زوج ابنته زينب


116
أبا العاص بن ربيعة ، وزوّج عثمان بن عفان أم كلثوم فتوفيت ، فزوّجه رقية بناته صلى الله عليه وآله.
    وخطب عمر إلى عليّ ابنته أم كلثوم ، فرده ، فأمّا العباس فشكا عليه وتوعد بني عبدالمطلب ، فأتى العباس علياً فقال : يا بن أخي ، قد ترى ما نحن فيه ، وقد توعدك عمر لردّك إيّاه وتوعّدنا ، ولم يزل به حتّى جعل أمرها إليه ، فزوجها العباس منه.
    فالاَفضل والاَعلى تزويج أهل الموافقة ومن لا ينصب العداوة لآل رسول الله ، ونكاح المؤمن أفضل من نكاح غيره ، ولا باس عند الضرورة بنكاح أهل الخلاف من المسلمين ، وكذلك النكاح فيهم ، وليس ذلك بمحرم كمناكحة المشركين ، ولكن الفضل والاختيار في مناكحة أهل الموافقة وبعد ذلك المستضعفين » (1).
    فهذه النصوص لو جمعت إلى كلام الاِمام عليّ لعرفت مغزى كلامه عليه السلام وأخذه بيدها؛ لاَنّه كان قد زوّجها مكرها ، وكما قال الاِمام الصادق( فرج غصبناه ) ، ويؤيد ذلك ما جاء عن الاِمام عليّ أنه « لما توفى عمر أتى أم كلثوم فانطلق بها إلى بيته » ! ! وهذا يعني عدم قبول الاِمام ببقاء أم كلثوم في بيت عمر ودار الاِمارة للحظة واحدة ، وان جعل الاِمام علي أمر ابنته هذه دون غيرها إلى العباس هو الآخر يشير إلى عدم الرضا بل كرهه لهذا الزواج.
    كانت هذه نظرة عابرة إلى الاَخبار التي أراد الخصم أن يلزمنا بها
( 1 ) انظر هامش دعائم الاِسلام 2 : 200. نقله عن مختصر الآثار.


117
في وقوع الزواج ، وقد وقفت على عدم دلالتها على المقصود حيث إنّ النصوص الموجودة عندهم ـ الدالة على وقوع هذا الزواج ـ تشير إلى درجة كبيرة من النزول الخلقي عند خليفة المسلمين عمر بن الخطاب ، وهذا ما لا يرضاه اتباعه ، أمّا النصوص الموجودة عندنا فتشير إلى الاِكراه والاِجبار وهو الآخر لا يفيدهم.