مكارم الأخلاق ::: 16 ـ 30
(16)
    عن أنس بن مالك قال : لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته لذلك.
    عن ابن عباس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجلس على الارض ويأكل على الارض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك.
    عن أنس بن مالك قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مر على صبيان فسلم عليهم وهو مغذ.
    عن أسماء بنت يزيد قالت : إن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مر بنسوة فسلم عليهن.
    عن ابن مسعود قال : أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجل يكلمه فأرعد ، فقال : هون عليك فلست بملك ، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد (1).
    عن أبي ذر قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجلس بين ظهراني أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل ، فطلبنا إلى النبي أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها ونجلس بجانبيه.
    سئلت عائشة ما كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصنع إذا خلا ؟ قالت : يخيط ثوبه ، ويخصف نعله ويصنع ما يصنع الرجل في أهله.
    وعنها : أحب العمل إلى رسول الله الخياطة.
    من كتاب النبوة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) يقول : مرت برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) امرأة بذية وهو جالس يأكل ، فقالت : يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ويحك ! وأي عبد أعبد مني ، فقالت : أما لي فناولني لقمة من طعامك فناولها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لقمة من طعامه فقالت : لا والله إلى التي في فيك قال : فأخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : فما أصابت بداء حتى فارقت الدنيا.
    عن أنس بن مالك قال : خدمت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تسع سنين فما أعلمه قال لي قط : هلا فعلت كذا وكذا ولا عاب علي شيئا قط.
1 ـ القد بالكسر : الشيء المقدود ، وبالفتح جلد السخلة ، وبالضم : سمك بحري.

(17)
    عن أنس بن مالك قال : صحبت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عشر سنين وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول بيده ناولها إياه فلم ينزع عنه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع وما أخرج ركبتيه بين يدي جليس له قط وما قعد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجل قط فقام حتى يقوم.
    عن أنس بن مالك قال : إن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه (1) جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال له : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فضحك وأمر له بعطاء.
    عن أبي سعيد الخدري يقول : كان رسول الله حييا ، لا يسئل شيئا إلا أعطاه.
    وعنه قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أشد حياءا من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.
    عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا ، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر.
    في جوده ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أجود الناس كفا وأكرمهم عشرة (2) من خالطه فعرفه أحبه.
    من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : أنا أديب الله وعلي أديبي أمرني ربي بالسخاء والبر ونهاني عن البخل والجفاء وما شيء أبغض إلى الله عزوجل من البخل وسوء الخلق وإنه ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
1 ـ جبذه : أي جذبه.
2 ـ العشرة : بالكسر وفي بعض النسخ ( العشيرة ) وهما بمعني واحد. ( مكارم الاخلاق ـ 2 )


(18)
    و برواية اخرى عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إنه كان إذا وصف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : كان أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ، لم أر قبله ، ولا بعده مثله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    عن ابن عمر قال : ما رأيت أحدا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    عن جابر بن عبد الله قال : لم يكن يسأل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شيئا قط فيقول : لا.
    عن إبن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال : نعم ، قال : عندي أحسن العرب وأجملهم ام حبيبة أزوجكها ، قال : نعم ، قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ، قال : نعم ، قال : وتؤمرني حتى اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين ، قال : نعم ، قال ابن زميل : ولولا أنه طلب ذلك من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أعطاه إياه لانه لم يكن يسأل شيئا قط إلا قال : نعم.
    عن عمر قال : إن رجلا أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسأله فقال : ما عندي شيء ولكن اتبع علي فإذا جاءنا شيء قضيناه قال عمر : فقلت : يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه قال : فكره النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوله [ ذلك ] فقال الرجل : أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا ، قال فتبسم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعرف السرور في وجهه.
في شجاعته ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    عن علي ( عليه السلام ) قال : لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ (1) بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
    وعنه ( عليه السلام ) قال : كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم إتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
    عن أنس بن مالك قال : كان في المدينة فزع فركب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرسا لابي طلحة
1 ـ اللوذ : الاستتار والاحتصان به. ولاذ به : أي استتر والتجأ إليه.

(19)
فقال : ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحرا.
    وبرواية أخرى عن أنس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أشجع الناس وأحسن الناس ، وأجود الناس ، قال : لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت ، قال : فتلقاهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد سبقهم ، وهو يقول : لم تراعوا وهو على فرس لابي طلحة وفي عنقه السيف قال : فجعل يقول للناس : لم تراعوا وجدناه بحرا أو إنه لبحر.
في علامة رضاه وغضبه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    عن ابن عمر قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعرف رضاه وغضبه في وجهه ، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر وجهه (1) وإذا غضب خسف لونه واسود.
    عن كعب بن مالك قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا سره الامر استنار وجهه كأنه دارة القمر.
    عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا رأى ما يحب قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    عن عبد الله بن مسعود يقول : شهدت من المقداد مشهدا لان أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الارض من شيء ، قال : كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا غضب احمر وجهه.
    عن ابن عمر قال : كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعرف رضاه وغضبه في وجهه ، كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر ضوء وجهه وإذا غضب خسف لونه واسود.
    قال أبوالبدر : سمعت أباالحكم الليثي يقول : هي المرآة توضع في الشمس فيرى ضوءها على الجدار يعني قوله : يلاحك الجدر.
في الرفق بأمته ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    عن أنس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له ، وإن شاهدا زاره ، وإن كان مريضا عاده.
1 ـ لحك بالشيء : شد التيامه وألزقه به وسيجئ توضيحها في المتن أيضا.

(20)
    عن جابر بن عبد الله قال : غزا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إحدى وعشرين غزوة بنفسه شاهدت منها تسع عشر غزوة وغبت عن إثنتين ، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل فبرك ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في اخريات الناس يزجي الضعيف ، ويردفه ويدعو لهم ، فانتهى إلي وأنا أقول : يا لهف اماه ما زال لنا ناضح سوء (1) ، فقال : من هذا ؟ فقلت : أنا جابر بأبي وامي يا رسول الله ، قال : وما شأنك ؟ قلت : أعيا ناضحي ، فقال : أمعك عصا ؟ فقلت : نعم ، فضربه ، ثم بعثه ، ثم أناخه ووطئ على ذراعه وقال : إركب ، فركبت وسايرته فجعل جملي يسبقه فاستغفر لي تلك الليلة خمسة وعشرين مرة ، فقال لي : ما ترك عبد الله من الولد ؟ ـ يعني أباه ـ قلت : سبع نسوة ، قال : أبوك عليه دين ؟ قلت : نعم ، قال : فإذا قدمت المدينة فقاطعهم فإن أبوا فإذا حضر جداد نخلكم (2) فآذني ، فقال : هل تزوجت ؟ قلت : نعم ، قال : بمن ؟ قلت : بفلانة بنت فلان بايم (3) كانت المدينة ، قال : فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك ؟ قلت : يا رسول الله ، كن عندي نسوة خرق ـ يعني أخواته ـ فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقاء ، فقلت : هذه أجمع لا مرى ، قال : أصبت ورشدت ، فقال : بكم اشتريت جملك ؟ قلت : بخمس أواق من ذهب ، قال : بعنيه ولك ظهره إلى المدينة ، فلما قدم المدينة أتيته بالجمل ، فقال : يا بلال ، أعطه خمس أواق من ذهب يستعين بها في دين عبد الله ، وزده ثلاثا ، ورد عليه جمله ، قال : هل قاطعت غرماء عبد الله ؟ قلت : لا يا رسول الله ، قال : أترك وفاء ؟ قلت : لا ، قال : [ لا عليك ] فإذا حضر جداد نخلكم فآذني ، فآذنته فجاء فدعا لنا فجددنا واستوفى كل غريم ما كان يطلب تمرا وفاء وبقي لنا ما كنا نجد وأكثر ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ارفعوا ولا تكيلوا ، فرفعناه وأكلنا منه زمانا.
    عن ابن عباس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا حدث الحديث أو سئل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه
1 ـ نضح الماء : حمله من البئر او النهر. هذا أصله ثم استعمل في كل بعير وإن لم يحمل الماء.
2 ـ أجد النخل : حان وقت جداده ، أعني قطعه.
3 ـ أيم وزان كيس : المرأة التي لا زوج لها وهي مع ذلك لا يرغب أحد في تزويجها.


(21)
    عن ابن عمر قال : قال رجل : يا رسول الله ، فقال لبيك.
    روى عن زيد بن ثابت قال : كنا إذا جلسنا إليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إن أخذنا في حديث في ذكر الاخرة أخذ معنا ، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا ، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا ، فكل هذا احدثكم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    عن أبي الحميساء قال : تابعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل أن يبعث فواعدته مكانا فنسيته يومي والغد فأتيته اليوم الثالث ، فقال ( عليه السلام ) : يا فتى لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.
    عن جرير بن عبد الله أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دخل بعض بيوته فامتلا البيت ، ودخل جرير فقعد خارج البيت ، فأبصره النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال : إجلس على هذا ، فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله.
    عن سلمان الفارسي قال : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي ، ثم قال : يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له.
في مزاحه وضحكه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يقول : إني لامزح ولا أقول إلا حقا.
    عن ابن عباس أن رجلا سأله : أكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يمزح ؟ فقال : كان النبي يمزح.
    عن الحسن بن علي ( عليه السلام ) قال : سألت خالي هندا عن صفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فقال : كان إذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه ، جل ضحكه التبسم ، يفتر عن مثل حبة الغمام.
    عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تبسم حتى بدت نواجذه.
    عن أبي الدرداء قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.
    عن يونس الشيباني قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت : قليلا ، قال : هلا تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق ، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك. ولقد كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يداعب الرجل يريد به أن يسره.


(22)
في بكائه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    عن أنس بن مالك قال : رأيت إبراهيم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يجود بنفسه ، فدمعت عينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.
    عن خالد بن سلمة المخزومي قال : لما أصيب زيد بن حارثة انطلق رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى منزله ، فلما رأته ابنته جهشت (1) فانتحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال له بعض أصحابه : ما هذا يارسول الله ؟ قال : هذا شوق الحبيب إلى الحبيب.
في مشيه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا مشى تكفأ تكفئا كأنما يتقلع من صبب ، لم أر قبله ولا بعده مثله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (2).
    عن جابر قال : كان رسول الله إذا خرج مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة.
    عن ابن عباس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان.
    عن أنس قال : كنا إذا أتينا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) جلسنا حلقة.
    روي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتى يحمله معه فإن أبي قال : تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد ، ودعاه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له ، ولاصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم ، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس ، فماشاهم ، فلما دنوا من بيت القوم قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للرجل السادس : إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك.
1 ـ جهش إليه : فزع إليه باكيا.
2 ـ تكفأ في مشيته أي مشى الهوينا والصبب الانحدار والمراد نفي التبختر في مشيه (ص).


(23)
في جمل من أحواله وأخلاقه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    من كتاب النبوة عن علي ( عليه السلام ) قال : ما صافح رسول الله أحدا قط فنزع ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف ، وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت ، وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط ، ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما ، وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى ، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا ، وما سئل شيئا قط فقال لا ، وما رد سائل حاجة قط إلا بها أو بميسور من القول ، وكان أخف الناس صلاة في تمام ، وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذرا (1) ، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل ، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده ، وكان إذا أكل أكل مما يليه ، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده (2) وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس ، وكان يمص الماء مصا ولا يعبه عبا (3) ، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه ، فكان لا يأخذ إلا بيمينه ، ولا يعطي إلا بيمينه ، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه ، وكان يحب التيمن في كل اموره : في لبسه وتنعله وترجله ، وكان إذا دعا دعا ثلاثا ، وإذا تكلم تكلم وترا وإذا استأذن استأذن ثلاثا ، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه ، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه ، وإذا رأيته قلت : أفلج الثنيتين وليس بأفلج (4) ، وكان نظره اللحظ بعينه ، وكان لا يكلم أحدا بشيء يكرهه ، وكان إذا مشى كأنما ينحط من صبب ، وكان يقول : إن خياركم أحسنكم أخلاقا ، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده ، وكان المحدث عنه يقول : لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا رئي في الليلة الظلماء
1 ـ هذر في منطقة : تكلم بما لا ينبغي.
2 ـ جالت يده : أي أخذت من كل جانب.
3 ـ مص الماء مصا : أي شربه شربا رقيقا مع جذب نفس بخلاف العب فانه شرب الماء بلا تنفس.
4 ـ الفلج : فرجة بين الثنايا والرباعيات.


(24)
رئي له نور كأنه شقة قمر.
    وعنه ( عليه السلام ) قال : نزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك : هذه بطحاء مكة إن شئت أن تكون لك ذهبا ، قال : فنظر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى السماء ثلاثا ، ثم قال : لا يا رب ، ولكن أشبع يوما فأحمدك ، وأجوع يوما فأسألك.
    وعنه ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يحلب عنز أهله.
    وعنه ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لست أدع ركوب الحمار مؤكفا (1) والاكل على الحصير مع العبيد ومناولة السائل بيدي.
    عن جابر بن عبد الله قال : كان في رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خصال : لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه وريح عرقه ، ولم يكن يمر بحجر ولا شجر إلا سجد له.
    عن ثابت بن أنس بن مالك قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان أزهر اللون ، كأن لونه اللؤلؤ ، وإذا مشى تكفأ ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته ، ولا مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله ، كان أخف الناس صلاة في تمام.
    عن جرير بن عبد الله قال : لما بعث النبي أتيته لابايعه ، فقال لي : يا جرير لاي شيء جئت ، قال : قلت لاسلم على يديك يا رسول الله ، فألقى لي كساءه ، ثم أقبل على أصحابه فقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
    عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واعد رجلا إلى الصخرة فقال : أنا لك هنا حتى تأتي ، قال : فاشتدت الشمس عليه ، فقال له أصحابه : يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل ، قال : وعدته ههنا وإن لم يجئ كان منه الجشر (2).
    عن عائشة قالت : قلت : ، رسول الله إنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلت
1 ـ مؤكفا من اكف الحمار : شد عليه الاكف أي البرذعة وهي جلته.
2 ـ الجشر : الترك. وبالتحريك المال الذي يرعى في مكانه ولا يرجع إلى أهله في الليل.


(25)
في أثرك فلم أر شيئا خرج منك غير أني أجد رائحة المسك ، قال : يا عائشة إنا معشر الانبياء بنيت أجسادنا على أرواح أهل الجنة ، فما خرج منا من شيء ابتلعته الارض.
    عن ابن عباس قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبيه ، فقال : يا نبي الله لو اتخذت فراشا ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما لي وللدنيا وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف (1) فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.
    عن ابن عباس قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله.
    عن أبي رافع قال : سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : إذا سميتم محمدا فلا تقبحوه ، ولا تجبهوه (2) ، ولا تضربوه ، بورك لبيت فيه محمد ، ومجلس فيه محمد ، ورفقة فيها محمد.
[ في جلوسه صلى الله عليه وآله وأمر أصحابه في آداب الجلوس ]
    وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة ، أو يسميه ، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمه لاهله ، فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا تزرموا بالصبي (3) فيدعه حتى يقضي بوله ، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ولا يرون أنه يتاذي ببول صبيهم فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده.
    ودخل عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجل المسجد وهو جالس وحده فتزحزح له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال الرجل : في المكان سعة يا رسول الله ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له.
    وروي ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوأ مقعده
1 ـ الصائف : الحار ، ويقال : صيف صائف كما يقال : ليل لائل.
2 ـ جبهه الرجل : رده عن حاجته. ضربه على جبهته.
3 ـ زرم البول : انقطع. ولا تزرموا : يعني لا تقطعوا بوله.


(26)
من النار. وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا تقوموا كما يقوم الاعاجم بعضهم لبعض ولا بأس بأن يتخلل عن مكانه.
    روي عن أبي عبد الله من كتاب المحاسن قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس حين يدخل ، وروي عنه ( عليه السلام ) قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أكثر ما يجلس تجاه القبلة.
    وروي عنه ( عليه السلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إذا أتى أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهى مجلسه.
    وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفا فليسلم فليست الاولى بأولى من الاخرى ، وروي عنه ( عليه السلام ) إنه قال : إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع فهو أولى بمكانه.
    وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : أعطوا المجالس حقها قيل : وما حقها ؟ قال : غضوا أبصاركم وردوا السلام وأرشدوا الاعمى وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ؟
    عن أبي أمامة قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا جلس جلس القرفصاء (1).
    من كتاب المحاسن كان النبي صلى الله عليه وآله يجلس القرفصاء وهو أن يقيم ساقيه ويستقلهما بيديه فيشد يده في ذراعيه وكان يجثوا على ركبتيه وكان يثني رجلا واحدا ويبسط عليها الاخرى ، ولم ير متربعا قط وكان يجثوا على ركبتيه ولا يتكي (2).

    من كتاب مواليد الصادقين كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأكل كل الاصناف من الطعام وكان يأكل ما أحل الله له مع أهله وخدمه إذا أكلوا ، ومع من يدعوه من
1 ـ القرفصاء ممدودا ، ومثلثة القاف والفاء : أن يجلس الرجل على إليته ، ويلصق فخذيه ببطنه ، ويحتبي بيديه ، ويضعهما على ساقيه ، أو يجلس على ركبتيه منكبا ، ويلصق بطنه بفخذيه ، ويتأبط كفيه.
2 ـ جثا فلان كرمى ودعا : جلس على ركبتيه ، أو قام على أطراف الاصابع.


(27)
المسلمين على الارض ، وعلى ما أكلوا عليه ، ومما أكلوا إلا أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه وكان أحب الطعام إليه ما كان على ضفف (1) ، ولقد قال ذات يوم وعنده أصحابه : اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك اللذين لا يملكهما غيرك ، فبينما هم كذلك إذ أهدي إلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) شاة مشوية فقال : خذوا هذا من فضل الله ونحن ننتظر رحتمه ، وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا وضعت المائدة بين يديه قال : بسم الله اللهم اجعلها نعمة مشكورة نصل بها نعمة الجنة. وكان كثيرا إذا جلس ليأكل يأكل ما بين يديه ويجمع ركبتيه وقدميه كما يجلس المصلي في اثنتين إلا أن الركبة فوق الركبة والقدم على القدم ويقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنا عبد آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد.
    عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ما أكل رسول الله متكئا منذ بعثه الله عزوجل نبيا حتى قبضه الله إليه متواضعا لله عزوجل ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا وضع يده في الطعام قال : بسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا وعليك خلفه.
    من مجموع أبي عن الصادق عن آبائه عليهم السلام : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا ، ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقي الاجر.
    وقال ( عليه السلام ) : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا أكل عند قوم قال : أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الابرار.
    وقال : دعوة الصائم تستجاب عند إفطاره.
    وقد جاءت الرواية : أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يفطر على التمر وكان إذا وجد السكر أفطر عليه.
    عن الصادق ( عليه السلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يفطر على الحلو فإذا لم يجده يفطر على الماء الفاتر وكان يقول إنه يبقي الكبد والمعدة ويطيب النكهة والفم ويقوي الاضراس والحدق ويحد الناظر ويغسل الذنوب غسلا ويسكن العروق الهائجة والمرة
1 ـ الضفف : التناول مع الناس ، أو كثرة الايدي ، ومعناه : إنه لم يأكل خبزا ولا لحما وحده.

(28)
الغالبة ويقطع البلغم ويطفي الحرارة عن المعدة ويذهب بالصداع (1).
    وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يأكل الحار حتى يبرد ويقول : إن الله لا يطعمنا نارا ، إن الطعام الحار غير ذي بركة فأبردوه.
    وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا أكل سمى ويأكل بثلاث أصابع ومما يليه ولا يتناول من بين يدي غيره ويؤتى بالطعام فيشرع قبل القوم ثم يشرعون ، وكان يأكل بأصابعه الثلاث الابهام والتي تليها والوسطى وربما استعان بالرابعة ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأكل بكفها كلها ولم يأكل باصبعين ويقول : إن الاكل باصبعين هو أكلة الشيطان.
    ولقد جاءه بعض أصحابه يوما بفالوذج فأكل منه وقال : مم هذا يا أبا عبد الله ؟
    فقال : بأبي أنت وأمي نجعل السمن والعسل في البرمة (2) ونضعها على النار ثم نقليه ثم نأخذ مخ الحنطة إذا طحنت فنلقيه على السمن والعسل ثم نسوطه حتى ينضج (3) فيأتي كما ترى ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن هذا الطعام طيب.
    ولقد كان يأكل الشعير غير منخول خبزا أو عصيدة في حالة كل ذلك كان يأكله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    ومن كتاب روضة الواعظين قال العيص بن القاسم قلت للصادق ( عليه السلام ). حديث يروى عن أبيك أنه قال : ما شبع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من خبز بر قط أهو صحيح ؟
    فقال : لا ما أكل رسول الله خبز بر قط ولا شبع من خبز شعير قط.
    وقالت عائشة : ما شبع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من خبز الشعير يومين حتى مات.
    وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يأكل على خوان قط حتى مات ولا أكل خبزا مرققا (4) حتى مات.
1 ـ فتر الماء : سكن حره. النكهة : ريح الفم. الاضراس جمع ضرس : الاسنان والسن. النقاء : النظافة. وأحداق وحداق جمع حدقة محركة : سواد العين. المرة : خلط من أخلاط البدن غير الدم والجمع مرار.
2 ـ البرمة كغرفة قدر من الحجر.
3 ـ السوط : الخلط. ونضج اللحم : استوى وطاب أكله.
4 ـ يقال : خبز رقاق بالضم : أي رقيق خلاف الغليظ.


(29)
    وقالت عائشة : ما زالت الدنيا علينا عسرة كدرة حتى قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلما قبض صبت الدنيا علينا صبا.
    ومن كتاب النبوة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ما زال طعام رسول الله الشعير حتى قبضه الله إليه.
    عن أنس قال : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجيب دعوة المملوك ويردفه خلفه ويضع طعامه على الارض ، وكان يأكل القثاء بالرطب والقثاء بالملح ، وكان يأكل الفاكهة الرطبة ، وكان أحبها إليه البطيخ والعنب ، وكان يأكل البطيخ بالخبز وربما أكل بالسكر وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ربما أكل البطيخ بالرطب ، ويستعين باليدين جميعا.
    ولقد جلس يوما يأكل رطبا فأكل بيمينه وأمسك النوى بيساره ولم يلقه في الارض فمرت به شاة قريبة منه فأشار إليها بالنوى الذي في كفه فدنت إليه وجعلت تأكل من كفه اليسرى ويأكل هو بيمينه ويلقي إليها النوى حتى فرغ وانصرفت الشاة حينئذ.
    وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا كان صائما يفطر على الرطب في زمانه وكان ربما أكل العنب حبة حبة ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ربما أكله خرطا حتى يرى رواله على لحيته كتحدر اللؤلؤ (1).
    والروال الماء الذي يخرج من تحت القشر.
    وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأكل الحيس (2) ، وكان يأكل التمر ويشرب عليه الماء ، وكان التمر والماء أكثر طعامه.
    وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتمجع باللبن والتمر (3) ويسميهما الاطيبين ، وكان يأكل العصيدة من الشعير باهالة الشحم (4) ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأكل الهريسة أكثر ما يأكل ويتسحر بها ، وكان جبرئيل قد جاءه بها من الجنة فتسحر بها ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأكل في بيته مما يأكل الناس ،
1 ـ خرط العنقود : وضعه في فمه وأخرج عمشوشه عاريا.
2 ـ الحيس : طعام مركب من تمر وسمن وأقط ، وربما جعل معه سويق.
3 ـ التمجع : أكل تمر اليابس باللبن معا أو أكل التمر وشرب عليه اللبن.
4 ـ العصيدة : طعام من الشعير باهالة الشحم والاهالة : شحم المذاب أو دهن يؤتدم به.


(30)
وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأكل اللحم طبيخا بالخبز ويأكله مشويا بالخبز ، وكان يأكل القديد وحده وربما أكله بالخبز ، وكان أحب الطعام إليه اللحم ويقول : هو يزيد في السمع والبصر.
    وكان يقول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اللحم سيد الطعام في الدنيا والاخرة ولو سألت ربي أن يطعمنيه كل يوم لفعل ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأكل الثريد باللحم والقرع (1) ويقول : إنها شجرة أخي يونس.
    وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعجبه الدباء ويلتقطه من الصفحة (2) ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأكل الدجاج ولحم الوحش ولحم الطير الذي يصاد وكان لا يبتاعه ولا يصيده ويحب أن يصاد له ويؤتى به مصنوعا فيأكله أو غير مصنوع فيصنع له فيأكله.
    وكان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه ويرفعه إلى فيه ثم ينتهشه انتهاشا (3) وكان يأكل الخبز والسمن وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ومن الصباغ الخل (4) ومن البقول الهندباء والباذروج (5) وبقلة الانصار ويقال إنها الكرنب (6) وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يأكل الثوم ولا البصل ولا الكراث ولا العسل الذي فيه المغافير وهو ما يبقى من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقى ريح في الفم.
    وما ذم رسول الله طعاما قط ، كان إذا أعجبه أكله وإذا كرهه تركه ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا عاف شيئا فإنه لا يحرمه على غيره ولا يبغضه إليه ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يلحس الصحفة ويقول : آخر الصحفة أعظم الطعام بركة ، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها فإن بقي فيها شيء عاوده فلعقها حتى تتنظف ، ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه واحدة واحدة ويقول : إنه لا يدري في أي الاصابع البركة.
1 ـ القرع : نوع من اليقطين ويقال أيضا : الدباء ، والقديد. اللحم المقدد.
2 ـ الصحفة : قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة ، أو مناقع صغيرة للماء.
3 ـ ينتهشه انتهاشا : الاخذ بمقدم الاسنان للاكل. وقيل : النهس بالمهملة.
4 ـ الصبغ بالكسر : ما يصطبغ به من الادام والزيت لان الخبز يغمس فيه.
5 ـ باذروج : نبات يؤكل ، وهو نوع من الريحان الجبلي.
6 ـ بنات بستاني أحلى وأغض من القنبيط.
مكارم الأخلاق ::: فهرس