النظام الصحي ::: 1 ـ 10

    بحُوث فى عِلم الاجتماع الإسلامى
    ونَقدِ النَّظَريَّة الاجتماعيّة الغَربيّة
النظام الصحي
والسياسة الطبية في الاسلام
الدكتور زهير الأعرجي


(5)
بسم الله الرحمان الرحيم
( ولن ترضي عنك اليهود ولا نصاري حتي تتبع ملتهم قل ان هدا الله هو الهدي ولئن اتّبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) البقره : 120


(6)

(7)
    المقدمة
     ان تطور صحة الافراد في عالمنا المعاصر خلال العقود القليلة الماضية لم يكن نتيجة الاكتشافات الطبية الحديثة ، بل كان نتيجة التغير الذي حصل في البيئة الانسانية بفضل جهود الانسان. فتزويد المدن الحديثة بالماء الصافي الخالي من الجراثيم ، وتصميم نظام ازالة الفضلات والمجاري العامة ، وجمع القمامة وطرحها خارج المدن بشكل منتظم ، والسيطره علي الحشرات الناقلة لمختلف الامراض ، واتباع سياسة صحيحة في المطاعم والتجمعات العامة ، كلها ادت الي تطوير صحة الافراد وتقليل عدد الوفيات. وهذا الشكل الصحي يعكس جانبا من جوانب النظام الوقائي ، يضاف الي ذالك ان تحسن نوعية المواد الغذائية التي يتنا ولها الافراد ساهم هو الاخر في تطويرصحتهم وتقويه مناعتهم ضد الامراض. وهذا الجانب الثاني يعكس جوهر النظام الغذائي لا يمحو مشكلة المرض او يلغي قضية الموت ، بل ان قضية الموت ، بل ان قضية المرض والموت تبقي علي الارض. ولا شك ان الطبيعه ، والوضع الاجتماعي ، وعمل الفرد كلها تساهم هي الاخري في تصميم طبيعة المرض الذي


(8)
يتعرض له الانسان.
     فالشمس والمطر والهواء النقي مثلا لها تأثير علي صحة الافراد. فالتعرض المستمر للشمس يصيب الجلدة البيضاء بمرض سرطان الجلد. ولذالك فان الاوروبيين البيض الذين هاجروا من بريطانيا وهولندا الي استراليا وجنوب افريقيا تعرضوا لذلك المرض الذي لم يألفوه في بلادهم. والتعرض للبرودة الشديدة يعرض الفرد لمرض ( هايبو ثر ميا ) الذي يؤدي الي الموت عند الشيوخ. والتعرض للبرد والرطوبة معا يسبب امراضا صدرية مختلفة. والمطر الشديد لمتواصل خلال فصول السنة قد يؤدي الي الجلطة الدموية التاجية. والهواء الجاف النقي يفضي بالفرد الي الشفاءمن مرض السل ، وهكذا كان يفعل سكان اوروبا في القرن التاسع عشر الميلادي حينما كانوا يتسلقون جبال سويسرا حيث الهواء الجبلي الجاف النقي للتشافي من مرض السل و امراض الربو التي تصيب الاطفال. الا ان الافراد الذين يعيشون علي سطح اليابسة وبموستوي سطح البحر ، لان ذلك يسب اثقال الرئتين بالماء.
     ولا شك ان الامراض التي تصيب الفرد تختلف بحسب طبيعة الاجواء التي يعيش فيها. فا لملاريا تنشر في الاجواء التي يكثر فيها بعوض الانو فيلس. والبلهارزيا تنتشر في الاماكن المائية التي يتواجد فيها نوع معين من الحلزونيات. ومرض النوم ينتقل فقط عن طريق اتصال ذباب مرض النوم ( الشذّاة ) الافريقي بجسد الانسان. والدزنتري ، والتيفوئيد ، والكوليرا تنتشر عن طريق عدودي بكتريا تصيب الجهاز الهضمي في


(9)
المناطق الحارة الرطبة.
     و بطبيعة الحال ، فان للامراض ابعاداً اجتماعية ايضا. فالطبقة الاجتماعية احيانا تشخَص مرض الفرد. فافراد الطبقةالعليا في النظام الطبقي غالبا ما يتمعون بصحة جيدة ، مع حمل و ولادة طبيعية فيما يتعلق بنسائهم. والمسكن الذي تسكن فيه العائلة يشخّص بعض الامراض ، فالبيوت القديمة الرطبة تكون مرتعا لمرض السل والامرض الصدرية الاخري ، والبيوت القريبة من مناطق التلوث الصناعي تكون سببا لمرض التهاب القصبات. وطبيعة عمل الفرد تشخّص بعض الامراض ايضا. فعمال المناجم يعانون من الامراض الرئوية النشائة من فرط استنشاق الدقائق المعدنية ، وعمال الصناعات الكيميا ئية قد يتعرضون لسرطان الكبد المثانة.
     الا ان اخطر الامراض التي يعاني منها انسان اليوم هي الامراض التي جبلتها الحضارة الغربية الحديثة بما فيها من صناعات وتطور تقني. ويقع علي صدر قائمة هذه الامراض مرض تصلب الشرايين الذي يسبب الجلطة الدموية التاجية ، وامراض السكتة القلبيةاو الدماغية ، وامراض السرطان. وقد دلّت كل البحوث الطبية علي ان نوع الغذاء والعادات الانسانية المضرة كالتدخين والكحول ، وعدم ممارسة التمارين الرياضية ، والكابة النفسية ، والمنافسة علي اصعدة الحياة الاقتصاية والاجتماعية ، كلها لها دور مهم في انشاء هذه الامراض. ولعلل اهم تغيير صحي مضر حصل مع تطور الحضارة الغربية خلال المائة سنة الماضية هو تصنيع المواد الغذائية ، ومحاولة الانسان الغربي ـ بجهل غير متعمد ـ حذف الالياف النباتية من المواد الغذائية. فاصبحت الحنطة والشعير التي هي من اغني المصادر الغذائية


(10)
بالسعرات الحرارية التي ينبغي ان نتنا و لها كما نتنا ولها اجدادنا من قبل بشكل طبيعي بعيد عن تدخل الانسان ، تصفّي وتنظّف تدريجيا من الالياف النباتية ، بحيث اصبح غذاؤنا الرئيسي خبزاً ابيض لايبني اجسامنا بالشكل الطبيعي الذي بناه الخبز الاسمر الحاوي علي كل الالياف النباتية. وجلّب السكر المطحون الذي اصبح جزءا رئيسيا من حياتنا الغذائية ظاهرة تسوس السنان ، بحيث قيل ان اجدادنا لم يكونوا يعرفوا شيئا اسمه تنخر الانسان ، بل كانت اسنانهم تواصل عملها بسلامة ولحد الموت بسبب تناولهم طعاما طبيعيا لا يحوي سكراً مطحوناً اولاً ، وبسبب استعمالهم المسواك ثانياً. ولاشك ان هذا الطعام المصنّع الذي عرضته الحضارة الغربية الحاوي علي كمية كبيرة من السكريات ، كمية قليلة من الالياف ، وكمية اكبر من الدهنيات الحيوانية هو احد اسباب امراض القلب تصلب الشرايين الحديثة العهد بالانسان.
     ان هذا العرض المختصر حول الامراض التي يواجهها النسان المعاصر تجعانا ارسخ ايمانا بان النظرية الصحية التي جاء بها الاسلام فيما يتعلق بالنظامين الوقائي والغذائي هي اسلم الطرق لحفظ صحة الافراد في النظام الاجتماعي ، لذالك فاننا لانملك خياراً اخر غير الخيار الاسلامي اذا حاولنا صياغة سياسه طبية للدولة الاسلامية.
     وقد بحثنا في هذا الكتاب مقدمات السياسة الطبية الاسلامية. فقد تطرقنا في القسم الاول من الكتاب الي عرض ونقد آراء النظرية الراسمالية فيما يتعلق با لصحة والمرض السياسة الطبية بمدارسها الفكرية الموسومة با لمدرسة التوفيقية ، ومدرسة الصرع الاجتماعي ، والمدرسة الامريكية التي
النظام الصحي ::: فهرس