النظام الصحي ::: 111 ـ 120
(111)
البياض. ولكن من المؤكد انها تعطي الفم رائحة عطرة وطعماً محبباً للنفس. على الجانب الاخر ، فان اخشاب السواك مادة طبيعية تتعامل معها خلايا الجسم الانساني تعاملاً رقيقاً كما تتعامل مع الاغذية الطبيعية في الهضم والامتصاص. اما من الناحية العملية فهي اقدر على تبييض الاسنان وتطهير الفم تطهيراً طبيعياً ، فتجنب الفرد المشاكل الصحية التي يبتلى بها لاحقاً في حياته العملية.
     ولو كانت الفرشاة الحديثة قادرة على قتل الجراثيم كلياً في الفم ، لما خصص العلم الحديث جهوداً جبارة لتطوير علم طب الاسنان الذي يتعامل بالدرجة الاولى مع الاسنان من خلال التنظيف واملاء الفجوات والتجاويف التي يتركها تناول الطعام والبقايا التي تعلق بالاسنان ، ويقوم ايضاً بقلع الاسنان المنخورة وعمل الجسور الصناعية.
     ولم يتوقف الاسلام في الحث على تنظيف الاسنان على السواك ، بل حبب التخلل ايضاً. فقد وردت احاديث عديدة في التخلل يزيل الفرد بقايا الطعام العالقة بين الاسنان. فقد جاء في الحديث عنه (ص) : ( تخللوا على اثر الطعام فانه مصحة للفم والنواجذ ) (1) ، والنواجذ هي آخر الاضراس. ولعل ثمرة هذا الحديث تظهر عمليا باجتناب الفرد امراض اللثة وتنخر الاسنان. ولا شك ان انتباه العلم الحديث للتخلل جاء متأخراً ، حيث نشط الحث الطبي على استعمال الخيوط المشمعة لتنظيف الاسنان في النصف الاخير من القرن العشرين.
1 ـ مكارم الاخلاقي : ص 175

(112)
والخلاصة ان استعمال السواك والتخلل من الناحية الوقائية يوفر على النظام الصحي جهوداً جبارة في اجتناب امراض الفم عند الافراد. فلو تم تدريب الاطفال على استعمال المسواك والتخليل منذ الصغر لجنب ذلك ، العلم الطبي ، العديد من الامراض المذكورة التي لايعالجها استعمال الفرشاة البلاستيكية والمعاجين الكيميائية. ولكن النظام الصحي المعمول به اليوم ، خصوصاً فيما يتعلق بصحة الاسنان ، يدر على المؤسسة الصناعية الكثير من الثروات لان تجارة طب الاسنان مع مافيها من اطباء وادوية و معاجين كيميائية تعد من انجح الصناعات في النظام الصناعي الحديث.
     وخير خاتمة نختم بها الحديث حول المسواك ، ما روي عن الامام الصادق (ع) قوله : ( ان المسواك نبات لطيف نظيف وغصن شجر عذب مبارك ، والاسنان خلق الله تعالى في الفم ، آلة للاكل واداة للمضغ وسبباً لاشتهاء الطعام واصلاح المعدة ، وهي جوهرة صافية تتلوث بصحبة تمضيغ الطعام وتتغير بها رائحة الفم ويتولد منها الفساد في الدماغ ، فاذا استاك المؤمن الفطن بالنبات اللطيف ومسحها على الجوهرة الصافية ازال عنها الفساد والتغير وعادت الى اصلها ) (1) ولابد من التأكيد مرة اخرى على ان الدولة الاسلامية مكلًّفة بان تقدم للعالم نموذجا رائعا من نماذج الطب الوقائي الاسلامي الخاص بالاسنان وتحاول تطويره بشتى الوسائل الحديثة.
1 ـ مصباح الشريعة ـ الباب الثامن والخمسين ص 123.

(113)
    4 ـ النوم وآدابه
     ذكرنا آنفاًًً ان الارق والقلق النفسي يعتبران في انظام الصحي الرأسمالي ، مشكلة طبية تستدعي علاجاً يقوم على اساس الدواء الكيميائي. ولما كانت الحياة المبنية على التنافس الاقتصادي مصحوبة دائماً بالصراع النفسي والصخب والكدح المستند على حيازة اكبر قدر ممكن من المادة ، فان الارق يصبح داء الفرد الرأسمالي لان الاثارة التي تجلبها الحياة الصناعية لبعض الافراد تسلب عن اعينهم النوم. واذا ادخلنا عملية تطبيب النظام الاجتماعي التي يسعى نظامه الصي فرضها على المجتمع ، اصبح واضحاً لدينا ان الارق في الحضارة الحديثة يعتبر اليوم مرضاً توليه المؤسسة الراسمالية اهتماماً واسعاً ، وتزعم ان علاجه لايتم الاّ عن الطريق الكيميائي. اما في الاسلام ، فان النوم وآدابه جاء ضمن اطار الحديث عن القضايا التعبدية. فقد حببت الشريعة للمكلفين السكن والخلود من ضجيج النهار واتعابه ، كما جاء في النص المجيد : ( وَجَعَلنا نَومَكُم سُباتاً ، وَجَعَلنا اللَّيل لِباساً ) (1) ، وخصصت جزءاً من الليل للعبادة وجزءاً آخر للنوم كي يسترد الجسم عافية ، واعتبرت النوم عبادة يجازى عليها المكلف ايضا ، ولكن بشرطين ، الاول : ان يكون الفرد على طهارة قبل الخلود للنوم. والثاني : ان يذكر الله تعالى في كلّ موضع يتقلب فيه في مخدعه.
     وقد ذكر الفقهاء آداباً للنوم ننتخب منها ما يناسب هذا الكتاب. اولاً : الطهارة والسواك ، فقد ورد عن ابي عبدالله (ع) : ( من تطهر ثم
1 ـ النبأ : 9 ـ 10.

(114)
اوى الى فراشه بات و فراشه كمسجده فان ذكر انه على غير وضوء فليتيمّم من دثاره وكائنا ما كان لم يزال في صلاة ما ذكر الله ) (1). وقد « كان رسول الله (ص) اذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك. قال الخطابي : الشوص دلك الاسنان عرضاً بالسواك. وفي حديث آخر عن احدي زوجاته : كنا نعد لرسول الله (ص) سواكه وطهوره فيبعثه الله ما يشاء ان يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ثم يصلي » (2).
     ثانياً : ان لاينام ما لم يغلبه النوم ، وفي الخبر : « لا تكابدوا الليل » اي لاتغالبوا انفسكم على النوم.
     ثالثاً : التعود على عدم الاطالة في النوم ، كما ورد في خطبة أمير المؤمنين (ع) في وصف المتقين انهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون.
     رابعاً : الدعاء عند النوم ، كما يستفاد من صحيحة محمد بن مسلم قال : قال لي ابو جعفر (ع) : ( اذا توسد الرجل بيمينه فليقل : بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم اني اسلمت نفسي اليك ، ووجهت وجهي اليك ، وفوضت امري اليك ، وألجأت ظهري اليك ، وتوكلت عليك رهبة منك ورغبة اليك ، لاملجأ ولا منجا منك الاّاليك ، آمنت بكتابك الذي انزلت وبرسولك الذي ارسلت ) (3). وما يستفادمن الرواية ما كان يقوله رسول الله (ص) عند النوم : ( لا اله الاّ الله الواحد القهار رب السموات والارض وما بينهما العزيز الغفار ).
1 ـ من لا يحضرالفقيه : ج 1 ص 123.
2 ـ السنن الكبرى للبيهقي : ج 1 ص 38.
3 ـ من لا يحضره الفقيه : ج 1 ص 123.


(115)
خامساً : ان لا يبيت الاّ ووصيته مكتوبة عنده ، كما هو المنقول عن الامام الصادق (ع) : ( الوصية حق على كل مسلم ) (1).
     سادساً : ان ينام تائباً من كل ذنب.
     ولا ريب ان هذا العلاج النفسي الذي تفتر اليه النظرية الغربية يشجع الفرد على الخلود للنوم مستغنياً عن كل الادوية الكيميائية. وعند الصباح ، يقوم هذا الفرد منطقاً الى عمله الدنيوي وهو اشد نشاطاً واقوى تصمياً على تفجير طاقاته الجسدية والفكرية لخدمة الامة والدين والنظام الاجتماعي.
     ملحق : دعاء الامام علي بن الحسين (ع) وقت صلاه الليل
     وتأدية صلاة الليل بخشوع واطمئنان اضافة الى شكلها التعبدي ، تساعد على اطمئنان الفرد ، نفسياً ، وتساهم في خلوده للنوم. واليك جزءاً من دعائه (ع) في جوف الليل اذا هدأت العيون :
     « الهي غارت نجوم سمائك ، ونامت عيون انامك ، وهدأت اصوات عبادك وانعامك ، وغلقت ملوك بني امية عليها ابوابها ، وطاف عليها حراسها ، واحتجبوا عمن يسألهم حاجة ، او ينتجع منهم فائدة ، وانت الهي حي قيوم ، لاتأخذك سنة ولا نوم ، ولا يشغلك شي ء عن شيء ، ابواب سمائك لمن دعاك مفتّحات ، وخزائنك غير محظورات بل هي مبذولات. وانت
1 ـ الكافي : ج 7 ص 3.

(116)
الهي الكريم الذي لا ترد سائلاً من المؤمنين سألك ، ولا تحتجب عن احد منهم ارادك ، لا وعزتك وجلالك ، لا تختزل حوائجهم دونك ، ولا يقضيها احد غيرك ، اللهم وقد ترى وقوفي وذل مقامي بين يديك وتعلم سريرتي وتطلع على ما في قلبي ، وما يصلح به أمر آخرتي ودنياي .... ».
     وكان (ع) يسجد بعد هذا الدعاء ويلصق خده بالتراب وهو يقول : « اسألك الروحة والروحة عند الموت والعفو عني حين القاك » (1).

    5 ـ الطاهرة المائية
     ولا ريب ان الطهارة المائية التي امرت الشريعة بتأديتها على الصعيد الفردي تعتبر اضافة الى صورتها التعبدية ، وسيلة من وسائل الوقاية الصحية ، فقد ورد عن رسول الله ( ًص ) : ( بني الدين على النظافة ) ، وان ( الطهور شطر الايمان ) (2). فطهارة الخبث وما يتعلق بها من ازالة البول والغائط والدم والمني بالماء المطلق ، مهمة من الناحية الوقائية. وتفصيلها ان النجاسة اذا كانت حكيمة ، وهي التي ليس لها جرم محسوس ، يكفي اجراء الماء على جميع مواردها. وان كانت عينية فلابد من ازالة العين.
     وفي طهارة الحدث ، ثلاثة اعمال واجبة هي الوضوء والغسل التيمم. فموجبات الوضوء البول ، والغائط ، والريح ، والنوم ، والاستحاضة القليلة. وموجبات الغسل انزل المني ، وايلاج الحشفة ، والحيض ، والنفاس ،
1 ـ مصباح المتهجد للشيخ الطوسي : ص 114
السنن الكبرى للبيهقي : ج 1 ص 42.


(117)
والاستحاضة المتوسطة والكثيرة ، ومس الميت بعد البرد وقبل الغسل. وموجبات التيمم فقدان الماء بعد طلبه لمانع ، او كونه مريضاً ، او في ضيق من الوقت لاداء واجب.
     وفي الشريعة تفاصيل آداب قضاء الحاجة ، وكيفية الاستنجاء وآدابه ، وكيفية الوضوء وآدابه وسننه ، وكيفية الغسل والتيمم ، كيفية دخول الحمام وآدابه. ولاشك ان تأكيد الاسلام على الطهارة المائية كقوله تعالى : « هُوَ الَّذي اَرسَلَ الرِّياحَ بُشراًَََ بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وَاَنزَلنا مِنَ السََّماءِِ ماءً طَهُوراً » (1) ، لها صورتان الاولى : الصورة التعبدية. والثانية صورة من صور الطب الوقائي الذي اكدت عليه الشرعية بشتى الطرق وبمختلف الاساليب.

    6 ـ الطهارة العامة
     واجمع الفقهاء على ان الشمس تطهر الارض وما عليها. والارض تطهر باطن النعل بدليل ما ورد عن الامام الصادق (ع) : ( الارض يطهر بعضها بعضاً ) (2) ، وذلك لاستحالة النجاسة بالوطء مرات عديدة. وعملية ( الاستحالة ) تطهر الاعيان النجسة ومثالها استحالة الميتة الى تراب. وعملية ( الانقلاب ) تطهر الاعيان النجسة ايضاً ومثالها انقلاب الخمر الى خل.
1 ـ الاعراف : 57.
2 ـ الكافي : ج 3 ص 38.


(118)
ولم يقتصر تأكيد الاسلام على التطهير من الخبث بل تعدى الى النظافة عن الفضلات الطاهرة مثل الاوساخ والرطوبة المترشحة من جسم الانسان كتنظيف شعر الرأس ودهنه ، وتنظيف الاذنين ، وما يجتمع في داخل الانف ، وما يتجمع على الاسنان ، وتنظيف اللحية والاستحداد بالنسبة للرجل ، والختان بقطع غلفة الحشفة للمولود الذكر. والتمشيط والاختضاب ، وتقليم الاظفار بالنسبة للرجل والمرأة.

    7 ـ الصيام واحكامه
     والصيام شرعاً هو الامساك عن الاكل والشرب والوطء في زمن مخصوص ، يبتدىء بطلوع الفجر وينتهي بالغروب ، مشروطاً بنية التقرب الى الله وطاعة وامتثال امره. وليس هناك ادنى شك من ان الصورة التعبدية للصيام الاسلامي مرتبطة بالصورة الصحية والعلاجية ، لان الصيام الطبي المشابه للصيام الاسلامي ، يعالج معالجة وقائية العديد من الامراض المختصة بالجهاز الهضمي وجهاز العصبي. وما احكام الصيام الشرعية التي سنتناولها بشيء من التفصيل ، الاّ اطار قانوني لنظام محكم نحاول بكل جهد فهم ابعاده الطبية.
     وينقسم الصوم الى اربعة اقسام : واجب ، كصوم شهر رمضان وقضائه ، ومحرم كصوم العيدين وايام التشريق لمن كان في منى وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث من ذي الحجة ، ومندوب كصوم الايام البيض من كل شهر وهي من الثالث عشر وحتى الخامس عشر ، ومكروه


(119)
كصوم ثلاثة ايام بعد العيد.
     والنية ، وهي الاستعداد النفسي للقيام بالعمل ، شرط في صحة الصوم ووقتها من اول الفجر او قبله ، وحتى نهية الصيام وقت المغرب الشرعي ، لاشتهار قول النبي (ص) : ( لاصيام لمن لم يبيّت الصيام من الليل ). واستثى الفقهاء ـ لروايات اخرى ـ صحة الصوم ـ مع تأخر النية فيها عن الفجر ـ في بعض الموارد الخرى ، الخارجة عن نطاق هذا الكتاب.
     وحددت الشريعة وقت الصوم من الفجر حتى الليل لقوله تعالى : ( وَكُلُوا وَشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّن لَكم الخَيطُ الاَبيضُ مِنَ الخَيطِ الاَسوَدِ مِنَ الفَجرِ ثُمَّ اَتِمُّوا الصِّيامَ اِلى اللَّيل ) (1).
     ووضعت شروطاً لصحة الصوم من المكلف وهي العقل ، والخلود من الحيض والنفاس ، وعدم المرض وعدم السفر. واستثنت المسافر اذا كان سفره لمعصية ، او كانت مهنته السفر ، او نوى الاقامة عشرة ايام ، او بعد ان تردد ثلاثين يوماً في مكان واحد او غير ذلك. فعلية الصوم في كل هذه الاحوال.
     ويجب على الصائم الامساك عن المفطرات وهي : الاكل ، والاشرب ، والوطء ، والاستمناء ، وغمس الرأس في الماء ، وايصال الغبار الغليظ الى الحلق ، والاحتقان بالمائع ، وتعمد القيء ، والبقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر. واذا تناول الصائم شيئأً من المفطرات في شهر رمضان ، ينظر فاذا كان سهواً او اكراهاً فلا شيء عليه ، لان وجوب الامساك عن المفطرات انما هو
1 ـ البقرة : 187.

(120)
الامساك عن ارادة واختيار ، والمكره مسلوب الارادة والاختيار. اما الناسي فلا شيء عليه لانه غير مسؤول. واذا تناول المفطر عمداً وبدون اكراه فعلية الكفارة المخيرة بين عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو اطعام ستين مسكيناً ، وقضاء ذلك اليوم. واذا افطر على الحرام في النهار فعليه كفارة الجمع.
     وتجب الكفارة دون القضاء في موارد :
     1 ـ اذا كان الصوم مشقة للشيخ والشيخة الطاعنين في السن ، فلهما الافطار وعليهما الكفارة فقط ، وهو اطعام مسكين لكل يوم.
     2 ـ اذا مرض المكلف في شهر رمضان ، واستمر به المرض الى شهر رمضان القادم فلا قضاء عليه ، ولكن يكفر بمد عن كل يوم. ومن به داء العطاش وهو احد اعراض مرض السكري ، فانه يفطر ويكفّر بمُد.
     ويجب القضاء دون الكفارة بامور :
     1 ـ اذا نسي غسل الجنابة بعض ايام شهر رمضان ، ثم تذكر فعليه قضاء الصلاة والصوم. واذا اجنب في ليلة من رمضان ، ونام على نية الغسل ، ثم انتبه قبل الفجر ، ونام للمرة الثانية ، فعلية القضاء دون الكفارة.
     اذا بطل صومه بنية الافطار ، حتى ولم يتناول شيئاً من المفطرات.
     3 ـ اذا تناول المفطر ليلة الصيام دون البحث والنظر بطلوع الفجر ، ثم تبين الطلوع فلابد « من القضاء دون الكفارة ، ويدل عليه ان سائلاً سأل الامام الصادق (ع) عن رجل اكل وشرب بعدما طلع الفجر في شهر رمضان ؟ قال : ( ان كان قد قام فنظر فلم ير الفجر ، فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ، ولا اعادة عليه ، وان قام فاكل وشرب ، ثم نظر الى الفجر
النظام الصحي ::: فهرس