النظام الصحي ::: 141 ـ 150
(141)
الصادق (ع) : ( كل منحور مذبوح حرام ، وكل مذبوح منحور حرام ) (1).
     وصورة النحر ان يدخل الناحر سكيناً في اللبة ( وهي المكان المنخفض الكائن بين اصل العنق والصدر ). ويجوز نحر البعير قائماً ، وباركاً ، ومضطجعاً على جنبه بشرط ان يكون متجها بنحره وجميع مقاديم بدنه ، الى القبلة.
     ويجب توفر جميع الشروط المذكورة في الذبح بالنسبة للناحر وآلة النحر وطريقة النحر.

    د ـ الاخراج من الماء :
     وهو تذكية السمك شرعاً شرط ان يخرج من الماء حياً ، ويموت في خارجه. وقد احل الله صيد البحر بقوله تعالى : ( وَهوَ الذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلُوا مِنهُ لَحماً طَرِيّاً ) (2) ، وقوله : ( وَما يَستَوي البَحرانِ هذا عَذبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابهُ وَ هذا مِلحٌ اُجاجٌ وَمِن كُلٍّ تُأكُلُونَ لَحماً طَرِيّاً ) (3). ولا يشترط في صيد السمك التسمية ، ولا ان يكون الصائد مسلماً. و « المعتبر اصابتها باليد او الالة واخراجها بأخذها من الماء حية وموتها خارج الماء. ومن حيث ان المعتبر عند بعضهم خروج من الماء حياً وموته خارج الماء والمحرم انما هو موته في الماء واختاره نجم الدين بن سعيد في نكت النهاية لما رواه سلمة ابو حفص عن ابي عبدالله (ع) ان علياً (ع) كان يقول في السمك والصيد اذا ادركها وهي تضطرب وتضرب بذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها ، فعلى هذا القول يكفي النظر اليها تضطرب ويكون النظر كاشفاً لا
1 ـ من لا يحضره الفقيه : ج 3 ص 210.
2 ـ النحل : 14.
3 ـ فاطر : 12.


(142)
سبباً » (1). فالمدار اذن ، ان تذكيته هو « اثبات اليد عليه على ان لا يموت في الماء فهو كحيازة المباح الذي هو بمعنى الصيد الموافق له » (2).
     ولا يستطيع الفرد ، مهما اوتي من قوة على التحليل ، ادراك حجم المنافع الصحية للتذكية الشرعية والمزعم بانه وصل الكمال في فهم ابعادها ، لان الاصل في التكليف هو التعبد بالنصوص اولاّ ، ولان مهمة الفقهاء في الاصل استنباط الاحكام الشرعية دون تحليلها ، ثانياً. ولكن العقل يحكم بان دقة هذه الاحكام في الصيد والذباحة والنحر والاخراج من الماء لها نتائج على المستوى الصحي العام لكل الافراد. ومن نافلة القول ان نذكر ، ان اخطر ما يواجه النظام الطبي اليوم من مشاكل صحية هي مشكلة اللحوم وما يتبعها من تذكية وحفظ وطهي. فهي مصدر الكثير من الامراض المنتشرة في العالم المتحضر كامراض القلب والدورة الدموية والجهاز الهضمي والبولي. ولا شك ان استبدال الا جهزة الحديثة في التبريد لحفظ اللحوم عن الطريقة القديمة السابقة التي كانت تستعمل التوابل ، لم يساعد على تقليل عدد الامراض التي تنتشر عادة عن طريق تناول اللحوم ، بل غيّر نوعها وشدتها فقط. فبدل تعرض الفرد للتسمم بتناوله لحماً متفسخاً ، بالطريقة القديمة ، اصبح نفس الفرد يتعرض لامراض القلب وتصلب الشرايين جراء تناوله لحماً محفوظاً في الاجهزة الحديثة.
     وليس لدينا ادنى شك من ان مشكلة اللحوم ستبقى اخطر المشاكل التي يواجهها النظام الطبي في تعامله مع اسباب نشوء المرض ، لان
1 ـ ايضاح الفوائد : ج 4 ص 140.
2 ـ الجواهر : ج 36 ص 165.


(143)
الحيوانات بكافة اشكالها وانواعها تعتبر من اهم عناصر نقل الامراض الى خلايا الجسم البشري. ولعل الطريقة الاسلامية في التذكية الشرعية ، تعتبر من انشط العوامل الوقائية في تجنب الامراض الناشئة عن تناول اللحوم.

    5 ـ النظام الشفائي في العسل
     وهو من اهم الانظمة الشفائية للمؤمنين بالرسالة الاسلامية ، لان فيه ضماناً الهياً بالشفاء ، كما ورد في النص المجيد : ( وَاَوحى رَبُّكَ اِلى النَّحلِ أن اتَّخِذي مِنَ الجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجرِ وَ مِمّا يَعرِشُون. ثُمَّ كُلي مِن كُلِّ الثَّمراتِ فَاسلُكي سُبُلَ رَبّكِ ذُلُلاً يَخرُجُ مِن بُطُونِها شَرابٌ مُختَلِفٌ اَلوانُهُ فيهِ شفاءٌ للنّاسِ اِنَّ في ذلِكَ لايَةً لِقَومِ يَتَفَكَّرُون ) (1). و « هنا فوائد منها ان في الاية دلالة على اباحة العسل واباحة التداوي به اما بنفسه واما مع التركيب مع غيره كالحمضيات ونحوها » (2). وورد في الأثر انه : « ما استشفى مريض بمثل العسل فان لعقة منه كل داء. وكان يعجب رسول الله (ص) وأكله حكمة. قال الله تعالى : ( فِيهِ شَفاءٌ لِلنّاسِ ) (3) » (4).
     وبسبب احتوائه على نسبة كبيرة من الكلوكوز والفركتوز ، وهما نتاج آخر مراحل هضم المواد النشوية والسكرية التي تمتص في الدم ، فان العسل يعتبر طبياًَ من افضل المواد الغذائية التي تساهم في شفاء الامراض الخاصة بالامعاء والمفاصل والعضلات ونحوها. ولما كان سكر الفاكهة
1 ـ النحل : 68 ـ 69.
2 ـ قلائد الدرر : ص 314.
3 ـ النحل : 69.
4 ـ الجواهر : ج 36 ص 503.


(144)
( الفركتوز ) احد اهم نسب المواد السكرية في العسل ، اصبح تناول الفرد السليم او المريض معا للعسل امراً شفائياً ، لانه لا يزيد من نسبة السكر في الدورة الدموية للانسان. هذا على الصعيد التجريبي ، اما على الصعيد التعبدي ، فان الضمان الالهي بالشفاء يضع العسل على قمة المواد الغذائية التي تساهم في شفاء المؤمنين من مختلف الامراض.

    ملحق بعض الروايات الواردة في النظام الصحي ( الغذائي ) الاسلامي
     1 ـ ورد عن الامام اميرالمؤمنين (ص) قوله : ( لو ان الناس قصدوا في الطعم لاعتدالت ابدانهم ) (1).
     2 ـ وعن الامام الصادق (ع) : ( ان الله يبغض كثرة الاكل ) (2).
     3 ـ وعن الامام الرضا (ع) في حديث عن اميرالمؤمنين علي (ع) : ( وكان خفيف الاكل ، خفيف الطعم ) (3).
     4 ـ وعن الامام الصادق (ع) : ( ما أكل رسول الله (ص) خبز بر ( شعير ) قط ولا من خبز شعير قط ) (4).
     5 ـ وورد عن رسول الله (ص) : ( طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة ، وطعام الثلاثة يكفي الاربعة ) (5).
     6 ـ وورد عن ابي عبدالله (ع) قال : ( أتي النبي (ص) بطعام حار فقال :
1 ـ المحاسن : ص439.
2 ـ المحاسن : ص 439.
3 ـ عيون الاخبار : ج 2 ص 137.
4 ـ امالي الامام الصادق : ص 192.
5 ـ الكافي : ج 6 ص 273.


(145)
ان الله لم يطعمنا النار ، نحّوه حتى يبرد ) (1).
     7 ـ وورد عن رسول الله (ص) انه نهى عن ان ينفخ في طعام او شراب (2).
     8 ـ وفي وصية النبي (ص) لعلي (ع) : انه قال : ( يا علي افتتح بالملح واختتم بالملح فان فيه شفاء ) (3).
     9 ـ وفي رواية ابي بصير عن ابي عبدالله (ع) قال نقلاً عن اميرالمؤمنين (ع) : ( احدى وعشرون زبيبة حمراء في كل يوم على الريق تدفع جميع الامراض الامراض الموت ) (4).
     10 ـ و ورد عن ابي جعفر (ع) قال : ( من اراد ان لا يضره طعام فلا يأكل طعاماً حتى يجوع وتنتقي معدته ، فاذا أكل فليسمّ الله وليجد المضغ وليكف عن الطعام وهو يشتهيه ويحتاج اليه ) (5).
1 ـ المحاسن : ص 406.
2 ـ من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 5.
3 ـ من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 266.
4 ـ الكافي : ج 6 ص 351.
5 ـ الوسائل : ج 16 ص 649.


(146)
    الاستنتاج وخلاصة القول في النظام الغذائي الاسلامي ، ان الاسلام ـ في معرض عرضه للنظرية الصحية ـ لم يتطرق للنظام الوقائي بالتفصيل فحسب ، بل شجع الافراد في المجتمع الاسلامي على ممارسة منهج غذائي واضح المعالم يؤدي بهم في النهاية اللا شاطى السعادة الصحية والامن النفسي. ومن اجل توضيح هذا المنهج الاسلامي في التغذية ، لابد من ترتيب النقاط التالية :
     اولاً : التأكيد على آداب الشيء المأكول ، بمعنى ان الشريعة حببت للمكلفين تقليل كمية الطعام الذي يتناوله الفرد ، واعتدال درجة حرارته وقت التناول ، وتقديم الملح على الطعام ، ومص الماء مصّا ، والاعتدال في أكل اللحوم المطبوخة جيداً ، والاهتمام بتناول الفاكهة والخضروات والخبز ، ومنتوجات الالبان بكافة انواعها.
     ثانياً : التأكيد على آداب المائدة ، وهو تأكيد الشريعة على استحباب غسل اليدين قبل تناول الطعام وبعده ، والاكل بثلاث اصابع واطالة الجلوس على المائدة ، والتأكيد على المضغ الشديد ، وتصغير اللقمة المأكولة ، والاكل مجتمعاً مع الاخرين.
     ثالثاً : التأكيد على آداب الاكل ، وهو تأكيد الشريعة على استحباب تناول الطعام وقت الاحساس بالجوع ، واكماله قبل الشبع ، وتفريغ البدن من الفضلات قبل النوم.
     رابعاً : وجوب التذكية الشرعية ، وهو دليل قوي على ارتباط حلية المأكولات اللحمية بالقضايا التعبدية من جهة ، والصحية من جهة اخرى ،


(147)
لثبوت المصلحة الشرعية للفرد والنظام الاجتماعي. فلا يؤكل من الحيوانات الاّ ما كان قابلاّللتذكية الشرعية بالذبح للحيوانات الاهلية ، والصيد للحيوانات المتوحشة ، والنحر للابل ، والاخراج حياً من الماء لللاسماك ، كما ذكرنا ذلك سابقاً.
     وهذا التأكيد الشديد على ضرورة التدقيق في نوعية المادة الغذائية التي يتناولها الفرد وآداب تناولها ، يؤدي دون شك الى تقليل عدد الامراض التي تصيب افراد المجتمع ، والى تبديل شكل وتوجهات المؤسسة الصحية. ومن اجل تفصيل ذلك ، نورد هذه الاشارات في فوائد انظام الغذائي الاسلامي :
     1 ـ ان تطبيق النظام الغذائي الاسلامي يساهم في تقليل عدد وشدة الامراض التي تصيب الافراد ، وهي الامراض الناتجة من سوء العادات الغذائية ، خصوصاً فيما يتعلق بالمضغ وحجم اللقمة والسرعة في تناول الوجبة الغذائية او كمية الطعام المتناول ونحوها.
     2 ـ ان اهتمام المؤسسة الطبية بيوعية الغذاء الذي يتناوله الافراد انفع للنظام الاجتماعي على الصعيد الانتاجي ، واكثر اقتصاداً من علاج الافراد عن طريق الادوية المصنّعة.
     3 ـ ان الاهتمام بالمواد الغذائية يشجع الاقتصاد الزراعي على النمو والتطور مما يفتح فرصاً اخرى لا شباع حاجات الافراد الغذائية ، فبدلاً من تطبيب النظام الاجتماعي كما هو الحاصل اليوم في النظام الغربي ، يحاول النظام الاسلامي تقوية صحة الافراد من خلال اتباع اسلوب غذائي سليم يتمثل في وجبات غذائية معتدلة كاملة يتناولها الافراد من سن الطفولة


(148)
وحتى الشيخوخية والهرم.
     4 ـ ان تقليل كمية الطعام المستهلك من قبل الفرد سيوفر للافراد الاخرين طعاماً يشبع حاجاتهم الاساسية. فبدلاً من تخمة البعض وجوع الاخر ، يحاول النظام الغذائي الاسلامي اشباع جميع الافراد بكمية معقولة من الطعام تساعدهم على العمل و الانتاج ، وفي الوقت نفسه تحافظ على حيوية اجسامهم ونشاطها الاساسي.
     5 ـ ان ارتباط العادات الغذائية بالجانب العبادي ، يهذب الفرد ويجعله اكثر استعداد لاحترام النظام الصحي ، والتعاون مع المؤسسة الطبية لايجاد نظام غذائي متكامل لجميع الافراد. والدفع الاساسي في هذا التوجه هو الدافع التعبدي المتجسد بالامتثال للاوامر الشرعية ، هادفا مرضاة الله سبحانه وتعالى ، ومساندة النظام الاجتماعي العادل الذي جاء به الاسلام.


(149)
    ثالثاً : النظام العلاجي
     ولاشك ان نجاح النظرية التجريبية في علاج الامراض يرجع فضله الى تراكم الخبرة الانسانية لآلاف السنين. فقد حاول الانسان معرفة فسلجة الجسم البشري باعضائه الدقيقة ، ولمعت في افق الطب التجريبي اسماء جديرة بالاحترام من مختلف شعوب العالم ، امثال ( هبوكراتيس ) و ( كيلن ) الاغريقيين ، والرازي ( ت 923 م ) وابن سينا ( ت 1037ت ) الاسلاميين ، واطباء اوروبا امثال ( اندرياس فيساليوس ) ـ 1538 م ، و ( وليم هارفي ) ـ 1602م ، و ( لويس باستور ) و ( روبرت كخ ) ـ 1876 م. وقد تطور الطب الحديث بعد اكتشاف النظرية الجرثومية ، وما اتبعها من اكتشاف اسباب المرض ، والعدوى ، واستخدم اساليب التعقيم ، والتخدير في العمليات الجراحية. وقد جلب القن العشرين تطورين مهمين على صعيد الطب العلاجي ، وهما استخدام المضادات الحيوية ، وفن نقل الاعضاء كالكلية والقلب. ولاشك ان اكتشاف البنسلين كان من اهم الاكتشاف التي حصلت في هذا القرن. وكل الادوية التي اكتشفت لا حقاً وساعدت اما على شفاء الامراض او على اجراء العمليات الجراحية ، ساهمت في تطوير النظام الطبي العلاجي للامراض. ولاشك ان الاسلام شجع الطب الحديث على معالجة الامراض لسببين. الاول : الارتكاز العقلائي الذي امضاه الشرع. والثاني : احترام القرآن للحياة الانسانية ، كما ورد اطلاق قوله تعالى : ( وَمَن اَحياها فَكَانما اَحيا النّاس


(150)
جَميعاً
) (1) ولذلك ، فان النظام العلاجي سيكون البديل الطبيعي لمعالجة الامراض التي يعجز عن معالجتها النظام الوقائي او الغذائي ، كالكسور والجروح الناتجة من الحوادث الطارئة التي تصيب الانسان.
1 ـ المائدة : 32.
النظام الصحي ::: فهرس