(31)
   وعند المصريين : بغاية الانحطاط والذل .
   وعند اليونان : انها رجس من عمل الشيطان .
   وعند الرومان : على جانب عظيم من الذل والاحتقار .
   وعند الاشوريين : مادة الاثم ـ وعنوان الانحطاط .
   كذلك كانت المرأة السومرية ـ والبابلية ـ والاكادية ـ والساسانية وغيرهم من الشعوب التي كانت لها حضارات .
   وظلت المرأة تتخبط في الظلام حتى ظهر الاسلام .
   فالاسلام هو الخطة الوحيدة المستقيمة ، والطريق الناجح ... والإسلام بجميع نظمه وقوانينه هو الحل الوحيد ، الذي رسم للمرأة طريقاً محدوداً ، وانهجها منهاجاً صحيحاً ، وخط لها درباً واضحاً ، وأبان لها دورها في الحياة ومدى مسؤولياتها في المجتمع ، واظهر قيمتها منزلتها مع الآخرين ، وسن لها في القوانين حقوقاً وواجبات ، وأعطاها ما لم يعطه من قبله ولا من بعده أحد من الامم والشعوب .
   جاء الإسلام هادياً للبشرية منقذاً لها من الضلال والشرك مصدقاً للعلم والعقل حاثاً على اكتشاف اسرار الكون والسيطرة عليه لذلك سمي دين الفطرة ودين العقل .
   جاء الإسلام ، حاملاً دستور الحق والعدل والانصاف ناشراً لواء المحبة والأخوة والمساواة ، ناصراً للضعيف المظلوم على القوي الظالم .
   ففي آداب الإسلام واخلاقياته ومعنوياته ، ما يقوم بأعظم دستور للحياة ، في أروع صور الحياة واسماها ، وللحضارة في أرقى ما تصل اليه الحضارة ، يصوغ المعاملات ، والعلاقات الحياتية على العدل والإنصاف ( ان الله يأمر بالعدل


(32)
والإحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ) (1) . ويحث على السلوك الإنساني والعمل بالحق ، وعلى طريق الخير والديمقراطية ، و محاربة الاستبداد والدكتاتورية ، ولايضع قيوداً على عقل الإنسان أو يحول دون تقدم الفكر . ولا يكبل الإنسان بالزهد والتقشف . قال تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) (2) ولا يرضى أن يسلم الإنسان نفسه للترف والمتع ، قال تعالى : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين ) (3) .
   والمبادىء الإسلامية تقوم على المحبة ، وهي الاخوة والتضامن قال تعالى : ( إنما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) (4) . وتقوم أيضاً على الرحمة والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، والعمل الصالح في سبيل الله قال تعالى : ( وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة واحسنوا ان الله يحب المحسنين) (5) . وكذلك تحث على التعاطف والتعاون قال تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله ان الله شديد العقاب) (6) وكذلك تحث على الإلتزام بالمكارم والتسابق للفضائل والتجنب للرذائل ، قال تعالى : ( يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير) (7) .
(1) سورة النحل ـ آية : 90 .
(2) سورة الاعراف ـ آية 32 .
(3) سورة الاعراف ـ آية 31.
(4) سورة الحجرات ـ آية 10.
(5) سورة البقرة ـ آية 195 .
(6) سورة المائدة ـ آية 2 .
(7) سورة الحجرات ـ آية 13.



(33)
   ولم تقتصر التعاليم الإسلامية على فئة معينة من البشر ، بل تعدتها إلى جميع الامم والشعوب .
   فالاسلام أعز المرأة ، وانتشلها من حضيض الذل ومرارة الحرمان ، وجعل لها المكانة العليا في المجتمع ، ثم بعد هذا ، ساوى بين الرجل والمرأة في أكثر المجالات .
   ان الشريعة الإسلامية هي الوحيدة التي منحت المرأة الكثير من الحقوق والواجبات ، وحباها الرسول العظيم صلّى الله عليه وآله وسلّم بفيض من الرعاية والعناية واللطف ، ووضعها في المكان اللائق بحالها .
   قال تعالى : « ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً » (1) .
   وقال تعالى : « والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم » (2) .
   وقال تعالى : « وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم » (3) .
(1) سورة الأحزاب ـ آية ـ 35.
(2) سورة التوبة ـ آية ـ 71.
(3) سورة التوبة ـ آية ـ 72.
المرأة في ظل الإسلام م ـ (3)


(34)
   ثم ان الاسلام أمدّ المرأة المسلمة بالشعور بالشخصية المستقلة ، المزودة بمكارم الأخلاق ، والطموح الى العزة والكرامة ، حيث أخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم البيعة منها مستقلة كالرجل ، قال تعالى : « يا ايها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يـأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم » (1) .
   وفي الحث على التضامن مع رفع مستوى المرأة قال تعالى : « فاستجاب لهم ربهم أني لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيآتهم ولادخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب » (2) .
   هذا من الناحية الاجتماعية ، وأما من حيث الارث والعمل في اكتساب المال والرزق الحلال ، فقد فرض لها الاسلام فرضاً معلوماً من الارث ولم يحرمها .
   قال تعالى : « للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً » (3) .
   ثم أعطاها الاسلام حرية التصرف بما لديها من أموال ، والتكسب به عن طريق الحلال ، قال تعالى : « للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسئلوا الله من فضله ان الله كان بكل شيء عليما » (4) .
(1) سورة الممتحنة ـ آية ـ 12.
(2) سورة آل عمران ـ آية ـ 195.
(3) سورة النساء ـ آية ـ 7.
(4) سورة النساء ـ آية ـ 32.



(35)
   إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الصريحة التي تحفظ منزلة المرأة ، وتزيد من كرامتها وحفظ معنوياتها ولقد احتوى القرآن الكريم على آيات كثيرة توضح ما للمرأة من حقوق وواجبات ، على أفضل واهدى وأقوم وأصلح ما يكون لكل زمان ومكان .
   هذه بعض المبادىء الإسلامية والتعاليم السماوية ، التي فتحت القلوب المغلقة ، وأنارت البصائر عند ذوي الألباب ، فلم تمض بضع سنوات على بعث دعوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وظهور الشريعة الآلهية السمحاء التي تفيض بالعدل والانصاف ، حتى أصبح الإسلام عقيدة الملايين من البشر .
   ولم يمض قرن من الزمان حتى ارتفعت راية الإسلام خفاقة في ارجاء العالم ، واستولى أبناء البادية الاعراب على امبراطورية كسرى وقيصر .


(36)
حول حرية المرأة في الاسلام
   جمعتنا الصدف في بيت إحدى الصديقات ، وكان عندها جمع غفير ، ضم عدداً غير قليل من ذوات الفهم والعلم والأدب والثقافة العالية .
   دار النقاش ، حول تاريخ نهضة المرأة المسلمة وما لاقت في حياتها من عقبات ومتاعب .
   علا الضجيج وزادت الجلبة والضوضاء كل يبدي رأيه في حال المرأة ، وتطوراتها في ظل التشريع الإسلامي . وتفرقوا شيعاً بين مادح لوضعها ... وناع عليها .
   وانبرت إحدى الحاضرات ، وهي من المسلمات ، المثقفات ثقافة عالية لكنها ويا للأسف ... من جملة النساء المخدوعات بتزويق كلام يرقشه جماعة من الملحدين والمستهترين .
   راحت تلك الاخت المثقفة تهاجم الشريعة الإسلامية بحماس زائد ، مدعية أن الإسلام بتشريعاته القاسية ، وقوانينه الصارمة ، قد ظلم المرأة ، وأن علماء المسلمين قد أجحفوا بحقها .
   حبسوها ... قيدوها ... ضيقوا عليها ... حرموها الحرية والنور ... جعلوها منبوذة في المجتمع ... خاملة الذكر ... متحجبة ... حبيسة الجدران ... مخدرة ... مستبعدة . إلى آخر ما هنالك ، من نعوت وأوصاف .


(37)
    أجبتها بكل هدوء : خففي من غلوائك اختاه ، ولا تجعلي للشيطان عليك سبيلا .
   لا داعي للتحدي أو المهاجمة ، فإِنني على استعداد تام ، لكي أشرح مبينة لك ، ولغيرك وضع المرأة المسلمة ، نصف الهيئة الاجتماعية .
   ولا أستسلم للعواطف التي طالما حملت الكثير من الناس على ذكر الحسنات دون السيئات متى تحدثوا عن أقوامهم .
   ( وليس في التشريع الإسلامي سيئات ) .
   وإني إبذل جهدي ، لشرح وتوضيح كل فقرة أو كلمة مما تقولين وتنكرين ليتضح ما خفي عليك وعلى أمثالك من المخدوعات والمخدوعين لا تأخذني في الله لومة لائم ( قل الحق ولو على نفسك ) .
   كما وأرجو من أخواتي الحاضرات أن ينظرن بمنظار الحق واعتبارهن امة وسطاً تحكم بالعدل .
   وإن الغاية من موقفي هذا هو كشف النقاب ، عن وجه تطور المرأة المسلمة من النواحي الأخلاقية والثقافية والاجتماعية ... وغيرها .
   وذلك في غضون تعاقب العرب ... والفرس ... والترك ... وغيرهم ، على الحكم في الامبراطورية الاسلامية .
   وكذلك في ظروف تداول السلطة بين العرب ... والبربر ... في المغرب والأندلس حتى نصل إلى تبيان التطور الذي أصاب الأمة الإسلامية في تلك المراحل .
   وللانسجام مع الواقع ، والمحافظة على الوجه الاسلامي الصحيح من أن تشوهه الأضاليل ، أبذل الجهد في تحليل ما يقتضيه الواقع ، من بحث وتدقيق وتنقيب وتمحيص ، للوصول إلى الغاية المرجوة بكتابي هذا .


(38)
وإنني الآن أتناول ، أولاً موضوع حرية المرأة ، شارحة لأي مجال أعطاها الاسلام من الحرية والانطلاق . وإني إذ أكتب أرى أنه ليس من الضروري ، أن تكون عباراتي مسجعة ، منمقة في غاية البلاغة وتنعدم معها إمكانيات العطاء الذاتي كما يفعل البعض .
   وإنما حرصت على أن تكون هذه العبارات سهلة سلسة يستسيغها القراء ، مع حسن التنسيق وسلامة التعبير .

الحرية ... والمساواة :
   السؤال الذي يتردد على لسان حاملي لواء المطالبة بحقوق المرأة المسلمة ، شعارهم : نحن نطالب بالحرية ... والمساواة ، لنمضي في ركب الحضارة والمدنية ، شأن النساء الاوروبيات .
   وكانت صيحة محمومة ، ومطالبة صارخة ، إن هناك من الحقوق المغبونة ، والظلم الواقع على رأس المرأة المسلمة ، لأن الإسلام لم ينصف المرأة ، عندما جعلها دون الرجل ، وسلَّطه عليها .
   والحق يقال : إن جميع ما يتشدق به دعاة المدنية ، ماهو سوى بعد عن الحقائق ، وتقليد أعمى ، درجت عليه المرأة الشرقية ، وارتضته المسلمة لنفسها ، بالاضافة إلى ما ارتضته من نقائص وسخافات مستوردة من البلاد الأجنبية ، وقلدتها راضية مرضية .
   إذا كانت المرأة الأجنبية ، تطالب بحقوقها ، فهذا أمر راجع لاعتبارات كثيرة ، اقتصادية ... واجتماعية ... وتربوية ، التي كانت تعاني منها عندما كانت ترسف بالقيود ، وتتخبط في الظلمات .


(39)
    وما شأن المرأة المسلمة بهذه المطالب ؟؟ مع العلم أن الإسلام أنصفها وأرضاها ، وأعطاها حقوقها كاملة غير منقوصة .
   لا يخفى أن المرأة في البلدان الأجنبية ، من شرقية أو غربية قد مرَّت بأشواط قاسية .
   ففي العصور المظلمة التي تخبطت بها المرأة ، كثر الجدل حول حقيقتها انها بشر ... ؟ أم شيطان ... وهل تحتوي نفسها على الخير كالرجل ؟ أم انها بشر ؟ فضلاً عن أن الرجل كان يقودها ويبيعها في السوق ، وهي راضخة ، قانعة بوضعها مكتفية بإنفاق الرجل عليها .
   وبعد قيام الثورة الصناعية في جميع البلدان ، وإنشاء المصانع والمعامل والشركات تبدلت الأوضاع ... وتفاوتت الاعتبارات .
   لقد أسدت الثورة الصناعية ، خدمات كثيرة إلى بني الإنسان ، ولكنها من جهة ثانية ، أساءت إلى المجتمع الأخلاقي ، الذي أخذ بالتفكك والانحلال تدريجياً . حيث أصبح الفرد لا يهتم إلا بنفسه ، ثم إشباع ذاته وحاجته وانغماسه في الملذات . لأن الثورة الصناعية أدَّت إلى نشوء طبقتين الطبقة الاولى : أرباب العمل وهم الأغنياء الذين أفسد الترف أخلاقهم ، والطبقة الثانية : العمال وهم الفقراء الذين ألجأهم الحرمان للهث وراء المال لسد حاجتهم ، ويكون المثل الأعلى يومئذٍ للرجل الناجح هو الرجل الغني .
   صرف المرء حينئذٍ نفسه وتفكيره وطاقاته وجهوده عن كل شيء إلا الحصول على المال ، بأي وسيلة ، ومن أي طريق .
   كان من الطبيعي أن تدخل المرأة في ميدان العمل ، لإعالة نفسها ، ولكنها الجانب الضعيف الذي ينحني عادة للأقوى ، في كل زمان ومكان إذا لم يكن هناك رادع ديني ... أو أخلاقي.


(40)
    نزلت المرأة إلى ميدان العمل ، وعملت مع الرجل وقامت بنفس الجهد أو أكثر ، ولكن بأجر أقل من الرجل ، جهد كثير ، وأجر قليل وكرامة غير محفوظة .
   وأخيراً تهاوت تحت وطأة الحاجة والعوز بنفسها وشرفها .
   هذا واقع أكثر النساء الأجنبيات اللواتي تريد تقليدهن والاقتداء بهن ، المرأة المسلمة ، والزمرة التي تطالب بحرية المرأة ومساواتها بالرجل .
   هذا واقع النساء المتحرزات الاوروبيات او الأجنبيات . وهذا ما دعاهن إلى شق عصا الطاعة ، والتنفيس عما يعانينه من جور وحرمان واضطهاد .
   قامت النساء ، يطلبن حريتهن وحقوقهن المهضومة ورفعت الأصوات ... وزادت المطالبة بالحرية والمساواة ...
   وتمَّ للمرأة ما أرادت ، ولكن هل حلَّت المساواة والحرية مشكلتها ؟
   وهل حققت لها السعادة ؟؟
   هل رفعتها في نظر الرجل ؟؟
   هل صانت نفسها ... وشرفها ؟؟
   لا... وألف لا ... هذه صحفهم كلها تشهد وتقول : صحيح ان قانون المساواة حقق للمرأة الكسب المادي ، ولكنه سبب زيادة في الطلاق وأدى الى تفكك الروابط العائلية ، بسبب غيابها عن البيت ، وابتعادها عن أطفالها وعدم رعايتهم ، والاعتماد على دور الحضانة .
   وماذا يجدي الكسب المادي ؟ إذا كان الأمن بعيداً عن البيت ؟؟
   والاطمئنان مفقوداً ؟!
   « اطمئنان الزوج ... الأم ... الأطفال ... »