(41)
    جاء في مجلة ( شجرة الدر ) في الجزء السادس من السنة الاولى نقلاً عن جريدة ( الاسترن ميل ) بقلم الانكليزية الشهيرة ( آني رورد ) (1) « إذا اشتغلت بناتنا في البيوت خوادم او كالخوادم ، فذلك خير وأخف بلاء ، من اشتغالهن بالمعامل حيث تصبح البنت ملوثة بأدران تُذهب برونق حياتها الى الابد .
   ألا ليت بلادنا كبلاد المسلمين ، حيث الحشمة والعفاف ... والطهارة رداء الخادم ... والخادمة اللذين يتنعمان بأرغد عيش ويعاملان معاملة رب البيت ، ولا يمس عرضهما بسوء ..
   نعم ، إنه عار على بلاد الانكليز أن تجعل بناتها ، مثلاً للرذائل ، لكثرة مخالطة الرجال ، فما لنا لا نسعى وراء ما يجعل البنت تعمل ما يوافق فطرتها الطبيعية ، من ملازمة البيت ، وترك أعمال الرجال للرجال ، سلامة لشرفها !! » انتهى .
   إن عقلاء الامم الغربية ينفرون من هذه الحال التي ضربت فيهم بجرانها ، وفينا نفر ، أضلهم الله على علم ... يريدون أن يفسدوا المرأة باسم إصلاحها ، ويهدموا حياتها وطبيعتها ، بسوء هذا الصنيع . فهم يحملون الناس ، بتزاويق الكلام ، على أن ينهجوا منهج الغربيين سالكين طريقتهم ، مقلدين في كل شيء ، حتى الضار من الاخلاق . . والعادات ... والتقاليد ... ورحم الله القائل :
فلا يفسد التقليد طيب ارثكم ولا تقربوا منهم سوى العلم وحده ففي دسم الغرب اختفى ناقع السّم وعضوا على أخلاق آبائنا الشم
    ولكنني أتساءل .... هل يجب علينا نحن المسلمات ، ان نحمل نفس الشعارات .... ونهتف ... وننادي بها ؟ ! .
(1) عن كتاب نظرات في السفور والحجاب ـ الشيخ مصطفى الغلاييني .


(42)
    هل يجب علينا تقليد الاجانب من الافرنج وغيرهم ؟ التقليد الاعمى الذي يؤدي بنا إلى الهاوية ؟
   كلنا يعلم أن الإسلام أعطانا الكثير .. ولكن نحن ظالمات ، جاحدات لنعم الله سبحانه .
   ما ظلم الإسلام المرأة ... ولا أجحف بحقها ، ولا أنقص من كرامتها . ولكنه رسم لها جانباً ايجابياً عظيماً في هذه الحياة . والله سبحانه وتعالى ساوى بين الرجل والمرأة بالإنسانية والجزاء ... متساويين في الخلق : قال تعالى :
    ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى .... ) (1) .
    إنكما متساويان أمام الله في الأعمال ـ الثواب ـ العقاب ...
    ( إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض ... ) (2) .
    ولكن الباري سبحانه وتعالى فرق بين الرجل والمرأة في المواضع التي تقتضيها الفطرة ... والطبيعة .
    فيا اختي المسلمة ... عودي الى الدين ... والى الحياء ... وصوني كرامتك وشرفك ، فليس غير الإسلام يصون نفسك ويحفظها .
    تحرري من هذه النظريات والسموم ، فوالله إن المستعمر يريد استعبادنا واستثمارنا ، بعد أن يضعف ديننا ، ويصرفنا عنه بشتى الأساليب والحيل والخداع واتقي الله واستعيني به .
من استعان بغير الله في طلب فإن ناصره عجز وخذلان


(43)
المساواة في العبادات :
    طالب الإسلام الإنسان رجلاً كان أم امرأة ، بانشاء نفس راقية ، وتصفيتها من نوازع النفس البشرية ، ومن أدران المادة الدنيئة ، وبالابتعاد عن صفات الروح الحيوانية . ودله على السبيل إلى ذلك . فسن له سننا ووجهه إلى طرق اسماها العبادات كقوله تعالى : ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ) (1) .
    طلب منه الصلاة ، بان يذكر ربه اناء الليل وأطراف النهار ، ويتهجد له بكرة وعشيا .
    يقف بين يديه متوجهاً اليه بجنانه ، سامياً عن الدنيا بنفسه ، محلقاً في ملكوت ربه بروحه . فيخشع قلبه لما تنقشع الغشاوة عن بصيرته ، فيرى بوجدانه عظمة الباري وقدرة الخالق ، ويكون مشدوداً اليه في كل حركاته وسكناته ، في قيامه ، وركوعه ، وسجوده .
    هي الصلاة « سراج كل مؤمن » كما ورد في الحديث : « هي السلم الذي يرتقي به المؤمن متعالياً عن المفاسد الدنيا ... وهي أيضاً قربان كل تقي » .
    بالصلاة يتقرب العبد إلى ربه ، ويشف اهابه ، وتسمو نفسه وتتهاوى سدود انانيته .
    ولقد قال الرسول الاعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً » . وقال أيضاً : « لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ... » و طاعة الصلاة ان ينتهى المصلي عن المعصية وفعل المنكرات . وقال الإمام جعفر الصادق (ع) : « من احب ان يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته عن الفحشاء والمنكر ؟ فبقدر ما منعته قبلت منه » .
(1) سورة الذاريات ـ آية ـ 56
(44)
    ان الإنسان لو عبد الله حقاً ، ومشى على طبق التعاليم الإسلامية وانتهج الصراط المستقيم . و عمل الخير وأمر بالمعروف وانتهى عن المنكر كان من الصالحين ... وإلا فقد حكم على نفسه بأنه دجال منافق وقد أشارت الآية الكريمة إلى هذا المعنى « فويل للمصلين (1) الذين هم عن صلاتهم ساهون (2) » وقال الشاعر :
ما قال ربك ويل للأولى سكروا بل قال ربك ويل للمصلينا
    وفرض على الإنسان الصوم ، يصارع غرائزه الحيوانية لكي يتمكن من مصارعة أهوائه الشخصية ، ورغباته الذاتية التي يعصي بها ربه إن اطاعها ، لانها تصطدم مع أهواء إخوته من بني البشر .
    فكل منهم يرغب في امتلاك العالم وما فيه ، وتكمن في نفسه شهوة السيطرة وحب الذات . وتفيض نفسه كرهاً وحقداً لكل ما يقف في طريق تحقيق مرادها .
    ومن الناس من يسلك للحصول على المال طرقاً ملتوية لا تقرها الشرائع والاخلاق ، ولا يكتفي بالحلال ، ولا يبالي بالحرام . فهو جائع لا يشبع طامع لا يقنع . استعبدته شهوة المال ، وحرمته لذة الرضا والقناعة .
    ولما تتضارب مصالح الإنسان مع مصالح أخيه ، يضطر من أجل ارضائها ان يظلم اخاه ليرمي بانسانيته عرض الحائط . وكما قال الشاعر :
الظلم من شيم النفوس فان تجد عفة فلعلة لا يظلم
    فالصيام يفرض عليه مصارعة غرائزه الحيوانية من أكل وشرب وجنس
(1) سورة ـ الماعون ـ آية ـ 4.
(2) سورة ـ الماعون ـ آية ـ 5.



(45)
وغير ذلك ، فإن استطاع اعانه ذلك على السيطرة على نوازع النفس وشهواتها ، فيسلك طريقاً مستقيماً مطيعاً لله ، متجنباً معاصيه . وإلى ذلك يشير الحديث « الصوم جنة من النار » .
    طلب الإسلام من الجناحين ... الرجل والمرأة ، على السواء ، تنقية النفس وتطهير الذات ، لسمو روحي عال وترفع عن دنس دنيء .
    وعلى حد سواء طلب منهما الصلاة التي تنهي عن الفحشاء والمنكر ، وهي عمود الدين وقد ورد في الحديث الشريف : « الصلاة معراج المؤمن يعرج بها إلى ملكوت ربه بنفسه وروحه وقلبه » .
    وجميع العبادات من صوم وصلاة ... وحج وزكاة وجهاد في سبيل الله ، هي دروس للإنسان كيف ينشيء نفساً قوية وشخصية فذة ، وكيف يسيطر على هواه ورغباته ... ويبدأ بجهاد نفسه . وكيف يوجهها في سبيل خير المجتمع وسعادته .
    فإذا اخلص لله عمله ، رغب في كل ما يتقرب إليه ، تراه بهمة عالية يقطع الفيافي والقفار والمسافات البعيدة ليتمثل ما أمره الله تعالى به : « ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلاً » (1) .
    فيطوف حول البيت ويسعى بين الصفا والمروة يدعو الله بقلبه ولسانه بجوارحه ان يخلصه من الشرور والآثام .
    وتراهم رجالاً ونساء في هذا المؤتمر العظيم يهتفون ويلبون بصوت واحد : « لبيك اللهم لبيك » .
    ممتثلين لدعوة ربهم لما ندبهم في قوله عز من قائل : « واذن في الناس بالحج
(1) سورة آل عمران ـ آية ـ 97 ـ


(46)
ويأتوك رجالاً وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق » (1) .
    وذكر الطبرسي في كتابه مجمع البيان في تفسير القرآن : يأتوك رجالاً ـ أي مشاة على أرجلهم ( وعلى كل ضامر ) أي ركبانا .. ( ليشهدوا منافع لهم ) قيل يعني بالمنافع التجارات ـ عن ابن عباس وسعيد بن جبير .
    وقيل التجارة في الدنيا والاجر والثواب في الآخرة عن مجاهد وقيل : هي منافع الآخرة ، وهي العفو والمغفرة ـ عن سعيد بن المسيب وعطية العوفي وهو المروي عن ابي جعفر الباقر (ع) ...
    وخلاصة القول : لم يحرم الله سبحانه المرأة من هذا الثواب العظيم والاجر الجزيل ، وهذه التجارة الرابحة .
    وفسح لها المجال للمشاركة في هذا المؤتمر العظيم الذي يجتمع فيه الناس من كل حدب وصوب ، ومن كل لسان وجنس ولون ... من أصقاع المعمورة .
    لا بل أوجبه عليها كما أوجبه على الرجل ان تمت شرائط الوجوب . وهي القدرة ... والاستطاعة وذلك لاطلاق قوله تعالى : « واذن في الناس ...» ولم يقيده بالرجال أو النساء بل قال : ( من استطاع اليه سبيلا .. )
    انها العدالة الاجتماعية ، والمساواة الإسلامية ، والحكمة الآلهية « يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم » .
(1) سورة الحج ـ 27 ـ 28 ـ 29


(47)
    فالتقى هو ميزان الكرامة ، والقرب من الله . لا الذكورة .. ولا الانوتة . فمن اخلص لله عمله ورغب في كل ما يقربه الى الله ، وسار على هدي التعاليم السماوية في خدمة المجتمع العام متقرباً إلى خالقه ... نال السعادة الابدية
    « احبكم إلى الله انفعكم لعياله » .
    وبروح سامية يضرب بهواه في حب المال عرض الحائط « المال والبنون زينة الحياة الدنيا » فيخرج خمس أرباحه وزكاة أمواله » ان الله شارك الفقراء في أموال الاغنياء » متقرباً بذلك إلى الله لا يبغي منها إلا وجهه . ولا يريد إلا رضاه .
    هكذا طلب الإسلام من المرأة والرجل . التعاون من أجل إنشاء الحياة السعيدة المطمئنة الهادئة . والمرأة ان استطاعت تصفية نفسها وتنقية ذاتها وتطهير قلبها كانت هادئة مطمئنة تؤثر تأثيراً مباشراً بجيلها الصاعد ... باطفالها وأولادها وتبعث فيهم النفس الصالحة .


(48)
في محيط المرأة ـ باب المساواة
    يقول محمد العشماوي (1) لقد قرأت كلاماً القي في شعبة هيئة الامم جاء منه :
    « أن المرأة الشرقية ما تزال محجوراً عليها ، وان هناك فوارق وفواصل بينها وبين الرجال ، وإن مردَّ ذلك الى الدين الإسلامي ، ووقوفه عقبة في سبيل نهوض المرأة ومساواتها بالرجل .... الخ » .
    حقاً لقد مرَّت بالأمة الإسلامية فترات من الظلام ، أصاب المرأة فيها جانب من الحيف والإخضاع ، ولكن ذلك شذوذ اجتماعي وحيف من قبل القادة والحكام ، يعرض لكثير من الامم في بعض عصورها لعوامل طارئة ولا يلبث أن يزول .
    فمن الحق عليَّ أن أجهر بأن الإسلام أول من مكّن المرأة في المجتمع الإنساني ، فليس بمجهول أن المرأة حين بزوغ نور الإسلام كانت في حضيض الذلة والانحطاط . ينكر عليها حق التوريث ، ويؤبى عليها أن تشترك في أي نظام من نظم المجتمع .
    فأعلن الإسلام مساواتها بالرجل ، إذ رسم لها فروضاً واحدة في العبادات والمعاملات ، وجعلها بمنزلة واحدة في الحقوق والواجبات .
    نري القرآن يخاطب المرأة والرجل على حدٍ سواء ، في شؤون العاجلة
(1) عن مجلة الأزهر ـ الجزء الخامس ـ المجلد التاسع عشر ـ ص ـ 428 ـ 429 .


(49)
والآجلة ، قال تعالى : « يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وانثى » وقال تعالى : « المسلمين والمسلمات الصابرين والصابرات ... الخ » ونراه يبيِّن أننا نشأنا جميعاً من نفس واحدة وأننا افترقنا جنسين لكي نؤلف شطري المجتمع البشري .
    ونراه يعتز بالاسرة ويعبِّر عن الزواج بأنه الميثاق الغليظ . ونراه يدعو إلى المساواة بقوله : « ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف » .
    وان في حياة الرسول صلوات الله عليه ما يدلُّنا على أنه لا فرق بين امرأة ورجل في حق أو واجب . فقد بايعه النساء كما بايعه الرِّجال ، وقد استفتينه في شؤونهن كما استفتاه الرجال ، وفي عهد عمر كان الرجال والنساء جميعاً يدعون الى الاجتماعات العامة .
    وما أن شُقًّ طريق الجهاد ، حتى انفتح للمرأة المسلمة باب وقفت فيه موقفاً إنسانياً يتعطر به ذكر التاريخ .
    وما أن تحلقت حلقات العلم وطلبت رواية الحديث ، حتى اشترك النساء بالسهم الوافر ، فرويت عنهن الأحاديث ونقل عنهن الشرع ولم يخف أثرهن في سياسة أو اجتماع ... انتهى .
    أطلق الإسلام حرية المرأة في جميع نواحي الحياة ، ولو وازنت أيها القارئ الكريم بين شرائع الغرب والشرق وشريعة الإسلام لتجلَّى لك أن الإسلام أبر بالمرأة وأكفل لحقوقها وأكثر افساحاً لحريتها من جميع الشرائع .
    ومما لا ريب فيه أننا نحيا في ظل التشريع الإسلامي العظيم الذي حفظ للمرأة ما تطمح اليه من الحقوق .
    وإذا كانت المرأة قد لقيت في بعض العصور اعناتاً وإجحافاً ، فليس الذنب ذنب التشريع الإسلامي . وإنما هو ذنب الذين حرموا المرأة حقوقها المكتسبة .

المرأة في ظل الإسلام (4)


(50)
    لذلك يجب علينا أن نستقي الحقوق والفرائض من منابعها الأصيلة الصافية . قبل أن تكدرها عهود العنت والشذوذ الاجتماعي .
    « يقول محمد العشماوي (1) : بماذا تطالب المرأة ؟ .
    بالثقافة ؟ : لقد فرض عليها الإسلام أن تتعلَّم .
    بالميراث ؟ ، لقد أعطيت نصف حظ الرجل ، وليس هذا فيه تمييز للرجال ، وأكاد أقول : ان فيه محاباة للمرأة . فعلى الرجل أعباء النفقات ،
    فإن كان ثمة غنم يقابله كبير غرم . وكيف لا وقد رفعت عن المرأة أثقال الانفاق على نفسها وعلى ذوي قرابتها . !؟
    ومن الإنصاف إذا أردنا الحكم على شيء أن نحكم عليه مجتمعاً متصلاً بمقدماته ونتائجه .
    بقي للمرأة مطالبتها بالحقوق السياسية ، فهل حرمها الإسلام تلك الحقوق ؟
    كلا بل أباح لها أن تباشر مختلف الاعمال . ويقول العشماوي أيضاً :
    « وحسبنا دليلاً على حق المساواة وانه طبيعي لا ريب فيه أن الريف المصري يضم 15 مليون يعمل نصفهم من النساء عمل الرجال بجانب عملهن الخاص . وليس بعد هذا برهان على استطاعة المرأة العمل في الميدانين : الخاص والعام .
    ولكن الريفية لم تتثقف ولم تتعلَّم ، ولذلك تعاني ضعفاً في القيام بمهمتها التي تبذل فيها جهدها كله . »
    من العدل تكليف كل عنصر حسب قدراته وحاجاته ، لأن العدل هو وضع كل شيء موضعه .
(1) مجلة الأزهر ـ الجزء الخامس ـ ص ـ 430 .