(361)
    ودهماء بنت يحيى بن المرتضى المتوفاة سنة (837) هجرية وهي عالمة جليلة ، برعت بعلوم عصرها كالنحو والمنطق والحديث والأصول والفقه والفلك والشعر ، ولها مؤلفات كثيرة ، وقد أخذ عنها طلبة العلم وحضروا عليها .
    وقد أشار ابن ابي أصيبعة في كتاب « طبقات الأطباء » إلى طبيبتين مسلمتين ، درستا الطب واشتغلتا به ، منهما الطبيبة « زينب » طبيبة بني أود التي برعت بعلاج امراض العيون .
    ومن الطبيبات المسلمات ايضاً : الطبيبة « أم الحسن » بنت القاضي أبي جعفر الطنجالي ، وقد كانت طبيبة مبرزة شهيرة في الطب ، كثيرة الاطلاع ، وأجادت علوماً كثيرة مع الطب .
    وأخت الحفيد بن زهر ، وابنتها كانتا عالمتين بالطب والمداواة ولهما خبرة كبيرة بعلاج أمراض النساء .
    إذا قلبنا صفحات التاريخ نجد ان المرأة المسلمة كانت لها المكانة السامية في العصور الاسلامية الأولى ، عصور عظمة ... عصور المجد عند المسلمين المتمسكين بمبادئ الإيمان والعقيدة ، وأصول الشرع القويم .
    ولكن بعد أن تفككت عرى الدين والإيمان من النفوس ولم يبال الناس إلى أوامر القرآن ونواهيه ، أنهارت الأخلاق وعدنا القهقرى في العصور الاستعمارية المظلمة .
    وهناك رجعت المرأة إلى الوراء ، إلى الذل والحرمان لأن المستعمر قد حكم عليها بالجهل ، والأمية مدة طويلة ، وحرمها من العلم والتعلم والتهذيب والرقي .
    فالمستعمر ظالم يتحكم في مصير الناس على هواه ، كما كان ذلك في


(362)
القرون الوسطى .
    وصحيح أن المرأة في هذا العصر أخذت تنهض من كبوتها ... لكن نهضتها هذه غير مشكورة ، لأنها لم تنهض على مقتضى القواعد الدينية والنبل والشرف .
    فهي نهضة وقتيه على غير أساس متين ترجع عليها بالخسران اذا لم تتدارك المرأة عزتها وكرامتها قبل فوات الأوان واعود فاكرر قول الشاعر :
تداركوها وفي اغصانها رمق فلا يعود اخضرار العود ان يبسا
    ونحن نهيب بالمرأة المسلمة ، وندعوها الى اجتناب الخلاعة والميوعة والانحراف عن الطريق السوي والمجون .
    كما ندعوها الى كل فضيلة ، حتى تتمكن من حماية الاسرة ، تلك الخلية الأولى التي يتألف منها المجتمع .
    حماية الاسرة ـ اقتصادياً ... واجتماعياً ... واخلاقياً وتشريعياً ضمن نطاق القوانين الاسلامية .
    فالمرأة صنو الرجل عليها ما عليه من الجهاد في سبيل الوطن الصغير ( الأسرة ) والوطن الكبير ( المجتمع ) .
    وبذلك تكون المرأة قد سبقت الرجل في مضامير الجهاد ، وقامت بواجبها على الوجه الاكمل ، ونالت ما يناله من رفعة وسؤود .


(363)
    ولا ننسى قول نابلون بونابرت : « ان المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها » .
    فاكرم بالمرأة الصالحة التي تقوم بأعباء مسؤوليتها وحسب فطرتها في جميع الميادين وعلى جميع الاصعدة بالطهارة والعفاف والعزة والشرف والكرامة .


(364)
الخاتمة
    ان المرأة اصبحت في زماننا هذا تعاني من ازمات ناتجة عن الافكار التي يبثها أصحاب العقائدة الهدامة ، وكل من يريد الشر لهذا المخلوق البريء .
    ازمات كثيرة في عالم السلوك والاخلاق والتربية وفي جميع المجالات وهذا ناشئ عن انعدام الرادع الديني في النفوس كما اسلفنا .
    يصعب على المرأة المسلمة في عصرنا الحاضر الذي أصبح بؤرة فساد أن تنجو من محنتها وشقائها ، وتتخلص مما هي فيه من واقع مرير ينذر بالويلات والدمار ، إلا اذا سارت على هدى الاسلام ونور تعاليمه الصادقة النازلة من لدن عزيز حكيم .
    ومما لا ريب فيه أن من ليس عنده رادع ديني ، نراه دائماً مع اصحاب النزعات الشريرة ، فمن لا يؤمن بالله واليوم الآخر لا يمنعه شيء من ارتكاب الجرائم ، والظلم ، وهتك الحرمات ، يجري وراء شهواته وميوله بغير هوادة .
    فالاسلام هو المدرسة العظيمة والاصلاح الشامل الذي يفيض بالعطاء والتوجيه لجميع الشعوب ، وهل يجد الانسان في جميع مراحل حياته مثل التشريع الاسلامي ؟ تلك العدالة الاجتماعية المشرقة التي تهدف الى صيانة حقوق المرأة وإزالة جميع فنون الظلم والاضطهاد ومحو ضروب الغبن والاستعباد .


(365)
    لقد حقق الأسلام للمرأة أعظم الانتصارات وقادها الى شاطئ الامن والاستقرار .
    ومما لا شك فيه ان النساء العهود السابقة ، كن اكثر اطلاعاً وأشمل اتساعاً ، للاحاطة بتعاليم الاسلام وهديه ، والعمل على طبقه .
    وكان لبعضهن نصيب وافر من الورع والتقوى والعلم والمعرفة المقرونة بالايمان والعقيدة .
    فالنساء اللواتي برزن في حظيرة الاسلام كثيرات ، لا يمكن أحصائهن أو الالمام بسيرهن على اختلاف الاجناس والطبقات ، وفي جميع المجالات .
    فمنهن من برعت بعلم الفقه وعلم الاصول ورواية الحديث . ومنهن من تفوقت بالأدب فكانت الشاعرة المبدعة والأدبية الكاتبة .
    ومنهن من حازت السبق في مجال الفن والسياسة فكانت من بينهن الاميرات الصالحات والمجاهدات ذوات الأخلاص والوفاء .
    والآن فالواجب على كل امرأة مسلمة عاقلة تؤمن بالله واليوم الآخر في عصرنا الحاضر ، ان لا تتأثر باقوال المغرضين ، ولا تنصاع لأهواء المفسدين بل تأخذ جانب الخير فتعمل به ، وتتجنب الشر فتبتعد عنه ، وتقتبس من الاعمال والصفات ما تحمد عليه ليرجع عليها بالفائدة الروحية والمعنوية .
    وختاماً اتوسل الى المولى العلي القدير أن يأخذ بيد جميع المصلحين من المسلمين المؤمنين لما فيه خير الدنيا والآخرة . انه ولي الاجابة وهو حسبنا ونعم الوكيل .
بيروت 12 رجب سنة 1389 الموافق 18 حزيران 1978
مريم نور الدين فضل الله





(366)
مصادر الكتاب
القرآن الكريم
مجمع البيان في تفسير القرآن ـ للطبرسي
نهج البلاغة ـ شرح ابن ابي الحديد
مجمع البحرين ـ للطريحي
وسائل الشيعة ـ للحر العاملي
المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ـ الدكتور جواد علي
تفسير الطبري
حضارات العالم في العصور القديمة والوسطى ـ الطبعة الثانية
الحجاب ـ ابو الاعلى المودودي
تاريخ التربية ـ الاستاذ عبد الله المشنوق
مجلة العربي
نظرات في السفور والحجاب ـ الشيخ مصطفى الغلاييني
مجلة الازهر
تاج العروس ـ للزبيدي
مستمسك العروة الوثقى ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم
منهاج الصالحين ـ للسيد محسن الطباطبائي الحكيم
منهاج الصالحين ـ السيد ابوالقاسم الخوئي
الترغيب والترهيب ـ للمنذري


(367)
مجلة الوعي الاسلامي ـ الكويت
السيرة الحلبية ـ علي بن برهان الدين الحلبي
تاريخ الطبري ـ ابن جرير الطبري
الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ـ زينب فواز
مجلة العرفان
مباني تكملة المنهاج ـ حجة الاسلام السيد الخوئي
تفسير المنار ـ الشيخ محمد عبده
تراجم سيدات بيت النبوة ـ الدكتورة بنت الشاطئ
الاغاني ـ لأبي الفرج الاصفهاني
عيون الأخبار ـ لابن قتيبة
نهاية الأرب في فنون الأدب ـ للنويري
السيرة النبوية ـ لأبن هشام
طبقات ابن سعد الكبرى
مروج الذهب ـ للمسعودي
تاريخ اليعقوبي
الميزان في تفسير القرآن ـ للطباطبائي
اعلام النساء ـ عمر رضا كحالة
ملحمة أهل البيت ـ الشيخ عبد المنعم الفرطوسي
الكامل في التاريخ ـ لأبن الأثير
بلاغات النساء ـ لا ابن طيفور
ينابيع المودة ـ للقندوزي الحنفي
حلية الاولياء ـ للحافظ الاصبهاني
ظلال الوحي ـ السيد علي فضل الله الحسني
مرآة الجنان ـ لليافعي المكي
الغدير ـ للشيخ الاميني


(368)
اعيان الشيعة ـ السيد محسن الامين
العقد الفريد ـ لابن عبد ربه الاندلسي
الاصابة ـ لابن حجر
الاستيعاب ـ لابن عبد البر
الاخلاق الاسلامية ـ السيد علي فضل الله الحسني
مقتل الحسين (ع) ـ السيد عبد الرزاق المقرم
حب ابن ابي ربيعة وشعره ـ الدكتور زكي مبارك
حديث كربلاء ـ السيد عبد الرزاق المقرم
عظمة الرسول ـ محمد عطيه الابراشي