العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: 196 ـ 210
(196)
بطيب نفس ، ولهذا السبب قام الفلاحون هناك باتلاف مواشيهم وحرق مزارعهم انتقاماً من القوانين الجائرة التي فرضت عليهم.
    6 ـ إجباره على العمل
    ويجبر الفلاح على الزراعة ، وليس له أن يتخلى عنها وقد أعرب ستالين عن ذلك بتصريحه عام ( 1936 ) قال :
    « يجب أن يكون مفهوماً أن نظام المزارع الجماعية لا يعني مجرد احتكار الدولة لكل مصادر الانتاج الزارعي ، فحسب ، بل يعني أيضاً جعل العمل شرطاً أساسياً للحصول على لقمة العيش فنحن لا نقيم المزارع الجماعية لتطعيم المتطفلين ».
    إن النظام الشيوعي لو كان يواكب الفطرة الانسانية ويتفق مع ميول الناس لما احتاجت روسيا الى تطبيقه بالجبر والاكراه ، ولما التجأت الى الوسائل غير الطبيعية في جميع مشاريعها.
    7 ـ حرمانه من الأجور الاضافية :
    إن الأجور الاضافية حق طبيعي لكل إنسان يعمل في غير الوقت المستأجر عليه في المزرعة أو في المعمل ، ولكن النظام الشيوعي يقضي بان لا يمنح الفلاح الأجور الاضافية (1)
1 ـ الزراعة السوفياتية تأليف انيسمون ص 32.

(197)
وهذا غاية ما يتصور من الظلم والغبن للفلاح.
    9 ـ عدم الحرية :
    وليس للفلاح الحرية في جميع شؤونه ، وإنما تدير أموره جمعية الكولخزين العامة فهي التي تضع له البرامج ليسير عليها وليس للفلاح الحرية في انتخاب أعضائها ، وإنما ينتخبهم الحزب الشيوعي لتكون الجمعية أداة طيعة بيد الحزب تخدم مصالحه ، وتنفذ غباته ، وقد صرح خروشوف بضرورة انتخاب أعضاء هذه المؤسسة من قبل الحزب الشيوعي فقال :
    « لقد أصبح كل شيء يتوقف على كفاءة الحزب الادارية منها والزراعية ، وبالدرجة الاولى على حسن اختيار رؤساء الكولخزات » (1).
    إن الفلاحين ليس لهم بأي حال أن ينتخبوا ممثلين عنهم يطالبون برغباتهم وبما يصبون اليه ، وانما الحزب الشيوعي ينتخب من يشاء ويفرضه على الفلاحين ليكون ممثلاً له لا لهم.
    إن الفلاح في ظل النظام الشيوعي يذيب نفسه في كيان الدولة ، ولا يتلقى إلا الخيبة والخسران لا أمل له في العيش الرغيد ، ولا نصيب له من الرفاهية والدعة فهو مستعبد للدولة.
1 ـ بيان اللجنة المركزية الشيوعية في المؤتمر العشرين 108 ـ 109

(198)
    تسلبه اختياره وتقضي على اصالة رأيه ، وتوجهه حيث تشاء.
    لقد استغلّ الشيوعيون سوء الحالة الاقتصادية التي مني بها الفلاح وإرهاق الاقطاعيين له وسيلة الى بث أضاليلهم ونشر اكاذيبهم بين الفلاحين فاذاعوا ان النظام الشيوعي يضمن لهم الحياة الطيبة الكريمة ، وان الأرض بما فيها من غرس وأشجار مع آلات الزراعة هي ملك لهم فلا استغلال لجهودهم ولا سلطان لاحد عليهم الى غير ذلك من ألوان الدعايات الكاذبة التي تلبس الحق بالباطل وتموه على البسطاء والكادحين.


(199)

(200)
    1 ـ في ظل النظام الرأسمالي
    2 ـ في ظل النظام الشيوعي
    3 ـ في ظل النظام الإسلامي


(201)
    تحدثنا في البحوث السابقة عن حقيقة العمل ومعناه في الانظمة الحديثة كما بينا أحكامه وأنواعه في الاسلام ، وقد أسهبنا بعض الاسهاب في ذلك ، وقد طال الأمد على القراء حيث انهم فيما نحسب يهمهم الاطلاع على حالة العامل في ظل النظامين الرأسمالي والشيوعي وعلى معرفة حقوقه التي منحها الاسلام له ليقفوا على أي الأنظمة اكثر فعالية ، وأضمن لحقوقه ومصالحه وقبل الخوض في بيان ذلك لا بد لنا من ذكر ما يقصد بالعامل من معنى في قانون العمل وبيان أصنافه التي جاءت فيه وما يقدمه الاسلام من مفهوم والى القراء ذلك :

    عرف قانون العمل ( العامل ) « بأنه الشخص الذي يؤدي عملاً لرب العمل لقاء أجر بموجب اتفاق خاص أو عام شفهي أو تحريري ، ويكون عند أدائه تحت توجيهه وإرادته ، أو على سبيل التدريب أو التجربة » (1) وعلى هذا التحديد فليس كل من أدى عملاً وقام به يعتبر عاملاً بل اذا توفرت فيه هذه الأمور التي نص عيها هذا القانون (2) فاذا انعدم بعضها لا يعتبر عاملاً
1 ـ قانون العمل العراقي رقم (1) سنة 1958 م.
2 ـ تجد بيان هذه المواد في شرح قانون العمل ص 7 ـ 13.


(202)
بالاصطلاح القانوني.
    ولكن الاسلام يفترق افتراقاً أساسياً عن هذا المفهوم التقليدي ويقدم مفهوماً شاملاً له طابعه الخاص وله أصالته الفكرية كما مر بنا ( في العمل وأنواعه ) وسيأتي تفصيله في بيان حقوق العامل في ظل النظام الاسلامي.

    العمال صنفان : ( الصنف الأول ) العمال المستقلون وهم الذين يشتغلون لحسابهم الخاص ، وهم كأرباب الحرف الذين يملكون محلاتهم الخاصة ، وكاصحاب المهن الذين لهم مكاتبهم الخاصة.
    « الصنف الثاني » العمال التابعون وهم الذين يستخدمون لقاء أجر أو راتب معين كالعمال في الزراعة ، والمستخدمين في الصناعة ، والتجارة ، والخدمات سواء أكان عملهم للافراد أم للدولة ، ويؤلف هذان الصنفان مجموع قوة العمل في القطر.
    والبحث عن حقوق العامل في الأنظمة الحديثة إنما يعني بالدرجة الأولى النصف الثاني من العمال وهم الذين لا يشتغلون لحسابهم الخاص ، وأما الاسلام فقد عنى بكل الأصناف ، وشرع لهم من الحقوق العادلة التي تضمن لهم الكرامة والعيش


(203)
الرغيد ، والضمان الاجتماعي الذي سنه ويشمل جميع أصنافهم ـ كما سنبينه ـ ولنعد بعد هذا الى ذكر حالة العامل في الأنظمة القائمة ، وفي ظل نظام الاسلام ، والى القراء ذلك :

    ولن يتم لنا الوقوف على حالة العامل في ظل النظام الرأسمالي إلا بعد معرفة الخطوط الرئيسية التي تبتني عليها الرأسمالية وبيان المؤاخذات التي تترتب عليها فان الاحاطة بذلك ـ ولو إجمالاً ـ أمر لا بد منه وهي كما يلي :
    1 ـ ملكية الفرد
    ويقرر النظام الرأسمالي الملكية المطلقة للفرد فكل ما تصل اليه يده بأي وسيلة كانت فهو ملك له يتصرف فيه حيثما شاء وعلى الدولة القيام بحمايته ، وتمكينه من التصرف فيه.
    إن النظام الرأسمالي يبتني على الاعتراف بملكية الفرد لجميع ألوان الثروة من أرض ، وآلات ومباني ، وغيرها من وسائل الانتاج ، وللفرد أن يملك ما شاء لا يمنع عنه ، حتى ولو تضخمت نقوده ، وبلغت الملايين فليس للدولة الحق في


(204)
الاستيلاء عليها أو تأميم ممتلكاته ونزعها منه بل عليها أن تفسح المجال أمامه لتنمية أمواله وزيادة أرباحه ، وليس لها بأي حال أن تقوم بعمليات اقتصادية تناهض النشاط الفردي.
    إن النظام الرأسمالي يؤمن بجميع الوسائل التي تؤدي الى تضخم الثراء الفاحش ، كالربا والاحتكار والاستغلال وغير ذلك من الطرق الملتوية التي تعتمد على الخداع والختل ، وتؤدي الى فقر المجتمع وحصر ثروته عند فئة قليلة تتحكم في مصيره ، حيث ان جميع ذلك من الوسائل المشروعة في عرفهم ما دامت تؤدي الى تراكم رأس المال الفردي.
    2 ـ الحرية
    ويكفل النظام الرأسمالي الحرية التامة للفرد في جميع المجالات العملية فله أن يستعمل جميع الوسائل في الحصول على الأرباح ، كما له أن يتوسع في انتاج البضائع ، وان يبيعها بما شاء من الثمن القليل أو الكثير حتى لو أفرط في وضع أغلى الاثمان للسلعة فانه حر في ذلك لا سلطان لأحد عليه.
    إن النظام الرأسمالي يضمن الحرية بنطاقها الواسع للفرد في سبيل الحصول على الارباح ، وتنمية المال حتى لو أدى ذلك الى إرهاق العمال وعنائهم.


(205)
    إن النظام الرأسمالي لا يهتم بأي حال بما يصيب العمال من حيف وظلم وحرمان ، وذلك لأجل حرية صاحب المال واتساع ثروته.
    إن حرية الفرد في استحصال الثروة هي الحجر الاساسي التي تبتني عليها الرأسمالية ، وقد ذهب اليها مؤسسو علم الاقتصاد وأعاظم رجاله كالفيزيوقراطيين ، وآدم سميث ، ومالثوس ، وريكاردوا ، وأضرابهم ، ويسمى هذا المذهب ب‍ « المذهب الفردي » لانهم يعتبرون الفرد قطب الحركة الاقتصادية ومحورها الذي تدور عليه في جميع اوضاعها ، واطوارها ... ان الحرية الاقتصادية عند الرأسماليين سبب لتنمية الانتاج واتساع الثروة العامة في البلاد ، وعلى الدولة القيام بتوسيع المجال للاعمال الفردية بقدر ما تستطيع ورفع جميع الموانع التي تؤثر في حرية الفرد.
    لقد ذهبوا الى انه لا سبيل الى حق الانسان في الحياة إلا أن يمنح الحرية الواسعة في كل ما يصبو اليه في هذه الحياة.
    3 ـ المنفعة الذاتية
    ويبتني النظام الرأسمالي على المنفعة الذاتية ، فهي المحفزة للعمل ، وانتاج جميع المواد الاستهلاكية ، وانها من العناصر


(206)
الرئيسية التي تتكون منها معالم الرأسمالية فقد ذكر ( ج. م. كيز ) ان دور المال وحب المال عند الفرد من أهم مقومات الرأسمالية (1).
    إن المنفعة الذاتية من الصفات المتأصلة ، وانها هي التي تدفعه الى العمل والخوض في معترك الحياة ، فاذا فتحت أبواب المنفعة أمام الشخص فان الانتاج يزداد ويتوسع ، واذا سدت أبوابها في وجهه فان الحياة الاقتصادية العامة تصاب بانتكاسة كبرى ، ويقضى على معالم الحياة الاقتصادية في البلاد.
    هذه بعض الخطوط الرئيسية التي يبتني عليها النظام الرأسمالي ، وقد حفل بجميع ركائزه وخطوطه بالظلم الاجتماعي ، وتمثل على مسرحه الغبن بجميع مفاهيمه وألوانه ، وأدى الى نشر القلق والاضطراب في الأرض ، والى تحطيم المثل العليا وإقصاء العدالة الاجتماعية عن واقع الحياة العامة.
    4 ـ المؤاخذات
    وحفل النظام الرأسمالي بالسيئات والمفاسد ، وعلينا أن نشير الى بعض المآسي التي تترتب عليه والى حالة العامل في ظلاله وهي :
1 ـ هذه هي الرأسمالية تأليف فرنسوابيرو ترجمة محمد عيتاني ص 40.

(207)
    1 ـ نهب الثروات
    إن النظام الرأسمالي لما قضى باطلاق حرية الفرد في الكسب وإباحة جميع الوسائل لاستحصاله للثروة ، عمد الرأسماليون الى الإمعان في الطرق المؤدية الى الاستيلاء على مقدرات الأمة ونهب ثرواتها الاقتصادية ، والتآمر على مصالحها ، وقد اعترف بذلك آدم سميث بقوله : « قلما يجمع التجار وأهل الحرف والصناعات مجلس من المجالس إلا انتهى بمؤامرة منهم على مصلحة الجمهور أو قرار لرفع أسعار البضائع ، حتى لا تكاد تخلو المناسبات التي يتسنى لهم الاجتماع فيها من اقتراف مثل هذه الجريمة الشنيعة (1).
    لقد تكدست ثروات المجتمع عند فئة قليلة فراحت تتحكم في مصير البلاد ، وتبني مصالحها الخاصة على اماتة الشعب وافقاره والحكومة القائمة سند لها تحافظ على ثرائها وتهيئ لها جميع الوسائل التي تؤدي الى استغلال الجماهير واستعبادها الأمر الذي أدى الى شيوع الفقر ، وحدوث الاضطراب الشامل في المحيط الاقتصادي والاجتماعي.
    لقد نهبت الدول الاستعمارية الكبرى جميع الثروات المعدنية
1 ـ اسس الاقتصاد بين الاسلام والنظم المعاصرة : ص 48.

(208)
من شعوب العالم وخصوصاً من العالم الاسلامي ، فقد استغلت جميع ثرواته ومن أهمها البترول فقد استولت عليه فقدر ربحها سنة ( 1955 ) ما يساوي 500 الف مليون دولار بالاضافة الى الآبار التي حدثت أخيراً فكان ربحها في كل عام 900 الف مليون دولار (1) وتوزع هذه الأرباح الهائلة على الشركات المساهمة في لندن وباريس ونيويورك ، والعالم الاسلامي يحيطه الفقر والعري والمرض والجهل.
    2 ـ التحكم في مصير الشعوب
    إن الرأسماليين الذين يملكون الشركات الرأسمالية الكبرى يتحكمون في مصير الشعوب ، ويتلاعبون في مقدراتها ، ويسيرون الدول حسب أطماعهم ، فقد كان لهم ضلع كبير في إثارة الحرب العالمية الأولى والثانية ، لأن بضائعهم أخذت تتزاحم في الاسواق العالمية فلم يجدوا مجالاً لتصريفها والظفر بالأرباح الهائلة إلا باشعال نار الحرب في العالم فالهبوا نيران الحروب ، وأحرقوا البلاد والعباد في سبيل تضخم أموالهم ، فاحتكروا بضائعهم ومنتجاتهم وباعوها بأغلى الأثمان ، كما تلاعبوا في الأسواق ، وقد نهبوا
1 ـ رسالة الثروة المعدنية للدكتور سعيد محمد عودة ص 9.

(209)
بذلك ثروات الأمم وامتصوا دماء الشعوب وتركوا الفقر جاثماً عليها.
    إن جهاز الحكم في الدول الاستعمارية الكبرى توجهه فئة من الرأسماليين ، فهي التي ترسم خطوط السياسية الاستعمارية على أساس ضمان منافعها الخاصة وزيادة أرباحها ، كما أنها تتدخل تدخلاً سافراً في شؤون الشعوب الداخلية فتعرقل سير كل حركة اصلاحية تعمل على نشر الوعي وعلى استقلال البلاد والتخلص من الاستعمار.
    3 ـ اشاعة البطالة
    إن الانقلاب الصناعي الذي حدث في هذه العصور قد غير مجرى الانتاج العالمي في العصور الأولى فان الأعمال التي كانت تقوم بها القوى الانسانية من قبل أصحبت تقوم بها الآلات الحديثة فان عدداً قليلاً من العمال أخذوا ينجزون من العمل بتوسط الآلة ما يعجز عن القيام به المئات من العمال من قبل ، وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك الى تعطيل الكثيرين من العمال.
    إن الانتاج الميكانيكي قد عطل كثيراً من الطاقات الانسانية كما سبب نشر البطالة التي أصبحت من أهم المشاكل العامة في


(210)
العصور الحديثة فقد عانت منها الدول الكبرى أشق ألوان المصاعب السياسية والاجتماعية.
    إن الانتاج الحديث قد اضطر العمال الى التهافت على المعامل والخضوع لأربابها والتماس العمل منهم فالذين ساعدهم الحظ قبلوا فيها ، وخضعوا في نفس الوقت لجميع الشروط التي يمليها عليهم صاحب المعمل مهما كانت قاسية ، ومهما كان الأجر زهيداً ، والذين لم يساعدهم التوفيق بقوا حيارى ينهشهم الجوع ويلسعهم البؤس حتى اضطروا الى ارتكاب الجرائم والموبقات.
    إن النظام الرأسمالي هو نظام الازمات الاقتصادية المتواترة التي تحدث البطالة والتعطل بين العمال ، فقد حدثت البطالة في أوربا ، وأمريكا ، وقدر عدد المعطلين فيهما بنحو ستين مليوناً أو سبعين مليوناً من العمال (1) وكان معنى هذا التعطل ان تعرض العمال للجوع والعري والمرض والموت.
    2 ـ اقصاء الاخلاق
    وأعقب النظام الرأسمالي اقصاء الاخلاق وتحطيم القيم الانسانية فان المصلحة الشخصية هي الهدف الأسمى للرأسماليين فلا يوجد للفضيلة أي واقع في اتجاهاتهم ، قد اترعت مشاعرهم
1 ـ برنادشو لسلامة موسى : ص 65.
العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: فهرس