العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: 241 ـ 255
(241)
السابقة بعض المؤاخذات المهمة التي توجه الى هذه الفكرة.
    أما الاسلام فقد أقر الملكية الفردية ، وفرض على الدولة حمايتها ولكنه وضعها في إطار خاص ففرض عليها من القيود والضرائب ما لا يوجب تضخمها وتوسعها لأنه قد حدد الوسائل التي تؤدي اليها كالتجارة من وجوهها المشروعة فليس للمسلم أن يكتسب المال بأي طريق أراد بل يجب عليه أن يسلك الطرق المشروعة وأن يكتسب المال الحلال ، وليست الملكية في حد ذاتها هي السبب في شقاء العامل بل ان نوعية الملكية الرأسمالية واطلاق الحرية الى أبعد حد هي السبب في التفاوت الطبقي الظالم والشقاء المتواصل ولذلك فان العامل وغيره من كل الاصناف يشتاق ويرغب بشدة في أن يتملك جهوده وثمرات أتعابه ، فالوسائل المحرمة التي توجب الاضرار بالمواطنين قد نهى الاسلام عنها وحرمها ، والزم الدولة بالتدخل في ذلك لحماية الاقتصاد العام ، ونحن نشير الى بعضها وهي :
    1 ـ النهي عن الاحتكار
    لقد شدد الاسلام في النهي عن الاحتكار ، يقول الرسول (ص) : « لا يحتكر الطعام إلا خاطئ ، وانه ملعون » ويقول (ص) : « من احتكر الطعام أربعين يوماً فقد برئ


(242)
من اللّه وبرئ اللّه منه » ويقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام لعامله مالك الاشتر بعد أن مدح التجار « واعلم ان في كثير من التجار ، وذوي الصناعات ضيقاً فاحشاً ، وشحاً قبيحاً ، واحتكاراً للمنافع ، وتحكماً في البياعات. وذلك باب مضرة للعامة ، وعيب على الولاة. فامنع من الاحتكار فان رسول اللّه (ص) منع منه ، فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقبه في غير إسراف ».
    إن الدولة الاسلامية مسؤولة عن حماية المواطنين من الاحتكار ، وعليها أن تصد ذلك ، وتعاقب عليه ، وتستولي على الأموال ، وتسعرها هي ان اجحف أربابها بالسعر ، وعلى هذا فليس لأرباب الأموال التلاعب في الأسواق والاضرار بالمصلحة العامة.
    2 ـ تحريم الربا
    وحرم الاسلام الربا لأنه يؤدي الى نشر الفقر ، واضطراب الحياة الاقتصادية ، ويفضي الى قتل المشاعر الانسانية وقطع صلات المودة والرحمة بين الناس ، وذلك يتنافى مع تعاليم الاسلام التي حثت على التعاون والتآلف وبذل المساعدة لمن يحتاج اليها.
    لقد اعتبر الاسلام الربا منكراً اقتصادياً عظيم الإثم فجاء


(243)
حكمه الصارم بالتحريم قال اللّه تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله وان تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ) (1) وقال تعالى : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخطبه الشيطان من المس ) (2) وقد أفاد سماحة الامام المغفور له الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء في إيضاح هذه الآية قال ما نصه :
    وهذا تصوير بديع لحال المرابين ، وعظيم جشعهم ، وحرصهم على جمع المال وادخاره وتوفيره فهو كالذي فيه مس من الجنون يذهب ويجيء ، ويقوم ويقعد ، ويأخذ ويعطي ، فهو في حركة دائبة ، وعمل متواصل ، لا يقر له قرار ، ولا يستريح من التفكير والتوفير والادخار في ليل ولا نهار وإذا اعترضه معترض قال مبرراً عمله : إنما البيع مثل الربا ، والبيع حلال فالربا مثله ، وهو قياس فاسد ، ويعرف فساده من القاعدة الشرعية المباركة ( الغنم بالغرم ) فكل معاملة فيها غنم بلا غرم فهي أكل مال بالباطل ، والبيع غنم بغرم ، ومبادلة
1 ـ سورة البقرة : آية 278 ـ 280.
2 ـ سورة البقرة : آية 275.


(244)
مال بمال ، بخلاف الربا فانه للآخد غنم بلا غرم ، وللدافع غرم بلا غنم ، فاذا أعطى عشرة باثنتي عشرة من جنس واحد فقد أخذ اثنين بلا عوض فهو أكل مال بالباطل (1).
    لقد حرم الاسلام الربا ، ونهى عنه ، وليس للمسلم أن يتعاطاه فهو من أعظم الكبائر والموبقات فعن النبي (ص) : « من أكل الربا ملأ اللّه بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل ، وان اكتسب منه لم يقبل اللّه منه شيئاً من عمله ، ولم يزل في لعنة اللّه والملائكة ما كان عنده قيراط واحد » وقال الامام أمير المؤمنين (ع) : « آكل الربا ، وموكله وكاتبه وشاهده في الوزر سواء » وقال الامام الصادق (ع) : « درهم ربا أعظم عند اللّه من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت اللّه الحرام ».
    إن جريمة الربا من أعظم الموبقات في الاسلام ، وذلك لما تترتب عليه من الاضرار الفظيعة فانه يسبب شل الحركة الاقتصادية وحصر الثروة عند فريق من الناس.
    حيث ان المرابي يبني سعادته على شقاء الآخرين ، فقد نهب المرابون أموال الناس وأشاعوا الفقر والبؤس في البلاد.
    إن الربا وسيلة للاستعمار فقد ثبت ان الغزو الاقتصادي
1 ـ الفردوس الاعلى ص 176 ـ 177 الطبعة الثانية.

(245)
القائم على المعاملات الربوية كان الممهد الفعال للاحتلال العسكري والاقتصادي الذي سقطت اكثر دول الشرق تحت رحمته ، فقد اقترضت الحكومات الشرقية وفتحت أبواب البلاد للمرابين الأجانب فما هي إلا سنوات معدودة حتى تسربت الثروة من أيدي المواطنين الى هؤلاء الغازين ، حتى اذا أفاقت الحكومات وأرادت الذود عن أنفسها وأموالها استعدى هؤلاء الأجانب عليها دولهم فدخلت باسم حماية رعاياها ، ثم تغلغلت هي كذلك فوضعت يدها مستثمرة مرافق البلاد (1).
    إن الربا من أهم الجراثم وأفتكها ، لذا أمر الاسلام بتحطيمه وإزالته من الأرض لانه من مصادر البؤس والفاقة في المجتمع.
    3 ـ حرمة الغبن
    وحرم الاسلام الغرر في المعاملة وهو البيع بدون ثمن المثل أو الشراء باكثر منه مع الجهل بالقيمة وذلك بأن يبيع ما قيمته خمسون بمائة ، وقد جعل الاسلام للمغبون خيار الفسخ فحين إطلاعه عليه له أن يبادر الى فسخ المعاملة ليسلم من الضرر.
1 ـ روح الدين الاسلامي : ص 299.

(246)
    4 ـ حرمة التلاعب بالاوزان
    ومما شرعه الاسلام لحفظ أموال الناس تنظيم الأوزان وعدم التلاعب بها فقد حذر الذين يتلاعبون في الأوزان بالتنكيل بهم في يوم حشرهم قال تعالى : ( ويل للمطففين الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ، ألا يظن أولئك انهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) (1).
    لقد أمر الاسلام أبناءه باقامة الوزن بالقسط قال تعالى : ( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) (2).
    ان الأموال التي تنشأ من التلاعب في الميزان أموال مغصوبة لا يجوز للمسلم أن يتصرف فيها بأي وجه من الوجوه ويجب عليه أن يرجعها الى أهلها.
    5 ـ حرمة الرشوة
    وحرم الاسلام الرشوة ، وجعلها من كبائر الذنوب والموبقات وهي على حد الكفر باللّه تعالى ، أو الشرك به ،
1 ـ سورة المطففين آية 1 ـ 6.
2 ـ سورة الرحمن آية 9.


(247)
والأموال التي تؤخذ من هذا السبيل أموال مغصوبة لا يجوز أن يتصرف بها بأي لون من ألوان التصرف لأنها من أظهر أكل المال بالباطل الذي نهى عنه في القرآن الكريم قال اللّه تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ).
    لقد تظافرت الأخبار بحرمتها وعدم جوازها. فعن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) قال ايما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب اللّه عنه يوم القيامة ، وعن حوائجه وان أخذ هدية كان غلولاً ، وان أخذ رشوة فهو شرك. وفي رواية عمار بن مروان : « وأما الرشا فهو الكفر باللّه العظيم ».
    لقد حرم الاسلام الرشوة في جميع المجالات لأنها تؤدي الى تحطيم الحق واماتة العدالة وإحياء الباطل ، وشيوع الظلم وفساد البلاد. والموظف الذي لا يقوم بواجبه إلا بالرشوة فهو خائن لوطنه ، وخارج عن ربقة الاسلام.


(248)
    إن الأوضاع الهزيلة التي انتشرت في البلاد الاسلامية كان أكثرها مسبباً عن انتشار الرشوة بين بعض الموظفين وعدم قيامهم بواجبهم.
    فالدولة الاسلامية أول ما تعني به القضاء على الرشوة وتحطيمها ومعاقبة المرتشين وإقصائهم عن جهاز الحكم ، لأن الرشوة تؤدي الى فساد الحكومة والشعب ، حيث أن المجرم لا يرى أهمية لجريمته ما دامت الرشوة موجودة ، ولقطع دابرها فقد قضت سياسة الاسلام أن لا يجيب الموظف أحداً يدعوه حتى الى وليمة ما دام يحتمل إنها لأجل التقرب اليه وقد بلغ أمير المؤمنين (ع) أن عامله على البصرة عثمان بن حنيف قد دعي الى وليمة فأجاب فكتب اليه هذه الرسالة يهدده ويتوعده على ما صدر منه ، ويرشده الى الاستقامة وعدم ارتكاب مثل ذلك وقد جاء فيها :
    « أما بعد يابن حنيف فقد بلغني إن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك الى مأدبة فأسرعت اليها تستطاب لك الألوان وتنقل اليك الجفان ، وما ظننت انك تجيب الى طعام قوم عائلهم مجفو (1) وغنيهم مدعو : فانظر الى ما تقضمه من هذا
1 ـ عائلهم : أي محتاجهم ( مجفو ) أي مطرود من الجفاء.

(249)
المقضم ، فما اشتبه عليك علمه فالفظه وما أيقنت بطيب وجوهه (1) فنل منه » (2).
    وأراد الأشعث بن قيس أن يتقرب من الامام أمير المؤمنين (ع) ويتصل به ففكر في ذلك فرأى الامام (ع) لا يأكل إلا الجشب من الطعام فصنع له حلوى جيدة ، وبعثها اليه.
    ولنستمع الى الامام (ع) يحدثنا عن موقفه تجاه هذا الأمر يقول (ع) :
    « وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة (3) في وعائها ، ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت : أصلة أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل البيت فقال : لا ذا ولا ذاك ، ولكنها هدية ، فقلت : هبلتك الهوابل (4) ، أعن دين اللّه
1 ـ بطيب وجوهه : أي تتيقن بالحل في طرق كسبه.
2 ـ نهج البلاغة محمد عبده 3 ـ 78.
3 ـ الملفوفة : نوع من الحلوى.
4 ـ هبلتك ـ بكسر الباء ـ ثكلتك ، والهبول ـ بفتح الهاء ـ المرأة التي لا يعيش لها ولد.


(250)
أتيتني لتخدعني ؟! أمتخبط أم ذو جنة أم تهجر (1) واللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها جلب شعيرة (2) ما فعلت ، وان دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها ، ما لعلي ونعيم يفنى ، ولذة لا تبقى ، نعوذ باللّه من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين » (3).
    هذا هو موقف الاسلام تجاه الرشوة وهو موقف صريح واضح يقضي بازالة شبحها وإبعادها عن واقع الحياة الاسلامية كما حكم بان الأموال التي يرتشى بها هي ملك لصاحبها لا يجوز تملكها ولا التصرف بها.
    6 ـ النهي عن الترف والتبذير
    من معالم الاقتصاد الاسلامي المنع من الترف والتبذير لأنهما يوجبان التفاوت بين طبقات المجتمع تفاوتاً يثير الكراهية والحقد في نفوس الفقراء الذين لا يجدون سعة في الأموال بالاضافة الى أن ذلك يؤدي الى فساد أخلاق المترفين وترهلهم
1 ـ المختبط : من اختل نظام ادراكه ( تهجر ) أي تهذي بما لا معنى له.
2 ـ جلب الشعيرة ـ بكسر الجيم ـ قشرها.
3 ـ نهج البلاغة 2 ـ 244.


(251)
فان الطبقة المترفة كانت ولا تزال في كل أمة مصدراً للتحلل الخلقي ، وسبباً لهلاك الأمة وخراب الأوطان والديار قال تعالى : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحقّ عليها القول فدمرناها تدميراً ) (1).
    إن المترفين يحاربون كل إصلاح ، ويقفون حجر عثرة في طريق المصلحين معتمدين على أموالهم وأولادهم وقد حكى القرآن الكريم هذه الظاهرة النفسية عنهم بقوله : ( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها انا بما أرسلتم به كافرون وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً ، وما نحن بمعذبين ) (2).
    وقد أعد اللّه تعالى لهذه الطبقة المترفة في الدار الآخرة ألواناً من العقاب الأليم ، قال تعالى : ( وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم انهم كانوا قبل ذلك مترفين ) (3).
    إن من أهم الدعائم التي يبتني عليها الاقتصاد الاسلامي النهي عن السرف وتبذير الأموال في الأمور التافهة التي لا تعود
1 ـ سورة الاسراء : آية 16.
2 ـ سورة سبأ : آية 33 و 34.
3 ـ سورة الواقعة : آية 40 ـ 44.


(252)
بأي فائدة على المجتمع ، فقد نهى الاسلام ووصف المبذرين بانهم إخوان الشياطين قال تعالى : ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً. إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ) (1).
    لقد فرض الاسلام على صاحب المال رقابة تحمي أمواله من أن يذهب بها مذاهب السفه والاستخفاف ، فالسفيه المتلاف إذا ساء التصرف في أمواله وجب أن يحجر عليه ، ولا يعطى منها إلا ما يسد حاجته قال تعالى : ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللّه لكم قياماً وارزقوهم فيها ، واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفا ) (2).
    فالسفهاء هم المسرفون ، المبذرون أموالهم في غير الوجوه المعقولة أما لفساد أخلاقهم وضعف عقولهم أو لسوء تدبيرهم وتصرفهم فالآية نهت المسلمين أن يطلقوا أيدي السفهاء في الأموال يبعثرونها ، ولا يحسنون التصرف فيها ، وفيها إشارتان بليغتان الى حث المسلمين على المحافظة على أموال السفهاء وصيانتها من إسرافهم وتبذيرهم.
1 ـ سورة الاسراء : آية 26 و 27.
2 ـ سورة النساء : آية 5.


(253)
    « الاولى » في قوله تعالى : أموالكم فلم يقل اللّه « ولا تؤتوا السفهاء أموالهم » بل قال « ولا تؤتوا السفهاء أموالكم » ليلفت أنظار المسلمين الى أن مال السفيه هو في الوقت نفسه مال الأمة فيجب المحافظة عليه وعدم إعطائه للسفيه لأنه إن بدده وأصبح فقيراً كان خطراً على المجتمع وعلى أموال أفراده فالخلافة في الملكية تقضي بأن مال السفيه هو مال المسلمين.
    « الثانية » في قوله تعالى : « التي جعل اللّه لكم قياماً » أي ان الأموال جعلها اللّه قياماً أي تقوم بها معايشكم وتبنى عليها مصالحكم فهي قوام وعماد الحياة الاقتصادية ، ففي تضييع السفيه لها تضييع لهذا العماد الذي هو قوام الحياة.
    فالسفيه إذا بدد ماله ، وأنفقه على الفساد فكأنما بدد مال الامة جميعاً ، وعرض حياته وحياة مجتمعه لخطر الفقر (1).
    إنه ليس من الاسلام أن يسرف الانسان في الانفاق على شهواته وملاذه بل عليه أن ينفق بالمعروف من غير سرف أو تقتير قال تعالى : « كلوا واشربوا ولا تسرفوا » (2) وقال تعالى : « ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ، ولا تبسطها كل
1 ـ روح الدين الاسلامي ص 293.
2 ـ سورة الاعراف آبة 30.


(254)
البسط فتقعد ملوماً محسوراً » (1).
    وبهذا التوازن بنى الاسلام اقتصاده الخلاق فليس للمسلم أن يضيق على نفسه ويمسك يده ، وليس له أن يسرف ويطلق العنان لرغباته ، فان كلا الامرين لا يقرهما الاسلام بحال.
    7 ـ حرمة كنز الأموال
    من الخطوط الرئيسية في الاقتصاد الاسلامي حرمة كنز الاموال وادخارها ، وعدم إخراج الحقوق المفروضة منها فان ذلك يوجب الاخلال بالاقتصاد العام ، وتعريض البلاد للازمات الاقتصادية ، وقد توعد تعالى المكنزين بأن أموالهم ستكون في الآخرة ناراً تحرق أجسامهم ، وتكوي جنوبهم قال تعالى :
    ( والذين يكنزون الذهب والفضة ، ولا ينفقونها في سبيل اللّه فبشرهم بعذاب أليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) (2) انه ليس من الاسلام أن تحجب الأموال وتكنز ولا تستفيد البلاد منها فان ذلك يؤدي حتماً الى شل الحركة الاقتصادية والى إضرار المسلمين ، والاسلام
1 ـ سورة الاسراء آية 28.
2 ـ سورة التوبة آية 34 و 35.


(255)
يشجب ذلك ولا يقره بأي حال فقد جاء لازدهار الحياة ، والقضاء على جميع صور الشقاء منها ، وقد جعل اللّه سبحانه وتعالى فريضة الزكاة على النقود المكتنزة من الذهب والفضة لتكرر كل سنة فيها حتى تنخفض الى الحد الادنى وتتسرب الى العمل النافع في ميدان المجتمع العام ولعل ذلك يوجب تشغيل الثروة من قبل أصحابها بدلاً من اكتنازها وأداء الزكاة المتكررة.

    وفرض الاسلام ضرائب مالية على الاموال ، وهي تخفف من طغيان رأس المال وتقضي على تضخم الملكيات وتطارد الفقر والفاقة وتنشر المحبة والوئام بين أفراد المجتمع وقد ألزم الاسلام مالكي الثروات بتأديتها للفقراء والمعوزين لتسد حاجتهم وتقيم أودهم ونشير الى بعضها وهي :
    1 ـ الزكاة
    الزكاة ليست إحساناً فردياً متروكاً لضمير الفرد فان شاء أداها ، وإن شاء امتنع عن ادائها وانما هي حق لازم تأخذه الدولة وتقاتل عليه ، فهي أحد أركان الاسلام ، وقد جاء الامر بها في الذكر الحكيم مقرونة بالصلاة في نحو ثلاثين موضعاً
العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: فهرس