العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: 301 ـ 315
(301)
حقق كل ما يصبو اليه الفقير من الرفاهية والكرامة والسعادة.

    لقد أعلن ارسول الأعظم (ص) مبدأ التكافل الاجتماعي ورفع شعاره ودعا المسلمين الى تطبيقه في جميع مجالات حياتهم لأنه ينفي عنهم جميع ألوان البؤس وأنواع الشقاء ، ويقود مجتمعهم الى شاطئ الخير والرفاهية والمحبة ، وعلينا أن نشير الى بعض معالمه وهي ما يلي :
    1 ـ المحبة والاخاء
    إن رسالة الاسلام الخالدة تبتني على الحب والاخاء فإن الهدف الأسمى الذي ينشده الاسلام هو غرس بذور المحبة في أعماق القلوب ودخائل النفوس ، وقد وصف النبي (ص) المسلمين في تعاطفهم وتوادهم بقوله :
    « مثل المؤمنين في توادهم ورحمتهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالحمى ، والسهر ».
    لقد عقد الاسلام أواصر الإخاء والمحبة في نفوس المسلمين ، وجعلهم كجسم واحد ، فاذا أصيب بعضهم بمكروه فانه يصيب الجماعة الاسلامية بأسرها ، ومن الطبيعي ان الحب


(302)
اذا ساد بين المسلمين فانهم حتماً يشتركون في السراء والضراء ، ويعطف بعضهم على بعض ، لقد بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم رجلاً في حاجة له فابطأ عليه فلما مثل عنده قال له :
    ـ ما أبطأك ؟
    ـ العري
    ـ أما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما ؟
    ـ بلى : يا رسول اللّه!
    فتألم النبي واندفع يقول :
    « ما هذا لك باخ » (1).
    إن الاخوة الاسلامية تجمع المسلمين على صعيد المحبة والتودد ، وتدفع المسلم لأن يقوم تجاه المسلم بما يقوم به تجاه أخيه من الحب له والاحسان اليه وقد جاء في الحب ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) (2).
    إن الشخص كما يحب لنفسه البقاء والكرامة والمتع
1 ـ المكاسب للشيخ الانصاري.
2 ـ صحيح مسلم وصحيح البخاري.


(303)
الملذوذة في الحياة فانه لا يكون مستكمل الايمان حتى يحب ذلك لأخيه المسلم.
    لقد رفع القرآن الكريم لواء الأخوة الاسلامية قال اللّه تعالى : « إنما المؤمنون اخوة » (1) والاخوة اذا سادت بين المسلمين فانها تكون من أهم العوامل لتكافلهم وتضامنهم.
    2 ـ التعاون
    إن مبدأ التكامل الاجتماعي يقوم على أساس التعاون بين أفراد المسلمين في جميع أمورهم ، وقد دعا القرآن الكريم الى ذلك قال اللّه تعالى : « وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان » (2) يقول صفوان الجمال : دخلت على أبي عبد الله الصادق (ع) إذ دخل عليه رجل من أهل مكة يقال له ميمون فشكى اليه تعذر الكراء ، فقال لي :
    ـ قم فاعن أخاك.
    فانطلق صفوان فقضى حاجة ذلك الرجل ثم رجع الى مجلسه فقال له الامام :
1 ـ سورة الحجرات اية 10.
2 ـ سورة المائدة آية 2.


(304)
    ـ ما صنعت في حاجة أخيك ؟
    ـ قضاها اللّه.
    وبدى السرور على سحنات وجه الامام فانبرى قائلاً :
    « أما انك إن تعين أخاك المسلم أحب إلي من طواف اسبوع في البيت ».
    ويقول الامام موسى بن جعفر عليه السلام « إن للّه تحت عرشه ظلالا يسكنه إلا من أسدى الى أخيه معروفاً ، أو نفس عنه كربة أو أدخل على قلبه سروراً » (1) لقد تظافرت الاخبار بالحث على التعاون فهو من أهم الاهداف الاصيلة التي ينشدها الاسلام لأنه يؤدي الى رفع مستوى المعيشة ، وتقليل الأتعاب وازدهار الحياة.
    3 ـ لزوم الانفاق
    والزم الاسلام بالانفاق على بعض الفئات تحقيقاً للتكافل الاجتماعي بين المسلمين ، ولاقصاء الفقر والاعواز عن البلاد ونشير الى بعضها وهي :
    1 ـ الأب ينفق على أولاده وعلى أحفاده وأسباطه
1 ـ حياة الامام موسى بن جعفر (ع) 1 ـ 103.

(305)
ذكوراً كانوا أم أناثاً بشرط فقرهم ، وعجزهم عن العمل ، وقدرته على الانفاق أما مع عجزه عن ذلك فان الدولة هي التي تتولى الصرف عليهم.
    2 ـ الولد ينفق على أبويه وعلى آبائهم وامهاتهم ، ويشترط في ذلك عين ما ذكرناه من الشروط المتقدمة أما الأمور التي يجب بذلها لهم فهي :
    1 ـ المسكن وما يحتاج اليه من الأثاث.
    2 ـ الكسوة التي يحتاج اليها في الصيف والشتاء.
    3 ـ الطعام الذي يكفيهم.
    وإذا امتنع المكلف من القيام بذلك فان السلطة تجبره على ذلك وتبيع أمواله عدى المستثنيات منها لتنفقها على هؤلاء (1).
    3 ـ الزواج : يجب عليه أن ينفق على زوجته ، ويقوم بشؤونها ، أما كيفية النفقة وكميتها فقد ذكرتها كتب الفقه الاسلامي بالتفصيل.
    الى هنا ينتهي بنا الحديث عن مبدأ التكافل الاجتماعي
1 ـ الروضة كتاب النكاح.

(306)
وعن الحقوق لالتي منحها الاسلام للعمال ولغيرهم من أبناء المجتمع وهي تضمن لهم الكرامة والعيش الرغيد ، وتصون حقوقهم ، وتؤمن حياتهم ، وتدفع عنهم غوائل الفقر والاعواز.

    إن الاسلام شرع لرب العمل حقوقاً على العامل ، والزمه بادائها وهي :
    1 ـ نصح العامل
    على العامل أن يخلص في عمله ، وينصح فيه ، ويراقب اللّه في ذلك ليظفر باالمال الحلال الذي هو أثمن شيء ، فقد ورد في الحديث ( خير الكسب كسب العامل اذا نصح ) وقال النبي (ص) : « إن اللّه يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه » وأما إذا لم ينصح في عمله فهو خائن لضميره ومجتمعه ، ويكون آكلا للمال بالباطل ، وينظر الى مقدار عمله الصحيح فيعطى عليه الأجر ، وبقية العمل الآخر لا أجر له فيه بل إذا أوجب ضرراً على رب المال فهو ضامن له ومسؤل عنه.


(307)
    2 ـ تأدية العمل
    إن من أهم التزامات العامل تأديته للعمل الذي أجرى عليه العقد فعليه أن يؤديه في الوقت المقرر له كما يجب عليه أن يؤديه بنفسه ، وليس له ان يستنيب غيره في تأديته لأن الاختيار قد وقع على شخصه ، والغير قد لا يلائم رب العمل ، وقد لا تكون لديه المؤهلات الحرفية اللهم إلا أن يكون بينهما اتفاق على اشتراك الغير في العمل أو الاستنابة فيه فانه يجوز ذلك لعموم قوله (ع) : « المؤمنون عند شروطهم ».
    3 ـ اطاعة الأوامر
    على العامل أن يمتثل الأوامر الصادرة من رب العمل أو وكيله ، ويشترط فيها أمران ( الأول ) أن يكون الأمر خاصاً بتنفيذ العمل المتفق عليه ، فاذا كان خارجاً عنه فلا تجب اطاعته اللهم إلا أن يكون منصوصاً عليه في ضمن العقد ( الثاني ) أن لا يكون ذلك الامر مما يعرضه للخطر فانه لا يصح اشتراطه في متن العقد ولا يجوز الامر به.
    4 ـ المحافظة على أدوات العمل
    على العامل أن يحافظ على آلات العمل وأدوات الانتاج


(308)
فاذا قصر في المحافظة عليها ونشأ من ذلك التلف لها أو النقصان فهو مسؤول عنها وضامن لها.
    هذه بعض الامور التي يجب على العامل القيام بها ، وبهذا ينتهي بنا المطاف عن حقوق العامل في ظل النظام الاسلامي.


(309)

(310)
    1 ـ في اللغة
    2 ـ في الاسلام
    3 ـ في العصور الحديثة


(311)
    إن البحث عن نقابة العمال يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحقوق العامل فقد أصبح التنظيم النقابي ـ في العصور الحديثة ـ من أوليات حقوقه بل صار حقاً طبيعياً ثابتاً لكل إنسان كما أعلنت ذلك منظمة حقوق الانسان فقد جاء فيها ( لكل انسان الحق في تأسيس النقابات مع غيره ، وفي الانضمام الى النقابات للدفاع عن مصالحه ) (1).
    لقد أولى التنظيم النقابي المزيد من الاهتمام في العصر الحديث فعكف رجال الفكر والقانون على وضع أسسه وشروطه وبيان أهميته ، ومدى ارتباطه بحياة المواطنين حتى جعل انتشاره والدقة في تنظيمه دليلاً على رقي المجتمع وحضارته ، وتفهمه للحياة.
    وعلى أي حال فانا لم نجد بداً من البحث عن النقابة ـ ولو إجمالاً ـ لاكمال الفائدة وللوقوف على تمام حقوق العامل وشؤونه ، ونسوق الى القراء بيان معناها في ( اللغة ) ورأي الاسلام فيها مع ذكر بعض الجهات المتعلقة في ذلك ، ثم نذكر عرضاً موجزاً لها في ظل العصور الحديثة والى القراء ذلك :
1 ـ اعلان حقوق الانسان الصادر في سنة ( 1948 ) في الفقرة ( 4 ) من المادة ( 23 ).

(312)
    النقابة ـ بالفتح ـ مصدر مأخوذ من نقب على القوم أي صار عليهم نقيباً ، والنقيب هو كالعريف على القوم المقدم عليهم الذي يتعرف على أخبارهم وينقب على أحوالهم أي يفتش عنها (1).
    وقيل النقيب الرئيس الاكبر ، وإنما سمي النقيب بهذا الاسم لأنه يعلم دخيلة أمر القوم ، ويعرف مناقبهم وهو الطريق الى معرفة أمورهم التي فيها عمق ، ولذلك يقال : نقبت الحائط أي بلغت في النقاب آخره (2) وذكرت المعاجم اللغوية معان كثيرة لهذه المادة إلا انها لا تمت بصلة لما نحن فيه.
1 ـ النهاية لابن الأثير 3 ـ 168.
2 ـ تاج العروس 1 ـ 492.


(313)
    أما النقابة بالاصطلاح الحديث ـ الذي سنبينه ـ فلم يكن لها ظل في المجتمع الاسلامي الأول إلا انه ورد في القرآن الكريم ذكر النقيب بالمعنى اللغوي قال الله تعالى « ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً » (1) كما انه لما أعلن الرسول (ص) دعوته الخالدة بايعه جماعة من المسلمين في ليلة العقبة فجعل كل واحد منهم نقيباً على قومه وجماعته ليأخذوا عليهم الاسلام ويعرفوهم شرائطه وأحكامه ، وكانوا اثني عشر نقيباً كلهم من الانصار ، أما التشكيلات النقابية بالمعنى المعروف فلا وجود لها أصلاً ، ولعل السبب في ذلك يعود الى أن الاسلام لما عقد أواصر الأخوة بين المسلمين ، وغرس روح المودة في قلوبهم ومشاعرهم ، ونهى عن الاحتكار والاستغلال وغير ذلك من الوسائل التي توجب تفكك المجتمع واستغلال جهود الفرد فانه من الطبيعي أن العمال وغيرهم لا يحتاجون الى تشكيل منظمة تطالب بحقوقهم وتداعي بانصافهم
1 ـ سورة المائدة : آية 12.

(314)
ولكن مع ذلك فان التشريع الاسلامي لا يأبى من تشكيل النقابة ويقرها لأنه قد منح الفرد الحرية التامة ، وبمقتضى هذا الحق المشروع فان له الاختيار التام في تأسيس النقابة والانضمام الى أي مؤسسة شاء بشرط أن لا تتنافى مقرراتها مع التعاليم الدينية كما هو الحال في بعض النقابات.

    إن انشاء النقابات العمالية كان ممنوعاً في جميع الدول في بداية القرن التاسع عشر. ففي فرنسا كان هذا المنع مقرراً بموجب قانون « شابلية » الذي صدر في يوليو سنة ( 1791 ) وفي انجلترا كانت قوانين الاتحاد الصادرة سنة ( 1799 ) تحرم جميع ألوان النشاط النقابي ، ولكن التضييق والمنع أسفرا عن تكوين النقابات بصورة سرية ، الأمر الذي اضطر انجلترا الى رفع الحظر عن تكوين النقابات بموجب قانون صدر في أول يونيو سنة ( 1824 ) ، وشرعت بعد ذلك اسس التنظيم النقابي فيها وذلك في سنة ( 1871 ) ما في فرنسا فقد رفع حظر تكوين النقابات بموجب القانون الصادر في 25 مايو سنة ( 1864 )


(315)
ثم أصبح تكوين النقابات أمراً مشروعاً تقره الدولة وذلك بموجب قانون ( فالدك روسو ) الصادر سنة ( 1884 ) (1).
    لقد تغير موقف الدول الكبرى من النقابات في العصور الاخيرة من العداء المكشوف لها الى الحماية والتشجيع ، والغيت القوانين القاسية التي تمنع العمال من التكتل وانشاء النقابات ، لتقوم بحمايتهم والمطالبة بتحسين حالتهم الاقتصادية.
    وعلى أي حال فلا بد لنا من وقفة قصيرة للنظر في معنى النقابة ، والالمام ببعض أهدافها والاحاطة بها ـ ولو إجمالاً ـ وهي كما يلي :
    1 ـ تعريفها
    عرف بعض الاقتصاديين النقابة بأنها « جمعية حرفية غايتها الدفاع عن المصالح الاقتصادية لأنهائها ، وكان الغرض الأول من تأسيس النقابات هو مساومة أصحاب المصانع في رفع الأجور وتخفيض ساعات العمل » (2) وعرفت في قانون العمل بأنها « منظمة ذات شخصية معنوية تتألف من العمال والمستخدمين من المنتسبين الى صناعات أو مهن مستقلة أو متشابهة أو متصلة
1 ـ التشريع الدولي ص 2.
2 ـ مذاكرات في الاقتصاد الاجتماعي : 213.
العمل وحقوق العامل في الاسلام ::: فهرس