اتحـاف الفـقهـاء
في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء
تأليف
الميرزا محسن آل عصفور


(2)

(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
     الحمد لله الغنى الواسع ، والصلاة والسلام على من جعله للكمالات جامع ، وبالرسلاة الخاتمة صادع ، ويوم الحشر نعم شافع ، وفي عالم التكوين خير عابد وطائع ، محمد وآله الذين هم للدين اعلام طلائع ، وللحق روافع ، وللكفر موانع وللبغى والغى مقامع .
     وبعد : فيقول الفقير لربه الغنى المجازي محسن بن حسين العصفوري البحراني هذا ما سمحت به الفكرة الشاردة وجادت به القريحة الفاترة والهمة الباردة والعزيمة الخامدة حول مسألة اختلاف القراءات والقراء في فرش لقرآن وقد سميته (اتحاف الفقهاء في تحقيق مسألة اختلاف القراءات والقراء) لما فيه من المطالب التي عزت عن تحقيقها المطولات وشحت عن بسطها المؤلفات وغفلت عن تناولها المصنفات والله عز اسمه اسأل ان يجعله لعبده قليل البضاعة وكثير التفريط والاضاعة ذخراً ليوم الفقر والفاقة انه نعم المولى ونعم الوكيل .


(4)
القراءة القرآنية في عصر الرسول الاكرم
     جاء في حاشية الانوار النعمانية للبحاثة المحقق السيد محمد علي القاضي الطباطبائي ما نصه : قال عمدة الاخيار بين المحدث المتبحر شيخنا الحر العاملي صاحب الوسائل (ره)في رسالة كتبها في رد بعض معاصريه ما هذا لفظه الشريف بالفارسية : (هر كسي كه تتبع اخبار وتفحص تواريخ وآثار نموده بعلم يقيني ميداند كه قرآن در غايت واعلا درجه تواتر بوده وآلاف صحباه حفظ ونقل مي كردند آن را ودر عهد رسول خدا صلى الله عليه وآله مجموع ومؤلف بود ..) (1) .
     وقال علم الهدى السيد المرتضى في المسائل الطرابلسيات :
     ان القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له وانه كان يعرض على النبي صلى الله عليه وآله ويتلى عليه وان جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وابي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وآله عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على انه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث .
     وقال البحاثة المتبحر السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي في كتابه اجوبة مسائل جار الله :
     ان القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوة مؤلفاً على ما هو عليه الآن وقد عرضه الصحابة على النبي صلى الله عليه وآله وتلوه عليه من أوله الى آخره وكان جبرئيل عليه السلام يعارضه صلى الله عليه وآله بالقرآن في كل عام مرة وقد عارضه به عام وفاته مرتين وهذا كله من الامور الضرورية لدى المحققين من علماء الامايمة ولا عبرة ببعض المجاهدين منهم كما لا عبرة بالحشوية من اهل السنة القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله ... لقوله تعالى (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) .
(1) الانوار النعمانية ج 2 ص 357 ط تبريز .
(5)
     ومن عرف النبي صلى الله عليه وآله في حكمته البالغة ونبوته الخاتمة ونصحه لله ولكتابه ولعباده وعرف مبلغ نظره في العواقب الحتياطه على امته في مستقبلها يران من المحال عليه ان يترك القرآن منثوراً مبثوثاً حاشا هممه وعزائمه وحكمه المعجزة من ذلك وقد كان القرآن زمن النبي صلى الله عليه وآله يطلق عليه الكتاب قال الله تعالى : (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) .
     وهذا يشعر بأنه كان مجموعاً ومكتوباً فان الفاظ القرآن اذا كانت محفوظة ولم تكن مكتوبة لا تسمى كتاباً وانما تسمى بذلك بعد الكتابة كما لا يخفى و ... صرح بهذا امام اهل البحث والتببع الشيخ .. الهندي ... ان القرآن الذي انزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين وهو ما في ايدي الناس ليس باكثر من ذلك وانه كان مجموعاً مؤلفاً في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظه ونقله الوف من الصحابة وجماعة من الصحابة كبعد الله بن مسعود وابي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي عدة ختمات (1) .
     أقول : وقد تظافر نقل ما يشهد بمضمون ذلك من طريق العامة أيضاً فمن ذلك ما افادة ابن سعد في طبقاته الكبرى تحت عنوان (ذكر من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله) (2) حيث قال ما لفظه :
     اخبرنا محمد بن يزيد الواسطي عن اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي قال جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستة نفر : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وابو الدرداء وزيد بن ثابت وسعد وابو زيد قال : وكان مجمّع بن جارية قد جمع القرآن الا سورتين او ثلاثاً وكان ابن مسعود قد أخذ بضعاً وتسعين سورة وتعلم بقية القرآن من مجمّع (3) .
(1) اجوبة مسائل جار الله ص 37 ـ 38 . ط صيدا مطبعة العرفان .
(2) الطبقات الكبرى ج 2 ص 355 .
(3) أقول وفي المجلد السادس ص 52 من الطبقات الكبرى قال ابن سعد عند

(6)
     أخبرنا عبد الله بن نمير ومحمد بن عبيد الطنافسي والفضل بن دكين واسحاق بن يوسف الازرق عن زكرياء بن ابي زائدة واخبرنا محمد بن عبيد عن اسماعيل بن أبي خالد جميعاً عن عامر الشعبي قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ستة رهط من الأنصار معاذ بن جبل وابي بن كعب وزيد بن ثابت وابو الدرداء وابو زيد وسعد بن عبيد قال : قد كان بقى على المجمّع بن جارية سورة أو سورتان حين قبض النبي صلى الله عليه وآله .
     اخبرنا مسلم بن ابراهيم اخبرنا قرة بن خالد اخبرنا محمد بن سيرين قال : جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله ابي بن كعب وزيد بن ثابت وعثمان بن عفان ونميم الداري .
     اخبرنا مسلم بن ابراهيم اخبرنا قرة بن خالد قال : سمعت قتادة يقول قرأ القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابو زيد قال : قلت من أبو زيد ؟ قال : من عمومة أنس اخبرنا هوذة بن خليفة اخبرنا عوف عن محمد قال : قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسمل ولم يجمع القرآن من أصحابه غير اربعة نفر كلهم من الانصار والخامس يختلف فيه والنفر الذين جمعوه من الانصار زيد بن ثابت وأبو زيد ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب والذي يختلف فيه تميم الداري .
     اخبرنا عفان بن مسلم ، اخبرنا همام عن قتادة قال : قلت لأنس من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال : أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت ، ورجل من الأنصار : يقال له أبو زيد .
     أخبرنا محمد بن عمر ، اخبرنا معمر عن قتاده عن أنس بن مالك قال : اخذ
تعرضه لترجمة مجمع ما لفظه : مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة بن زيد من بني عمرو بن عوف وهو الذي روى الكوفيون انه جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله الاسورة أو سورتين منه وتوفي في خلافة معاوية ابن ابي سفيان انتهى .
(7)
القرآن أربعة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله : أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد ابن ثابت وابو زيد .
     أخبرنا أحمدبن محمد الازرقي ، أخبرنا مسلم بن خالد عن عبد الرحيم ابن عمر عن محمد بن كعب القرظي قال : جمع القرآن في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله ، خمسة من الانصار : معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وابي بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء .
     أخبرنا عارم بن الفضل ، أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد قال : جمع القرآن علىعهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة : أبي بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد . قال : واختلفوا في رجلين ، فقال بعضهم : عثمان وتميم الداري ، وقال بعضهم : عثمان وأبو الدرداء (1) .
     وروى الذهبي في سير اعلام النبلاء مرسلا عن ثابت البناني وثمامة عن انس انه قال : مات النبي صلى الله عليه وآله ولم يجمع القرآن غير اربعة : ابو الدرواء ومعاذ وزيد ابن ثابت وابو زيد (2) .
     واخرجه البخاري في صحيحه (9 / 47 ـ 48) في فضائل القرآن باب القراء من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وابن عساكر (13 / 370) .
     ومما رواه ايضاً الذهبي في سيره عن زكريا وابن ابي خالد عن الشعبي قال جمع القرآن على عهد رسول الله ستة وهم من الانصار معاذ وابو الدرداء وزيد وابو زيد وأبي وسعد بن عبيد (3).
     واخرجه ابن عساكر (13 / 370) وقد تقدم عن ابن سعد من طريق محمد ابن يزيد الواسطي عن اسماعيل بن ابي خالد عن الشعبي .
(1) الطبقات الكبرى ج 2 ص 355 ـ 356 .
(2) سير اعلام النبلاء ج 2 ص 339 ط بيروت سنة 1405 هـ .
(3) نفس المصدر السابق .

(8)
     وذكر محمد بن اسحق في الفهرست ان الجماع للقرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله هم علي بن ابي طالب عليه السلام وسعد بن عبيد بن النعمان بن عمرو بن زيد وابو الدرداء عويمر بن زيد ومعاذ بن جبل بن اوس وابو زيد ثابت بن زيد ابن النعمان وابي بن كعب بن قيس ملك امرؤ القيس وعبيد بن معاوية وزيد بن ثابت .
     وروى الخوارزمي في مناقبه عن علي بن رياح قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن ابي طالب وابي بن كعب .
     وكيف كان فالذي نستفيده في الجملة ان القرآن بتمام وكماله كان قد كتب على عهد النبي صلى الله عليه وآله وبمحضره ومعاينته وتعاهده بكل اتقان وضبط ورعاية وما اشير فيما تقدم فهو من عدد جامعية اما من كتب ابعاضه واجزاءه مستقلة فالأرجح انهم كانوا يعدون بالآلاف وذلك ان النبي صلى الله عليه وآله كان في بدء عهد دولته الفتية في المدينة قد جعل فداء اطلاق سراح كل أسير من مشركي قريش تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة .
     ومما يمكن ان يقطع به ان كل واحد من اولئك المتتلمذين من المسلمين كان قد تولى تدريس وتعليم القراءة والكتابة لجمع آخر من المسلمين وهكذا اما يستفاد من الحث الاكيد والمبالغة الشديدة من قبل شخص النبي صلى الله عليه وآله في هذا الشأن لما له من الاهمية القصوى في ترسيخ جذور مبادئ القرآن واحكامه في نفوس معتنقيه ولما في الامية الشائعة في تلك الحقبة من الخطر العظيم والضرر الجسيم على مستقبل هذه الرسالة الخاتمة والبعثة المحمدية العالمية ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله يلقى على مسامع أصحابه المقربين ما كان ينزل به جبرئيل اليه نجوما حسب الوقائع والاحداث ثم يتأكد من ضبطهم واتقانهم له فينشر اولئك بعد ذلك ما حفظوه في أوساط الناس قاطبة ممن لم يشهد النزول ساعة الوحي من أهل مكة والمدينة ومن حولهم من الناس فلا يمضي يوم او يمان الاومانزل محفوظ في صدور كثيرين من الصحابة .


(9)
     وكان وجوه الحفظة والقراء يعرضون عليه صلى الله عليه وآله القرآن بين الفينة والاخرى ويختمونه عنده بل كان النبي صلى الله عليه وآله يمتحن ضبطهم واتقانهم له في اوقات مختلفة ليقف على كثب على مبلغ تعاهدهم وصيانتهم له هذا له هذا كله كان من قبله صلى الله عليه وآله لاضفاء الحصانة الكافية على الرسالة الخاتمة من دسائس ومؤامرات اعدى اعدائه المتمثلين باليهود في تلك الفترة الزمنية فهذا ما يحدثنا به الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ حيث يقول :
     روى خارجة بن زيد عن أبيه قال اتى النبي صلى الله عليه وآله المدينة وقد قرأت سبعة عشر سورة فقرأت على رسول الله صلى الله عليه وآله فأعجبه ذلك وقال : يا زيد تعلم لي كتابة يهود فاني ما آمنهم على كتابي قال : فحذقته في نصف شهر .
     واخرج ابن سعد في طبقاته بسنده عن زيد بن ثابت انه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله : انه يأتيني كتب من اناس لا احب ان يقرأها احد فهل تستطيع ان تعلم كتاب العبرانية او قال السريانية ؟ فقلت : نعم ! قال : فتعلمتها في سبع عشرة ليلة .
     وكذا روى بسند آخر عنه انه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة قال لي : تعلم كتاب اليهود فاني والله ما آمن اليهود على كتابي قال : فتعلمته في أقل من نصف شهر (1) .
عوامل اختلاف القراءة القرآنية بعد عصر الرسول الاكرم
     هناك عوامل متعددة كان لها الأثر الأكبر في ايجاد الاختلاف بين المسلمين في قراءة القرآن بعد رحيل الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله الى الرفيق الأعلى بامكاننا ان نوجزها بالنحو التالي .     
(العامل الاول)
انحراف دفة الزعامة والخلاف الاسلامية ورفض
(1) الطبقات الكبرى ج 2 ص 358 ـ 359 .

(10)
المستولين عليها الأخذ بالقرآن الذي خطه امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام والعمل بما يطابق القراءة التي دونها فيه والتي تلقاها من الرسول الكريم صلى الله عليه وآله التي نزل بها جبرئيل من عند الله جل وعلا .
     روى الثقة الكليني في الكافي بسنده عن سالم بن سلمة عن الامام الصادق انه قال : فاذا قام القائم علهي السلام قرأ كتاب الله عزوجل على حده واخرج المصحف الذي كتبه علي ثم قال عليه السلام : أخرجه علي عليه السلام الى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم هذا كتاب الله عزوجل كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله وقد جمعته من اللوحين فقالوا : هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه فقال أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا ابداً انما كان على ان اخبركم حين جمعته لتقرؤوه الحديث (1) .
     قال الشارح المازندراني : قوله (قد جمعته من اللوحين) اللوح كل صحيفة عريضة خشباً أو كتفاً وقد كانوا في صدر الاسلام يكتبون فيه لقلة القراطيس .
     و(من) اما ابتدائية أو بمعنى (في) فعلى الأول كان مكتوباً قبل الجمع فيهما وعلى الثاني جمع فيهما (2) وقال العلامة المجلسي في مرآة العقول بعد نقل قوله (من اللوحين لعله عليه السلام في زمان الرسول صلى الله عليه وآله كتبه على لوحين فجمع منها أو المراد لوح الخاطر ولوح الدفاتر أو المراد اللوح المحفوظ ولوح المحو والاثبات او الارضى والسماوى والله يعلم (3) .
     وروى علي بن ابراهيم في تفسيره باسناده عن ابي عبد الله عليه السلام قال : ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : يا علي القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة فانطلق علي
(1) الكافي ج 2 باب النوادر رقم الحديث (23) .
(2)شرح أصول الكافي للممولى محمد صالح المازندراني ج 11 ص 74 ط طهران .
(3) مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول ج 12 ص 523 ط طهران منشورات مكتبة ولي العصر (ع) .