(11)
فجمعه في ثوب اصفر ثم ختم عليه في بيته وقال : لا ارتدي حتى أجمعه قال : كان الرجل ليأتيه فيخج اليه بغير رداء حتى جمعه قال وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لو ان الناس قرؤا القرآن كما أنزل ما اختلف اثنان .
     وقال المحدث الخبير الحبر الثببيل السيد نعمة الله الجزائري في الانوار النعمانية : قد استفاض في الاخبار ان القرآن كما انزل لم يؤلفه الا امير المؤمنين عليه السلام بوصية من النبي صلى الله عليه وآله فبقى بعد موته ستة اشهر مشتغلا بجمعه فلما جمعه كما انزل أتى به الى المتخلفين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لهم هذا كتاب الله كما أنزل فقال له عمر بن الخطاب لا حاجة بنا اليك ولا الى قرآنك عندنا قرآن كتبه عثمان فقال لهم علي عليه السلام لن تروه بعد هذا اليوم ولا يراه احد حتى يظهر ولدي المهدي عليه السلام ... (1) .     
(العامل الثاني)
ما حكاه ابن ابي الحديد في شرح النهج عن الشيخ ابي جعفر الاسكافي في كتابه المسمى بنقض العثمانية في جملة كلام له في الامامة :
     و (قد تعلمون ان بعض الملك ربما احدثوا قولا أو ديناً لهوى فيحملون الناس على ذلك حتى لا يعرفوا غيره كنحو ما أخذ الناس الحجاج بن يوسف بقراءة عثمان وترك قراءة ابن مسعود وابي بن كعب وتوعد على ذلك سوى ما صنع هو وجبابرة بني أمية وطغاة بني مروان بولد علي عليه السلام وشيعته وانما كان سلطانه نحو عشرين سنة فما سنة مات الحجاج حتى اجتمع أهل العراق على قراءة عثمان ونشأ ابناؤهم ولا يعرفون غيرها لامساك لأباء فعنها وكف المعلمين عن تعليمها حتى لو قرأت قراءة عبد اله وأبى ما عرفوا ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان لألف العادة وطول الجهالة لأنه اذا استولت على الرعية الغلبة وطالت عليهم ايام التسلط وشاعت فيهم المخافة وشملتهم التقية اتفقوا على التخاذل والتساكت فلا تزل الايام تأخذ من بصائرهم وتنقص من ضمائرهم حتى تصير البدعة
(1) الانوار النعمانية ج 2 ص 360 ط تبريز .
(12)
التي احدثوا غامرة للسنة) .     
(العامل الثالث)
تعدد اللهجات ولغات القبائل العربية وذوذ بعضها : قال ابن جنى في كتاب الخصائص : (قرأ اعرابي بالمحرم كان أبي حاتم السجستاني (طيبى لهم وحسن مآت) فقال له : طوبى فقال : طيبى فعاد ابو حاتم يصلحها له مرة بعد اخرى قائلا : طوبى فقال الأعرابي طيبى فأصر أبو حاتم على اصلاحها بالواو والاعرابي يمتنع عن نطقها كما هي في القرآن ويستمر على لحنه طي طي فلم يؤثر فيه التلقين ولا ثنى طبعه عن التماس الخفة هزو لا تمرين) (1) .     
(العامل الرابع)
ما قيل ان أهل مصر ينطقون بالضاد مموجة بالدال المفخمة والطاء المهملة وخالفهم أهل العراق واهل الحجاز فانهم ينطقون بها رخوة شجرية ذات نفس وانتشار كما هو مقتضى مخرجها وهذا الخلاف ثابت على قديم الدهر وقد صنف في ذلك رسائل فالشيخ أبو علي سينا صنف رسالة رجح فها ضاد العراقيين والحجازيين فردّ عليه الشيخ المنصوري في رسالة الفها وكان فيما رد عليه قوله ان النطق بالضاد قريبة من الظاء .
     ولا يخفى ما في قوله هذا من مخالفة طريق أهل السنة المتبعة ولعل السر في ذلك على ما قيل ان مصر والشامات لم يقطن فيهما امام معصوم مع اعراض الغالبية العظمى من اهلهما عن اهل بيت العصمة عليهم السلام وقد بلغ اسماعهم قوله صلى الله عليه وآله وسلم « انا أفصح من نطق بالضاد » فاخترعوا ما خترعوا ويدل على نقض مقولتهم واحدوثتهم تلك وجوه : (الاول) ان الضاد على ما يقولون حرف أشد شديد لانها كانت ممزوجة من شديدين الطاء والدال مع اجماعهم على انها من الحروف الرخوة وقد اعترف ببعضهم بأن ضادهم مخالفة لقواعدهم ولكنهم اخذوها عن مشايخهم .
     (الثاني) ان الفقهاء من الفريقين تعرضوا لحكم من يبدل الضاد ظاء لان الصوت فيهما ملتبس فكانت شبيهة بالضاء قال را جزهم :
(1) الخصائص ج 1 ص 77 ـ 78 .
(13)
والضاء والضاد لقرب المخرج قد يؤذنان بالتباس المنهاج
وقال الآخر :
ويكثر التباسه بالضاد الاعلى الجهابذة النقاد
وقال السخاوي ميّز هجاء الضاد عن الظاء .
     وقال الجزري :
والضاد باستطالة ومخرج ميّز عن الظاء وكلها تجى
وقال ابن قاسم : اشتهد شبهة له وعسرت التفرقة بينهما واحتيج الى الرياضة التامة .
     وقال المقدس : ان اهل مكة ومن والاها من الحجاز ينطقون بالضاد شبيهة بالظاء المعجمة والمخرج المنصوص عليه للضاد الشبيهة بالظاء لا الضاد الطائية وقد جعلت العرب في قوافى الشعر الضاد في مقابلة الظاء وقال الجعفري : والضاد أخو الظاء في كل الحالات في الاستطالة خولف الحرفان وقال الخليل : انها شجرية ولا يتأنى ذلك الا اذا كانت شبيهة بالضاء لان الضاد الطائية لا تمر بشجر الفم اعنى الاضراس بل من سقف الحلق اذا الاستطالة في الضاد الشامية انما هي في العراقية ومعنى الاستطالة انها تمتتد من حافة اللسان الى مخرج اللام من دن أن تضرب بسقف الحلق وقد نمقل شيخنا البهائي فيما نقل عنه ان ابا عمر وابو العلا وهما امامان في اللغة قالا : الضاد والظاء حرف واحد ولا فرق بينهما واقاما على ذلك أدلة وشواهد والغرض التقريب لا المافقة .
     (الثالث) ان سيبويه بفيما حكى عنه قال : لولا الاطباق لكانت الطاء دالا واذا افخمت الدال صارتر ضاداً مصرية ومثله ابن الجزري في التمهيد قال : التاء اذا افخمت صارت طاءاً والضاد المصريؤة دالا مفخمة .
     (الرابع) من صفات الضاد النفخ والتفشي ولا نفخ ولا تفشي في ضادهم ومعنى التفشي انتشار خروج الريح وانبساطه ومعنى النفخ خروج الريح ولا ريب ان


(14)
الضاد العراقية يخرج معها ريح منتشر .     
(العامل الخامس)
تحكيم القراء المتأخرين عن عصر النبوة اذواقهم واجتهاداتهم واستحساناتهم ولذا قيل : انه كان احدهم اذا برع وتمهّر شرع للناس طريقاً في القراءة لا يرعف الا من قبله بحيث لم يكن معهوداً اصلا كما يشهد به تتبع كتب القراءة وما ابدعوه من الصفات والاداب والوظائف التي يمكن تحصيل القطع بعدم كونه معهودة في زمن النبي صلى الله عليه وآله أصلا وهذا فيما يتعلق بالتهيئة اللفظية لكلمات القرآن الكريم .     
(العامل السادس)
خلو المصاحف والخط العربي عموماً من حركات الاعراب والتنقيط في تلك الفترة الزمنية .
     (العامل السابع) غلبة الهوى وحب الدنيا على بعض القراء فاتخذوا قراءتهم بضاعة يتجرون بها في قصور الملوك ويرتزقون منها على موائد الخلفاء طمعاً في حطام الحياة ودراهمها ودنانيرها وزخارف الدنيا الفانية يحو كونه مادرت معائشهم ويختترعون ويبدعون فيه من الآداب والسنن والقواعد ما لم ينزل الله عزوجل به من سلطان طمعاً في عطية سنية وجائزة سخية .
     واليك مثال واحد وهو شخص الكسائي نسوقه للاستشهاد به على ما ذكرناه والذي يعد أحد الوجوه البارزة من بين القراء السبعة المشهورين الذي صنفهم ابن مجاهد .
     قال في شأنه ابو حاتم : « لم يكن لجميع الكوفيين عالم بالقرآن ولا كلام العرب ولولا ان الكسائي دنا من الخلفاء فرفعوا ذكره لم يكن شيئاً وعلمه مختلط بلا حجج ولا علل الاّ حكايات عن الاعراب مطرووحة لأنه كان يلقنهم ما يريد وهو على ذلك اعلم الكوفيين بالعربية والقرآن » (1) . وقال الفراء : قدم سيبويه على البرامكة فعزم يحيى بن خالد ان يجمع بينه
(1) مراتب النحويين ص 74 .
(15)
وبين الكسائي وجعل لذلك يوماً فلما حضر تقدمت وابن الأحمر فدخل فاذا بمثال في صدر المجلس فقعد عليه يحيى ووقعد الى جانب المثال جعفر والفضل ومن حضر بحضورهم وحضر سيبويه فأقبل عليه الأحمر فساله عن مسألة فأجابه فيها سيبويه فقال له : أخطأتت ثم سأله عن ثانية وثالثة كل ذلك يقول له اخطأت فقال سيبويه : هذا سوء أدب .
     فأقبلت عليه فقلت : ان في هذا الرجل حدة وعجلة ولكن ما تقول فيمن قال (هؤلاء أبون) و (مررت بأبين) كيف تقول على مثال ذلك من (وايت) أو (أويت) فأجاب فأخطأ فقلت له : اعد النظر .. ثلاث مرات تعجيب ولا تصيب (1) « فلما كثر عليه ذلك قال : لست اكلمكما او يحضر صاحبكما حتى اناظره فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال : اتسألني أم أسألك ؟ فقال : بل سلني أنت فقال له الكسائي : كيف تقول : قد كنت اظن العقرب أشد لسعة من الزنبور (فاذا هو هي) أو (فاذا هو ياها) ؟ فقال سيبويه (فاذا هو هي) ولا يجوز النصب فقال له الكسائي : لحنت . ثم سأله عن مسائل من هذا النوع : (خرجت فاذا عبد الله قائم) بالضم او (قائم) بالفتح ؟ .
     فقال سيوبه في ذلك كله بالرفع دن النصب فقال الكسائي : ليس هذا من كلام العرب ، العرب ترفع في ذلك كله وتنصب فدفع سيبويه قوله فقال يحيى ابن خالد قد اختلفتما وانتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما ؟ فقال له الكسائي هذه العرب في بابك قد جمعتهم من كل أوب ووفدت عليك من كل صقع وهم فصحاء الناس وقد قنع بهم أهل المصرين وسمع اهل الكوفة واهل البصرة منهم فيحضرون ويسألون فقال يحيى وجعفر : قد انصفت فأمر باحضارهم فدخلوا .
(1) قال ابن هشام الانصاري بعد شرحه هذه المسالة : وليس هذا مما يخفى على سيبويه ولا على اصاغر الطلبة ولكنه كما قال ابو عثمان المازني : دخلت بغداد فألقيت على مسائل فكنت اجيب فيها على مذهب ويخطئونني على مذاهبهم وهكذا اتفق لسيبويه (رحمة الله (معنى اللبيب مادة اذا) .
(16)
     فهم : ابو فقعس وابو دثار وابو الجراح وابو ثروان فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله .
فقال سيبويه مرهم لينطقوا بها فان السنتهم لا تقوى عليه فامتنعوا .
ولم ينطقوا بالنصب وانما اكتفوا بقول : القول قول الكسائي .
قد قيل اذ هؤلاء الاعراب رشوا فوافقوا الكسائي وقيل تملقوه ارضاء اللوزير .
ومما حكى ان الرشيد الخليفة العباسي سأل اليزيدي والكسائي عن قصر (الشراء) ومده فقال الكسائي مقصر لا غير وقال اليزيدي يقصر ويمد فقال الكسائي من اين لك ؟ فقال اليزيدي : من المثل السائر : (لا يغتر بالحرة عام هدائها ولا بالامة عام شرائها فقال الكسائي : ما ظننت ان احداً يجهل مث لهذا فقال اليزيدي ما ظننت ان احداً يفتري بين يدي امير المؤمنين مثل هذا الخبر (1) .
     الى غير ذلك من الحكايات الكثير التي نقلت في بطون كتب الادب اللغة عن أحوال الكسائي ومسائلة التي يطول الاملاء بذكرها وكيف كان فاذا كان هذا شأنه وحاله فكيف يطمئن اليه في أخذ القراءة القرآنية عنه ويجعل احد السبعة التي ينبغي ان يعول عليها ويرتل كلام الله المجيد اناء الليل وأطراف النهار على وفقها وطبقها .
     لكن المنصف تكفيه الاشارة والمكابر والمعاند لا يرتدع او يفقه ولو بألف عبارة .     
(العمل الثامن)
النبي صلى الله عليه وآله نفسه كما صرح به العامة على ما تظاهر من طرقهم عن النبي صلى الله عليه وآله من انه قال : (ان القرآن نزل على سبعة أحرف) بل في بعضها ان النبي صلى الله عليه وآله لم ينه أحداً عن الاختلاف في قراءة القرآن وانه قررهم بل صرح بجوازه ففي صحيح البخاري عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : اقرأني جبرئيل على حرف فراجعته فزادني فلم أزل استريده ويزيدني حتى انتى الى
(1) المصباح المنير .
(17)
سبعة أحرف .
     عن جامع الاصول لابن الاثير عن البخاري ومسلم ومالك وابي داود النسائي بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فاستمعت لقراءته فاذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم) فكدت أساوره (1) في الصلاة فتتربصت حتى سلم فلببته بردائه فقلت : من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأها ؟ فقال : أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت : كذبت فان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت : اني سمعت هذا يقرأ سروة الفرقان على حروف لم تقرأنيها !! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كذلك انزلت ثم قال : اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي اقرأنيها فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كذلك انزلت ان هذا القرآن انزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه الحديث (2) .
     قال ابن الأثير بعد نقل بعد نقل الخبر : أخرجه الجماعة وقال الترمذي : هذا حديث صحيح وروى مسلم والترمذي وابو داود والنسائي في صحاحهم بل عن المشكاة وجامع الأصول جميعاً عن ابي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأب قراءة انكرتها .
     ثم دخل رجل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضيت الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت ان هذا قرأ قراءة انكرتها عليه فدخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فأمرهما النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرآ فحسن شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا اذا كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما غشيني ضرب في صدرى وقال : يا أبي أرسل الى أن أقرأ القرآن على حرف فرددت اليه أن هون
(1) يقال ساور فلاناً واثبة او وثب عليه .
(2) صحيح البخاري فضائل القرآن 5 ـ 27 ـ ومسند ابن حنبل ج 1 ص 24 .

(18)
على امتي فرد الى الثانية اقرأ على حرفين فرددت اليه هوّن على امتي فردّ الى الثالثة اقرأ على سبعة أحرف ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت : اللهم اغفر لامتي اللهم اغفر لامتي واخرت الثالثة ليوم يرغب الى الخلق كلهم حتى ابراهيم عليه السلام الخبر (1) .
     مما روى ايضاً من طرقهم ان النبي صلى الله عليه وآله قال : الكتب تنزل من السماء من باب واحد وان القرآن انزل من سبعة ابواب على سبعة احرف .
     وعنه صلى الله عليه وآله ايضاً انه لقى جبرئيل فقال : يا جبرئيل اني بعثت الى امة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لا يقرأ كتاباً قط فقال لي : يا محمد ان القرآن انزل على سبعة أحرف .
     الى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي ليس للتعرض لها مزيدة ثمرة .
     وقد صرح علماء أهل السنة ان سبب انزال القرآن على الأحرف السبعة التسهيل والتخفيف على الأمة وقد ادعى بعضهم تواتر أصل هذا الحديث الا انهم اختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولاً كما نص عليه جمع من محققي الشيعة الامامية .
     فقيل ليس المعنى الحصر في السبعة لأن بعض الكلمات يقرأ على اكثر من سبعة اوجه وانما هو توسعة وتسهيل وقال الاكثر هو حصر للعدد في السبعة لأن الزيادة على السبعة في بعض الكلمات اما لا يثبت واما ان يكون من قبيل الاختلاف في كيفية الاداء كما في المد والامالة ونحوهما .
     واختلفوا ايضاً فقالت طائفة منهم المراد بالأحرف السبعة اللغات لما نقل عن ابن عباس انه قال : نزل القرآن على سبع لغات وهؤلاء قد اختلفوا فقال ابو عبيد ليس المراد ان كل كلمة تقرأ على سبع لغات بل اللغات السبعة مفرقة فيه فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم وبعض هذه اللغات اسعد بها من بعض واكثر نصيباً وقال الفيرز آبادي في القاموس
(1) صحيح مسلم 273 ومسند ابن حنبل ج 5 ص 127 .
(19)
مثل ذلك وكذا عبد الرحيم صفي پور في كتابه منتهى الأرب في لغة العرب في مادة (ح ر ف) وابن الأثير في نهايته والطبري في تفسيره الا انه خالف بعدها بقوله سبعة السن من بين السن العرب التي يعجز عن احصائها وخالف بعض في تعيينها .
     فقال : المراد بها خمس لغات في اكناف هوازن وهي سعد وثقيف وكنانة وهذيل وقريش ولغتان على جميع السنة العرب وقيل اللغات السبعة كلها من مضروهم سبع قبائل هذيل وكنانة وقيس وضبة وتيم الرباب واسد بن خزيمة وقريش وقال ابو حاتم السجستاني نزل القرآن بلغة هذيل وقريش وتيم الرباب والأزد وربيعة وهوازن وسعد بن بكر وقال ابن قتيبة : اللغات السبعة كلها في بطون قريش واحتج بقوله تعالى : (وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه) والنبي صلى الله عليه وآله كان قريشياً .
     وبذلك جزم ابو علي الاهوازي ونقل ابو اسامة عن بعض شيوخهم انه نزل القرآن أولا بلسان قريش ومن جاورهم من الفصحاء ثم ابيح للعرب ان يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على خلافهم في الألفاظ ووالاعراب ولم يكلف احد منهم الانتقال من لغة الى لغة اخرى للمشقة .
     ولما كان فيهم من الحمية وطلب تسهيل فهم المراد مع اتفاق المعنى وعلى هذا ينزل اختلافهم في القراءة وحكى امين الاسلام الطبرسي في مجمع البيان ان قوماً قالوا ان المراد بالأحرف اللغات مما لا يغير حكماً في تحليل ولا تحريم مثل هلم وأقبل وتعال قالوا او كانوا مخيرين في مبتدأ الاسلام في ان يقرأوا بمام شاؤوا ثم اجمعوا على اخذها واجماعهم حجة فصار ما اجمعوا عليه مانعاً مما اعرضوا عنه انتهى وقال ابن حجر ووتتمة ذلك ان يقال ان الاباحة المذكورة لم تقع بالتشهي اي ان كل احد يغير الكملة بمراد فها في لغته بل المراعى في ذلك السماع عن النبي صلى الله عليه وآله ويشير اليه قول كل من عمر وهشام في الحديث المذكور اقرأني


(20)
النبي صلى الله عليه وآله ولكن ثبت عن غير واحد من الصحابة انه كان يقرأ بالمرادف ولو لم يكن مسموعاً له .
     وقال الصحابي : الاحرف السبعة انما كانت في اول الامر لاختلاف لغات العرب ومشقة تكلمهم بلغة واحدة فلما كثر الناس واكلتب عادت الى قراءة واحدة وكيف كان فقد نسبه السفاقسي في غيث النفع الى معظم علمائهم وذهبت طائفة أخرى منهم الى ان المراد بالحرف وجه القراءة وبالسبعة الأحرف سبعة وجوه للقراءة قال ابن حجر : المراد ان القرآن نزل على سبعة أو جه يجوز ان يقرأ بكل وجه منها وليس المراد ان كل كلمة وجملة منه يقرأ على سبعة أوجه بل المراد ان غاية ما ينتهي اليه عدد القراءات في الكلمة الواحدة سبعة فيقرأ الكلمة بوجه أو وجهين الى سبعة .
     وقيل والّف ابو شامة كتاباً على ما حكاه السفاقسي عنه نفى فيه ان المراد منه ان تقرأ كل كلمة على سبعة أوجه اذ لا يوجد ذلك الا في كلمات يسيرة نحو آرجه وهيت وجبرئيل ونفى فيه ايضاً ان المراد هؤلاء القراء السبعة الشمهورين لان منها ما هو اجتهاد من المقري ومنها ما هو منقول بخبر الواحد وهذا هو رأي جماعة المحققين منهم .
     وقيل اجمعوا على ان ليس المراد كما تقدمن ان كل لفظ منه يقرأ على سبعة أوجه بل هو غير ممكن بل لا يوجد في القرآن كلمة تقرأ على سبعة أوجه الا الشيء القليل مثل (عبد الطاغوت) ، و (لا تقل لهما اف) .
     وذهب طائفة ثالثة الى ان المراد من الحرف شيء مغاير وان السبعة الاحرف سبعة اشياء متغايرة قال ابن قتبيبة ألمراد من التغاير في الاحرف السبعة سبعة اشياء :
     (الاول) ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل : (ولا يضار كاتب ولا شهيد) بنصب الراء ورفعها .
     (الثاني) ما يتغير بتغير الفعل مثل : (بعّد بين اسفارهم) و (باعد بين اسفارنا)