(91)
     يضاف الى ذلك ان (ال) في (الناس) تفيد العهد الذهني الخارجي والمراد بهم ما حكاه السيد البروجردي في تفسيره عن محكي ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة عن الشيخ ابي جعفر الاسكافي انه قال في كتابه المسمى بنقض العثمانية في جملة كلام له في الامامة :
     وقد تعلمون ان بعض الملوك ربما احدثوا قولا أو ديناً لهوى فيحملون الناس على ذلك حتى لا يعرفوا غيره كنحو ما أخذ الناس الحجاج بن يوسف بقراءة عثمان وترك قراءة ابن مسعود وابي بن كعب وتوعد على ذلك سوى ما صنع هو وجبابرة بني امية وطغاة بني مروان بولد علي عليه السلام وشيعته وانما كان سلطانه نحو عشرين سنة .
     فما مات الحجاج حتى اجتمع اهل العراق على قراءة عثمان ونشأ ابناؤهم ولا يعرفون غيرها لامساك الاباء عنها وكف المعلمين عن تعليمها حتى لو قرأت قراءة عبد الله وأبي ما عرفوها ولظنوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان لألف العادة وطول الجهالة لانه اذا استولت علىالرعية الغلبة وطالت عليهم ايام التسلط وشاعت فيهم المخافة وشملتهم التقية اتفقوا على التخاذل والتساكت فلا تزل الايام تأخذ من بصائرهم وتنقص من ضمائرهم حتى تصير البدعة التي احدثوها غامرة للسنة (1)
     وهذا التعبير شبيه بتعبير اميرالمؤمنين عن عائشة بقوله :
     (المرأة شر لا بد منه) حيث لم يرد (ال) الجنسية أو الاستغراقية كما قد يتبادر لبعض من لا علم له بل اراد بها (ال) التعريف لافادة ارادة تلك المرأة المعهودة في زمانه والتي جرت الويلات على المسلمين وخرجت من خدرها عصياناً لقوله تعالى « قرن في بيوتكن » وبارزته بالحرب في وقعة الجمل وغيرها من المواقف التي حفظها التاريخ .
     (الأمر الثالث) ان القراءة المنسوبة اليهم عليهم السلام والتي تضمنتها طائفة
(1) تفسير الصراط المستقيم ج 3 ص 114 ط بيرون مؤسسة الوفاء .
(92)
كبيرة من الروايات ينبغي ان تقسم الى طائفتين :
(الطائفة الاولى)
     ما يمكن بل ينبغي الاخذ به والعمل بمقتضاه وهو ما كان شأنه كشأن سائر القراءات ومقدار مخالفته لها كقدر التخالف والتغاير بينها ويستدل عليه بما ورد عنهم عليهم السلام بالقراءة به والتزامه وهو بمثابة المخصص لعموم الامر بالقراءة كما يقرأ الناس فلا منافاة بينهما .
     فمن ذلك الخبر المروي في الكافي والتهذيب والاستغاثة عن عروة التميمي عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله تعالى : (فاغسلوا وجوهكم وايديكم الى المرافق) قال : ليس هكذا تنزيها انما هي فاغسلوا وجوهكم وايديكم من المرافق) .
     وعليه فتكون من الايات التي دخلها التغيير من المخالفين وفيه دليل على ان القراءات السبع ليست بمتواترة وان (الى) في الاية غير غائية ولا تتوجه فيها الغاية الا بجعلها للمغسول دون الغسل .
     ومن ذلك ما رواه الصدوق في العيون باسناده عن الوشا عن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : قال أبي عليه السلام قال ابو عبد الله عليه السلام ان الله عزوجل قال لنوح انه ليس من اهلك لانه كان مخالفاً له وجعل من اتبعه من اهله قال : وسألني كيف يقرؤن هذه الاية في ابن نوح ؟
     قلت : يقرؤها الناس على وجهين : (انه عمل غير صالح) و (انه عمل غير صلاح) (1) فقال : كذبوا هو ابنه ولكن الله عزوجل نفاه عنه حين خالفه في دينه .
     قال السيد عبد الله شبر في مصابيح الانوار في حل مشكلات الاخبار في شرح هذا الخبر قوله على وجهين يعنى على وزن المصدر وعلى وزن الفعل وقراءة
     (1) هود ـ 46 .
(93)
المصدر توهم انه تولد من الزنا وان الخيانة وقعت من امه كما حكى عن اكثر الجمهور وجعلوه المراد من قوله تعالى : (تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما (1) وقوله عليه السلام (كذبوا) يعني في القراءة الموهمة لذلك .
     فان قيل : الذي قرأ على وزن الفعل الكسائي ويعقوب وسهيل والباقون على صيغة المصدر فما معنى نفيه عليه السلام منها مع انها من القراءة المتواترة قرأ بها اكثر السبعة واكثر العلماء على ان القراءات السبع كل متواترة نزل بها الروح الامين وعلى ذلك بنوا ما روى عنه صلى الله عليه وآله انه قال نزل القرآن على سبعة احرف ان المراد بها القراءات قيل الجواب من وجهين :
     (الاول) انا لا نسلم ان تواتر القراءات عن النبي صلى الله عليه وآله بل عن اربابها من القراء وهم آحاد من المخالفين استبدوا بآرائهم وجعلوا قراءتهم قسيمة لقراءة اهل البيت العالمين بالتنزيل والتأويل فيكون هذا الخبر قدحاً في تواترها عن النبي صلى الله عليه وآله والثاني ان يكون التكذيب راجعاً الى تأويلهم قراءة المصدر بذلك التأويل القبيح الباطل فلا يكون راجعاً الى اصل القراءة ... (2)
     ومن ذلك ما ورد في قوله عزوجل : (لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار) (التوبة ـ 119) ففي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام ولامجمع عن الرضا عليه السلام (لقد تاب اله بالنبي عن المهاجرين) والقمي في تفسيره عن الصادق عليه السلام انه قال هكذا انزلت وفي الاحتجاج عنه ايضاً انه قال : واي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى تاب منه انما تاب الله به على أمته .
     ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى : وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى اذا ضاقت عيلهم الارض ... الاية ففي المجمع عن السجاد والباقر والصادق عليهم السلام انهم قرأوا (خالفوا)
(1) التحريم ـ 10 .
(2) مصابيح الانوار في حل مشكلات الاخبار ج 2 ص 46 ـ 47 ط النجف المطبعة العلمية .

(94)
والقمي عن العالم عليه السلام والكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام مثله قال : لو كانوا خلفوا لكانوا في حال طاعة .
     ومن ذلك ما ورد في قوله عزوجل : له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظنه من أمر الله (الرعد ـ 12) ففي تفسير القمي عن الصادق عليه السلام ان هذه الاية قرئت عنده فقال لقارئها الستم عرباً فكيف تكون المعقبات من بين يديه ؟ وانما المعقب من خلفه فقال الرجل : جعلت فداك كيف هذا ؟ فقال انما انزلت : (له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظنه بامر الله) ومن ذا الذي يقدر ان يحفظ الشيء من امر الله ؟ وهم الملائكة المقربون الموكلون بالناس الخبر ومثله في تفسير العياشي .
     الى غير ذلك من الاحاديث المتظافرة المتواترة المعتبرة التي قال في شأنها العلامة المجلسي (ره) في مرآة العقول في شرح الكافي بعد الاشارة الى خبر هشام بن سالم : ولا يخفى ان هذا الخبر وكثير من الاخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي ان الاخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الاخبار رأساً بل ظني ان الاخبار في هذا الباب لا يقصر عن اخبار الامامة فكيف بثبوتها بالخبر .. (1)
     وقال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة : اللازم اما العمل بما قالوا من ان كل ما قرأت به القراء السبعة وورد عنهم في اعراب او كلام او نظام فهو الحق الذي نزل به جبرئيل عليه السلام من رب العالمين على سيد المرسلين وفيه رد لهذه الاخبار على ما هي عليه من الصحة والصراحة والاستشهاد وهذا ما لا يكاد يتجرأ عليه المؤمن بالله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله والائمة الاطهار عليهم السلام واما العمل بهذه الاخبار وبطلان ما قالوه وهو الحق الحقيق بالاتباع لذوي البصائر
(1) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج 12 ص 525 .
(95)
والافكار ... (1)
     ويمكن تأييده واعتضاده بما أفاده العلامة المحقق السيد حسين البروجردي في تفسير الصراط المستقيم بقوله : ان علم القراءة كان متداولا في زمان الائمة عليهم السلام حتى ان بعض اعاظم اصحابهم وثقاتهم والمقربين عندهم كانوا عارفين ماهرين بهذا العلم مثل حمران بن اعين الذي هو في غاية الجلالة عندهم ونهاية الاخلاص والاطاعة لهم .
     وكان ماهراً في علم القراءة على قراءة حمزة القارئ والصادق عليه السلام امره بمناظرة الشامي في علم القراءة والشامي كان مريداً للمناظرة مع الصادق عليه السلام في هذا العلم حتى ان الشامي قال له حين أمر حمران بمناظرته انما اريدك اياك لاحمران فقال عليه السلام : ان غلبت حمران فقد غلبتني مناظرة فغلب حمران عليه .
     ومثله ابان بن تغلب الثقة الجليل فقد ذكروا في ترجمته : ان له قراءة مفردة مشهورة عند القراء وثعلبة بن ميمون الذي قالوا في ترجمته انه كان وجهاً في اصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راوية حسن العمل كثير العبادة والزهد وغيرهم من الاجلة الذين كانوا ماهرين في هذا العلم وفي غاية المتابعة والاطاعة للائمة الذين هم عليهم السلام قرروهم عليه ولم يتأملوا في علمهم ولا في عملهم .
     ومن المعلوم ان مراعاة هذا العلم لاجل العمل في مقام القراءة فلو لم يكن مشروعاً لكانوا يمنعون امثال هؤلاء الاجلة وخصوصاً مع تمكنهم من تحصيل ما هو (من) منصب الانبياء والاوصياء . ويؤيد ما ذكرناه من كون هذا العلم متداولا عند اصحاب الائمة عليهم السلام على وجه يشعر بتقريرهم اياهم على ذلك ما رواه الكشي عن حمزة الطيار قال سألني ابو عبد الله عليه السلام عن قراءة القرآن فقلت ما انا بذلك فقال عليه السلام لكن ابوك قال : ثم قال ان رجلا من قريش كان لي صديقاً وكاان عالماً قارئاً فاجتمع هو وابوك عند ابي جعفر عليه السلام فقال : ليقبل كل منكما على صاحبه
(1) الحدائق الناضرة ج 8 ص 103 ـ 104 ط النجف .
(96)
يسأل كل منكما صاحبه ففعلا فقال القرشي لابي جعفر عليه السلام : قد علمت ما اردت ان تعلمني ان في اصحابك مثل هذا قال عليه السلام : هو ذاك فكيف رأيت ذلك .
     وفي ترجمة حمران بن أعين عن رسالة ابي غالب الزراري : ان حمران ابن أعين من اكبر مشائخ الشيعة المفضلين الذين لا يشك فيهم وكان احد حملة القرآن ومن بعده يذكر اسمه في القراءات وروى انه قرأ علي ابن جعفر عليه السلام وكان مع ذلك عالماً بالنحو واللغة .
     وفي ترجمة ابان بن تغلب عن النجاشي : انه كان قارئاً من وجوه القرّاء فقيهاً لغوياً سمع من العرب وحكى عنهم وكان مقدماً في كل فن من العلم في القرآن والفقه و الحديث الى ان قال : ولابان قراءة مفردة مشهورة عند القراء اخبرنا بها ابو الحسن التميمي عن احمد بن محمد بن سعيد عن محمد بن يوسف الرازي المقرىء عن ابي نعيم عن محمد بن موسى صاحب اللؤلؤ قال : سمعت ابان بن تغلب و ما رأيت احداً اقرأ منه قط يقول انما الهمزة رياضة وذكر قراءته الى آخرها .
     وذكر الشيخ في الفهرست مثله وذكر الاسناد الى قراءته المفردة وستسمع ان حمران بن اعين من مشايخ حمزة القارئ .
     وفي التيسير والمجمع ان حمزة قرأ على الصادق عليه السلام وان الكسائي وهو أحد القرّاء السبعة قرأ على ابان بن تغلب وان الاعمش وابا اسحق السبيعي وابا الأسود الدؤلي كانوا ممن يؤخذ عنهم القراءة وذكر الشيخ في الفهرست في ترجمة عمر بن موسى : ان له كتاب قراءة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام .
     ثم ذكر الاسناد اليه وقل : هذا قراءة أمير المؤمنين عليه السلام قال وما رأيت اعلم بالكتاب وناسخه ومنسوخه ومشكله واعرابه منه وفي ترجمة محمد ابن عياش انه له كتاب قراءة امير المؤمنين عليه السلام وكتاب قراءة أهل البيت عليهم السلام . (1)
(1) تفسير الصراط المستقيم ج 3 ص 126 ـ 127 ـ 128 .
(97)
     أقول : والمستفاد من ذلك ان عمل القدماء وأصحاب الائمة كان على ما قدمنا ذكره ونبهنا عليه الا انه لما فقدت مصنفاتهم وكتبهم وقع الشيعة في حيرة ذكره منهم من الاقوال المتكاثرة وارتكاب التأويلات البعيدة والتفسيرات الركيكة والجنوح والنزوع الى مذاهب وأقوال واهية بعيدة غاية البعد عن أصول المذهب الحق .
     كيف كان فالأجدر بنا بعد الاحاطة بأطراف الاقوال وما صدرناه بها وما استطرفناه في خاتمتها الى ان انتهى بنا المطاف الى هذا الموضع ان نقف وقفة عزم وثبات في طريق تحرير وتهذيب وتصحيح القراءات المنقولة الينا وبالخصوص في هذا العصر الذي ازدهرت فيه وسائل وطرق الاتصال بالماضي وسبر أغواره والوقوف على دقائقه واطرافه عن طريق توفر المصادر نفسها او سبل تحصيلها الكفيلة باعطاء زخم هائل من الادلة الممهدة والموصلة لضبط وتحقيق اصول ومسائل القراءات الصحيحة او الجائزة وضوباطهما وما يرتبط بهما من قريب أو بعيد بالاصل او بالعرض بالاعتماد على ما صح من أقوال النبي صلى الله عليه وآله والائمة من أهل البيت (عليهم السلام) ومن يعتد به من العلماء والمفسرين وأقوال اللغويين واذا قامت البينة وتظافرت الادلة على صحتها وقوة وجهها وسلامتها من النقض والابرام ونفى ما عداها من القراءات التي تؤدي الى اظهار الآيات بمعان مشكلة مرفوضة تسيء الى قداءة الباري جل وعلا او احد الانبياء والرسل الماضين أو قداءة خاتم النبيين والمرسلين الرسول الاكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله او اسقاط فضل او منقبة او كرامة وردت في الروايات المعتبرة في اسباب نزول الآيات لاحد الائمة من أهل بيت النبوة أو احد أخيار الصحابة أو تغيير حكم ثبت النصّ عليه من قبل الشارع أو نحو ذلك كما اشرنا الى بعض امثلة ذلك فيما تقدم ذكره .
     ولا يخفى على الفطن الخبير والفهم النحرير ان ذلك كله يحتاج الى مصنف


(98)
مبسوط الاطراف واسع الاكناف يكون عمدة للدراسين وطالبي الحق اليقين ثم لا يخفى ان ذلك مما لا يتنافى مع أصل القرآن بل لا يعد ضرباً من التحريف ولا فيه شيء من وجوه التوهين والتسخيف لقداسته ولا يفتخ على الشيعة الامامية اذا عملت به لبقية المذاهب سهام النقض والابرام والتعنيف فلكل طائفة من المسلمين كافة اليوم كما كان في سابق أيامهم وعنودهم الغابرة قراءة وتلاوة خاصة رجحوها على ما سواها وانتخبوها من جملة ما عداها سواء كانت من السبعة أو من كمال العشرة او ما زاد على ذلك كما يقف عليه المتتبع ولم يعد ذلك عزوفاً عن الحق او ترجيحاً للباطل او نقضاً لاصل القرآن مع ثبات أصله وتواتر متن سوره وآياته أو قدحاً لتلاوته وترتيله .
     واما الوقوف والمحسنات اللفظية الاخرى ففيها مسامحات جمة فلا مشاحة فيها اذ هي أمور اصطلاحية يصح فيها التعدد والاختلاف وتزداد همية ما نبهنا عليه اذا اسهمت اطروحته في تأصيل كتاب الله المقدس ونفى ما قد يتطرق اليه من التحريف والتأويلات الفاسدة والمذاهب الباطلة وللمزيد من التوسع ينبغي مراجعة كتابنا الكبير كنز القراء في تحقيق اصول الاقراء وفقنا اله لاتمامه والفوز بسعادة اختتامه .
     ومما يؤيد ما قدمناه لك ايضاً ما رواه العلامة المجلسي (ره) في البحر في مواضع منعددة .
     فمنه ما رواه من اسحباب كتابه المصحف واستنساخه وتكثيره للانتفاع به عن الامام الصادق عليه السلام قال ك ست خصال ينتفع بها المؤمن من بعد موته ولد صال يستغفر له ومصحف يقرأ منه .. الخ (1)
     ومنه ما رواه في شأن ضبطه ومراعاة نظمه وأصول الاملاء في تدوينه بقوله
(1) البحار ج 89 ص 34 .
(99)
وروي ان زيداً لما قرأ التابوة قال علي عليه السلام اكتبه التابوت فكتبه كذلك . (1)
     وعن النبي صلى الله عليه وآله بعدة طرق انه قال لبعض كتابه :
     ا ـ « الق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تعور الميم وحسن (الله) ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على اذنك اليسرى فاه اذكر لك » (2) .
     ب ـ « اذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه » (3) .
     ج ـ « اذا كتب بسم الله الرحمن الرحيم فليمد الرحمن » (4) .
     د ـ « من كتب بسم الله الرحمن الرحيم فجودة تعظيماً لله غغفر الله له » (5) .
     و ـ « تنوق رجل في بسم الله الرحمن الرحيم فغفر له » (6) .
     أقول : وما ذكر ههنا على جهة التمثيل واشرفية الذكر لا الحصر والا فان الحث والفضل المذكور يجري في سائل كلمات القرآن وآياته .
     ومنه ما رواه في شأن شيعة أهل البيت عليهم السلام وانهم من أهل البشارة بقراءته كما انزل : فعن امير المؤمنين عليه السلام انه قال كأني انظر الى شيعتنا بمسجد الكوفة
     وقد ضربوا الفساطيط يعلمون الناس القرآن كما انزل » (7) .
     وعن الامام الصادق عليه السلام قال : كأني بشيعة علي في ايديهم المثاني يعلمون القرآن (8) .
(الطائفة الثانية)
     وهي التي دلت على نقصان القرآن في الجملة وتحريفه وتغييره وتقويضه فان الأنسب بأصول المذهب والأليق بالمشرب ان تؤول بما أفاده جملة من محققي أعلام الامامية .
(1) البحار ج 89 ص 53 .
(2 ـ 3 ـ 4 ـ 5 ـ 6) البحار ج 89 ص 34 ـ 35 .
(7 ـ 8) البحار ج 89 ص 59 .

(100)
     كتصريح الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء حيث قال قدس سره : ويخطر بالبال في دفع هذا الاشكال ان مرادهم عليهم السلام بالتحريف والتغيير والحذف انهم هو من حيث المعنى دون اللفظ فمعنى قولهم كذا نزلت ان المراد به ذلك لا يفهمه الناس من ظاهره وليس مرادهم انها نزلت كذلك في اللفظ فحذف ذلك اخفاءاً للحق واطفاءاً لنور الله .
     ومما يدل على هذا ما رواه الكافي باسناده عن ابي جعفر عليه السلام انه كتب في رسالته الى سعد الخير : وكان من نبذهم الكتاب ان أقاموا حروفه وحرفوا حدونده فهم يروونه ولا يرعونه والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية الحديث (1) .
     واما مصحف ابي الحسن عليه السلام المدفوع الى ابن ابي نصرونهيه عليه السلام عن النظر فيه ونهى ابي عبد الله عليه السلام الرجل عن القراءة على غير ما يقرؤه الناس فيحتمل ان يكون ذلك تفسيراً منهم عليهم السلام للقرآن على طبق مراد الله عزوجل ووفق ما انزل جل جلاله لا أن تكون تلك الزيادات بعينها أجزاء لألفاظه المنزلة ... (2) .
     وقوله في كتابه الصافي في تفسير القرآن لقائل أن يقول كما أن الدواعي كانت متوفرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين كذلك كانت متوفرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية المغيرين للخلافة لتضمنه ما يضاد رأيهم وهو اهم والتغيير فيه ان وقع فانما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الان والضبط الشديد انما كان بعد ذلك فلا تنافى . وما قاله ابن شهر آشوب في كتابه (متشابه القرآن ومحكمه) : قوله سبحانه (ان علينا جمعه وقرآنه) (17 / 75) دال على ان الله تعالى جامع للقرآن وقال تعالى : (انا نحن نزلنا الذكر
(1) الكافي ج 8 ص 53 .
(2) المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء ج 2 ص 263 ـ 264 ط قم جامعة مدرسين ومثله ورد في تفسير الصافي ج 1 ص 34 ط طهران .

(101)
وانا له لحافظون) واول محافظته ان يكون مجموعاً منه تعالى وقال : (حم والكتاب المبين انا انزلناه) ولفظ الكتاب والقرآن يدلان على كونه مجموعاً منه تعالى يقال كتبت الكتيبة وكتبت البغلة وكتبت الكتاب وقريب الماء في الحوض وقرى النمل وام القرى والقرية وقد ثبت ان النبي صلى الله عليه وآله قرأ القرآن وحصره وامر بكتابته على هذا الوجه وكان يقرأ كل سنة على جبرئيل مرة الا السنة التي قبض فيها فانه قرأ عليه مرتين وان جماعة من الصحابة ختموا عليه القرآن منهم ابي ابن كعب وقد ختم عليه ابن مسعود عشر ختمات وانه صلى الله عليه وآله فضل كل سورة وذكر فضل قاريها ولو لم يكن مجموعاً لما صح هذا كله ثم ان البخاري روى عن انس انه لم يحفظ القرآن من الصحابة الا أربعة كلهم من الانصارابي ومعاذ وزيد وابو زيد ولم يذكر الثالث فكيف يجمع من لم يحفظ وقيل للحسين بن علي عليه السلام ان فلاناً زاد في القرآن ونقص منه فقال عليه السلام : أو من بما نقض واكفر بما زاد والصحيح ان كل ما يروي في المصحف من الزيادة انما هو تأويل والتنزيل بحالة ما نقص منه وما زاد . (1)
     الى هنا ينتهي ما ارادنا ايراده في هذه العجالة وكان الفراغ من كتابته في شهر جمادي الثانية احد شهور سنة 1409 هـ (2) في مدينة قم حرسها الله تعالى من طوارق الحدثان بحق المودعة في ارضها عليها وعلى العترة الهادية من ابائها واخيها وبنيه أفضل الصلاة والسلام والحمد لله أولا وآخراً .
(1) متشابه القرآن ومحكمه ج 2 ص 77 ط قم بيدار .
(2) وقد اعيد النظر فيه في موضعين منه في اواخر ربيع الثاني سنة 1410 هـ .