مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: 201 ـ 210
(201)
سبب وشرط لتحقّق الآخر ، وحيث إنّه ليس لأي واحد منهما تحقّق ووجود سابق ، فتكون النتيجة لمثل هذا الاشتراط أن لا يتحقّق وأن لا يوجد أي واحد منهما.
    ولأجل التوضيح نضرب المثال التالي :
    لنفترض أنّ شخصين يريدان حمل متاع معاً ، ولكن كل واحد منهما يشترط بأن لا يأخذ طرفاً من ذلك المتاع إلاّ إذا أخذ الآخر طرفه قبله ، فمن المعلوم ـ حينئذ ـ أنّ هذا المتاع لن يحمل ـ في النتيجة ـ أبداً ، لعدم تحقّق شرط أي واحد منهما.
    والحقيقة أنّ قضية الدور ليست في جوهرها إلاّ كون وجود كل من الحادثين متوقفاً على الوجود القبلي للآخر ، وحيث إنّه لا وجود قبلي لأي واحد منهما قبل الإيجاد من جانب الآخر ، فلن يوجد أي منهما في الم آل.
    ب. « التسلسل » ليس إلاّ أن تمضي سلسلة العلل والمعاليل إلى ما لا نهاية ، أي ما لا يصل إلى نقطة واحدة معينة تكون علة للجميع ، دون أن تكون معلولاً لشيء ، ويكون موجوداً غنياً غير فقير.
    وهذا الفرض هو أيضاً باطل ومحال بالبيان الذي مر في إبطال « الدور ».
    لأنّه على فرض التسلسل ، فإنّ الحادثة الأخيرة تكون معلولة للحادثة السابقة عليها ، والحادثة السابقة تكون معلولة لما قبلها ، وهكذا.
    وفي الحقيقة فإنّ الحادثة الأُولى التي نواجهها تكون مشروطة الوجود بالحادثة الثانية التي تسبقها والحادثة الثانية تكون متوقفة على الحادثة التي تسبقها ، وهكذا الثالثة على الرابعة ، والرابعة على الخامسة ، وهكذا كلّما نتقدّم فإنّنا لا نقف على موجود غير مشروط بشرط ، بل إنّ هذا الوضع سيستمر إلى ما لا نهاية ، وفي هذه


(202)
الحالة فإنّ الحادثة التي نواجهها ليس فقط هي التي لا تتحقق بل ولا تتحقق أية حلقة من هذه السلسلة الطويلة غير المتناهية.
    لأنّه لو أُتيح لهذه الحلقات أن تتكلم وتنطق بلسان حالها لقالت الأخيرة : إنّما أتحقّق أنا لو أنّ ما قبلي تحقّق ، وما قبلها تقول : إنّي أتحقّق لو أنّ ما قبلي تحقّق ، وحيث إنّ وجود أية واحدة من هذه الحلقات غير خال عن ال ـ « لو » الشرطية كان معناه عدم تحقّق أي شيء من هذه الحلقات بالمرة ، لأنّنا لن نصل ـ في هذه السلسلة ـ إلى حلقة غير مشروطة الوجود بشيء.
    فينتج أن لا توجد مثل هذه السلسلة بتاتاً ، اللّهم إلاّ أن يوجد بين حلقات هذه السلسلة ما لا يكون وجوده مشروطاً بشرط أبداً.
    فإذا كان هناك مثل هذا الموجود كان معناه حينئذ أنّ هذا الموجود يكون هو « الموجود المطلق » ، أو ما يصطلح عليه ب ـ « الواجب الوجود » ، ومن الطبيعي حينئذ أن ينقطع تصاعد هذه السلسلة ، وينتفي التسلسل.
    ولنمثل ـ لتوضيح هذه الحقيقة ـ بنفس المثال الذي ضربناه ، أعني : مسألة حمل المتاع.
    فلنفترض أنّ الأوّل قال : أنا سأحمل هذا المتاع لو ساعدني عليه الثاني.
    وقال الثاني : أنا سأحمله لو ساعدني عليه الثالث.
    وقال الثالث : وأنا سأحمله لو ساعدني عليه الرابع.
    وهكذا قال الرابع فالخامس فالسادس ـ مثل ذلك الكلام ـ إلى ما لا نهاية ، فمن المعلوم أنّ حمل المتاع المذكور لن يتحقّق بالمرّة ما لم يكن في هذه السلسلة من لا يشترط حمل المتاع على شرط.


(203)
    أمّا إذا تحقّق حمل المتاع المذكور فسنكتشف أنّ هناك ـ قطعاً ـ من أقدم على حمل المتاع دون أن يعلّق مساعدته وحمله على شرط.
    وبعبارة مختصرة حيث نجد أنّ هذه السلسلة تحقّقت بتحقّق آخر حلقاتها نكتشف وصول هذه السلسلة إلى حد معين ونقطة معينة لم يكن وجودها مشروطاً بشرط ، ولا متوقفاً على شيء ، وهذا هو واجب الوجود والموجود المطلق.
    2. الآيات التي أتينا بها في مطلع هذا الفصل قابلة للتطبيق على هذا البرهان بنحو ما ، إذ لو تمكنا من ملاحظة الوجود نفسه ملاحظة دقيقة أمكن أن نصل إلى اللّه وأمكن أن نعتبر قوله تعالى : ( انّه على كلّ شيء شهيد ) ناظراً إلى هذا المعنى.
    أي انّه شاهد على كل شيء حتى نفسه وذاته ، أو مشهود لكل الأشياء عموماً وللإنسان المتفكر في الوجود خصوصاً.
    كما أنّه يمكن أن يقال بأنّ شهادة اللّه على وحدانيته (1) على غرار شهادته على وجوده ، لا تعني إلاّ أن نطالع ونلاحظ نفس الوجود لنصل إلى هذه الحقيقة.
    إنّ ملاحظة نفس الوجود تشهد على وجود اللّه ، وأما كيف تشهد على وحدانيته ، فسيوافيك بيانه في فصل التوحيد الذاتي.
    كما أنّ آية سورة النور ، لو قلنا بقابلية انطباقها على هذا البرهان يكون المقصود من أنّ ( اللّه نور السموات والأرض ) حينئذ أنّ وجود اللّه هو واقع هذا العالم ، أو أنّه واهب « الواقعية » للممكنات.
    1 ـ اشارة إلى الآية 18 من سورة آل عمران : ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ).


(204)
    ومطالعة الوجود هي التي توصلنا إلى هذه « الواقعية ».
    والحق أن يقال : انّ استخراج مثل هذا المراد من الآية المذكورة أخيراً ما هو إلاّ من قبيل التأويل ، أو اكتشاف بعد من أبعاد القرآن ، الكثيرة لا أنّه تفسير لظاهر الآية.
    وعلى كل حال ، سواء أكان تطبيق مفاد الآيات المذكورة على هذا البرهان صحيحاً وصائباً أم كان من قبيل التأويل واكتشاف بعد جديد من أبعاد الآيات فإنّ برهان الصدّيقين ـ في حد ذات هـ وعلى الطريقة السينائية برهان واضح ، وقابل للاعتماد عليه بل وجدير بالاهتمام.
    ونأمل أن نعرض الطريقة الصدرائية منه في فرصة أُخرى بإذن اللّه.


(205)
التوحيد الاستدلالي : البرهان الثاني عشر
آيات اللّه في عالم الطبيعة
    إنّ القرآن الكريم يدعونا إلى التفكّر والتدبّر والنظر في آيات اللّه في عالم الطبيعة والخلق ويعتبر مثل هذا النظر والتفكّر جديراً بأهل الفكر والألباب وأصحاب الضمائر الحية والعقول السليمة. (1)
    و الآيات القرآنية في هذا المجال من الكثرة بحيث لا يمكننا نقل عُشرها في هذه الصفحات القلائل ، ولذلك سنقتصر على إيراد نماذج معدودة منها ، ثم نتحدث عن أهداف هذا القسم من الآيات فيما بعد.
    وإليك الآن هذه النماذج التي وعدناك بها : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْري فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأرضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دابَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ لآيَات لِقَوْم يَعْقِلُونَ ) . (2)
    1 ـ ( لِقَوْم يَعْقِلُونَ ) (البقرة : 164) ( لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ ) (الرعد : 3) ( لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (إبراهيم : 25) ( لأُولِي الألْبَابِ ) (ص : 43).
    2 ـ البقرة : 164.


(206)
    هذه الآية تدعونا إلى التدبّر في أُمور عديدة :
    1. النظر في العالم من أرض وسماء واختلاف الليل والنهار.
    2. التدبّر في أمر صناعة السفن ، والتدبّر في منافعها الاقتصادية.
    3. التفكّر في الكائنات الجوية ، كالرياح والسحاب والمطر ، وعلل تكوّنها.
    4. التدبّر في الأحياء والدواب التي تعيش على وجه البسيطة ، والذي يؤلِّف أساس علم الأحياء.
    إنّ للتدبّر في هذه الأُمور والأشياء نتائج مهمة ، ويمكن أن يكون منشأ لمعرفة سلسلة من المعارف والعلوم.
    فماذا تهدف هذه الآية من دفعنا إلى التدبّر في هذا النظام البديع؟
    هل تهدف إلى أن نهتدي من التدبّر في هذا النظام البديع إلى مبدعه وصانعه؟
    أو أن نتعرّف على صفاته تعالى من هذا السبيل كالقدرة والعلم؟
    أمّ أنّ الهدف هو شيء ثالث وهو : أن نوحّده في العبادة بعد أن وقفنا على أنّه سبحانه هو خالق هذا النظام البديع وتعرفنا على مدى علمه ، فتكون هذه الآية في الحقيقة دعوة إلى « التوحيد العبادي ».
    هذه الاحتمالات الثلاثة ليست مطروحة في هذه الآية فحسب ، بل هي مطروحة ومحتملة في كل الآيات التي تشير إلى النظام الكوني والقدرة الإلهية الكبرى في عالم الطبيعة.
    ( وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ


(207)
فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغشِي الَّليلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ ). (1)
    هذه الآية تدعونا إلى التدبّر والنظر في أُمور معينة ، ومن المعلوم أنّ للتدبّر في هذه الأُمور نتائج مختلفة متنوعة :
    وأمّا هذه الأُمور فهي :
    1. كيف امتدت الأرض واتّسعت؟
    2. كيف ولماذا وجدت الجبال والأنهار في الأرض ؟
    3. كيف خلقت الثمار أزواجاً؟
    4. كيف يختلف الليل والنهار ؟
    إنّ التدبّر في هذه الأُمور كما يمكن أن يقودنا إلى معرفة وجود اللّه سبحانه ، كذلك يدلّنا على علم اللّه وقدرته ، وكذا على وحدانية مدبّر الكون أيضاً ، ذلك لأنّ وحدة النظام وترابط أجزائه يكشف عن حاكمية إرادة واحدة على عالم الكون ، ولو كان هناك آلهة متعدّدون لتعرض هذا النظام للفوضى والفساد والتبعثر ....
    كما أنّ التعرف على مركز القدرة وصاحب التدبير الحقيقي من شأنّه أن يوقظ ضمائرنا ويدفعنا ـ بالتالي ـ إلى عبادة هذا الخالق الحقيقي والمدبّر الواقعي للكون دون سواه.
    ( وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَاب وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوَان يُسْقَى بِمَاء وَاحِد وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْض فِي الأكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوم يَعْقِلُونَ ). (2)
    1 ـ الرعد : 3.
    2 ـ الرعد : 4.


(208)
    هذه الآية تدعونا إلى التدبّر في الأُمور التالية :
    1. الأرض رغم كونها متصلة ببعضها ، فإنّ قسماً منها صالح للزراعة ، وقسماً آخر غير صالح للزراعة ، منها الخصب ، ومنها الجدب ، فما هو السبب؟
    2. في كثير من المزارع والبساتين توجد ثمار متنوعة ومختلفة ، من عناقيد العنب وأعذاق التمر ، وسنابل القمح إلى غير ذلك من ألوان الثمر والنباتات.
    فلماذا ـ ترى ـ هذا التنوّع والاختلاف في الألوان ، والتراب واحد ، والماء واحد ، وأشعة الشمس تتساقط على الجميع بصورة متساوية ، والمنطقة واحدة ، والظروف كذلك واحدة؟
    3. رب ثمار بستان واحد تختلف فيما بينها في النوعية والجودة ، فلماذا ذلك؟
    إنّ التدبّر والنظر والتفكير في هذه الأُمور الثلاثة لا ريب تستتبع نتائج هامة ثلاث :
    أ. أنّ هذه المشاهد الجميلة للبساتين التي تمثّل معرضاً طبيعياً لأجمل اللوحات تكشف ـ ولا ريب ـ عن وجود صانع وخالق رسم بريشته الخفية هذه النقوش الرائعة الجمال في صفحة هذه البساتين الزاهية المناظر.
    ب. أنّ هذه المعارض الجميلة ذات النقوش المتناسقة تكشف ـ أيضاً ـ عن علم صانعها وقدرته المطلقة.
    ج. أنّ صاحب هذه النقوش البالغة الروعة وهذه المعارض والمشاهد الجميلة هو اللّه فهو الذي أوجد هذه المعارض والنقوش ، فلماذا إذن لا نعبده وحده ، ولماذا نعبد سواه مما لا يكون لا خالقاً ولا مدبّراً.
    إنّ الآيات التي تتضمن بيان النظام الكوني البديع والسنن الإلهية في عالم


(209)
الطبيعة التي لا تقبل تحويلاً ، وتغيراً ، من الكثرة والوفور بحيث لا يمكن نقلها جميعاً في هذه الصفحات ، ولكنّنا عرّفنا القارئ الكريم على نماذج منها ، ولمزيد الاطّلاع يراجع « المعجم المفهرس » مادة : « آية ».
    فمثلاً ذكرت في سورة الروم دلائل وجود اللّه في ست آيات ، وكلها تبدأ بكلمة : ( وَمِنْ آياتِهِ ) ، وإليك فيما يلي هذه الآيات نصاً : ( وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَاب ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِقَوْم يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِِهِ خَلْقُ السَّموَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَات لِقَوم يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْىِِ بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِقَوم يَعْقِلُونَ * وَمِنْ آيَاتهِِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِه ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَالأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجونَ ). (1)
    لا شك أنّ هذه الآيات تتركز ـ في الأكثر ـ على إيقاظ الوجدان البشري وتوجيهه إلى صفات اللّه ، والتأكيد على أنّه هو الإله الواحد العالم القادر المدبّر الرحيم.
    وقد ذكرت هذه النتائج في ذيل الآيات ، التي تبدأ في القرآن بكلمة ( وَمِنْ آياتِهِ ). (2)
    1 ـ الروم : 20 ـ 25.
    2 ـ راجع المعجم المفهرس.


(210)
    وفي سورة النحل توجد سلسلة من الآيات التي تشير هي أيضاً إلى جوانب من النظام الكوني العجيب البديع وكيفية انتفاع البشر بها ، وتبدأ هذه الآيات بقوله : ( هُوَ الَّذِي ) : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذِلَكَ لآيَةً لِقَوم يَتَفَكّرونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللّيلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والنجومُ مُسَخَّراتٌ بأمرِهِ إنَّ في ذلك لآيات لقوم يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْم يَذَّكَّرُونَ * وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحَرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَريّاً وَ تَسْتَخْرجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعلامَات وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ). (1)
    ثم يستنتج القرآن من كل ذلك بقوله : ( أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ) (2) ، إنّ هذه الآية الأخيرة تكشف عن أنّ الهدف من تلك الآيات هو الدعوة إلى التوحيد « العبادي » ، ولأجل ذلك صدرت الآية الحاضرة بفاء النتيجة ، لأنّ بعض مشركي العرب رغم علمهم بأنّ اللّه هو الخالق والمدبّر للكون ، كانوا يعبدون آلهة مدّعاة مصطنعة ، ولذلك يعني التذكير بمظاهر القدرة الإلهية في عالم الطبيعة ، إيقاظ ضمائرهم الغافلة ، وإثارة عقولهم الغافية ، كيما يتذكروا أنّ العبادة لا تصح إلاّ للّه سبحانه دون سواه ، وأنّ ما يعبدون من دونه عاجزون ضعفاء لا
    1 ـ النحل : 10 ـ 16.
    2 ـ النحل : 17.
مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: فهرس