مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: 431 ـ 440
(431)
    كما يتبين بأنّ فرعون زمان موسى ( عليه السَّلام ) رغم أنّه كان بنفسه معبوداً عند قومه كان يعبد أصناماً ، خاصة ، لعلها كانت أشكالاً لشخصيات سابقة من أسلاف فرعون ، حيث يخبرنا القرآن الكريم قائلاً : ( وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ). (1)
    خلاصة النظر : أنّ هذه الأصنام والتماثيل كانت تنحت وتصنع بادئ الأمر لتخليد ذكرى رجال دين وزعماء وشخصيات كبار ، ولكن مع مرور الزمن وانقراض أجيال وحلول أجيال أُخرى مكانها كان هذا الهدف ينحرف عن مجراه الأصلي ، وتتحول تلك التماثيل إلى معبودات ، وتلك الأصنام إلى آلهة مزعومة.
التوحيد في العبادة
    والمقصود بهذا التوحيد هو : أن نفرد خالق الكون بالعبادة ، ونجتنب عن عبادة غيره ممّا يكون مخلوقاً له تعالى ، وهذا في مقابل الشرك في العبادة الذي يعني أن يعبد الإنسان رغم اعتقاده بوحدانية خالق هذا الكون ـ مخلوقاً ، أو مخلوقات ، لسبب من الأسباب.
    وهذا هو ما تسمّيه الوهابية بالتوحيد في الإلوهية كما تسمّي التوحيد الذاتي بالتوحيد في الربوبية ، وكلا الاصطلاحين خطأ لما عرفت من معنى الإلوهية حيث قلنا : بأنّ معناها ليس المعبودية ، بل (الإله ، واللّه) متساويان من حيث المبدأ والمفهوم ، غير أنّ الأوّل كلّي ، والثاني علم لواحد من مصاديق ذاك الكلّي.
    1 ـ الأعراف : 127.

(432)
    وأمّا الربوبية فهي بمعنى التدبير والتصرّف في الكون ، لا « الخالقية » وان كان التدبير من حيث الأدلة الفلسفية لا ينفك عن الخالقية كما تقدّم تفصيله في « التوحيد في الربوبية ». (1)
    والأولى بل المتعيّن أن نعبّر عن التوحيد الذاتي بالتوحيد في الإلوهية ، وأنّه ليس هناك إله إلاّ اللّه ، لا أنّ هناك إلهاً أعلى وهو اللّه سبحانه ، و آلهة صغاراً يملكون بعض شؤونه سبحانه ، من الشفاعة والمغفرة وغيرهما مما هو من أفعإله سبحانه كما كان عليه العرب الجاهليون.
    كما أنّ المتعيّن أن نعبّر عن « التوحيد في الخلق » بالتوحيد في الخالقية لا التوحيد في الربوبية ، لما عرفنا من أنّ الرب ليس بمعنى الخالق وإن كان لا ينفك عنه في الصعيد الخارجي حسب البرهان العقلي.
    كما أنّ المتعيّن أن نعبّر عن التوحيد في العبادة بهذا اللفظ نفسه لا بالتوحيد الالوهي ، لما عرفت من أنّ الإله ليس بمعنى المعبود.
    والحاصل : أنّه ليس المطروح في هذه المرحلة من الشرك هو : تعدد الآلهة ولاالاعتقاد بأنّ للكون أجمع خالقاً غيراللّه الواحد الذي خلق الكون بما فيه من الآلهة المزعومة ، ولكن مع هذا الاعتراف ربّما تترك عبادة الإله الواحد ، ويعبد غيره.
    وتختلف دوافع « عبادة المخلوق أو المخلوقات » عند الأُمم والشعوب ، فربما كانت علة بسيطة ، وأحياناً كان يتخذ الدافع صبغة فلسفية ، وفيما يلي نستعرض أهم دوافع الشرك.
    1 ـ الفصل الثامن.

(433)
دوافع الشرك في العبادة
    نشير ـ من بين الدوافع الكثيرة ـ إلى ثلاثة دوافع :
1. الاعتقاد بتعدّد الخالق
    كان الوثنيون ومن شاكلهم من القائلين بالتثليث ، بحكم اعتقادهم بالثنوية والتثليث ، مضطرين إلى عبادة أكثر من اله.
    ففي البوذية تجلّى الإله الأزلي الأبدي في ثلاثة آلهة ، أو ثلاثة مظاهر بالأسماء التالية :
    1. براهما : أي الإله الموجد.
    2. فيشنو : أي الإله الحافظ المبقي.
    3. سيفا أي الإله المفني.
    وفي النصرانية ظهر بالأسماء التالية :
    1. الأب.
    2. الابن.
    3. روح القدس.
    وفي الدين الزرادشتي اعتقد إلى جانب « اهورا مزدا » بإلهين آخرين هما :
    1. يزدان.
    2. اهريمن. (1)
    1 ـ وعلى هذا التفسير يصير المجوس من الثنوية بلحاظ ، ومن أهل التثليث بلحاظ آخر فتدبر.

(434)
    وإن كانت عقيدة الزرادشتيين ـ الواقعية ـ في شأن هذين الإلهين الأخيرين تكتنفها هالة من الإبهام والغموض.
    وعلى كل حال فإنّ الاعتقاد الذهني بتعدد الذات الإلهية كان أحد الدوافع وراء عبادة غير اللّه ، والسبب للشرك في العبادة ، وقد أبطل القرآن الكريم بالبراهين العديدة الواضحة أساس مثل هذا الاعتقاد ، وقد تقدّم البحث في تلك البراهين عند البحث عن التوحيد في الربوبية والتدبير.
2. تصوّر ابتعاد الخالق عن المخلوق
    وقد كان الدافع الثاني لعبادة غير اللّه هو تصوّر ابتعاد اللّه عن المخلوق ، بمعنى أنّهم كانوا يظنون أنّ اللّه بعيد عن المخلوقين لا يسمعهم ولا تبلغه أدعيتهم وطلباتهم ، ولذلك اختاروا وسائل ظنوا أنّها تتكفّل إيصال أدعيتهم إليه ، وكأنّ المقام الربوبي كالمقامات البشرية لا يمكن الوصول إليها إلاّ عن طريق الوسائط ، ومن أجل هذا راحوا يعبدون القدّيسين والملائكة والجن والأرواح لتوصل دعواتهم إلى المقام الربوبي!.
    ولقد أبطل القرآن الكريم هذه التصوّرات ببيانات متنوعة ومتعددة يقول فيها :
    بأنّ اللّه أقرب من كل قريب.
    وانّه تعالى يسمع سرهم ونجواهم وعلانيتهم.
    وانّه تعالى محيط بما يضمرون ويعلنون.
    ولذلك فلا حاجة إلى اتخاذ تلك الآلهة المصطنعة ، ولا حاجة إلى عبادتها ، إذ


(435)
لو كان الهدف من عبادتها هو توسطهم لإيصال مطالبهم إلى اللّه ، فاللّه يعلم بها جميعاً ، وهو الذي لا يعزب عنه شيء :
    وجاء كل هذا في الآيات التالية : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ). (1)
    ( أَلَيْسَ اللّهُ بِكَاف عَبْدَهُ ). (2). (3)
    ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ). (4). (5)
    ( قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ ) . (6)
    ( مَا يَكُونُ مِنْ نَجوَى ثَلاَثَة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَة إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ ). (7)
    وبهذه الآيات وغيرها يبطل القرآن الكريم هذا الدافع للوثنية والشرك.
3. تفويض التدبير إلى صغار الآلهة
    يجد كل إنسان في قرارة نفسه الخضوع للقدرة العليا ، ويستصغر نفسه في قبالها ، ومثل هذا الإحساس الفطري وإن لم يظهر على اللسان والجوارح الأُخرى لكنّه يكمن في قرارة الضمير في صورة نوع من الإحساس بالخضوع ، هذا من
    1 ـ ق : 16.
    2 ـ الزمر : 36.
    3 ـ نعم ليست صراحة الآيتين في ما نرتئيه ، مثل الآية المتقدمة فلاحظ.
    4 ـ غافر : 60.
    5 ـ نعم ليست صراحة الآيتين في ما نرتئيه ، مثل الآية المتقدمة فلاحظ.
    6 ـ آل عمران : 29.
    7 ـ المجادلة : 7.


(436)
جانب ، ومن جانب آخر اعتاد على التعامل مع الموجودات المحسوسة فيريد صبَّ كلِّ أمر في قالب المحسوس.
    وعلى هذا الأساس يريد المشرك أن يصبَّ القوى الغيبية في صورة الأجسام المشاهدة ، والأشكال المنظورة ، أضف إلى ذلك أنّه لقصور فكره ، أو لتصوّر أنّ كل حادثة في هذا الكون أُنيطت إلى قوّة قاهرة هي أيضاً مخلوقة للّه كإله البحر ، وإله الحرب ، وإله السلام ، وكأنّ حكومة الكون مثل حكومات الأرض يفوض فيها كل جانب من جوانب الحياة إلى واحد ، وتكون هذه القدرة مختارة فيما تريد ، وفعالة لما تشاء!!
    من أجل هذا عبد سكنة شواطئ البحار إله البحر ، لكي يجود عليهم بنعم البحر ويدفع عنهم آفاته وغوائله ، كالطوفان; فيما عبد سكنة الأراضي والصحارى إله البر ، ليفيض عليهم بمنافعها ، ويدفع عنهم مضارها ، كالزلزال وما شابه ذلك من آفات الأرض ، وغوائل الصحراء.
    ولكن حيث إنّهم ما كانوا متمكنين من رؤية هذه الآلهة التي توهموها واخترعوها ، فافترضوا لها صوراً خيالية ، وأشكالاً وهمية ، ونحتوا على غرارها تماثيل وأصناماً ، وراحوا يعبدون هذه الأصنام المصنوعة بدلاً عن عبادة القوى الغيبية نفسها التي تمثلها هذه الأصنام ـ كما في زعمهم ـ .
    لهذا السبب كان بين عرب الجاهلية فريق يعبد الملائكة ، وفريق آخر يعبد الجن ، وثالث يعبد الكواكب الثابتة كالشعرى ، ورابع يعبد الكواكب السيارة ، وكان الهدف من عبادتها ـ جميعاً ـ هو جلب خيرها ونفعها ، واجتناب ضررها وشرورها.
    ولقد كانوا يتمتعون ـ في صنع التماثيل والأصنام ـ بسعة نظر خاصة ، فهم لم


(437)
يلزموا أنفسهم بأن يصنعوا ما ينطبق على الصور الواقعية لتلك الأشياء ولذلك كانوا يصنعون لكل واحد من الآلهة الموهومة أصناماً لا تشبه صورها الواقعية أبداً كإله الحرب ، وإله السلام ، وإله الحب ، ولكن في كل هذه الموارد كان الدافع الوحيد هو صب الأُمور الغيبية في قالب المحسوسات ، وحيث إنّ هذه الأرباب والآلهة (الصغار) لم تكن بذاتها في متناول الإحساس ، وكان للكواكب طلوع وأُفول ، وكان التوجه إليها لا يخلو ـ لذلك ـ من مشقة فتوجهوا صوب تماثيلها ، وصاروا إلى عبادتها.
    ولقد انتقد القرآن وندّد بشدَّة بفكرة تفويض القدرة وأمر تدبير الكون إلى الآلهة الصغار المدعاة المخلوقة للّه ، ووصف اللّه ـ في مواضع عديدة ـ بأنّه المدبّر الوحيد لأُمور الكون حيث يقول : ( ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرشِ يُدَبِّرُ الأمْرَ ) (1). (2)
    لقد جعل القرآن الكريم ـ في آيات كثيرة ـ الخلق الأحياء والإماتة وتسيير الكواكب والأفلاك وتنظيم الشمس والقمر والأرزاق ، أفعالاً مختصة باللّه تعالى (3) وندّد بعنف وشدة بكلّ فكرة تقتضي بإشراك أيّة قدرة مع اللّه ، وكلِّ فكرة تقول بتفويض تدبير الأُمور الكونية إلى مخلوقاته.
    إنّ الآيات القرآنية الواردة في هذا الشأن من الكثرة بحيث يعسر نقل
    1 ـ يونس : 3.
    2 ـ راجع الرعد : 2 والسجدة : 5.
    3 ـ اختصاص هذا النوع من الأُمور باللّه لا يمنع من توسيط الأسباب التي تعمل هي أيضاً بأمر اللّه ومشيئته ويكون قدرتها في طول القدرة الإلهية ، وواضح أنّ الإتيان بتلك الأُمور عن طريق الأسباب لا يعني تفويض أمر الكون إليها ، وقد وافاك حق القول في هذا الأمر ، عند البحث عن التوحيد في الربوبية والتدبير فلاحظ.


(438)
عشرها هنا ، ولكن للاطّلاع نذكر ونورد بعض هذه الآيات : ( إِنَّ رَبَّكُمْ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ العَالَمِينَ ) . (1)
    ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الامْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمْ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ). (2)
    إلى هنا بيّنا ثلاثة دوافع للإشراك باللّه في العبادة ولن ندّعي ـ مطلقاً ـ بأن لا يكون ثمة دافع آخر للشرك غير ما ذكرناه ، ولكن الدوافع التي ينتقدها القرآن الكريم تكون أساس نشوء الشرك وانتشاره في العالم.
    إنّ المسلم المعتقد بإله الكون ، الإله الواحد ، الإله الحاضر في كل مكان ، القريب إلى عباده ، الإله الذي بيده الخلق المدبّر للكون بنفسه الذي لم يعط أمره ولم يفوضه إلى أحد.
    إنّ المسلم مع هذا الاعتقاد ، لا يمكن أن يتخذ معبوداً سوى اللّه ، بل لا تكفي عبادته وحده ، إنّما يجب عليه أن يحارب عقائد الشرك والوثنية ، وأن لا يرضى بتجاوز أحد عن دائرة التوحيد لحظة واحدة.
    1 ـ الأعراف : 54.
    2 ـ يونس : 31 ـ 32.


(439)
    وحول الدافع الثالث نذكّر بنكتة مهمة وهي : أنّه قد يمكن أن يعتقد أحد بأنّ أمر الكون كلّه للّه ، ولم يسلّم هذا النوع من الأُمور إلى غيره ، ولكن يعتقد بأنّ الأُمور المعنوية التي ترتبط بأعمال العباد كالشفاعة والمغفرة مما تكون من الأُمور المختصة باللّه فإنّه يمكن أن يعطيها اللّه للأفراد ، وهذا هو أحد دوافع عبادة غير اللّه ، ولقد جعل القرآن الكريم : الشفاعة ـ بصراحة تامة ـ محض حق للّه فلا يمكن لأحد أن يشفع بدون إذنه ، إذ يقول : ( قُلْ للّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً ). (1)
    كما جعل الغفران والمغفرة لذنوب عباده حقاً مختصاً به سبحانه لا يشاركه فيه أحد غيره ، ومن زعم أنّ المغفرة بيد غيره سبحانه فقد أشرك ، قال تعالى : ( فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ ) . (2)
    ولقد كان فريق من وثنيي عصر الرسالة يعبدون الأصنام التي كانوا يتصوّرون أنَّها من ذوي النفوذ عند اللّه ، وأنّها أُنيطت إليها أُمور الشفاعة والمغفرة.
    وسوف نتحدث في البحوث القادمة حول هذا النوع من الشرك الذي هو أضعف أنواعه ، وإذا تبيّنت هذه الدوافع واتضحت لنا كيفية انتقاد القرآن الكريم لها يلزم أن نلتفت إلى ما يذكره أغلب كتّاب الوهابيين ومؤلّفيهم في كتبهم.
    لم يزل مؤلفو الوهابية يعترفون بنوعين من التوحيد ، ويسمّون النوع الأوّل من التوحيد ب ـ « التوحيد الربوبي » ويسمون النوع الآخر ب ـ « التوحيد الالوهي » ثم يذكرون انّ التوحيد الربوبي ، والاعتقاد بوحدانية الخالق لا يكفي بمجرده في
    1 ـ الزمر : 44.
    2 ـ آل عمران : 135.


(440)
التوحيد الذي بعث الأنبياء والرسول الأعظم خاصة من أجل إقراره ونشره في المجتمع الإنساني ، بل يجب ـ علاوة على التوحيد الربوبي ـ أن يفرد اللّه بالعبادة ولا يشرك به أحد ، لأنّ مشركي العرب مع أنّهم كانوا يوحدون خالق الكون ويعتقدون بأنّه واحد لا أكثر ، فإنّ القرآن كان يعتبرهم مشركين ، إذ يقول : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْ ـ رِكُونَ ) (1). (2)
    ولا كلام في هذا المطلب ، وليس من المسلمين أحد يتحلّى بالواقعية ينكر عدم كفاية التوحيد الربوبي وحده ، بل للتوحيد ـ كما أسلفنا ـ مراحل أربع وإن اقتصر الوهابيون على مرحلتين منها ونسوا أو تناسوا المرحلتين الأُخريين.
    غير أنّ الجدير بالذكر هو : انّه لا يختلف أحد مع هؤلاء في هذه المسألة الكلية ، فالجميع متفقون على وجوب الاجتناب عن عبادة غير اللّه ، ولكن المهم هو أنّ الوهابيين يتصورن أنّ تعظيم الأنبياء ، وأولياء اللّه ـ مثلاً ـ عبادة ، في حين أنّ بين التعظيم والعبادة ـ في نظر الآخرين ـ بوناً شاسعاً وفرقاً كبيراً.
    وبعبارة أُخرى : ليس بين المسلمين خلاف في هذا الأصل الكلي ، وهو عدم جواز عبادة غير اللّه أبداً ، وإنّما الخلاف هو في نظر الفرقة الوهابية إلى بعض الأعمال ـ كالزيارة مثلاً ـ حيث اعتبرتها عبادة ، في حين لا تكون هذه الأعمال عبادة في نظر الآخرين.
    1 ـ يوسف : 106.
    2 ـ فتح المجيد تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (المتوفّى عام 1285 هـ) ص 12 و 20 ، وهذا الأمر يدرّس الآن في المناهج الدراسية عندهم ، ويؤكدون على هذين النوعين من التوحيد ثم يتهمون المسلمين بأنّهم موحدون ربوبياً لا الوهياً.
    وقد عرفت في ما مضى أنّ تسمية التوحيد في الخالقية بالتوحيد الربوبي ، وتسمية التوحيد في العبادة بالتوحيد الالوهي خطأ من حيث اللغة ومصطلح القرآن فلاحظ الصفحة 431.
مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: فهرس