مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: 661 ـ 662
(661)
    فتحصل من ذلك أنّ استخلاف اللّه لداود كان بمعنى إعطائه حق الحاكمية على الناس بمفهومها الواسع.
    وبذلك اتضح الفرق بين قولنا حصر الحاكمية في اللّه سبحانه وبين ما كان يردّده الخوارج شعاراً ضد علي ( عليه السَّلام ) حيث كانوا يقولون : « لا حكم إلاّ للّه لا لك ولا لأصحابك ».
    فهؤلاء كانوا يريدون نفي أيَّة إمرة في الأرض بتاتاً لا من جانب اللّه ولا من جانب الناس ، وبذلك نهضوا في وجه إمرة علي ، وقد ردّ الإمام عليهم بقوله :
    « كلمة حق يراد بها باطل! نعم لا حكم إلاّ للّه ، ولكن هؤلاء يقولون : لا إمرة إلاّ للّه ». (1)
    أي أنّهم ينفون أن يكون في الأرض أمير على الناس من جانب اللّه سبحانه.

كلمة أخيرة
    أثبت البحثان السابقان أنّ الحكومة ضرورة يتوقف نظام الحياة عليها ، كما أثبتا من جانب آخر أنّ الحكومة بما أنّها تلازم التصرف في الأموال والأنفس وتلازم تحديد الحريات ، لذلك لابد أن تكون ناشئة من ولاية ثبت أنّها لا توجد إلاّ في اللّه سبحانه ، وحده.
    ولمّا كان يمتنع عليه سبحانه أن يباشر هذه الحكومة ، فلابد أن يتصدّى لها من ينصبه اللّه تعالى لذلك فرداً كان أو جماعة ، وهذا ما ينبغي بحثه ومعالجته في البحوث التي تتكفل بيان طريقة الحكم ونظام الحكومة في الإسلام ، والتي أبدى فيه المفكرون آراء مختلفة.
    1 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 40.

(662)
    ففي تلك البحوث سنبحث هل يجب أن يكون الحاكم الإسلامي منصوباً من جانب اللّه سبحانه؟ أو أنّ تعيينه ترك إلى اختيار الناس وانتخابهم؟ أو أنّ هناك رأياً ثالثاً يقول : إذا كان هناك حاكم منصوب من جانب اللّه فعلى الناس اتّباعه؟ أمّا عندما لا يكون هناك من عيّنه اللّه بخصوصه للحكومة ، فعلى الأُمّة أن تختار ـ وفق الموازين الإسلامية للقيادة ـ من تجده صالحاً للإمرة والحاكمية ، وتقوم هي بتأسيس الدولة بسلطاتها الثلاث.
    ولمّا كان الرسول الأعظم وأُولو الأمر من المؤمنين حسب تنصيصه سبحانه في قوله : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) (1) يمثلون تلك القيادة الإسلامية والحكومة الإلهية خصّصنا الجزء الثاني لدراسة كيفية الحكم والولاية في الإسلام.
ومن اللّه نسأل التوفيق ، وآخر دعوانا أنّ الحمد للّه رب العالمين.

    1 ـ النساء : 59.
مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: فهرس