مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 51 ـ 60
(51)
محله أنّ الكثير قابل للانتزاع من الواحد من حيث أنّه واحد و إن كان الواحد من حيث أنّه واحد لايمكن انتزاعه من الكثير بما هو كثير.
    و ثانياً : فبالحل : فإنّ ما ذكره من أنّ المفهوم من كونه قادراً غير المفهوم من كونه عالماً و ان كان صحيحاً لكن ما رتّب عليه من قوله « و الحقيقه الواحدة لاتكون عين الحقيقتين ، لأنّ الواحد لايكون نفس الاثنين » غير صحيح و منشأ الاشتباه هو الخلط بين التغاير المفهومي و التغاير الخارجي فكلّ مفهوم يستحيل أن يكون في عالم المفهومية نفس المفهوم الآخر ، فلو قال قائل زيد موجود و أراد إنّ نفس مفهوم المسند إليه نفس مفهوم المسند فقد أخطأ خطأً عظيماً ، و ليس مفاد الحمل الشائع الحكاية عن الوحدة في عالم المفهوم و لو أراد الرازي هذا لصحّ قوله : « الواحد لايكون نفس الأثنين ».
    و أمّا لو أراد الحقيقة الخارجية فهو غير صحيح إذ لامانع من أن يكون شيء واحد بما هو واحد مصداقاً لمفهومين مختلفين ، وقد عرفت أنّ كلّ موجود امكاني كلّه معلوم للّه سبحانه ، كما أنّ كلّه مقدور ، و ليست حيثيّة المعلوميّة مغايرة للحيثيّة المقدوريّة و إلاّ يلزم ان يكون جهة المعلوميّة خارجة عن اِطار قدرته ، أو العكس.
    قال الحكيم السبزواري : « اختلط عليهم المفهوم و المصداق فيرون اختلاف المفاهيم و يتوهّمون اختلاف وجودها و مصداقها بحسبها ، و كأنّهم لم يقرع أسماعهم جواز انتزاع مفاهيم مختلفة من مصداق واحد و هذا نظير أنّه يصدق عليك إنّك مقدور للّه و معلوم ، و مراد و معلول له ، و أنّك مشخص واحد ، و لايمكنك أن تقول : أنا مقدور من جهة ، و معلوم من جهة اُخرى مثلاً ، إذ يلزم أن تكون حيثيّة مقدوريتك غير معلومة له مع أنّه لايعزب عن علمه مثقال ذرّة و حيثيّة معلوميتك غير مقدورة له مع ثبوت عموم قدرته ، فظهر أنّ اتّحاد مفاهيم كثيرة في الوجود و المصداق واقع » (1).
1 ـ شرح المنظومة للحكيم السبزواري ص 154 ـ 155.

(52)
    قال صدر المتألهين : « واجب الوجود و إن وصف بالعلم و القدرة و الإرادة لكن ليس وجود هذه الصفات فيه إلاّ وجود ذاته بذاته ، فهي و إن تغايرت مفهوماتها لكنّها في حقّه تعالى موجودة بوجود واحد » قال الشيخ في التعليقات : « الأوّل : إنّه تعالى لايتكثر لأجل تكثّر صفاته لأنّ كلّ واحدة من صفاته إذا حقّقت تكون صفة أخرى بالقياس إليه ، فيكون قدرته حياته ، و حياته قدرته ، و تكونان واحدة ، فهو حيّ من حيث هو قادر ، و قادر من حيث هو حيّ ، و كذا في سائر صفاته » (1).
    و إن شئت قلت : إنّ الوجود ربّما يبلغ في الكمال مرتبة كاملة لايتصور فوقه فيكون بوحدته و بساطته نفس هذه الكمالات من العلم و القدرة و الحياة من غير أن تتكثّر الذات و تتعدّد حقيقة أو اعتباراً و حيثيةً ، و ذلك لأنّ حيثيّة الذات بعينها حيثية هذه الصفات.قال أبو نصر الفارابي :
    « وجود كلّه ، وجوب كلّه ، علم كلّه ، قدرة كلّه ، حياة كلّه لا أنّ شيئاً منه علم وشيئاً آخر منه قدرة ليلزم التركيب في ذاته ، و لا أنّ شيئاً فيه علم و شيئاً آخر فيه قدرة ليلزم التكثّر في صفاته الحقيقية » (2).

بيان آخر لوحدة الصفات
    ثمّ إنّ الراسخين في الحكمة الالهيّة أرجعو الصفات الثبوتية إلى وصف واحد و الصفات السلبية إلى سلب واحد ، كما ارجعوا الصفات الاضافية إلى اضافة واحدة و ليس هذا الارجاع أمراً اعتبارياً ذهنيّاً بل التعليل العقلي يشهد بذلك مثلاً إنّ سلب الامكان عنه تعالى مبدأ لسائر السلوب فأنّ الجوهرية و العرضية و الحدوث و الحلول كلّها من لوازم الامكان فسلبه يلازم سلب كلّ هذه الصفات السلبية ، كما أنّ جميع
1 ـ الأسفار : ج 6 ص 120.
2 ـ الأسفار : ج 6 ص 121 ، و الفرق بين القسمين هو : إنّ العلم في الشقّ الأوّل موجود في مرتبة الذات بخلافه في الشقّ الثاني فهو فيه زائد عليها.


(53)
الصفات الثبوتية من العلم و القدرة و الحياة يرجع إلى أصل واحد و هو وجوب الوجود و الوجود المتأكّد و قد عرفت أنّ المحقّق الطوسي إستنتج من توصيفه سبحانه بالغني ، و الوجود ، جميع الصفات الكمالية ، كما أنّ جميع الصفات الإضافية كالخالقية و الرازقية و العلية ترجع إلى إضافة واحدة و هي اضافة القيّوميّة ، فانّ كونه بحيث يقوم به غيره من وجود أو حيثية وجودية عبارة اُخرى عن قيّوميّته ، فالخلق والرزق و الحياة و العزّة و الهداية حيثيّات وجوديّة و هي قائمة به مفاضة من عنده.
    فاتّضح أنّه يمكن الجمع بين الكمالين : كمال البساطة و كمال اتّصاف الذات بواقع الصفات الكماليّة بشرط أن تقف على موضع الوحدة ، و انّ المدّعى ليس اتحادها مع الذات في اطار المفهوم بل المدّعى اتّحاد واقعية الذات مع واقعيّة هذه الصفات في الخارج ، و كم له من نظير في عالم الأعيان (1) .

5 ـ تقسيم صفاته إلى الجماليّة و الجلاليّة
    إنّ صفات اللّه تعالى على نوعين : جماليّة و جلاليّة.
    فالجماليّة عبارة عن الألفاظ الدالّة على معان قائمة بذات اللّه تعالى كقولنا : عالم ، قادر ، حيّ.
    و الجلاليّة عبارة عن سلب معان عن اللّه سبحانه كقولنا : « اللّه ليس بجسم ولاجسمانيّ و لاجوهر و لاعرض » و لعلّه إلى القسمين يشير قوله سبحانه : ( تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى الْجَلالِ وَ الاِْكْرامِ ) ( الرحمن/78 ).
    فصفة الجلال ما جلّت ذاته عن مشابهة الغير ، و صفة الاكرام ما تكرمت
1 ـ و سنرجع الى هذا البحث عند دراسة كون صفاته عين ذاته ، و ما ذكر هنا ـ كثرة أسمائه وبساطة ذاته ـ و ماسيأتي : صفاته عين ذاته ، وجهان لعملة واحدة غير أنّ حيثيّة البحث في المقامين مختلفة.

(54)
ذاتهبها و تجملت (1).
    و بعبارة أخرى الصفة إمّا ايجابيّة ثبوتيّة ، و إمّا سلبيّة تقديسيّة ، و قد حصروا الاولى في ثمانية و هي العلم ، و القدرة ، و الحياة ، و السمع ، و البصر ، و التكلّم ، و الغنى ، و الصدق ، كما حصروا الثانية في سبعة و هي انّه تعالى ليس بجسم ، ولاجوهر ، و لاعرض ، و لايُرى ، و ليس بمتحيّز ، و لاحالّ في غيره ، و لايتّحد بشيء.
    و بعبارة ثالثة لو كانت الصفة تثبت وجود كمال في الموصوف و واقعية في ذاته ، تعدّ كمالاً لها و سميّت ثبوتية أو جماليّة أو كماليّة أو معنويّة على اختلاف مصطلحاتهم ، و لو كانت الصفة تهدف إلى نفي نقيصة و حاجة عنه سبحانه سمّيت سلبية أو جلاليّة ، فالعلم و القدرة و الحياة من الصفات الثبوتيّة لأنّها تعرب عن وجود كمال في الذات الالهيّة كما انّ نفي الجسمانيّة و الحلول و التحيّز من الصفات السلبيه لأنّها تهدف إلى سلب هذه النقائص عن ساحته وذاته.
    و على وجه الإجمال كلّ اسم يدل على تنزّهه تعالى و خروجه عن الحدّين : حد الإبطال و حد التشبيه فهو جلاليّ ، مثل : عزيز ، و سبّوح ، و جليل ، و سرمد ، و غيرها مما تدلّ على غناه عمّا سواه و عدم مشابهته بشيء من خلقه ، و كلّ اسم يدل على شيء من كمالاته تعالى فهو جماليّ مثل : عليم ، و قدير ، و سميع ، و بصير ، مما يدلّ على استحقاقه لشيء من الكمالات فجلاله عين جماله ، و جماله عين جلاله ، و كلاهما عين ذاته ، و لكن التعدّد في عالم الأسماء فالأسماء الجلاليّة مظاهر عالم العزّة ، و الأسماء الجمالية مظاهر عالم العظمة.
    و لأجل ذلك ذهب المحقّقون إلى أنّ الصفات الثبوتيّة و السلبيّة لاتنحصر في الثمانية و السبعة فإذا كان الملاك فيهما اثبات كمال أو رفع نقص فكلّ كمال و جمال
1 ـ الأسفار ج 6 ص 118 ، و العجب إنّ الرازي جعل قوله « و الاكرام » إشارة الى الصفات الإضافيّة. لاحظ لوامع البينات : ص 33.

(55)
ثابت للّه سبحانه و هو واجد له ، و كلّ نقص وحاجة منفيّ عنه سبحانه ومسلوب عنه.
    و من هناك يمكن أن يقال : إنّه ليس لنا من الصفات الثبوتيّة إلاّ وصف واحد ، و هو ثبوت الكمال المطلق له سبحانه ، و من الصفات السلبيّة إلاّ سلب واحد و هو سلب النقص على وجه الاطلاق ، فذاته سبحانه لاتخلو عن كلّ كمال و جمال ، فلو وصفناها بالعلم و القدرة و الحياة و غيرها ، فلأجل ان كلّ ذلك كمال و عدمها نقص ، كما انّ سلب الجهل و العجز و الموت و الجسميّة و التركيب و الانفعال ليس إلاّ لاجل إنّها علامة النقص و الافتقار. على ضوء ذلك يمكن ارجاع جميع الصفات الثبوتية إلى وصف واحد ، و ارجاع الصفات السلبيّة إلى سلب واحد من دون أن يكون هناك عناية بالثمانية أو السبعة ، و يؤيّد ذلك إنّ الصفات و الأسماء التي وردت في القرآن الكريم تفوق بأضعاف المرّات هذا العدد الذي ذكره المتكلّّمون و الحكماء من الصفات للّه.
    و قد عرفت كلام صدرالمتألّهين في هذا المضمار فلانعيد.

6 ـ تقسيم صفاته إلى الذاتيّة و الفعليّة
    إنّ لصفاته سبحانه وراء التقسيم الماضي تقسيماً آخر و هو كون الصفة صفة ذات ، أو كونه صفة فعل ، فيعدّون العلم و القدرة و الحياة من صفات الذات ، كما يعدّون صفة الخلق و الرزق و المغفرة من صفات الفعل ، و هذا تقسيم متين جداً غير أنّ المهم تعريفهما بنحو جامع و مانع و إليك تعريفهما :
    إذا كان فرض الذات و حدها كافياً في حمل الوصف عليه ، فالوصف ذاتي.
    و أمّا إذا لم يكن فرضها كافياً في توصيف الذات بها ، بل توقّف على فرض غيرها « و لاغير في دار الوجود إلاّ فعله » فالصفة صفة فعل ، و هذا كالخالق فإنّ الذات غير كافية لانتزاع الخلق و الرزق ، بل يتوقّف على فرض الغير و هو فعله


(56)
سبحانه ، فالذات إذا لوحظت مع الفعل و وصفت بأوصاف تسمّى تلك الأوصاف صفات الفعل (1).
    و إن شئت قلت : إنّ ما يحتاج في تحقّقه إلى فرض تحقّق الذات قبلاً ، كالخلق و الرزق فهي الصفات الفعلية و هي زائدة على الذات ، منتزعة عن مقام الفعل ، و معنى انتزاعها عن مقام الفعل إنّا مثلاً نجد هذه النعم « التي نتنعّم بها ونتقلّب فيها » نسبتها إلى اللّه سبحانه نسبة الرزق المقرّر للجيش من قبل السطان فنسمّيها رزقاً و إن كان منتهياً إليه تعالى نسميه رزّاقاً و مثله الخلق و الرحمة و المغفرة و سائر الصفات الفعليّة ، فهي تطلق عليه تعالى و يسمّى هو بها من غير أن يتلبّس بمعانيها كتلبّسه بالحياة و القدرة و غيرها من الصفات ، و لو تلبّس بها حقيقة لكانت صفات ذاتيه غير خارجه من الذات (2).
    و على ضوء ذلك فالصفات على قسمين :
    1 ـ ما لايحتاج في تحقّقه إلى فرض تحقّق الذات قبل الوصف و ذلك مثل العلم و القدرة و الحياة من غير فرق بين كونها متّحدة مع الذات في مقام الوجود كما عليه العدلية ، و بين كونها زائدة عليها كما عليه أهل الحديث و الأشاعرة ، فإنّ القول بالزيادة ليس بمعنى تحقّق الذات قبلاً ثم عروض هذه الصفات ، و إنّما يكفي في ذلك تحقّق الذات و الصفة معاً ، فهذه هي الصفات الذاتيه.
    2 ـ ما يحتاج في تحقّقها في الخارج إلى فرض تحقّق الذات قبلاً كالخلق والرزق فهي الصفات الفعلية ، و هي زائدة على الذات بحكم انتزاعها باعتبار صدور شيء منها.
1 ـ الميزان ج 8 ص 368.
2 ـ نهاية الحكمة : ص 284 و يقرب من ذلك ما ذكره الشيخ المفيد في « أوائل المقالات » ص



(57)
تعريف آخر للذاتية و الفعلية
    و هناك تعريف آخر لتمييز الذاتية عن الفعلية و هو إنّ كلّ ما يجري على الذات على نسق واحد فهو صفة الذات مثل قولنا « يعلم » و « يقدر » و إنّه « حي » ولايصح أن يقال « لايعلم » و « لايقدر » و انّه « ليس بحي » أيضاً ، و أمّا ما يجري عليه سبحانه على وجهين أي بالايجاب تارة و بالسلب اُخرى ، فهذا صفة الفعل فيصح أن يقال يخلق و لايخلق ، و يرزق و لايرزق ، و يرحم و لايرحم.
    قال الشيخ المفيد : « لايصحّ وصفه تعالى بأنّه يموت أو بأنّه يعجز أو بأنّه يجهل ، و لايصحّ وصفه بالخروج عن كونه حيّاً و عالماً و قادراً ، و لكن يصحّ الوصف بأنّه غير خالق اليوم ، و لارازق لزيد ، و لامحيي لميت ، و لامبدىء لشيء في هذا الحال و لامعيد له ، و يصح الوصف له بأنّه يرزق ، و يمنع ، و يحيي ، و يميت ، و يبدي ، و يعيد ، و يوجد ، و يعدم ، فثبت إنّ العبرة في أوصاف الذات و أوصاف الأفعال بما ذكرنا » (1).
    و قد اختار هذا الملاك الشيخ الكليني في كافيه فانّه بعد ما نقل جملة من الروايات حول صفات الذات و صفات الفعل له تعالى قال :
    « إنّ كلّ شيئين وصفت اللّه بهما و كانا جميعاً في الوجود أي ايجاباً و سلباً ، اثباتا و نفياً فذلك صفة الفعل (2).
    و لعلّ في بعض الروايات ما يؤيّد هذا التعريف (3).

7 ـ تقسيم صفاته إلى نفسيّة و اضافيّة
    ثمّ انّه لصفاته الثبوتية تقسيماً آخر و هو تقسيمه إلى النفسيّة و الإضافيّة.
1 ـ تصحيح الاعتقاد : ص 185 ـ 186.
2 . الكافي ج 1 ص 111.
3 ـ التوحيد للصدوق ـ باب صفات الذات و صفات الأفعال : الحديث 1 ص 139.


(58)
    قال صدرالمتألّهين :
    « و الثبوتيّة تنقسم إلى حقيقية كالعلم و الحياة ، و اضافية كالخالقية و الرازقيّة و العليّة و جميع الحقيقيّات ترجع إلى وجوب الوجود أعني الوجود المتأكّد و جميع الاضافات ترجع إلى إضافة واحدة و هي اضافة القيّوميّة » (1).
    و بعبارة اُخرى : فما لاإضافة في معناه إلى الخارج عن مقام الذات كالحياة ، فهو نفسيّ ، و ماله اضافة إلى الخارج سواء كان معنى نفسيّاً ذااضافة كالصنع والخلق فهي النفسيّة ذات الاضافة ، أو معنى إضافيّاً محضاً كالخالقيّة و الرازقيّة فهي الإضافة المحضة (2).

8 ـ تقسيم آخر منسوب إلى أهل المعرفه
    و هناك تقسيم آخر ينسب إلى أهل المعرفة ذكره الحكيم السبزواري في « أسرار الحكم » و حاصله : تقسيم صفاته إلى تنزيهيّة و تشبيهيّة ، و المقصود من الأوّل ما لايوجد إلاّ في الواجب جلّ اسمه ، كقولنا : القديم الأزلي ، و الذاتي ، و البسيط المحض ، و القدّوس المفسّر عندهم بما لاماهية له ، فإنّها صفات خاصّة ، لايوجد نظيرها في الموجودات الامكانية حتّى بالمعنى المناسب لها.
    و المراد من الثاني ما يوجد نظيره في الممكنات كالسميع و البصير ، فإنّه و إن كان فرق واضح بين كونه سميعاً و بصيراً و كون الإنسان كذلك ، لكن النتيجة مشتركة بينهما (3).
    و هذا التقسيم أمر لاطائل تحته : لأنّ صفاته تحمل عليه ، بقيد التجريد عن وصمة الامكان وسمة المادية ، و عندئذ يكون الجميع أوصاف كمال و صفات جمال تنزّه بها ربّنا عن النقائص.
1 ـ الاسفار ج 6 ص 118 ـ 119.
2 ـ الميزان ج 8 ص 369.
3 ـ أسرار الحكم ص 49.


(59)
9 ـ تقسيم صفاته إلى الذاتيّة و الخبريّة
    قسّم بعض المتكلّمين صفاته سبحانه إلى ذاتية و خبرية ، و المراد من الاُولى أوصافه المعروفة من العلم و القدرة و الحياة ، و المراد من الثانية ما أثبتته ظواهر الآيات و الأحاديث له سبحانه و أخبرت عنها كالقدم و الوجه و اليدين و القدوم والنزول إلى غير ذلك ، و هذه الصفات قد أوجدت ضجّة كبرى بين المتكلّمين ، فقسّمتهم إلى طوائف مختلفة ، و سنبحث عن هذه الصفات في فصل خاص.
10 ـ تقسيمها إلى صفات اللطف و القهر
    إنّ صفاته سبحانه تنقسم ـ حسب الظاهر ـ إلى صفات لطف و صفات قهر. فالمتبادر من الرحمن و الرحيم و الغفور و الحليم ، يضاد المتبادر من القاهر والجبّار و المنتقم ، و قد ورد في الأدعية توصيفه ب ـ « قاصم الجبارين » و « مبيرالظالمين » ولكلّ مجال و مظاهر ، و لذلك عند ما يأمر بقطع يدالسارق يصف نفسه بأنّه عزيز حكيم ، يقول سبحانه : ( وَ السَارِقُ وَ السَارِقَةُ فَاقْطَعُوا اَيْدِيَهُمَا جَزَاءَ بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( المائدة/38 ).و المقام يناسب لأن يتجلّى سبحانه بأوصافه القهاريّة ، و لو قال مكانهما غفور رحيم لكان مخلاً بالبلاغة.
    و لكنه سبحانه في المواضع التي تطلب بلاغة المقال يتجلى بوصف الرحمة والمغفرة و ... و لكن هذا التقسيم ، تقسيم ظاهري ، و الكلّ مظاهر رحمته و مجالي رأفته ، ولأجل ذلك قال أهل المعرفة : « تحت كلّ لطف قهر و تحت كلّ قهر لطف ».
    يقول سيد الموحّدين :
و كم للّه من لطف خفى يدقّ خفاه عن فهم الذكي
    كيف و هو سبحانه يصف نفسه بقوله : ( وَ رَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء ) ( الأعراف/155 ) و في الدعاء المأثور عن أميرالمؤمنين « يا من سبقت رحمته


(60)
غضبه » و لأجله نؤمن انّ في قهره رحمة للمقهور عليه ، و إنّ في عذابه لطفاً خفيّاً للمعذّب.

11 ـ الأسماء العامّة و الخاصّة
    إنّ بين نفس الأسماء سعة وضيقاً ، و عموماً و خصوصاً ، فمنها خاصة ، و منها عامة ، فالعالم اسم خاص بالنسبة إلى الحيّ ، و عام بالنسبة إلى السميع و البصير والشهيد و اللطيف و الخبير.
    و الرزّاق خاص بالنسبة إلى الرحمان ، و عام بالنسبة إلى الشافي و الناصر ، والهادي ، و على هذا القياس.
    فللأسماء الحسنى عرض عريض تأخذ في السعة و العموم ، ففوق كلّ اسم ما هو أوسع منه و أعم ، حتّى ينتهي إلى اسم اللّه الأكبر الذي يسع وحده ، جميع حقائق الأسماء ، و تدخل تحته شتات الحقائق بُرمّتها ، و هو الذي نسمّيه غالباً بالاسمالأعظم.
    و من المعلوم انّه كلّّما كان الاسم أعم ، كانت آثاره في العالم أوسع ، و البركات النازلة منه أكبر و أتم لما انّ الآثار للأسماء كما عرفت ، فما في الاسم من حال العموم و الخصوص يحاذيه بعينه أثره ، فالاسم الأعظم ينتهي إليه كلّ أثر و يخضع له كلّأمر (1).

12 ـ هل الاسم الاعظم من قبيل الألفاظ؟
    قد اشتهر بين الناس انّ للّه سبحانه بين أسماءه اسم أعظم مَن دعاه به استجيب دعوته ، و هل هو من قبيل الألفاظ أو أنّ له حقيقة وراءها؟ فقد حقّق حاله سيدنا
1 ـ الميزان ج 8 ص 370 ـ 371.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس