قد تعرّفت على أنّ صفاته سبحانه تنقسم إلى ذاتية و فعلية ، و عرفت الملاك فيهما غير أنّه وقع البحث في بعض الصفات و أنّها هل هي من صفات الذات أو من صفات الفعل؟ و نخص بالذكر صفتي الإرادة و التكلّم فنقول : الإرادة و الكراهة كيفيّتان نفسانيّتان كسائر الكيفيّات النفسانيّة حاضرتان لدى النفس بلاتوسيط شيء مثل اللّذة و الألم فتكونان معلومتين للنفس بعلم حضوري لاحصولي كما هو الحال في كلّ الاُمور الوجدانية ، و المهم تبيين ماهية الإرادة في الإنسان ثم البحث عن إرادته سبحانه. فنقول : إنّ في إرادة الإنسان آراء مختلفة نشير إليها (1). أ ـ رأي المعتزلة في الإرادة الإرادة عبارة عن اعتقاد النفع ، و الكراهة عبارة عن اعتقاد الضرر ، و نسبة القدرة إلى طرفي الفعل و الترك متساوية ، فإذا حصل في النفس الاعتقاد بالنفع في أحد الطرفين ، يرجّح بسببه ذلك الطرف ويصير الفاعل مؤثّراً فيه. يلاحظ عليه : إنّه تفسير للإرادة و الكراهة ببعض مبادئهما فإنّ الإرادة تنبثق عن الاعتقاد بالنفع كما ان الكراهة تنبثق عن الاعتقاد بالضرر ، و لكن الاعتقاد غير الإرادة بشهادة انّ الاعتقاد بالنفع لايستتبع إرادة في جميع المجالات. ب ـ الإرادة : الشوق النفساني يظهر من بعض المشايخ « إنّ الإرادة هو الشوق النفساني الحاصل في النفس من الاعتقاد بالنفع ».
1 ـ لاحظ : الوقوف على آراء المتكلمين في حقيقة الإرادة : شرح المواقف ج 8 ص81 ـ 82.
(72)
يلاحظ عليه : إنّ تفسير الإرادة بالشوق تفسير ناقص إذ ربّما تتحقّق الإرادة و لاتكون هناك أيّة شوق كما في تناول الأدوية المرّة لأجل العلاج ، و ربّما يتحقّق الشوق المؤكّد و لاتكون هناك إرادة كما في مورد المحرمات للرجل المتّقي فالنسبة بين الشوق و الإرادة عموم و خصوص من وجه.
ج ـ الإرادة هي العزم و الجزم الإرادة لدى البعض عبارة عن كيفيّة نفسانيّة متخلّلة بين العلم الجازم و الفعل و يعبر عنه بالقصد و العزم تارة ، و بالإجماع و التصميم اُخرى ، و ليس القصد من مقولة الشوق كما انّه ليس من مقولة العلم ـ رغم حضوره لدى النفس كسائر الكيفيّات النفسانيّة ـ و بإختصار : الإرادة هي القصد و إجماع النفس على الفعل و العزم القاطع هذا هو حقيقة الإرادة في الإنسان. الإرادة الامكانية تلازم الحدوث و على كلّ تقدير الإرادة في الإنسان بأيّ معنى فسّرت ظاهرة تظهر في لوح النفس تدريجيّة فيتقدّمها اُمور من تصوّر الشيء و التصديق بما فيه من الفائدة ثمّ حصول الاشتياق إليه في موارد خاصّة ، ثمّ رفع الموانع عن طريق ايجاد الشيء و أخيراً حالة التصميم و القصد القطعي المحرّك للعضلات نحو المقصود. و هذا أمر واضح يقف عليه الإنسان إذا تدبّر في حالات نفسه ، و من المعلوم انّ الإرادة بهذا المعنى لايمكن توصيفه سبحانه به لأنّه يستلزم كونه موجوداً مادياً يطرأ عليه التغير و التبدل ، و التكامل من النقص إلى الكمال ، و من الفقدان إلى الوجدان و ما هذا شأنه لايليق بساحة الباريء.
الإرادة ملاك الاختيار إنّ الإرادة ملاك الإختيار ، فالفعل إنّما يوصف بالاختيار إذا صدر عن مشيئة
(73)
الفاعل و إرادته سواء أقلنا إنّ نفس الإرادة أيضاً أمر اختياري أو خارج عنه ، و هذا لايهمنا في هذا البحث ، و إنّما المهم إناطة اختياريّة الفعل بسبق الإرادة عليها و الفاعل المريد المختار أكمل من الفاعل غير المريد المختار ، و على ضوء ذلك لايمكن سلب الإرادة و الاختيار عنه سبحانه لأنّ فقدان الإرادة يستلزم أمرين :
1 ـ كونه فاعلاً غير مريد و بالتالي غير مختار. 2 ـ كونه فاعلاً غير كامل لأنّ المريد أكمل من غيره و بالتالي المختار أفضل من غيره. و إن شئت قلت : إنّه سبحانه أمّا ان يكون فاعلاً فاقداً للعلم. أو يكون عالماً فاقداً للإرادة. أو يكون عالماً و مريداً لكن عن كراهة لفعله لأجل جبر خارجي عليه يقهره على الإرادة. أو يكون عالماً و مريداً و راضياً بفعله غير مكره.
و الثلاثة الأوّل غير لائقة بساحته ، فيتعيّن كونه فاعلاً مريداً مالكاً لزمام فعله و عمله ، و لايكون مقهوراً في الإيجاد و الخلق ، لأجل وجود جبر قاهر عليه. إذا وقفت على ذلك فالباحث عن إرادته سبحانه و كونها صفة الذات أو صفة الفعل واقع بين أمرين متخالفين : فمن جهة إنّ حقيقة الإرادة لاتنفكّ عن الحدوث و التدريج يستحيل أن يكون ذاته سبحانه محلاً للحوادث ، لاستلزامه طروء الفعل و الانفعال على ذاته سبحانه و هو محال ، و لأجل ذلك ذهب كثير من المتكلّمين إلى انّ الإرادة من صفات فعله ، فارادته هو إيجاده كما انّ خالقيته عبارة عن فعله و إيجاده ، و رازقيّته عبارة عن انعام الخلق بنعمه. و من جهة اُخرى انّ سلب الإرادة عن ذاته و حصر إرادته في الفعل و الايجاد
(74)
يستلزم كونه فاعلا غير مختار و تصور فاعل اكمل منه و هو لايليق بساحته وإليكالبيان.
هل الإرادة صفة الذات أو صفة الفعل؟ إنّ الإرادة بما أنّها آية الاختيار تستلزم أن تعدّ من صفات الذات فإنّ سلبها عن مقام الذات يستلزم سلب كمال منها غير أن أمام هذا موانع تمنع عن عدّها من صفاتها و إليك بيانه : 1 ـ إنّ الإرادة لاتنفك عن الحدوث و التدريج ، فيستحيل أن تكون ذاته سبحانه محلاً للحوادث لاستلزامه طروء الفعل و الانفعال على ذاته و هو محال. 2 ـ إنّ الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) تفسّر الإرادة بنفس الفعل و الايجاد ، و هذا يكشف عن كونها صفة الفعل. و سيوافيك بيان هذه الأحاديث. 3 ـ إنّ الملاك الذي ذكره الكليني لتمييز صفة الذات عن صفة الفعل ، يستلزم عدّها من صفات الفعل لا من صفات الذات ، فإنّ صفات الفعل تقع تحت النفي والاثبات و يقال : « يَخلق و لايُخلق » « يَغفر و لايُغفر » بخلاف صفة الذات فإنّها تقع تحت الاثبات دون النفي ، يقال : « يعلم و يقدر » و لايقال : « لايعلم و لايقدر » ، وعلى ضوء هذا فبما أنّه سبحانه يريد الحق و لايريد الباطل ، يريد إيجاد شيء مطابق للحكمة و لايريد إيجاد ما يخالفها ، فهي من صفات الفعل لا من صفات الذات (1). 4 ـ لو كانت الإرادة نفس ذاته; لزم قدم العالم لأنّها متّحدة مع الذات والذات موصوفة بها و هي لاتنفك عن المراد ، فيلزم أن لاينفكّ العالم عن الذات. فهذه هي الموانع الأربعة أمام عدّ الإرادة من صفات الذات فلقائل بكونها من
1 ـ الكافي ج 1 ص 109.
(75)
صفاتها يجب عليه حلّ عقدها و رفع مشاكلها ، و لأجل ذلك نطرحها على بساط البحث فنقول :
أ : إرادته سبحانه ، علمه بالذات إنّ إرادته سبحانه عبارة عن علمه بالنظام الأصلح و الأتم و الأكمل ، قال صدر المتألهين : « معنى كونه مريداً : إنّه سبحانه يعقل ذاته ، و يعقل نظام الخير الموجود في الكلّ من ذاته ، و إنّه كيف يكون؟ و ذلك النظام يكون لامحالة كائناً ومستفيضاً و هو غير مناف لذات المبدأ الأوّل » (1). و قال أيضاً : « إنّ إرادته سبحانه هي العلم بنظام الكلّ على الوجه الأتمّ و إذا كانت القدرة و العلم شيئاً واحداً مقتضياً لوجود الممكنات على النظام الأتمّ ، كانت القدرة و العلم و الإرادة شيئاً واحداً في ذاته ، مختلفاً بالاعتبارات العقليّة (2). و قال الحكيم السبزواري : « الواجب جلّ مجده حيث يتعالى من أن يفعل بآلة ، و من أن يكون له شوق إلى ما سواه ، إذ هو موجود غير فقيد ، لكونه تامّاً و فوق التمام ، و من أن يكون علمه انفعاليّاً ، فإنّ علمه تعالى فعلي غير معلّل بالأغراض الزائدة فالداعي ، و الإرادة ، و القدرة ، عين علمه العنائي و هو عين ذاته (3).
1 ـ الأسفار الأربعة ج 6 ص 316. 2 . نفس المصدر ص 331. 3 ـ شرح الأسماء الحسنى ص 42.
(76)
مناقشة هذه النظرية لاشك انّه سبحانه عالم بذاته ، و عالم بالنظام الأكمل و الأتم و الأصلح ، و لكن تفسير الإرادة بالعلم ، يرجع إلى انكار حقيقة الإرادة فيه سبحانه ، فانكارها في مرتبة الذات ، مساوق لانكار كمال فيه ، إذ لاريب أن الفاعل المريد أكمل من الفاعل غير المريد ، فلو فسّرنا إرادته سبحانه بعلمه بالنظام ، فقد نفينا ذلك الكمال عنه ، و عرّفناه فاعلاً يشبه الفاعل المضطر في فعله ، و بذلك يظهر النظر فيما أفاده صدر المتألّهين و السبزواري. حيث تصوّرا انّ الإرادة و العلم شيء واحد بذاته ، مختلف بالاعتبار ، ولأجل عدم صحّة هذا التفسير نرى أنّ أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ينكرون تفسيرها بالعلم. قال بكير بن أعين : قلت لأبي عبداللّه الصادق ( عليه السلام ) : « علمه و مشيئته مختلفان أو متّفقان » ؟ فقال ( عليه السلام ) : « العلم ليس هو المشيئة ، ألاترى أنّك تقول سأفعل كذا إن شاء اللّه ، و لاتقول سأفعل كذا إن علم اللّه » (1). و إن شئت قلت : « إنّ الإرادة صفة مخصّصة لأحد المقدورين ، أي الفعل و الترك ، و هي مغايرة للعلم و القدرة ، لأنّ خاصيّة القدرة صحّة الإيجاد و اللاإيجاد ، و ذلك بالنسبة إلى جميع الأوقات و إلى طرفي الفعل و الترك على السواء ، فلاتكون نفس الإرادة التي من شأنها تخصيص أحد الطرفين ، و اخراج القدرة عن كونها متساوية بالنسبة إليهما. و أمّا العلم فهو من المبادىء البعيدة للإرادة ، و الإرادة من المبادىء القريبة إلى الفعل ، فلا معنى لعدّهما شيئاً واحداً. نعم ، كون علمه بالمصالح و المفاسد مخصّصاً لأحدالطرفين ، و إن كان أمراً معقولاً ، لكن لاتصحّ تسميته إرادةً و إن اشترك مع الإرادة في النتيجة و هي تخصيص
1 ـ الكافي ج 1 ص 109 باب الارادة.
(77)
الفاعل قدرته بأحدالطرفين ، إذ الاشتراك في النتيجة لايوجب أن يقوم العلم مقام الإرادة و يكون كافياً لتوصيفه بذلك الكمال أي الإرادة.
ب : إرادته سبحانه ابتهاجه بفعله إنّ إرادته سبحانه ابتهاج ذاته المقدّسة بفعلها و رضاها به ، و ذلك لأنّه لمّا كانت ذاته سبحانه صرف الخير و تمامه ، فهو مبتهج بذاته أتمّ الابتهاج ، و ينبعث من الابتهاج الذاتي ابتهاج في مرحلة الفعل ، فإنّ من أحب شيئاً أحبّ آثاره و لوازمه ، و هذه المحبّة الفعلية هي الإرادة في مرحلة الفعل ، و هي التي وردت في الأخبار التي جعلت الإرادة من صفات فعله ، فللإرادة مرحلتان : إرادة في مقام الذات ، و إرادة في مقام الفعل ، فابتهاجه الذتي إرادة ذاتيّه ، و رضاه بفعله إرادة في مقام الفعل. يلاحظ عليه : إنّ هذه النظرية كسابقتها لاترجع إلى محصّل ، فإنّ حقيقة الإرادة غير حقيقة الرضا و غير حقيقة الابتهاج ، و تفسير أحدهما بالآخر إنكار لهذا الكمال في ذاته سبحانه ، و قد مرّ أنّ كون الفاعل مريداً ـ في مقابل كونه فاعلاً مضطراً موجباً ـ ، أفضل و أكمل فلايمكن نفي هذا الكمال عن ذاته على الاطلاق.
ج ـ الإرادة : إعمال القدرة و ربّما تفسر إرادته سبحانه بإعمال القدرة كما عن بعضهم. قال قائل : « إنّا لانتصوّر لإرادته تعالى معنى غير إعمال القدرة و السلطنة ، و لمّا كانت سلطنته تعالى تامّة من جميع الجهات ، و لايتصوّر فيه النقص أبداً فبطبيعة الحال يتحقّق الفعل في الخارج ، و يوجد بصرف إعمال القدرة من دون توقّفه على أيّة مقدّمة اُخرى كما هو مقتضي قوله سبحانه : ( إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) ( يس/82 ) (1).
1 ـ المحاضرات ج 2 ص 38.
(78)
يلاحظ عليه : إنّ إعمال القدرة و السلطنة إمّا فعل اختياري له سبحانه أو اضطراري ، و لاسبيل إلى الثاني لأنّه يستلزم أن يكون تعالى فاعلاً مضطراً و لايصح توصيفه بالقدرة و لاتسميته بالقادر ، و على الأوّل فما هو ملاك كونه فاعلاً مختاراً؟ لأنّه لابد أن يكون هناك قبل إعمال السلطنة و تنفيذ القدرة ، شيء يدور عليه كونه فاعلاً مختاراً ، فلايصحّ الاكتفاء في مقام تفسير الإرادة ، بإعمال القدرة. و باختصار : إنّ الاكتفاء باعمال القدرة من دون إثبات وصف الاختيار له في المقام بنحو من الأنحاء غير مفيد ، و المعروف انّ ملاك الاختيار هو الإرادة ، نعم لعلّ ما ذكره ( دام ظله ) يرجع إلى ما سنذكره.
د ـ إرادته ، كونه مختاراً بالذات الحق إنّ الإرادة من الصفات الذاتية و تجري عليه سبحانه على التطوير الذي ذكره المحقّقون في توصيفه بالحياة ، ولأجل توضيح المطلب نأتي بكلمة جارية في جميع صفاته سبحانه و هي : يجب على كلّ إلهي ـ في إجراء صفاته سبحانه عليه ـ تجريدها من شوائب النقص و سمات الإمكان ، و حملها عليه بالمعنى الذي يليق بساحته مع حفظ حقيقتها و واقعيّتها حتّى بعد التجريد. مثلاً ، انّا نصفه سبحانه بالعلم ، و نجريه عليه مجرّداً عن الخصوصيّات و الحدود الإمكانية ، و لكن مع حفظ واقعيّته ، و هو حضور المعلوم لدى العالم ، و أمّا كون علمه كيفا نفسانيّاً أو إضافة بين العالم و المعلوم ، فهو منزّه عن هذه الخصوصيّات ، و مثل ذلك الإرادة ، فلاشك انّها وصف كمال له سبحانه و تجري عليه مجرّدة عن سمات الحدوث و الطروء و التدرّج و الانقضاء بعد حصول المراد ، فإنّ ذلك كلّه من خصائص الإرادة الامكانية و إنّما يراد من توصيفه بالإرادة كونه فاعلاً مختاراً في مقابل كونه فاعلاً مضطراً ، و هذا هو الأصل المتبع في إجراء صفاته سبحانه.
(79)
إنّ الإرادة صفة كمال لا لأجل كونها حادثة طارئة منقضية بعد حدوث المراد ، و إنّما هي صفة كمال لكونها رمز الإختيار و سمة القاهريّة حتى أنّ الفاعل المريد المكره له قسط من الاختيار ، حيث يختار أحد طرفي الفعل على الآخر تلو محاسبات عقليّة فيرجّح الفعل على الضرر المتوعّد به ، فإذا كان الهدف و الغاية من توصيف الفاعل بالإرادة هو اثبات الاختيار و عدم المقهوريّة فتوصيفه سبحانه بكونه مختاراً غير مقهور في سلطانه ، غير مجبور في إعمال قدرته ، كاف في جري الإرادة عليه ، لأنّ المختار واجد لكمال الإرادة على النحو الأتمّ و الأكمل ، و قد مرّ أنّه يلزم في اجراء الصفات ترك المبادىء و الأخذ بجهة الكمال ، فكمال الإرادة ليس في كونها طارئة زائلة عند حدوث المراد ، أو كون الفاعل خارجاً بها عن القوّة إلى الفعل ، أو من النقص إلى الكمال ، بل كمالها في كون صاحبها مختاراً ، مالكاً لفعله آخذاً بزمام عمله فلو كان هذا هو كمال الإرادة ، فاللّه سبحانه واجد له على النحو الاكمل إذ هو الفاعل المختار غير المقهور في سلطانه ، ( وَ اللّهُ غالِبٌ عَلى اَمْرِهِ ) ( يوسف/21 ) ، و ليس هذا بمعنى انّها وصف سلبي و هو كونه تعالى غير مغلوب و لامستكره ، كما نقل عن النجّار (1) بل هي وصف وجودي هو نفس ذاته و التعبير عنه بوصف سلبي لايجعله أمراً سلبياً كتفسير العلم بعدم الجهل ، و القدرة بعدم العجز. إجابة عن سؤال : و يمكن أن يقال : إنّ تفسير الإرادة بالاختيار يستلزم نفس ما يستلزمه تفسير الإرادة بالعلم فعلى كلا التفسيرين الإرادة بمفهومها الحقيقي منفيّة عن الذات الالهية. و الإجابة عن هذا السؤال واضح بملاحظة ما قدّمناه من التحليل في تفسير صفاته سبحانه فإنّ الصفات الكماليّة تحمل على اللّه سبحانه بحذف نقائصها و زوائدها لابالمفهوم الحرفي الابتدائي الذي يتبادر إلى الاذهان مثلاً إنّا نصفه سبحانه بالحياة و إنّه حي ، و من المعلوم أنّ ما يتبادر من الحياة هو ما نعرفه في النبات بالدفع
1 ـ كشف المراد ص 177.
(80)
و الجذب و انتاج المثل ، و في الحيوان بإضافه الحس و الحركة ، و في الإنسان بزيادة التعقل و التفكر ، و من المعلوم انّ الحياة بهذا المعنى غير قابل للحمل على اللّه سبحانه لكونها نقصاً.
فكما أنّ تفسير الحياة في العلوم الطبيعية بما ذكرنا لاينافي توصيفه سبحانه بالحياة لأنّه يؤخذ منه اللبّ و يحذف القشر ، فكونه سبحانه عالما قادراً أي درّاكاً ، فعّالاً ، يكفي في توصيفه بالحياة فهكذا توصيف الإرادة بالعزم و الجزم الطارئين على النفس بعد مقدمات ، لاينافي توصيفه سبحانه بالإرادة لكن على التحليل الذي بيّنّاه و هو طرد القشر و الأخذ باللب ، فبما أنّ الإرادة آية الإختيار ، و الإختيار جوهر الإرادة و روحها ، فيكفي في توصيفه بالإرادة ، تفسيره بالإختيار و أين هذا من تفسير الإرادة بالعلم الذي لاصلة بينهما إلاّ على وجه بعيد؟ فكما أنّ ما ذكر من الخصائص للحياة من الحسّ و الحركة و غيرهما ليس عنصراً مقوّماً للحياة ، و إنّما هي تجلّيات لوجود عنصر الحياة في الإنسان ، فهكذا الإرادة تجلّ لوجود عنصر الاختيار في الذات ، فإذا كان ما يتجلّى به غير لائق لتوصيفه سبحانه به ، ينحصر التوصيف باللب و التجلّي بالمفهوم و هو الاختيار. إلى هنا تمّ البحث حول المانع الأوّل و بقي الكلام في الموانع الاُخرى.
الإشكال الثاني : الروايات تعدّ الإرادة من صفات الفعل كيف تعدّ الإرادة من صفات الذات ، مع أنّ الروايات المتضافرة عن أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) تفسّره بالإيجاد مشيرة إلى أنّها من صفات الفعل كالخالقيّة والرازقيّة. قال المفيد : إنّ إرادة اللّه تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله ، و إرادته لأفعال خلقه ، أمره بالأفعال ، و بهذا جاءت الآثار عن أئمّة الهدى من آل محمد ( عليهم السلام ) و هو مذهب سائر الإماميّة إلاّ من شذّ منها عن قرب ، و فارق