مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 101 ـ 110
(101)
وجودهم و مشاهدتهم ، ثمّ يعبّر عن تلك الأحاديث وقت المشاهدة ، و تارة نطقاً عقليّاً إمّا بجزم القول : إنّ الحق و الصدق كذا ، و إمّا بترديد الفكر انّه هل يجوز أن يكون الشيء كذا أو يستحيل أو يجب إلى غير ذلك من الأفكار حتى انّ كلّ صانع ، يُحدِّث نفسه أوّلاً بالغرض الذي توجهت إليه صنعته ، ثم تنطق نفسه في حالة الفعل محادثةً مع الآلات و الأدوات و المواد و العناصر ، و من أنكر أمثال هذه المعاني فقد جحد الضرورة » (1).
    و قال الفاضل القوشجي :
    « إنّ من يورد صيغة أمر أو نهي أو نداء أو اخبار أو استخبار أو غير ذلك يجد في نفسه معاني يعبّر عنها يسمّيها بالكلام الحسّي ، و المعنى الذي يجده في نفسه و يدور في خلده ، و لايختلف باختلاف العبارات بحسب الأوضاع و الاصطلاحات ، و يقصد المتكلّم حصوله في نفس السامع على موجبه هو الذي نسميه الكلام النفسي » (2).
    يلاحظ عليه : انّه لو كان المراد من المعنى النفسي هو المعاني المنتظمة في خلد المتكلّم ، التي لاتختلف حسب اختلاف الألفاظ و التعبيرات فهو إمّا معاني مفردة أو معاني مركبة.
    و على كلاالتقديرين فهما من أقسام العلم التصوّري أو التصديقي و ليستا خارجتين عنه مع أنّ المدّعى كون التكلّم وصفاً مغايراً للعلم كما أنّ المعنى الموجود في الذهن في الانشائيات هو الإرادة و الكراهة المبرزتين بالأمر و النهي و ليست شيئاً ورائهما مع أنّ المدّعي انّ الكلام النفسي غير الإرادة و الانشاء.
    و لقد انصف القاضي الايجي حيث أوعز إلى انّ هذا البيان لايتم إلاّ إذا
1 ـ نهاية الاقدام : ص 231 ، و لكلامه ذيل فراجع.
2 ـ شرح التجريد للقوشجي : ص 420.


(102)
تلك المعاني التي تدور في النفس غير العلم و الإرادة (1).
    ثمّ إنّ للأشاعرة دلائل خاصّة في اثبات الكلام النفسي ، و إنّ هناك معاني في النفس و هو غير العلم و الإرادة و الكراهة كلّّها فاسدة ، و قد أوضحنا حالها في بعض موسوعاتنا الكلاميّة (2).هذا كلّه حول حقيقة كلامه. بقي البحث عن حدوثه و قدمه فنحن في غنى عن هذا البحث بعد ثبوت كونه من صفاته الفعلية و من المعلوم أنّ فعله سبحانه غيره ، و كلّ ما هو غيره مخلوق ، حادث غير قديم. نعم يجب علينا أن نجتنب عن توصيف القرآن بكونه مخلوقاً و نقول مكان كونه مخلوقاً « محدثاً » و ذلك لئلاّ يفسّر بكونه « مختلقاً » و مصنوعاً للبشر قال سبحانه حاكياً عن المشركين : ( اِنْ هذا اِلاّ قُولُ البَشَرِ ) ( المدثّر/25 ).
    ولأجل ذلك قال الإمام الرضا ( عليه السلام ) عند السؤال عن القرآن :
    « كلام اللّه لاتتجاوزوه و لاتطلبوا الهدى في غيره فتضلّوه » (3).
    و نقل سليمان بن جعفر الجعفري انّه سأل موسى بن جعفر ( عليه السلام ) عن القرآن و انّه مخلوق أو غير مخلوق؟ فقال : « إنّي لاأقول في ذلك ما يقولون ، و لكنّي أقول : إنّه كلام اللّه » (4).
    ترى أنّ الإمام ( عليه السلام ) يبتعد عن الخوض في تلك المسألة لما رأى أنّ الخوض فيها ليس لصالح الإسلام ، و أنّ الإكتفاء بأنّه كلام اللّه أحسم لمادّة الخلاف ، و لكنّهم ( عليهم السلام ) عندما أحسّوا بسلامة الموقف ، و هدوء الأجواء أدلوا برأيهم في الموضوع ، و صرّحوا بأنّ الخالق هو اللّه و غيره مخلوق و القرآن ليس
1 ـ المواقف : ص 294.
2 ـ لاحظ « بحوث في الملل و النحل » ص271 ـ 278 ، و الالهيات ص197 ـ 204.
3 ـ التوحيد للصدوق باب « القرآن ما هو؟ » ص223 الحديث 2.
4 ـ نفس المصدر : ص 224 الحديث 5.


(103)
نفسه سبحانه ، و إلاّ يلزم اتّحاد المُنزِل و المُنزَل ، فهو غيره ، فيكون لامحالة مخلوقاً.
    فقد روى محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، قال : كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا ( عليهم السلام ) إلى بعض شيعته ببغداد :
    « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، عصمنا اللّه و إيّاك من الفتنة ، فإن يفعل فقد أعظم بها نعمة ، و إن لايفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل و المجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ، و يتكلّف المجيب ما ليس عليه ، و ليس الخالق إلاّ اللّه عزّ و جلّ و ما سواه مخلوق ، و القرآن كلام اللّه ، لاتجعل له اسماً من عندك فتكون من الضالّين ، جعلنا اللّه و إيّاك من الذين يخشون ربّهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون » (1).
    و في الروايات المرويّة اشارة إلى المحنة التي نقلها المؤرّخون فقد كان أحمد بن أبي دؤاد كتب في عصر المأمون إلى الولاة في العواصم الإسلامية أي يختبروا الفقهاء و المحدّثين في مسألة خلق القرآن و فرض عليهم أن يعاقبوا كلّ من لايرى رأي المعتزلة في هذه المسألة ، و جاء المعتصم و الواثق فط ـ بّقا سيرة المأمون و سياسته مع خصوم المعتزلة و بلغت المحنة أشدّها على المحدّثين ، و لمّا جاء المتوكّل نصر مذهب الحنابلة و أقصى المعتزلة و أحاطت المحنة باُولئك الذين كانوا بالأمس القريب يفرضون آراءهم بالقهر و القوّة.
    با للّه عليك هل يمكن عدّ مثل هذا الجدال إسلاميّاً ، و قرآنيّاً و بذلك تقف على أنّه لماذا كتب الإمام الهادي إلى بعض شيعته ببغداد : « عصمنا اللّه و إيّاك من الفتنة ... ».
    قال المفيد : « إنّ كلام اللّه محدث و بذلك جاءت الآثار عن آل محمد ( عليهم السلام ) و عليه اجماع الإماميّة و المعتزلة بأسرها و المرجئة إلاّ من شذّ عنها و جماعة من أهل الحديث و أكثر الزيدية و الخوارج. و أقول : إنّ القرآن كلام
1 ـ توحيد الصدوق ، باب القرآن ماهو ، الأحاديث : 2 و 3 و 4 و 5.

(104)
اللّه و وحيه ، و انّه محدث كما وصفه تعالى و اَمْنعُ من إطلاقِ القول عليه بأنّه ثبت أنّ مخلوق ، و بهذا جاءت الآثار عن الصادقين و عليه كافة الإمامية إلاّ من شذّ منهم ، و هو قول جمهور البغداديين من المعتزلة و كثير من المرجئة و أصحاب الحديث » (1).
     إلى هنا تمّ الكلام حول الصفتين : الإرادة و التكلّم و تعرّفت على أنّ الاُولى من الذات على معنى و من صفات الفعل على معنى آخر ، كما أنّ الثاني من صفات فعلهعلى الاطلاق.
1 ـ أوائل المقالات : ص 18 ـ 19.

(105)
16 ـ اسماؤه في القرآن و السنّة
    قد ورد في القرآن الكريم مائة و اثنان و ثلاثون اسماً للّه سبحانه بين بسيط و مركّب ، و روى الفريقان عن النبي أن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) قال : إن للّه تبارك و تعالى تسعة و تسعين اسماً ( مائة إلاّ واحدة ) من أحصاها دخل الجنّة (1). و المراد من احصائها هو الوقوف على معانيها أو التمثّل و التشبّه بها مهما أمكن.
    و يحتمل أن يكون المراد الاجتهاد في التقاطها من الكتاب و السنّة ، و جمعها و حفظها ، كما يحتمل أن يكون المراد عدّها و التلفّظ بها و في القاموس : « أحصاه : عدّه أو حفظه أو عقله ».
    فلنقدّم أسماءه سبحانه في الكتاب العزيز ثمّ نردفه بما ورد عن أئمّة أهلالبيت ( عليهم السلام ) حول تسعة و تسعين اسماً ، ثمّ نذكر ما رواه أهل السنّة و نعتمد في ذلك على رواية الترمذي التي هي السند لكثير من الحفّاظ في هذا المقام.
     أسماؤه في القرآن
    ورد في القرآن الكريم مائة و اثنان وثلاثون اسما للّه تعالى و إليك بيانها على الترتيب :
    « الإله ، الأحد ، الأوّل ، الآخر ، الأعلى ، الأكرم ، الأعلم ، أرحم الراحمين ، أحكم الحاكمين ، أحسنالخالقين ، أسرعالحاسبين ، أهلالتقوى ، أهلالمغفرة ، الأقرب ، الأبقى ، الباري ، الباطن ، البديع ، البِرّ ، البصير ، التوّاب ، الجبّار ، الجامع ، الحكيم ، الحليم ، الحي ، الحق ، الحميد ، الحسيب ، الحفيظ ، الحفيّ ، الخبير ، الخالق ، الخلاّق ، الخير ، خيرالماكرين ، خيرالرازقين ، خيرالفاصلين ، خيرالحاكمين ، خيرالفاتحين ، خيرالغافرين ، خيرالوارثين ، خيرالراحمين ،
1 ـ سيوافيك مصدر الرواية.

(106)
خيرالمنزلين ، خيرالناصرين ، ذوالعرش ، ذوالطول ، ذوانتقام ، ذوالفضلالعظيم ، ذوالرحمة ، ذوالقوّة ، ذوالجلالوالإكرام ، ذوالمعارج ، الرحمن ، الرحيم ، الرؤوف ، الرب ، ربالعرش ، رفيعالدرجات ، الرازق ، الرقيب ، السميع ، السلام ، سريعالحساب ، سريعالعقاب ، الشهيد ، الشاكر ، الشكور ، شديدالعذاب ، شديدالعقاب ، شديدالمحال ، الصمد ، الظاهر ، العليم ، العزيز ، العفو ، العلي ، العظيم ، علاّمالغيوب ، عالمالغيبوالشهادة ، الغني ، الغفور ، الغالب ، غافرالذنب ، الغفّار ، فالقالاصباح ، فالقالحبّوالنوى ، الفاطر ، الفتّاح ، القوي ، القدّوس ، القهّار ، القاهر ، القيّوم ، القريب ، القادر ، القدير ، قابلالتوب ، القائم على كلّّنفس بما كسبت ، الكبير ، الكريم ، الكافي ، اللطيف ، الملك ، المؤمن ، المهيمن ، المتكبّر ، المصوّر ، المجيد ، المجيب ، المبين ، المولى ، المحيط ، المقيت ، المتعال ، المحيي ، المتين ، المقتدر ، المستعان ، المبدىء ، المعيد ، مالك الملك ، النصير ، النور ، الوهّاب ، الواحد ، الولي ، الوالي ، الواسع ، الوكيل ، الودود ، الهادي.

أسماؤه في احاديث أئمّة اهل البيت ( عليهم السلام )
    روى الصدوق باسناده عن الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه ، عن علي ( عليه السلام ) قال :
    قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) : « إنّ للّه تبارك و تعالى تسعة و تسعين اسماً من أحصاها دخل الجنّه و هي : « اللّه ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأوّل ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العلي ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، البارىء ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحق ، الحسيب ، الحميد ، الحفي ، الرب ، الرحمن ، الرحيم ، الذاري ، الرازق ، الرقيب ، الرؤوف ، الرائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفو ، الغفور ،


(107)
الغني ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدوس ، القوي ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشفالضر ، الوتر ، النور ، الوهّاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفي ، الوكيل ، الوارث ، البر ، الباعث ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خيرالناصرين ، الديّان ، الشكور ، العظيم ، اللطيف ، الشافي » (1).
    و المذكور في الحديث مائة اسم ، لكن الظاهر أنّ لفظة الجلالة ليست من الأسماءالحسنى ، و قد ذكر بعنوان المسمّى الجاري عليه الأسماء ، وبذلك يستقيم العدد.

أسماؤه سبحانه في أحاديث أهل السنّة
    أخرجالترمذي ، و ابنالمنذر ، و ابنحبان ، و ابنمندة ، و الطبراني ، و الحاكم ، و ابنمردويه ، و البيهقي ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه ( صلى اللّه عليه و آله و سلّم ) : « إنّ للّه تسعة و تسعين اسما مائة إلاّ واحد ، من أحصاها دخل الجّنة ، إنّه و تريحب الوتر : هو اللّه الذي لا إله إلاّ هو الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدّوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، الخالق ، البارىء ، المصوّر ، الغفّار ، القهّار ، الوهّاب ، الرازق ، الفتّاح ، العليم ، القابض ، الباسط ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، السميع ، البصير ، الحكم ، العدل ، اللطيف ، الخبير ، الحليم ، العظيم ، الغفور ، الشكور ، العلي ، الكبير ، الحفيظ ، المقيت ، الحسيب ، الجليل ، الكريم ، الرقيب ، المجيب ، الواسع ، الحكيم ، الودود ، المجيد ، الباعث ، الشهيد ، الحق ، الوكيل ، القوي ، المتين ، الولي ، الحميد ، المحصي ، المبدىء ، المعيد ، المحيي ، المميت ، الحي ، القيوم ، الواجد ،
1 ـ التوحيد للصدوق : ص 194 ج 8.

(108)
الماجد ، الواحد ، الصمد ، القادر ، المقتدر ، المقدّم ، المؤخّر ، الأوّل ، الآخر ، الظاهر ، الباطن ، الوالي ، المتعالي ، البر ، التوّاب ، المنتقم ، العفو ، الرؤوف ، مالكالملك ، ذوالجلال والاكرام ، المقسط ، الجامع ، الغني ، المغني ، المانع ، الضار ، النافع ، النور ، الهادي ، البديع ، الباقي ، الوارث ، الرشيد ، الصبور » (1).
    و نحن امتثالا لأمر النبي الأكرم ، نرجع إلى احصاء الأسماء التي وردت في القرآن الكريم ، ولو سمح الوقت نرجع إلى احصاء ما ورد في حديث أئمّة أهلالبيت ( عليه السلام ) لعلّ اللّه يرزقنا الجنّة حسب وعد نبيّه الأعظم ( صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ) .
    تمّ البحث عن الاُمور التي كان طبع البحث يقتضي ايرادها و هي خمسة عشر أمراً.و من هنا ندخل في صلب البحث و هو تفسير أسماءه الواردة في الذكر الحكيم على حسب الحروف الهجائيّه إلاّ ما شذّ.
1 ـ صحيح الترمذي ج 5 باب الدعوات ، ص 530 الحديث 507.

(109)
تفسير أسمائه الواردة في القرآن الكريم
    قد عرفت أنّه ورد في الذكر الحكيم مأة و باثنان و ثلاثون اسماً له سبحانه فعلينا البحث عن معانيها ، و ما تهدف إليهاتلك الأسماء ، نذكرها مع تفسيرها على ترتيب الحروف الهجائيّة إلاّ إذا اقتضى المقام الجمع بين الاسمين فنفسّرهما معاً من غير مراعاة الترتيب.
    و التفسير الصحيح يعتمد على أمرين :
    1 ـ تحديد معناه اللغويّ تحديداً معتمداً على المعاجم الموثوق بها.
    2 ـ عرض الاسماء بعضها على بعض ، و الامعان في القرائن الواردة حوها في الآيات.
    و إليك البحث واحداً بعد آخر.

حرف الالف
الأوّل : الإله
    قد جاء لفظ الجلالة ( اللّه ) في الذكر الحكيم 980 مرّة كما جاء لفظ الإله بصوره المختلفة ( إله ، إلها ، الهك ، إلهكم ، و إلهنا ) 147 مرّة و الاسهاب في البحث يقتضي الكلام في المواضع التالية :
     1 ـ لفظ الجلالة عربي أو عبري؟
    قد نقل عن أبي زيد البلخي : إنّ لفظ الجلالة ليس بعربي بل عبري أخذه العرب عن اليهود ، و استدل عليه بأنّ اليهود يقولون : « إلاها » و العرب حذفت المدة


(110)
التي كانت موجودة في آخرها في العبرية ككثير من نظائرها العبرية فتقول « أب » بدل « أباه » و « روح » بدل « روحا » و « نور » بدل « نورا » إلى غير ذلك.
    و ذهب الباقون إلى أنّها عربية صحيحة و قد كانت العرب تستعمل تلك اللفظة قبل بعثة النبي بقرون ، و لاتشذّ عن سائر الاُمم ، فإنّ لكلّّ اُمّة على أديم الأرض لفظاً خاصّاً لخالق العالم و بارئه و مدبّره ، فالفرس عندهم « خدا » و « ايزد » كما أنّ للترك « تاري » و من البعيد أن لايكون عند العرب المعروفين بالبيان و الخطابة لفظ يعبّرون به عمّا تهديهم فطرتهم إليه و تدلّهم عليه قال سبحانه : ( وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ لَيَقُولُنَّ اللّهُ ) ( لقمان/25 ـ الزمر/38 ).
    و اشتراك الشعبين في التعبير عن مبدأ العالم لايدل على أنّ العرب أخذت من اليهود خصوصاً إذا قلنا بأنّ اللسانين يرجعان إلى أصول و مواد واحدة ، و إنّما طرأ عليهما الاختلاف لعلل و ظروف إجتماعية و غيرها و الكلّّ من العنصر « السامي ».

2 ـ لفظ الجلالة مشتقّ أو لا؟
    اختلفوا في انّ لفظ الجلالة مشتق من اسم آخر أو لا؟ بعد ما اتّفقوا على انّ ما سوى هذه اللفظة من أسمائه سبحانه من باب الصفات المشتقة ، أمّا هذه اللفظة فقد نقل عن « الخليل » و « سيبويه » و « المبرّد » أنّها غير مشتقة و جمهور المعتزلة و كثير من الأدباء على أنّها من الأسماء المشتقة.
    ثمّ القائلين بالاشتقاق اختلفوا في المعنى المشتق منه إلى أقوال كثيرة يطول المقام بذكرها و ذكر حججها و إنّما نشير إليها إجمالا :
    أ ـ إنّ لفظ الجلالة مشتق من الاُلوهية بمعنى العبادة ، و التالّه : التعبّد ، و هذا هو المعروف بين كثير من المحدّثين و المفسّرين ، و يظهر من روايات بعض أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس