مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: 111 ـ 120
(111)
    روى الكليني عن هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبداللّه ( عليه السلام ) عن أسماءاللّه و اشتقاقها :
    اللّه ممّا هو مشتق؟ قال : فقال لي : « يا هشام ، اللّه مشتق من إله ، و الاله يقتضي مألوهاً و الاسم غير المسمّى فمن عبدالاسم دون المعنى فقد كفر و لم يعبد شيئا » (1).
    و قال الصدوق : اللّه و الإله هو المستحق للعبادة ولايحق العبادة إلاّ له ، و تقول لم يزل إلها بمعنى أنّه يحق له العبادة و لهذا ضلّ المشركون فقدّروا أنّ العبادة تجب للأصنام سمّوها الالهه و أصله « الإلاهة » و هي العبادة (2).
    ب ـ إنّه مشتق من « الوله » و هو التحيّر.
    ج ـ إنّه مشتق من قولهم الهت إلى فلان أي فزعت إليه لأنّ الخلق يألهون إليه أي يفزعون إليه في حوائجهم.
    د ـ إنّه مشتق من ألهت إليه سكنت إليه لان الخلق يسكنون إلى ذكره.
    ه ـ انّه من « لاه » أي احتجب فمعناه إنّه المحتجب بالكيفيّة عن الأوهام (3).
    و ـ إنّه مشتق من الوله : المحبة الشديدة ، فابدلت الواو همزة فقالوا : أله يأله.
    ز ـ إنّه مشتق من لاه يلوه إذا ارتفع ، والحق سبحانه مرتفع بالمكان أو بالمقام.
    ح ـ إنّه مشتق من قولك ألهت بالمكان إذا أقمت فيه ، فإنّه تعالى استحق هذا الاسم لدوام وجوده (4).
1 ـ الكافي ـ كتاب التوحيد ـ : باب المعبود ، ص 87 ، و رواه الصدوق في كتاب التوحيد باب أسماء اللّه الحديث 13.
2 ـ التوحيد للصدوق باب أسماء اللّه تعالى في ذيل الحديث رقم 9 ، ثم ترك سائر الوجوه الاتية.
3 ـ مجمع البيان ج 1 ص 16 طبع صيدا.
4 ـ لوامع البينات للرازي : ص106 ـ 120 ، فقد أسهب الكلام في ذكر الأقوال وحججها ونقدها.


(112)
    و على كلّ تقدير فاللّه اصله « اله » فحذفت همزته و ادخل عليه الألف و اللام و ادغمت اللامان فصار « اللّه » و خص بالباري تعالى ، قال تعالى ( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ) ( مريم/65 ) (1).
    و الظاهر انّ القائلين بالاشتقاق و المنكرين له لايختلفون في أنّه علم لذاته سبحانه و إنّما يختلفون في أنّ التسمية هل كانت ارتجالية و انّه لم تلاحظ في مقام التسمية أية مناسبة بين المعنيين أو كانت غير ارتجالية ، و قدنقل عن المعنى اللغوي إلى المعنى العلمي لمناسبة موجودة بينهما ، فالقائلون بالاشتقاق على الأوّل و المنكرون له على الثاني.
    هذا هو لبّ النزاع في المقام.
    و العجب إنّ الرازي توهّم إنّ النزاع في اشتقاقه و عدمه راجع إلى أنّ لفظ الجلالة علم أو لا؟ فحسب ان القول بالاشتقاق ينافي العلمية ثمّ استدل على نفيه بأنّه لو كان مشتقاً لما كان قولنا « لا اله إلاّ اللّه » تصريحاً بالتوحيد لأنّه حينئذ مفهوم كلّّي لايمنع تصوره من وقوع الشركة فيه فلو كان مشتقا لكان كلّّياً ، و لو كان كذلك لم يكن قولنا « لا إله إلاّ اللّه » مانعاً من وقوع الشركه (2).
    يلاحظ عليه : إنّه لامانع من كون لفظ الجلالة مشتقا من « أله » بأيّ معنى تصوّر ثم يكون علماً للذات بالمناسبة الموجودة بين المنقول منه و المنقول إليه شأن كلّّّ الاعلام المشتقة و سيأتي تمام الكلام في البحث الرابع.

3 ـ « اللّهمّ » مكان « اللّه »
    و قديعبر عن لفظ الجلالة ب ـ « اللّهمّ » قال سبحانه : ( قُلْ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ
1 ـ مفردات الراغب : مادّة « إله ».
2 . لوامع البينات : ص 108 ، و قس على ذلك سائر ما استدلّ به.


(113)
تُؤْتِى الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ ) ( آل عمران/26 ) ، و حكى سبحانه عن بعض الكافرين قولهم : ( وَ اِذْ قالُوا اللّهُمَّ اِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَاَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ) ( الأنفال/32 ) و قداختلفوا في تفسيره عن « الخليل » و تلميذه « سيبويه » : معناه يا اللّه و الميم المشدّده عوض من ياء النداء و عن « الفرّاء » إنّه كان « يا اللّه آمنّا بخير » فلمّا كثر في الكلام حذفوا حرف النداء و حذفوا الهمزة من أمّ فصار « اللهمّ » بل حذفوا ضمير المتكلّّم مع الغير أيضاً في « اُمنّا ».

4 ـ ما هو المقصود من « الإله » في الذكر الحكيم
    قدعرفت و جود الاختلاف في اشتقاق لفظ الجلالة من لفظة « إله » و عدمه كما عرفت اختلاف القائلين بالاشتقاق في المعنى الذي اشتق منه ذلك اللفظ و جعله علماً للذات. هذا و على كلّّّ تقدير فلايتبادر من لفظ الجلالة إلاّ الذات المستجمع لصفات الجمال و الجلال ، فهو علم بلااشكال يعادله ما في سائر لغات العالم ممّا يستعمل في ذلك المجال.
    غير أنّه يجب أن يعلم انّ لفظ الجلالة و لفظ « الإله » كانا لايفهم منهما في عصر نزول القران إلاّ الخالق البارىء للعالم ، و أمّا ما ذكر من المعاني للاله و الوجوه المختلفة لاشتقاق لفظ الجلالة منه ، فكلّّها يرجع ـ على فرض الصحّة ـ إلى ماقبل عصر نزرل القرآن ، فلعلّه كان يفهم من لفظ « إله » العبادة ، و التحيّر ، و العلو ، والسكون ، و الفزع ، أو كان يفهم من لفظ الجلالة الذات الواجدة لاحدى هذه المعاني ، و أمّا في عصر نزول القرآن فلم تكن هذه المعاني مطروحة لأهل اللّغة أبداً لا في لفظ الجلالة و لا في لفظ « الإله » و إنّما المفهوم منهما ما تهدي إليه فطرتهم وتدل عليه عقولهم من البارىء الخالق المدبّر للعالم الذي بيده ناصية كلّ شيء أو ناصية الإنسان على الأقل.سواء كان إلها واقعيّاً أو إلهاً مختلقاً لايملك من الاُلوهية سوى الاسم كالأصنام المعبودة للعرب و غيرهم.


(114)
    فالكلمتان : « اللّه و إله » لفظان متّحدان معنى غير أنّ أحدهما علم يدل على فرد خاص و الآخر كلّّي يشمل ذلك الفرد و غيره ، و بما أنّ اللغة العربيّة تتمتع بالسعة و العموم وضعوا لفظين يشيرون بواحد منه إلى الفرد و بالآخر إلى الكلّّي الجامع له و لغيره ، فالاسم العام هو الإله و الاسم الخاص هو اللّه.
    و أمّا سائر اللغات فالغالب عليها هو اتحاد اللفظ الموضوع للمعنى الكلّّي و المعنى العلمي فيتوسّلون لتعيين المراد منه بالعلامة و القرينة. مثلاً يكتبون في اللغة الانكليزية لفظة « گاد » بصورة « god » عندما يراد منه المعنى الكلّّي و بصورة « God » عند ما يراد منه المعنى العلمي ، و بهذا يشيرون إلى المعنى المقصود و امّا اللغات الفارسية و التركية و الارديّة فالمكتوب و الملفوظ في المقامين واحد ، و إنّما يعلم المراد بالقرائن الحافّة بالكلام.
    و الحاصل : إنّ المعاني المذكورة للفظ « إله » أو المناسبات المتصورة لاشتقاق لفظ الجلالة من مادة « اله » لو صحّ فإنّما يصحّ في الأدوار السابقة على نزول القرآن ، و أمّا بقاء تلك المناسبات إلى زمان نزول القرآن و ادعاء ان القرآن استعملها بملاحظة احدى هذه المعاني و المناسبات فأمر لادليل عليه.
    على أنّ لقائل أن يقول : إنّ هذه المعاني من لوازم معنى الإله و آثاره و ليست من الموضوع له بشيء فإنّ من اتّخذ أحدا « إلهاً » لنفسه فهو يعبده قهراً و يفزع إليه عند الشدائد ، و يسكن قلبه عنده إلى غير ذلك من لوازم صفة الاُلوهيّة و آثارها.
    هذا هو المدّعى و الذي يثبت ذلك وجود لفيف من الآيات ورد فيها لفظ الاله و لايصحّ تفسيره إلاّ بما ذكرنا أي كون المقصود منه هو الخالق البارىء لكن بشرط العموم و الكلّّية ، لابسائر المعاني المذكورة ، أو بمعنى المتصرف المدبّر ، أو من بيده ازمة الاُمور أو مايقرب من ذلك ممّا يعد فعلاً له تعالى و إليك الآيات :
    1 ـ ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ اِلّا اللّهُ لَفَسَدَتا ) ( الأنبياء/22 ) فإنّ البرهان على نفي تعدد الآلهة لايتم إلاّ إذا جعلنا « الاله » في الآية بمعنى المتصرّف المدبّر أو من بيده


(115)
أزمّة الاُمور أو ما يقرب من هذين. و لو جعلنا الإله بمعنى المعبود لانتقض البرهان ، لبداهة تعدد المعبودين في هذا العالم ، مع عدم الفساد في النظام الكوني ، و قدكانت الحجاز يوم نزول هذه الآية مزدحم بالآلهة ، و مركزها مع كون العالم منتظماً غير فاسد.
    و عندئذ يجب على من يجعل « الاله » بمعنى المعبود أن يقيّده بلفظ « بالحق » أي لو كان فيهما معبودات ـ بالحق ـ لفسدتا و لما كان المعبود بالحق مدبّراً و متصرفاً لزم من تعدّده فساد النظام ، و هذا كلّّه تكلّّف لا مبرر له.
    2 ـ ( ما اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَد وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ اِله اِذاً لَذَهَبَ كُلُّ اِله بِما خَلَقَ وَ لَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْض ) ( المؤمنون/91 ).
    و يتم هذا البرهان أيضاً لو فسّرنا الإله بما ذكرنا من انّه كلّّيّ ما يُطلق عليه لفظ الجلالة. و إن شئت قلت : إنّه كناية عن الخالق أو المدبّر المتصرّف أو من يقوم بأفعاله و شؤونه ، و المناسب في هذا المقام هو الخالق ، و يلزم من تعدّده ما رتب عليه في الآية من ذهاب كلّّّ إله بما خلق و اعتلاء بعضهم على بعض.
    و لو جعلناه بمعنى المعبود لانتقض البرهان ، و لايلزم من تعدّده أي اختلال في الكون. و أدل دليل على ذلك هو المشاهدة. فإنّ في العالم آلهة متعدّدة ، و قدكان في أطراف الكعبة المشرفة ثلاثمائة و ستون إلهاً و لم يقع أي فساد و اختلال في الكون.
    فيلزم على من يفسّر « إله » بالمعبود ارتكاب التكلّّف بما ذكرناه في الآية المتقدمة.
    3 ـ ( قُلْ لَو كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ اِذاً لاَبْتَغَوا اِلى ذِى العَرْشِ سَبِيلاً ) ( الاسراء/42 ) فانّ ابتغاء السبيل إلى ذي العرش من لوازم تعدّد الخالق أو المدبّر المتصرّف أو من بيده أزمّة اُمور الكون أو غير ذلك ممّا يرسمه في ذهننا معنى الالوهيّة ، و أمّا تعدد المعبود فلا يلازم ذلك إلاّ بالتكليف الذي أشرنا إليه فيما سبق.


(116)
    4 ـ ( اِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ اَنْتُمْ لَها وارِدُونَ لَوْ كانَ هؤلاَءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها ) ( الأنبياء / 98 و 99 ) و الاية تستدل بورود الأصنام و الأوثان في النار على كونها غير آلهة إذ لو كانت آلهة ما وردت النار.
    و الاستدلال إنّما يتم لو فسّرنا الآلهة بما أشرنا إليه فانّ خالق العالم أو مدبّره و المتصرّف فيه أو من فوّض إليه أفعال اللّه أجلّ من أن يحكم عليه بالنار و أن يكون حصب جهنّم.
    و هذا بخلاف ما إذا جعلناه بمعنى المعبود فلايتم البرهان لأنّ المفروض انّها كانت معبودات وقدجعلت حصب جهنم. و لو امعنت في الايات التي ورد فيها لفظ الإله و الآلهة لقدرت على استظهار ما اخترناه و إليك مورداً منها :
    ( فَاِلهُكُمْ اِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ اَسْلِمُوا وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ) ( الحج/34 ).
    فلو فسر الإله في الآية بالمعبود لزم الكذب ، إذ المفروض تعدّد المعبود في المجتمع البشري ، و لأجل هذا ربّما يقيّد الإله هنا بلفظ « الحق » أي المعبود الحق إله واحد. و لو فسّرناه بالمعنى البسيط الذي له آثار في الكون من التدبير و التصرّف و ايصال النفع ، و دفع الضر على نحو الاستقلال لصحّ حصر الإله ـ بهذا المعنى ـ في واحد بلاحاجة إلى تقدير كلمة بيانية محذوفة إذ من المعلوم أنّه لا إله في الحياة البشرية و المجتمع البشري يتصف بهذه الصفات التي ذكرناها.
    و لانريد أن نقول : إنّ لفظ الاله بمعنى الخالق المدبّر المحيي المميت الشفيع الغافر ، إذ لايتبادر من لفظ الاله إلاّ المعنى البسيط ، بل هذه الصفات عناوين تشير إلى المعنى الموضوع له لفظ الإله ، و معلوم أنّ كون هذه الصفات عناوين مشيرة إلى ذلك المعنى البسيط ، غير كونها معنى موضوعاً للفظ المذكور كما أنّ كونه تعالى ذات سلطة على العالم كلّه أو بعضه سلطة مستقلة غير معتمدة على غيره ، وصف مشير إلى المعنى البسيط الذي نتلقاه من لفظ الإله ، لا أنّه نفس معناه (1).
1 ـ لاحظ الجزء الأول من مفاهيم القرآن ص 440 ـ 442.

(117)
    5 ـ إنّ الذكر الحكيم ربّما يستعمل لفظ الجلالة مكان الاله ، بمعنى أنّه يريد منه المعنى الكلّي و الوصفي دون العلمي ، و هذا يعرب عن أنّ اللفظين متّحدان أو متقاربان في ا لمعنى.
    قال سبحانه : ( وَ هُوَ اللّهُ فِى السَّمواتِ وَ فِى الاَْرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ وَ يَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ ) ( الأنعام/3 ).
    و قال سبحانه : ( هُوَ اللّهُ الَّذِى لا اِلهَ اِلاّ هُوَ الْمَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ ) ( الحشر/23 ).
    و قال سبحانه : ( هُوَ اللّهُ الْخَالِقُ البارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الاَْسْماءُ الحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِى السَّمواتِ وَ الاَْرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( الحشر/24 ).
    و قال سبحانه : ( وَ لا تَقُولُوا ثَلاثةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ اِنَّما اللّهُ اِلهٌ واحِدٌ سُبْحَانَهُ اَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ) ( النساء/171 ).
    فانّ وزان « اللّه » في هذه الآيات وزان « الإله » في قوله سبحانه :
    ( وَ هُوَ الَّذِى فِى السَّماءِ اِلهٌ وَ فِى الاَْرْضِ اِلهٌ وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ) ( الزخرف/84 ).
    فقد اُريد من لفظ الجلالة في الآيات الأربع المتقدمة نفس ما أريد من لفظ الإله من المعنى الكلّي في الآية الأخيرة و معناه انّه « الاله » الذي يتّصف بكذا و كذا و ليس كذا و كذا فكأنّه اطلق لفظ الجلالة و اُريد منه اله العالم و خالقه و بارئه و لم يرد منه الفرد الخارجي و لأجل ذلك عاد إلى التنبيه على أنّه واحد لاكثير و ذلك ببيان صفاته الجمالية و الكمالية.
    6 ـ إنّ الذكر الحكيم يستعمل لفظ الإله في الخالق البارىء المدبّر و لايمكن لأي مفسّر تفسيره باحدى المعاني المتقدمة و يقول : ( قُلْ اَرَأَيْتُمْ اِنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَيْكُمُ


(118)
    اللَّيْلَ سَرْمَداً اِلى يَوْمِ القِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِيَأْتِيكُمْ بِضِياء اَفلاتَسْمَعُونَ ) ( القصص/71 ).
    ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ اِنْ جَعَلَ اللّهُعَلَيْكُمْ النَّهارَ سَرْمَداً اِلى يَوْمِ القِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْل تَسْكُنُونَ فِيهِ ) ( القصص/72 ).
    فلفظ « الاله » في هاتين الآيتين معادل للفظ الجلالة لكن بشرط العمومية و الكلّية أو إلغاء الجزئيّة و الخصوصيّة و لايستقيم البرهان الوارد فيهما إلاّ بتفسير الإله بما يعادل الخالق المدبّر لابتفسيره بالمعبود و المحبوب إلاّ بتكلّّف و الاية بصدد البرهنة على أنّه ليس في الكون مدبّر سواه و لذلك لو جعل اللّه عليكم الليل سرمداً من إله ( مدبّر ) غير اللّه يأتيكم بضياء ، و لو جعل عليكم النهار سرمداً من إله غيره سبحانه يأتيكم بليل ، فإذاً الالوهيّه ( المعادلة للخالقيّة و المدبريّة ) منحصرة فيه ، لايشاركه فيها غيره فهو إله واحد ليس غيره.
    أضف إلى ذلك إنّ مقتضي كون الاستثناء متّصلاً ، دخول المستثنى منه في المستثنى دخولاً واقعياً ، و بما أنّ المراد من المستثنى هو الخالق الذي بيده مصير الإنسان و الأشياء فليكن هو المراد من المستثنى منه لكن بتفاوت انّ احدهما كلّي و الاخر جزئي.
    و قد عرفت انّ القول بإنّ لفظ الجلالة علم للذات المستجمع لجميع صفات الجمال و الكمال أو الخالق و البارىء للاشياء أو لمن بيده مصير العالم و الإنسان فلايراد دخول هذه المفاهيم بالصورة التفصيليّة في معناه و إنّما هي موضوع لما تهدي إليه الفطرة أو تدل عليه العقول من سيطرة قدرة على العالم لها تلك الخصوصيّات فهي من الخصوصيّات الفرديّة التي يمتاز بها عمّن سواه من الأفراد لا أنّها أجزاء للمعنى و الجامع بين أفراد الإله المفروضة ، لاالمحققة أمر بسيط يشار إليه بأمر من الاُمور.


(119)
    7 ـ و الذي يعرب بوضوح إنّ الإله ليس بمعنى المعبود هو كلمة الاخلاص « لا إله إلاّ اللّه » إذ لو كان المقصود من الإله المعبود لكان هذه الجملة كذباً ، لأنّ من البديهي وجود آلاف المعبودات في هذه الدنيا غير اللّه و مع ذلك كيف يمكن نفي معبود سوى اللّه و لاجل ذلك اضطرّ القائل أن يقول « الإله » بمعنى المعبود و أن يقدّر لفظ « بحق » لتكون الجملة هكذا : « لا اله بحق إلاّ اللّه » ، مع أنّ تقدير لفظ « بحق » خلاف الظاهر فإنّ كلمة الإخلاص تهدف إلى نفي أي إله في الكون سوى « اللّه » و إنّه ليس لهذا المفهوم مصداق بتاتاً سواه ، و هذا لاينسجم إلاّ أن يكون « الاله » مع لفظ الجلالة متّحدين في المعنى و أمّا جعل لفظ الجلالة علماً للذات و جعل الإله بمعنى المعبود أو ما يشابهه فلايحصل منه المعنى المقصود بسهولة.
    و أمّا جمعه على لفظ الآلهة مع أنّ مصداقه منحصر في فرد فلايدلّ على أنّه بمعنى المعبود بل لأجل أنّ العرب كانت معتقدة بتعدّد مصداقه قال سبحانه : ( اَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا ) ( الأنبياء/43 )
    إلى هنا تبيّن أنّ المفهوم من لفظ الجلالة و لفظ الاله واحد ، و أمّا ما ذكر من المعاني من الخلق و التدبير و الإحياء و الإماتة و كون مصير الإنسان بيده فإنّما هو من لوازم الإلوهية واقعاً أو عند المتصور.
    و ربما يستدل على أنّ الإله في الذكر الحكيم بمعنى المعبود و انّ أَلَهَ بمعنى عَبَدَ ، تمسكاً بقوله : ( وَ قالَ الْمَلاَُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسى وَ قَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الاَْرْضِ وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ ) ( الاعراف/127 ) حيث قرء « و إلاهتك » اي يذرك و عبادتك و لكن الإجابة عنه واضحة.
    أمّا أوّلا فلأن القراءة المتواترة هي « و آلهتك » أي ليذرك و آلهتك التي أنت تعبدها حيث كان فرعون يستعبد الناس و يعبد الأصنام بنفسه (1).
1 ـ مجمع البيان ج 2 ص 464.

(120)
    و ثانياً : على فرض صحّة القراءة فالمراد منها هو الإلوهية بالمعنى المتبادر في سائر الايات أي يتركوا قولاً و عملاً أنك إله و أنت ربّهم الأعلى إلى غير ذلك من العناوين المشيرة إلى معنى الإله أي ينكروا إنّك إلههم و إله العالمين.
    نعم قال الراغب : و « إله » جعلوه اسماً لكلّ معبود لهم ، و كذا الذات (1) وسمّوا الشمس إلاهة لاتّخاذهم ايّاها معبوداً و أله فلان يأله عبد و قيل تألّه فالإله على هذا هو المعبود (2) و كلامه هذا قابل للتوجيه و على فرض ظهوره في كون الإله بمعنى المعبود فقد عرفت عدم استقامته في كثير من الايات.
    إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة : إنّ لفظ الجلالة علم للذات الذي نشير إليه بصفات الجمال و الكمال و انّ لفظ الإله موضوع لذلك المعنى لكن بصورة الكليّة و السعة ، و أنّه يجب أن يفسّر « الإله » في جميع الآيات بهذا النحو و انّ تفسيره بالمعبود و غيره تفسير بالمعنى اللازم لا بالمعنى الموضوع له.
    و هاهنا نكتة نشير إليها و هو انّ كتب الوهابيّة مليئة بتقسيم التوحيد إلى قسمين : توحيد في الربوبيّة ، و توحيد في الالوهيّة ، و يريدون من الأوّل التوحيد في الخالقيّة و من الثاني التوحيد في العبادة و كلا التفسيرين غير صحيح أمّا الربوبيّة فليست مرادفة للخالقيّة بل هو أمر آخر وراء الخلقة و لو أردنا أن نفسّره فليفسّر بالتوحيد في التدبير و ادارة العالم ، و أمّا الالوهية فقد عرفت أنّ الإله و الإلوهية ليس بمعنى العبادة و إنّما العبادة من لوازم الاعتقاد بكون الموجود الها ، فلو أردنا أن نعبّر عن التوحيد في ذلك المجال فيجب أن نقول التوحيد في العبادة (3).
1 ـ كذا في النسخة المطبوعة و يحتمل أن يكون لفظ « الذات » مصحّف « اللات ».
2 ـ المفردات : ص 21.
3 ـ و قد مرّ في الجزء الأوّل من كتابنا ما يفيدك في المقام ، لاحظ : ص 348.
مفاهيم القرآن ـ جلد السادس ::: فهرس