الميزان في تفسير القران ـ المجلد الاول ::: 136 ـ 150
(136)
وان كان تحقق المعصية والخطيئة منه ( عليه السلام ) كما قال تعالى : ( فتكونا من الظالمين ، وقال تعالى : « وعصى آدم ربه فغوى » الآية ، وكما إعترف به فيما حكاه الله عنهما : « ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين » الآية.
    لكن التدبر في آيات القصة والدقة في النهي الوارد عن أكل الشجرة يوجب القطع بأن النهي المذكور لم يكن نهيا مولويا وانما هو نهي إرشادي يراد به الارشاد والهداية إلى ما في مورد التكليف من الصلاح والخير لا البعث والارادة المولوية.
     ويدل على ذلك اولا : أنه تعالى فرع على النهى في هذه السورة وفي سورة الاعراف أنه ظلم حيث قال : « لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين » ثم بدله في سورة طه من قوله : فتشقى مفرعا إياه على ترك الجنة. ومعنى الشقاء التعب ثم ذكر بعده كالتفسير له : ( إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى ، وأنك لا تظما فيها ولا تضحى ) الآيات.
     فأوضح أن المراد بالشقاء هو التعب الدنيوي ، الذي تستتبعه هذه الحيوة الارضية من جوع وعطش وعراء وغير ذلك.
     فألتوقي من هذه الامور هو الموجب للنهي الكذائي لا جهة اخرى مولوية فالنهى إرشادي ، ومخالفة النهى الارشادي لا توجب معصية مولوية ، وتعديا عن طور العبودية وعلى هذا فالمراد بالظلم أيضا في ما ورد من الآيات ظلمهما على انفسهما في القائها في التعب والتهلكة دون الظلم المذموم في باب الربوبية والعبودية وهو ظاهر.
     وثانيا : أن التوبة ، وهي الرجوع من العبد إذا استتبع القبول من جانب المولى أوجب كون الذنب كلا ذنب ، والمعصية كأنها لم تصدر ، فيعامل مع العاصي التائب معاملة المطيع المنقاد ، وفي مورد فعله معاملة الامتثال والانقياد.
    ولو كان النهى عن أكل الشجرة مولويا وكانت التوبة توبة عن ذنب عبودي ورجوعا عن مخالفة نهى مولوي كان اللازم رجوعهما إلى الجنة مع انهما لم يرجعا.
    ومن هنا يعلم أن استتباع الاكل المنهى للخروج من الجنة كان إستتباعا


(137)
ضروريا تكوينيا ، نظير إستتباع السم للقتل والنار للاحراق كما في وارد التكاليف الارشادية لا استتباعا من قبيل المجازاة المولوية في التكاليف المولوية ، كدخول النار لتارك الصلوة ، وإستحقاق الذم واستيجاب البعد في المخالفات العمومية الاجتماعية المولوية.
     وثالثا : أن قوله تعالى : « قلنا إهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون » ، الآيات.
    وهو كلمة جامعة لجميع التشريعات التفصيلية التي أنزلها الله تعالى في هذه الدنيا من طرق ملائكته وكتبه ورسله ، يحكى عن اول تشريع شرع للانسان في هذه الدنيا التي هي دنيا آدم وذريته ، وقد وقع على ما يحكي الله تعالى بعد الامر الثاني بالهبوط ومن الواضح ان الامر بالهبوط أمر تكويني متأخر عن الكون في الجنة واقتراف الخطيئة ، فلم يكن حين مخالفة النهي واقتراب الشجرة لا دين مشروع ولا تكليف مولوي فلم يتحقق عند ذلك ذنب عبودي ، ولا معصية مولوية.
    ولا ينافي ذلك كون خطاب اسجدوا للملائكة ولابليس وهو قبل خطاب لا تقربا ، خطابا مولويا لان المكلف غير المكلف.
    فإن قلت : إذا كان النهى نهيا إرشاديا لا نهيا مولويا فما معنى عده تعالى فعلهما ظلما وعصيانا وغواية.
     قلت : اما الظلم فقد مر أن المراد به ظلمهما لانفسهما في جنب الله تعالى ، وأما العصيان فهو لغة عدم الانفعال أو الانفعال بصعوبة كما يقال : كسرته فإنكسر وكسرته فعصى ، والعصيان وهو عدم الانفعال عن الامر أو النهى كما يتحقق في مورد التكاليف المولوية كذلك يتحقق في مورد الخطابات الارشادية.
     وأما تعين معنى المعصية في هذه الازمنة عندنا جماعة المسلمين في مخالفة مثل صل ، أم صم ، أو حج ، أو لا تشرب الخمر ، أو لا تزن ونحو ذلك فهو تعين بنحو الحقيقة الشرعية أو المتشرعة لا يضر بعموم المعنى بحسب اللغة والعرف العام هذا.


(138)
    وأما الغواية فهو عدم إقتدا الانسان مثلا على حفظ المقصد وتدبير نفسه في معيشته بحيث يناسب المقصد ويلائمه.
     وواضح أنه يختلف بإختلاف الموارد من إرشاد ومولوية.
    فإن قلت : فما معنى التوبة حينئذ وقولهما : ( وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ؟ ).
     قلت : التوبة كما مر هي الرجوع ، والرجوع يختلف بحسب إختلاف موارده.
     فكما يجوز للعبد المتمرد عن أمر سيده وإرادته أن يتوب إليه ، فيرد إليه مقامه الزائل من القرب عنده كذلك يجوز للمريض الذي نهاه الطبيب نهيا إرشاديا عن أكل شئ معين من الفواكه والمأكولات ، وانما كان ذلك منه مراعاة لجانب سلامته وعافيته فلم ينته المريض عن نهيه فإقترفه فتضرر فأشرف على الهلاك.
     يجوز ان يتوب إلى الطبيب ليشير إليه بدواء يعيده إلى سابق حاله وعافيته ، فيذكر له إن ذلك محتاج إلى تحمل التعب والمشقة العناء والرياضة خلال مدة حتى يعود إلى سلامة المزاج الاولية بل إلى اشرف منها وأحسن ، هذا.
     وأما المغفرة والرحمة والخسران فالكلام فيها نظير الكلام في نظائر ها في إختلافها بحسب إختلاف مواردها ، هذا.

    في تفسير القمي عن أبيه رفعه قال : سئل الصادق ( عليه السلام ) عن جنة آدم أمن جنان الدنيا كانت أم من جنان الآخرة ؟ فقال ( عليه السلام ) : كانت من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا ، قال ( عليه السلام ) : فلما أسكنه الله الجنة وأباحها له الا الشجرة ، لانه خلق خلقة لا يبقى الا بالامر والنهى والغذاء واللباس والاكتنان والنكاح ، ولا يدرك ما ينفعه مما يضره الا بالتوفيق ، فجائه إبليس فقال له : إنكما ان أكلمتا من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين ، وبقيتما في الجنة أبدا ، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة ، وحلف


(139)
لهما أنه لهما ناصح كما قال الله عزوجل حكاية عنه : ( ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة الا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين ، وقاسمهما اني لكما لمن الناصحين فقبل آدم قوله فأكلا من الشجرة ) فكانا كما حكى الله ، فبدت لهما سوأتهما ، وسقط عنهما ما ألبسهما الله من الجنة ، وأقبلا يستتران من ورق الجنة ، وناديهما ربهما : ألم انهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ، فقالا كما حكى الله عنهما : ربنا ظلمنا انفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين فقال الله لهما : إهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع إلى حين ، قال : أي يوم القيامة ، قال : فهبط آدم على الصفا ، وإنما سميت الصفا لان صفي الله أنزل عليها ، ونزلت حواء على المروة وانما سميت المروة لان المرئة أنزلت عليها ، فبقي آدم أربعين صباحا ساجدا يبكي على الجنة ، فنزل عليه جبرئيل ، فقال أليس خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ؟ قال : بلى ، وأمرك أن لا تأكل من الشجرة فعصيته ؟ قال آدم : إن ابليس حلف لي بالله كاذبا.
     اقول : وفي كون جنة آدم من جنان الدنيا روايات أخر من طريق أهل البيت وإن اتحد بعضها مع هذه الرواية في إبراهيم بن هاشم.
     والمراد بكونها من جنان الدنيا كونها برزخية في مقابل جنان الخلد ، كما يشير إليه بعض فقرات الرواية كقوله : فهبط آدم على الصفا ، وكقوله : ونزلت حواء على المروة ، وكقوله : إن المراد بحين يوم القيامة فيكون المكث في البرزخ بعد الموت مكثا في الارض طبقا لما في آيات البعث من القرآن من عد المكث البرزخي مكثا في الارض كما يشير إليه قوله تعالى : « قال كم لبثتم في الارض عدد سنين ، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين ، قال إن لبثتم إلا قليلا لو انكم كنتم تعلمون » المؤمنون ـ 114 ، وقوله تعالى : « ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون ، قال الذين اوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون » الروم ـ 56 ، على أن عدة من الروايات المنقولة عن اهل البيت تدل على أن الجنة كانت في السماء ، وأنهما نزلا من السماء ، على ان المستأنس بلسان الروايات لا يستوحش من كون الجنة المذكورة في السماء


(140)
والهبوط منها إلى الارض مع كونهما خلقا في الارض وعاشا فيها كما ورد في كون الجنة في السماء ووقوع سؤال القبر فيه وكونه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وغير ذلك وارجو أن يرتفع هذا الاشكال وما يشاكله من الاشكالات فيما سيأتي من البحث في السماء انشاء الله العزيز.
     وأما كيفية مجئ ابليس اليهما ، وما إتخذه فيه من الوسيلة فالصحاح والمعتبرة من الروايات خالية عن بيانها.
    وفي بعض الاخبار ذكر الحية والطاووس عونين لابليس في إغوائه إياهما لكنها غير معتبرة ، أضربنا عن ذكرها وكأنها من الاخبار الدخيلة ، والقصة مأخوذه من التوراة وهاك لفظ التوراة في القصة بعينه :
    قال في الفصل الثاني من السفر الاول وهو سفر الخليقة : وإن الله خلق آدم ترابا من الارض ، نفخ في انفه الحيات ، فصار آدم نفسا ناطقا ، وغرس الله جنانا في عدن شرقيا ، وصير هناك آدم الذي خلقه ، وأنبت الله من الارض كل شجرة ، حسن منظرها وطيب مأكلها ، وشجرة الحياة في وسط الجنان ، وشجرة معرفة الخير والشر ، وجعل نهرا يخرج من عدن ليسقى الجنان ، ومن ثم يفترق فيصير أربعة أرؤس ، إسم أحدها النيل ، وهو المحيط بجميع بلد ذويلة الذي فيه الذهب ، وذهب ذلك البلد جيد ، ثم اللؤلؤ وحجارة البلور ، وإسم النهر الثاني جيحون ، وهو المحيط بجميع بلد الحبشة ، وإسم النهر الثالث دجلة ، وهو يسير في شرقي الموصل ، واسم النهر الرابع هو الفرات ، فأخذ الله آدم وأنزله في جنان عدن ليفلحه وليحفظه وأمر الله آدم قائلا : من جميع شجر الجنان جايز لك أن تأكل ، ومن شجرة معرفة الخير والشر لا تأكل ، فإنك في يوم أكلك منها تستحق أن تموت ، وقال الله لا خير في بقاء آدم وحده ، اصنع له عونا حذاه ، فحشر الله من الارض جميع وحش الصحراء وطير السماء وأتى بها إلى آدم ليريه ما يسميها ، فكل ما سمى آدم من نفس حية بإسم هو إسمه إلى الآن.
     فأسمي آدم أسماء لجميع البهائم وطير السماء وجميع وحش الصحراء ولم يجد آدم


(141)
عونا حذاه ، فأوقع سباتا على آدم لئلا يحس فنام ، فاستل إحدى أضلاعه وسد مكانها اللحم ، وبنى الله الضلع التي أخذ إمرأة ، فأتى بها إلى آدم ، وقال آدم هذه المرة شاهدت عظما من عظامي ، ولحما من لحمى ، وينبغي أن تسمى إمرأة لانها من أمري أخذت ، ولذلك يترك الرجل أباه وامه ويلزم زوجته ، فيصيران كجسد واحد.
     وكانا جميعا عريانين آدم وزوجته ولا يحتشمان من ذلك.
     الفصل الثالث : والثعبان صار حكيما من جميع حيوان الصحراء الذي خلقه الله فقال للمرأة أيقينا قال الله لا تأكلا من جميع شجر الجنان ؟ قالت المرأة للثعبان من ثمر شجر الجنان نأكل ، لكن من ثمر الشجرة التي في وسطه قال الله لا تأكلا منه ، ولا تدنوا به كيلا تموتا ، قال لهما لستما تموتان ، ان الله عالم انكما في يوم أكلكما منه تنفتح عيونكما وتصيران كالملائكة عارفي الخير والشر بزيادة ، فلما رأت المرأة أن الشجرة طيبة المأكل شهية المنظر ، منى للعقل ، أخذت من ثمرها فأكلت ، وأعطت بعلها فأكل معها ، فانفتحت عيونهما فعلما أنهما عريانان فخيطا من ورق التين ما صنعا منه مأزر ، فسمعا صوت الله مارا في الجنان برفق في حركة النهار ، فأستخبأ آدم وزوجته من قبل صوت الله خباء فيما بين شجر الجنان ، فنادى الله آدم ، وقال له مقررا : أين أنت ؟ قال : إني سمعت صوتك في الجنان فإتقيت إذ أنا عريان فإستخبأت ، قال : من أخبرك إنك عريان ؟ أمن الشجرة التي نهيتك عن الاكل منها أكلت ؟ قال آدم المرأة التي جعلتها معي أعطتني من الشجرة فأكلت ، قال الله للمرأة : ماذا صنعت ؟ قالت : الثعبان أغراني فأكلت قال الله للثعبان : إذ صنعت هذا بعلم فأنت ملعون من جميع البهائم وجميع وحش الصحراء وعلى صدرك تسلك وترابا تأكل طول أيام حياتك ، واجعل عداوة بينك وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها ، وهو يشدخ منك الرأس وأنت تلذعه في العقب ، وقال للمرأة : لاكثرن مشقتك وحملك ، وبمشقة تلدين الاولاد ، وإلى بعلك يكون قيادك ، وهو يتسلط عليك.
     وقال لآدم : إذ قبلت قول زوجتك فأكلت من الشجرة التي نهيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الارض بسببك بمشقة تأكل منها طول حياتك ، وشوكا ودردرا تنبت لك ، وتأكل عشب الصحراء ، بعرق وجهك تأكل الطعام إلى حين رجوعك


(142)
إلى الارض التي أخذت منها لانك تراب وإلى التراب ترجع ، وسمى آدم زوجته حواء لانها كانت ام كل حي ناطق ، وصنع الله لآدم وزوجته ثياب بدن والبسهما ، ثم قال الله ، هو ذا آدم قد صار كواحد منا يعرف معرفة الخير والشر ، والآن فيجب أن يخرج من الجنان لئلا يمديده فيأخذ من شجرة الحياة أيضا ويأكل فيحيي إلى الدهر ، فطرده الله من جنان عدن ليفلح الارض التي أخذ منها ، ولما طرد آدم أسكن من شرقي جنان عدن الملائكة ، ولمع سيف متقلب ليحفظوا طريق شجرة الحيواة. انتهى الفصل من ( التوراة العربية المطبوعة سنة 1811 ميلادية ) ، وانت بتطبيق القصة من الطريقين أعني طريقي القرآن والتوراة ثم التأمل في الروايات الواردة من طريقي العامة و الخاصة تعثر بحقائق من الحال غير أنا اضربنا عن الغور في بيانها والبحث عنها لان الكتاب غير موضوع لذلك.
     واما دخول ابليس الجنة واغواره فيها وهي ( أولا ) مقام القرب والنزاهة واللطهارة وقد قال تعالى : « لا لغو فيها ولا تأثيم » الطور ـ 23 ، وهي ( ثانيا ) في السماء وقد قال تعالى خطابا لابليس حين إبائه عن السجدة لآدم : « فاخرج منها فإنك رجيم » الحجر ـ 34 ، وقال تعالى : « فاثبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها » الاعراف ـ 12.
     فالجواب عن الاول كما ربما يقال أن القرآن انما ما نفى من وقوع اللغو وتأثيم في الجنة عن جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون في الآخرة وجنة البرزخ التي يدخلونها بعد الموت والارتحال عن دار التكليف ، وأما الجنة التي ادخل فيها آدم وزوجته ومذالك قبل إستقرار الانسان في دار التكليف وتوجه الامر والنهى فالقرآن لم ينطق فيه بشئ من ذلك ، بل الامر بالعكس وناهيك في ذلك ما ذكر من وقوع عصيان آدم فيه على أن اللغو والتأثيم من الامور النسبة التي لا تتحقق الا بعد حلول الانسان الدنيا وتوجه الامر والنهى إليه وتلبسه بالتكليف.
     والجواب عن الثاني اولا : ان رجوع الضمير في قوله : فأخرج منها ، وقوله : فاهبط منها إلى السماء غير ظاهر من الآية لعدم ذكر السماء في الكلام سابقا وعدم العهد بها ، فمن الجائز أن يكون المراد الخروج من الملائكة والهبوط منها ببعض العنايات ،


(143)
أو الخروج والهبوط من المنزلة والكرامة.
     وثانيا : أنه يجوز أن يكون الامر بالهبوط والخروج كناية عن النهى عن المقام هناك بين الملائكة ، لا عن أصل الكون فيها بالعروج والمرور من غير مقام واستقرار كالملائكة ، ويلوح إليه بل يشهد به ما ربما يظهر من الآيات من إستراق السمع وقد روي أن الشياطين كانوا يعرجون قبل عيسى إلى السماء السابعة فلما ولد عيسى منعوا من السماء الرابعة فما فوقها ، ثم لما ولد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منعوا من جميع السموات وخطفوا بالخطفة.
     وثالثا : أن كلامه تعالى خال عن دخول إبليس الجنة فلا مورد للاستشكال ، وإنما ورد ما ورد من حديث الدخول في الروايات وهي آحاد غير متواترة مع إحتمال النقل بالمعنى من الراوي.
     واقصى ما يدل من كلامه تعالى على دخوله الجنة قوله تعالى حكاية عن ابليس « وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين » الاعراف ـ 19 حيث أتى بلفظة هذه وهي للاشارة من قريب ، لكنها لو دلت هيهنا على القرب المكاني لدل في قوله تعالى : « ولا تقربا هذاه الشجرة فتكونا من الظالمين » الاعراف ـ 18 ، على مثله فيه تعالى.
    وفي العيون عن عبد السلام الهروي قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : يابن رسول الله أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت ؟ فقد إختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ، ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد ، فقال كل ذلك حق ، قلت : فما معنى هذه الوجوه على إخلتلافها ؟ فقال : يا بن الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا ، وكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا ، وان آدم لما أكرمه الله تعالى بإسجاد ملائكته له ، وبإدخاله الجنة ، قال : هل خلق الله بشرا أفضل مني ؟ فعلم الله عزوجل ما وقع في نفسه فناداه إرفع رأسك يا آدم وأنظر إلى ساق العرش ، فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا إله إلا الله ومحمد رسول الله علي ابن أبي طالب أمير المؤمنين وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، فقال آدم : يا رب من هؤلاء ؟ فقال عزوجل يا آدم هؤلاء ذريتك ،


(144)
وهم خير منك ومن جميع خلقي ، ولولاهم ما خلقتك ولا تالجنه ولا النار ولا السماء ولا الارض ، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري ، فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فتسلط عليه الشيطان حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم فأخرجهما الله تعالى من جنتة واهبطهما من جواره إلى الارض.
     اقول : وقد ورد هذا لمعنى في عدة روايات بعضها أبسط من هذه الرواية وأطنب وبعضها أجمل وأوجز.
     وهذه الرواية كما ترى سلم ( عليه السلام ) فيها أن الشجرة كانت شجرة الحنطة وشجرة الحسد وإنهما أكلا من شجرة الحنطة ثمرتها وحسدا وتمنيا منزلة محمد وآله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومقتضى المعنى الاول أن الشجرة كانت أخفض شأنا من أن يميل إليها ويشتهيها أهل الجنة ومقتضى الثاني أنها كانت ارفع شأنا من أن ينالها آدم وزوجته كما في رواية اخرى إنها كانت شجرة علم محمد وآله.
     وبالجملة لهما معنيان مختلفان ، لكنك بالرجوع إلى ما مر من أمر الميثاق تعرف أن المعنى واحد وان آدم ( عليه السلام ) أراد أن يجمع بين التمتع بالجنة وهو مقام القرب من الله وفيها الميثاق ان لا يتوجه إلى غيره تعالى وبين الشجرة المنهية التي فيها تعب التعلق بالدنيا فلم يتيسر له الجمع بينهما فهبط إلى الارض ونسي الميثاق فلم يجتمع له الامران وهو منزلة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ثم هداه الله بالاجتباء ونزعه بالتوبة من الدنيا ، وألحقه بما كان نسيه من الميثاق فإفهم.
     وقوله ( عليه السلام ) : فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم فيه بيان أن المراد بالحسد تمنى منزلتهم دون الحسد الذي هو أحد الاخلاق الرذيلة.
     وبالبيان السابق يرتفع التنافي الذي يتراءى بين ما رواه في كمال الدين عن الثمالي عن ابي جعفر ( عليه السلام ) ، قال : إن الله عزوجل عهد إلى آدم ان لا يقرب الشجرة فلما بلغ الوقت الذي في علم الله أن يأكل منها نسي فأكل منها وذلك قول الله عزوجل : ولقد عهدنا إلى آدم فنسي ولم نجد له عزما ، الحديث.


(145)
    وبين ما رواه العياشي في تفسيره عن أحدهما وقد سئل كيف أخذ الله آدم بالنسيان ، فقال : إنه لم ينس وكيف ينسى وهو يذكر ويقول له إبليس : ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين الحديث. والوجه فيه واضح.
    وفي أمالي الصدوق عن أبي الصلت الهروي ، قال : لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) أهل المقالات من أهل الاسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات فلم يقم أحد حتى الزم حجته كأنه ألقم حجرا فقام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له : يا بن رسول الله أتقول بعصمة الانبياء ؟ قال : بلى ، قال : فما تعمل بقول الله عزوجل : ( وعصى آدم ربه فغوى ؟ ) إلى أن قال : فقال مولانا الرضا ( عليه السلام ) : ويحك يا علي إتق الله ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش ولا تتأول كتاب الله عزوجل برأيك فإن الله عزوجل يقول : « وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم » أما قوله عزوجل في آدم : « وعصى آدم ربه فغوى » فإن الله عزوجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة ، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الارض ـ لتتم مقادير أمر الله عزوجل فلما أهبط إلى الارض وجعل حجة وخليفة عصم بقوله عزوجل : « إن الله إصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين » الحديث.
     اقول : قوله : وكانت المعصية في الجنة الخ إشارة إلى ما قدمناه أن التكليف الدينى المولوي لم يكن مجعولا في الجنة بعد ، وإنما موطنه الحيوة الارضية المقدرة لآدم ( عليه السلام ) بعد الهبوط إلى الارض ، فالمعصية إنما كانت معصية لامر إرشادي غير مولوي فلا وجه لتعسف التإويل في الحديث على ما ارتكبه بعض.
    وفي العيون عن على بن محمد بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده علي بن موسى فقال له المأمون : يا ابن رسول الله أليس من قولك إن الانبياء معصومون ؟ فقال بلى ، قال فما معنى قول الله تعالى : فعصى آدم ربه فغوى ؟ قال : إن الله تعالى قال لآدم : « اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه


(146)
الشجرة وأشار لهما إلى شجرة الحنطة فتكونا من الظالمين » ، ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ولا مما كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها وإنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما وقال : ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة وإنما نها كما أن تقربا غيرها ولم ينهكما أن تأكلا منها إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف بالله كاذبا فدلاهما بغرور فأكلا منها ثقة بيمينه بالله ، وكان ذلك من آدم قبل النبوة ولم يكن ذلك بذنب كبير إستحق به دخول النار ، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الانبياء قبل نزول الوحي إليهم ، فلما إجتباه الله وجعله نبيا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، قال الله عزوجل : « وعصى آدم ربه فغوى ثم إجتباه ربه فتاب عليه وهدى » وقال عزوجل : « إن الله إصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين » الحديث.
     اقول : قال الصدوق رحمه الله بعد نقل الحديث على طوله : والحديث عجيب من طريق على بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لاهل البيت ( عليهم السلام ) إنتهى.
    وما أعجبه منه إلا ما شاهده من إشتماله على تنزيه الانبياء من غير أن يمعن النظر في الاصول المأخوذة فيه ، فما نقله من جوابه ( عليه السلام ) في آدم لا يوافق مذهب أئمة أهل البيت المستفيض عنهم من عصمة الانبياء من الصغاير والكبائر قبل النبوة وبعدها.
    على أن الجواب مشتمل على تقدير في قوله تعالى : « ما نهيكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا » إلى مثل قولنا : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة وإنما نها كما عن غيرها وما نهاكما عن غيرها الا ان تكونا الخ.
    على ان قوله تعالى « ما نها كما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا » ملكين أو تكونا من الخالدين ، وقوله تعالى « قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى » الآية ، يدل على ان إبليس إنما كان يحرضهما على الاكل من شخص الشجرة المنهية تطميعا في الخلود والملك الذي حجب عنه بالنهي ، على ان الرجل أعني علي بن محمد بن الجهم قد أخذ الجواب الصحيح التام بنفسه في مجلس المأمون كما رويناه في الحديث السابق ، فالرواية لا تخلو عن شئ وإن كان بعض


(147)
هذه الوجوه ممكن الاندفاع هذا.
     وروى الصدوق ، عن الباقر ( عليه السلام ) عن آبائه عن علي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : إنما كان لبث آدم وحواء في الجنة حتى أخرجا منها سبع ساعات من ايام الدنيا حتى أهبطهما الله في يومهما.
    وفي تفسير العياشي عن عبد الله بن سنان ، قال : سئل أبو عبد الله ( عليه السلام ) وأنا حاضر : كم لبث آدم وزوجته في الجنة حتى أخرجهما منها خطيئة ؟ فقال : إن الله تبارك وتعالى نفخ في آدم روحه بعد زوال الشمس من يوم الجمعة ثم برء زوجته من أسفل أضلاعه ثم أسجد له ملائكته وأسكنه جنته من يومه ذلك ، فو الله ما إستقر فيها إلا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى الله تعالى ، فأخرجهما الله منهبعد غروب الشمس وصيرا بفناء الجنة حتى اصبحا فبدت لهما سوآتهما وناديهما ربهما : الم انهكما عن تلكما الشجرة فاستحيى آدم فخضع وقال : ربنا ظلمنا أنفسنا وإعترفنا بذنوبنا فاغفر لنا ، قال الله لهما إهبطا من سمواتي إلى الارض ، فانه لا يجاورني في جنتي عاص ولا في سمواتي.
     اقول : ويمكن أن يستفاد ما يشتمل عليه الرواية من كيفية خروجهما وأنه كان أولا من الجنة إلى فنائها ومن فنائها إلى الارض من تكرر الامر بالهبوط في الآية مع كونه أمرا تكوينيا غير قابل التخلف ، وكذا من تغيير السياق في قوله تعالى : ( وقلنا : يا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة ، إلى أن قال : « ولا تقربا هذه الشجرة » الآية ، وقوله تعالى : وناديهما ربهما : « ألم أنهكما عن تلكما الشجرة » ، الآية ، حيث عبر في الاول بالقول وبالاشارة القريبة وفي الثاني بالنداء والاشارة البعيدة ، غير أن الرواية مشتملة على خلق حواء من أسفل اضلاع آدم كما إشتملت عليه التوراة ، والروايات عن أئمة أهل البيت تكذبه كما سيجئ في البحث عن خلقة آدم ، وان أمكن أن يحمل خلقها من فاضل طينة آدم مما يلي أضلاعه هذا ، واما ساعات مكثه في الجنة ، وأنها ستة أو سبعة فالامر فيها هين فانما هو تقريب.
    وفي الكافي : عن أحدهما ( عليه السلام ) في قوله تعالى : فتلقى آدم من ربه كلمات ، قال : لا إله إلا أنت ، سبحانك اللهم وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي


(148)
     وأنت خير الغافرين ، لا إله إلا أنت ، سبحانك اللهم وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني وأنت خير الغافرين ، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فإرحمني وأنت خير الراحمين ، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم.
     اقول : وروى هذا المعنى الصدوق والعياشي والقمي وغيرهم ، وعن طرق أهل السنة والجماعة أيضا ما يقرب من ذلك ، وربما استفيد ذلك من ظاهر آيات القصة.
     وقال الكليني في الكافي : وفي رواية اخرى في قوله : فتلقى آدم من ربه كلمات قال : سأله بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
     اقول : وروى هذا المعنى أيضا الصدوق والعياشي والقمي وغيرهم ، وروي ما يقرب من ذلك من طرق اهل السنة والجماعة ايضا كما رواه في الدر المنثور عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال : أسألك بحق محمد الا غفرت لي فأوحى الله إليه ، ومن محمد ؟ قال : تبارك إسمك لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس احد عندك اعظم قدرا ممن جعلت إسمه مع اسمك فأوحى الله إليه يا آدم انه آخر النبيين من ذريتك ولولاه ما خلقتك.
     اقول : وهذا المعنى وإن كان بعيدا عن ظاهر الآيات في بادي النظر لكن اشباع النظر والتدبر فيها ربما قرب ذلك تقريبا ، إذ قوله : فتلقى آدم ، يشتمل على معنى الاخذ مع الاستقبال ، ففيه دلالة على اخذ آدم هذه الكلمات من ربه ، ففيه علم سابق على التوبة ، وقد كان ( عليه السلام ) تعلم من ربه الاسماء كلها إذ قال تعالى للملائكة : إني جاعل في الارض خليفة ، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال : اني اعلم ما لا تعلمون وعلم آدم الاسماء كلها ، فهذا العلم كان من شأنه إزاحة كل ظلم ومعصية لا محالة ودواء كل داء وإلا لم يتم الجواب عما أورده الملائكة ولا قامت الحجة عليهم لانه سبحانه لم يذكر قبال قولهم : يفسد فيها ويسفك الدماء شيئا ولم يقابلهم بشئ دون ان علم آدم الاسماء كلها ففيه اصلاح كل فاسد ، وقد عرفت ما حقيقة هذه الاسماء ، وانها موجودات عالية مغيبة في غيب


(149)
السموات والارض ، ووسائط فيوضاته تعالى لما دونها ، لا يتم كمال لمستكمل الا ببركاتها وقد ورد في بعض الاخبار أنه رأى اشباح اهل البيت وانوارهم حين علم الاسماء ، وورد أنه رآها حين اخرج الله ذريته من ظهره ، وورد ايضا انه رآها وهو في الجنة فراجع والله الهادي.
    وقد ابهم الله امر هذه الكلمات في قوله : « فتلقى آدم من ربه كلمات » الآية حيث نكرها ، وورد في القرآن : إطلاق الكلمة على الموجود العيني صريحا في قوله : « بكلمة منه إسمه المسيح عيسى بن مريم » آل عمران ـ 40.
     وأما ما ذكره بعض المفسرين : ان الكلمات التي حكاها الله عنهما في سورة الاعراف بقوله : « قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين » الآية ، ففيه : أن التوبة كما يدل عليه الآيات في هذه السورة أعني سورة البقرة وقعت بعد الهبوط إلى الارض ، قال تعالى : « وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو » إلى أن قال : « فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه » الآيات وهذه الكلمات تكلم بها آدم وزوجته قبل الهبوط وهما في الجنة كما في سورة الاعراف ، قال تعالى : « فناديهما ربهما ألم انهكما عن تلكما الشجرة » إلى ان قال : « قالا ربنا ظلمنا انفسنا » إلى أن قال : « قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو » الآيات ، بل الظاهر ان قولهما : ربنا ظلمنا انفسنا ، تذلل منهما وخضوع قبال ندائه تعالى وإيذان بأن الامر إلى الله سبحانه كيف يشاء بعد الاعتراف بأن له الربوبية وأنهما ظالمان مشرفان على خطر الخسران.
    وفي تفسير القمي عن الصادق ( عليه السلام ) قال : ان موسى سأل ربه ان يجمع بينه وبين آدم ، فجمع فقال له موسى : يا أبت ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك الملائكة وأمرك أن لا تأكل من الشجرة ؟ فلم عصيته ؟ قال : يا موسى بكم وجدت خطيئتي قبل خلقي في التورية ؟ قال بثلثين الف سنة ، قال : فقال : هو ذاك ، قال الصادق ( عليه السلام ) فحجج آدم موسى.
     اقول : وروى ما يقرب من هذا المعنى العلامة السيوطي في الدر المنثور بعدة طرق عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وفي العلل : عن الباقر ( عليه السلام ) : والله لقد خلق الله آدم للدنيا ، وأسكنه الجنة


(150)
ليعصيه فيرده إلى ما خلقه له.
     اقول : وقد مرواية العياشي عن الصادق ( عليه السلام ) في خليل كان لآدم من الملائكة الحديث في هذا المعنى.
    وفي الاحتجاج : في احتجاج علي مع الشامي حين سأله : عن أكرم واد على وجه الارض ، فقال ( عليه السلام ) : واد يقال له سرانديب سقط فيه آدم من السماء.
     اقول : وتقابلها روايات مستفيضة تدل على سقوطه في أرض مكة وقد مر بعضها ويمكن التوفيق بينها بإمكان نزوله أولا بسرانديب ثم هبوطه إلى أرض مكة وليس بنزولين عرضيين هذا.
    وفي الدر المنثور عن الطبراني وأبي الشيخ في العظمة وابن مردويه عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله أرأيت آدم أنبيا كان ؟ قال : نعم كان نبيا رسولا ، كلمه الله قبلا ، قال له : يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة.
     اقول : وروى أهل السنة والجماعة قريبا من هذا المعنى بعدة طرق.
    يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي اوف بعهدكم وإياي فارهبون ـ 40. وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون ـ 41. ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ـ 42. وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة واركعوا مع الراكعين ـ 43. أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ـ 44.
الميزان في تفسير القران ـ المجلد الأول ::: فهرس