الميزان في تفسير القران ـ المجلد الاول ::: 181 ـ 195
(181)
عليه فيكون معنى قولهم : فلو أن لنا كرة ، معناه يا ليتنا نرد فنكون من المؤمنين حتى ننال الشفاعة من الشافعين كما نالها المؤمنون ، فالآية من الآيات الدالة على وقوع الشفاعة.
    وفي التوحيد : عن الكاظم عن أبيه عن آبائه عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إنما شفاعتي لاهل الكبائر من امتي فأما المحسنون فما عليهم من سبيل ، قيل : يا بن رسول الله كيف تكون الشفاعة لاهل الكبائر والله تعالى يقول : ولا يشفعون إلا لمن إرتضى ومن إرتكب الكبيرة لا يكون مرتضى ؟ فقال ( عليه السلام ) : ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا سائه ذلك وندم عليه ، وقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كفي بالندم توبه ، وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من سرته حسنة وسائته سيئة فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما والله تعالى ذكره يقول : ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ، فقيل له : يا بن رسول الله وكيف لا يكون مؤمنا من لا يندم على ذنب يرتكبه فقال : ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أن سيعاقب عليه إلا ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة ، ومتى لم يندم عليها كان مصرا والمصر لا يغفر له ، لانه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار ، وأما قول الله عزوجل : ولا يشفعون الا لمن ارتضى فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه ، والدين الاقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات ، فمن ارتضى دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة.
     اقول : قوله ( عليه السلام ) وكان ظالما ، فيه تعريف الظالم يوم القيامة واشارة إلى ما عرفه به القرآن حيث يقول : « فاذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين ، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون » الاعراف ـ 44 و 45 ، وهو الذي لا يعتقد بيوم المجازاة فلا يتأسف على فوت أوامر الله تعالى ولا يسوئه إقتحام محارمه إما بجحد جميع المعارف الحقة والتعاليم الدينية وإما بالاستهانة لامرها وعدم الاعتناء بالجزاء والدين يوم الجزاء والدين فيكون قوله به إستهزائا بأمره وتكذيبا له ، وقوله ( عليه السلام ) : فتكون تائبا مستحقا للشفاعة ، أي راجعا إلى الله ذا دين


(182)
مرضي مستحقا للشفاعة ، وأما التوبة المصطلحة فهي بنفسها شفيعة منجية ، وقوله ( عليه السلام ) وقد قال النبي لا كبيرة مع الاستغفار ، الخ تمسكه ( عليه السلام ) به من جهة أن الاصرار وهو عدم الانقباض بالذنب والندم عليه يخرج الذنب عن شأنه الذي له إلى شأن آخر وهو تكذيب المعاد والظلم بآيات الله فلا يغفر لان الذنب إنما يغفر إما بتوبة أو بشفاعة متوقفة على دين مرضي ولا توبة هناك ولا دين مرضيا.
     ونظير هذا المعنى واقع في رواية العلل عن أبي إسحق الليثي قال : قلت لابي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) : يا بن رسول الله أخبرني عن المؤمن المستبصر إذا بلغ في المعرفة وكمل هل يزني ؟ قال : اللهم لا ، قلت : فيلوط ؟ قال اللهم لا ، قلت فيسرق ؟ قال لا ، قلت : فيشرب الخمر ؟ قال لا ، قلت : فيأتي ؟ بكبيرة من هذه الكبائر أو فاحشة من هذه الفواحش ؟ قال : لا ، قلت : فيذنب ذنبا ؟ قال : نعم وهو مؤمن مذنب مسلم ، قلت : ما معنى مسلم ؟ قال : المسلم لا يلزمه ولا يصر عليه الحديث.
    وفي الخصال : بأسانيد عن الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا كان يوم القيامة تجلى الله عزوجل لعبده المؤمن فيوقفه على ذنوبه ذنبا ذنبا ثم يغفر الله له لا يطلع الله له ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ويستر عليه أن يقف عليه أحد ، ثم يقول لسيئأته كوني حسنات.
    وعن صحيح مسلم مرفوعا إلى أبى ذر قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يؤتي بالرجل يوم القيامة فيقال : أعرضوا عليه صغار ذنوبه ونحوا عنه كبارها فيقال : عملت يوم كذا وكذا وكذا وهو مقر لا ينكر وهو مشفق من الكبائر فيقال : اعطوه مكان كل سيئة حسنة فيقول : ان لي ذنوبا ما أراها هيهنا ، قال : ولقد رايت رسول الله ضحك حتى بدت نواجذه.
    وفي الامالي : عن الصادق ( عليه السلام ) : إذا كان يوم القيامة نشر الله تبارك وتعالى رحمته حتى يطمع إبليس في رحمتة.
     اقول : والروايات الثلاث الاخيرة من المطلقات والاخبار الدالة على وقوع


(183)
شفاعة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم القيامة من طرق أئمة أهل البيت وكذا من طرق أهل السنة والجماعة بالغة حد التواتر ، وهي من حيث المجموع إنما تدل على معنى واحد وهو الشفاعة على المذنبين من أهل الايمان إما بالتخليص من دخول النار وإما بالاخراج منها بعد الدخول فيها ، والمتيقن منها عدم خلود المذنبين من أهل الايمان في النار وقد عرفت أن القرآن أيضا لا يدل على أزيد من ذلك.

     البراهين العقلية وإن قصرت عن إعطاء التفاصيل الواردة كتابا وسنة في المعاد لعدم نيلها المقدمات المتوسطة في الاستنتاج على ما ذكره الشيخ إبن سينا لكنها تنال ما يستقبله الانسان من كمالاته العقلية والمثالية في صراطي السعادة والشقاوة بعد مفارقة نفسه بدنه من جهة التجرد العقلي والمثالي الناهض عليهما البرهان.
     فالانسان في بادئ أمره يحصل له من كل فعل يفعله هيئة نفسانيه وحال من احوال السعادة والشقاوة ، ونعني بالسعادة ما هو خير له من حيث أنه إنسان ، وبالشقاوة ما يقابل ذلك ، ثم تصير تلك الاحوال بتكررها ملكة راسخة ، ثم يتحصل منها صورة سعيدة أو شقية للنفس تكون مبدئا لهيئأت وصور نفسانية ، فإن كانت سعيدة فأثارها وجودية ملائمة للصورة الجديدة ، وللنفس التي هي بمنزلة المادة القابلة لها ، وان كانت شقية فأثارها أمور عدمية ترجع بالتحليل إلى الفقدان والشر ، فالنفس السعيدة تلتذ بآثارها بما هي انسان ، وتلتذ بها بما هي انسان سعيد بالفعل ، والنفس الشقية وان كانت آثارها مستأنسة لها وملائمة بما أنها مبدأ لها لكنها تتألم بها بما انها انسان ، هذا بالنسبة إلى النفوس الكاملة في جانب السعادة والشقاوة ، أعني الانسان السعيد ذاتا والصالح عملا والانسان الشقى ذاتا والطالح عملا ، واما الناقصة في سعادتها وشقاوتها فالانسان السعيد ذاتا الشقى فعلا بمعنى ان يكون ذاته ذات صورة سعيدة بالاعتقاد الحق الثابت غير ان في نفسه هيآت شقية ردية من الذنوب والاثام إكتسبتها حين تعلقها بالبدن الدنيوي وارتضاعها من ثدي الاختيار ، فهي امور قسرية غير ملائمة لذاتة ، وقد اقيم البرهان على أن القسر لا يدوم ، فهذه النفس سترزق التطهر منها في برزخ أو


(184)
قيمة على حسب قوة رسوخها في النفس ، وكذلك الامر فيما للنفس الشقية من الهيآت العارضة السعيدة فانها ستسلب عنها وتزول سريعا أو بطيئا ، واما النفس التي لم تتم لها فعلية السعادة والشقاوة في الحيوة الدنيا حتى فارقت البدن مستضعفة ناقصة فهي من المرجئين لامر الله عزوجل ، فهذا ما يقتضيه البراهين في المجازاة بالثواب والعقاب المقتضية لكونها من لوازم الاعمال ونتائجها ، لوجوب رجوع الروابط الوضعية الاعتبارية بالآخرة إلى روابط حقيقية وجودية هذا.
    ثم ان البراهين قائمة على أن الكمال الوجودي مختلف بحسب مراتب الكمال والنقص والشدة والضعف وهو التشكيك خاصة في النور المجرد فلهذه النفوس مراتب مختلفة في القرب والبعد من مبدأ الكمال ومنتهاه في سيرها الارتقائي وعودها إلى ما بدأت منها وهي بعضها فوق بعض ، وهذه شأن العلل الفاعلية ( بمعنى ما به ) ووسائط الفيض ، فلبعض النفوس وهي النفوس التامة الكاملة كنفوس الانبياء ( عليهم السلام ) وخاصة من هو في أرقي درجات الكمال والفعلية وساطة في زوال الهيئات الشقية الردية القسرية من نفوس الضعفاء ، ومن دونهم من السعداء إذا لزمتها قسرا ، وهذه هي الشفاعة الخاصة بأصحاب الذنوب.

     الذي تعطيه اصول الاجتماع ان المجتمع الانساني لا يقدر على حفظ حياته وادامة وجوده الا بقوانين موضوعة معتبرة بينهم ، لها النظارة في حاله ، الحكومة في أعمال الافراد وشؤونهم ، تنشأ عن فطرة المجتمع وغريزه الافراد المجتمعين بحسب الشرائط الموجودة ، فتسير بهدايتها جميع طبقات الاجتماع كل على حسب ما يلائم شأنه ويناسب موقعه فيسير المجتمع بذلك سيرا حثيثا ويتولد بتألف أطرافه وتفاعل متفرقاته العدل الاجتماعي وهي موضوعة على مصالح ومنافع مادية يحتاج إليها إرتقاء الاجتماع المادي ، وعلى كمالات معنوية كالاخلاق الحسنة الفاضلة التي يدعو إليها صلاح الاجتماع كالصدق في القول والوفاء بالعهد والنصح وغير ذلك ، وحيث كانت القوانين والاحكام وضعية غير حقيقية احتاجت إلى تتميم تأثيرها ، بوضع أحكام مقررة اخرى في المجازاة لتكون


(185)
هي الحافظة لحماها عن تعدي الافراد المتهوسين وتساهل آخرين ، ولذلك كلما قويت حكومة ( أي حكومة كانت ) على إجراء مقررات الجزاء لم يتوقف المجتمع في سيره ولا ضل سائره عن طريقه ومقصده ، وكلما ضعفت اشتد الهرج والمرج في داخله وانحرف عن مسيره فمن التعاليم اللازمة تثبيتها في الاجتماع تلقين أمر الجزاء ، وإيجاد الايمان به في نفوس الافراد ، ومن الواجب الاحتراز من أن يدخل في نفوسهم رجاء التخلص عن حكم الجزاء ، وتبعة المخالفة والعصيان ، بشفاعة أو رشوة أو بشئ من الحيل والدسائس المهلكة ، ولذلك نقموا على الديانة المسيحية ما وقع فيها أن المسيح فدى الناس في معاصيهم بصلبه ، فالناس يتكلون عليه في تخليصهم من يد القضاء يوم القيامة ويكون الدين إذ ذاك هادما للانسانية ، مؤخرا للمدنية ، راجعا بالانسان القهقرى كما قيل. وان الاحصاء يدل من أن المتدينين أكثر كذبا وأبعد من العدل من غيرهم وليس ذلك إلا انهم يتكلون بحقية دينهم ، وإدخار الشفاعة في حقهم ليوم القيامة ، فلا يبالون ما يعملون بخلاف غيرهم ، فإنهم خلوا وغرائزهم وفطرهم ولم يبطل حكمها بما بطل به في المتدينين فحكمت بقبح التخلف عما يخالف حكم الانسانية والمدنية الفاضله.
     وبذلك عول جمع من الباحثين في تأويل ما ورد في خصوص الشفاعة في الاسلام وقد نطق به الكتاب وتواترت عليه السنة.
     ولعمري لا الاسلام تثبت الشفاعة بالمعنى الذي فسروها به ، ولا الشفاعة التي تثبتها تؤثر الاثر الذي زعموه لها ، فمن الواجب أن يحصل الباحث في المعارف الدينية وتطبيق ما شرعه الاسلام على هيكل الاجتماع الصالح والمدنية الفاضلة تمام ما رامه الاسلام من الاصول والقوانين المنطبقة على الاجتماع كيفية ذلك التطبيق ، ثم يحصل ما هي الشفاعة الموعودة وما هو محلها وموقعها بين المعارف التي جاء بها.
     فيعلم اولا: أن الذي يثبته القرآن من الشفاعة هو ان المؤمنين لا يخلدون في النار يوم القيامة بشرط أن يلاقوا ربهم بالايمان المرضي والدين الحق فهو وعد وعده القرآن مشروطا ثم نطق بأن الايمان من حيث بقائه على خطر عظيم من جهة الذنوب ولاسيما الكبائر ولا سيما الادمان منها والامرار فيها ، فهو شفا جرف الهلاك الدائم ،


(186)
وبذلك يتحصل رجاء النجاة وخوف الهلاك ، ويسلك نفس المؤمن بين الخوف والرجاء فيعبد ربه رغبة ورهبة ، ويسير في حيوته سيرا معتدلا غير منحرف لا إلى خمود القنوط ، ولا إلى كسل الوثوق.
     وثانيا : أن الاسلام قد وضع من القوانين الاجتماعية من مادياتها ومعنوياتها ما يستوعب جميع الحركات والسكنات الفردية والاجتماعية ، ثم إعتبر لكل مادة من موادها ما هو المناسب له من التبعة والجزاء من دية وحد وتعزير إلى أن ينتهي إلى تحريم مزايا الاجتماع واللوم والذم والتقبيح ، ثم تحفظ على ذلك بعد تحكيم حكومة أولياء الامر ، بتسليط الكل على الكل بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر ثم أحيى ذلك بنفخ روح الدعوة الدينية المضمنة بالانذار والتبشير بالعقاب والثواب في الآخرة ، وبنى أساس تربيتة بتلقين معارف المبدا والمعاد على هذا الترتيب.
     فهذا ما يرومه الاسلام بتعليمه ، جاء به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصدقه التجارب الواقع في عهده وعهد من يليه حتى اثبت به أيدي الولاة في السلطنة الاموية ومن شايعهم في استبدادهم ولعبهم بأحكام الدين وابطالهم الحدود والسياسات الدينية حتى آل الامر إلى ما آل إليه اليوم وارتفعت أعلام الحرية وظهرت المدنية الغربية ولم يبق من الدين بين المسلمين إلا كصبابة في إناء فهذا الضعف البين في سياسة الدين وارتجاع المسلمين القهقرى هو الموجب لتنزلهم في الفضائل والفواضل وانحطاطهم في الاخلاق والآداب الشريفة وإنغمارهم في الملاهي والشهوات وخوضهم في الفواحش والمنكرات ، هو الذي أجراهم على انتهاك كل حرمة وإقتراف كل ما يستشنعه حتى غير المنتحل بالدين لا ما يتخيله المعترض من إستناد الفساد إلى بعض المعارف الدينية التي لا غاية لها وفيها إلا سعادة الانسان في آجله وعاجله والله المعين ، والاحصاء الذي ذكروها إنما وقع على جمعية المتدينين وليس عليهم قيم ولا حافظ قوي وعلى جمعية غير المنتحلين ، والتعليم والتربية الاجتماعيان قيمان عليهم حافظان لصلاحهم الاجتماعي فلا يفيد فيما أراده شيئا
    وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب


(187)
يذبحون أبناءكم ويستحيون نسائكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ـ 49. وإذ فرقنا بكم البحر فانجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون ـ 50. وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون ـ 51. ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون ـ 52. وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون ـ 53. وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ـ 54. وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون ـ 55. ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ـ 56. وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوي كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ـ 57. وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين ـ 58. فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فانزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ـ 59. وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا


(188)
أضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه إثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الارض مفسدين ـ 60. وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الارض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال اتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سئلتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ـ 61.
( بيان )
    قوله تعالى : و يستحيون نسائكم ، أي يتركونهن احياء للخدمة من غير أن يقتلوهن كالابناء فالاستحياء طلب الحيوة ويمكن أن يكون المعنى ويفعلون ما يوجب زوال حيائهن من المنكرات ، ومعنى يسومونكم يولونكم.
     قوله تعالى : وإذ فرقنا بكم الفرق مقابل الجمع كالفصل والوصل ، والفرق في البحر الشق والباء للسببية ألملابسة أي فرقنا لانجائكم البحر أو لملابستكم دخول البحر.
     قوله تعالى : وإذ واعدنا موسى اربعين ليلة وقص تعالى القصة في سورة الاعراف بقوله : « وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة » الاعراف ـ 142 ، فعد المواعدة فيها أربعين ليلة إما للتغليب أو لانه كانت العشرة الاخيرة بمواعدة أخرى فالاربعون مجموع المواعدتين كما وردت به الرواية.


(189)
    قوله تعالى : فتوبوا إلى بارئكم البارئ من الاسماء الحسنى كما قال تعالى : « هو الله الخالق البارئ المصور له الاسماء الحسنى » الحشر ـ 24 ، وقع في ثلاث مواضع من كلامه تعالى : اثنان منها في هذه الآية ولعله خص بالذكر هيهنا من بين الاسماء الملائمة معناه للمورد لانه قريب المعنى من الخالق والموجد ، من برء يبرء برائا إذا فصل لانه يفصل الخلق من العدم أو الانسان من الارض ، فكأنه تعالى يقول : هذه التوبة وقتلكم أنفسكم وإن كان أشق ما يكون من الاوامر لكن الله الذي أمركم بهذا الفناء والزوال بالقتل هو الذي برئكم فالذي أحب وجودكم وهو خير لكم هو يحب الآن حلول القتل عليكم فهو خير لكم وكيف لا يحب خيركم وقد برئكم ، فاختيار لفظ البارئ باضافته إليهم في قوله : إلى بارئكم ، وقوله عند بارئكم للاشعار بالاختصاص لاثارة المحبة.
     قوله تعالى : ذلكم خير لكم عند بارئكم ظاهر الآية وما تقدمها أن هذه الخطابات وما وقع فيها من عد أنواع تعدياتهم ومعاصيهم إنما نسبت إلى الكل مع كونها صادرة عن البعض لكونهم جامعة ذات قومية واحدة يرضى بعضهم بفعل بعض ، وينسب فعل بعضهم إلى آخرين. لمكان الوحدة الموجودة فيهم ، فما كل بنى اسرائيل عبدوا العجل ، ولا كلهم قتلوا الانبياء إلى غير ذلك من معاصيهم وعلى هذا فقوله تعالى : فاقتلوا أنفسكم ، إنما يعني به قتل البعض وهم الذين عبدوا العجل كما يدل عليه أيضا قوله تعالى : إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ، وقوله تعالى : ذلكم خير لكم عند بارئكم تتمة الحكاية من قول موسى كما هو الظاهر ، وقوله تعالى : فتاب عليكم يدل على نزول التوبة وقبولها ، وقد وردت الرواية أن التوبة نزلت ولما يقتل جميع المجرمين منهم.
    ومن هنا يظهر أن الامر كان أمرا إمتحانيا نظير ما وقع في قصة رؤيا إبراهيم ( عليه السلام ) وذبح اسماعيل « يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا » لصافات ـ 105 ، فقد ذكر موسى ( عليه السلام ) فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم ، وأمضى الله سبحانه قوله ( عليه السلام ) وجعل قتل البعض قتلا للكل وأنزل التوبة بقوله : فتاب عليكم


(190)
    قوله تعالى : رجزا من السماء ، الرجز العذاب.
     قوله تعالى : ولا تعثوا ، العيث والعثى أشد الفساد.
     قوله تعالى : وقثائها وفومها ، القثاء الخيار والفوم الثوم أو الحنطة.
     قوله تعالى : وبائوا بغضب ، أي رجعوا.
     قوله تعالى : ذلك بأنهم كانوا يكفرون ، تعليل لما تقدمه.
     قوله تعالى : ذلك بما عصوا ، تعليل للتعليل فعصيانهم ومداومتهم للاعتداء هو الموجب لكفرهم بالآيات وقتلهم الانبياء كما قال تعالى : « ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوآى أن كذبوا بأيات الله وكانوا بها يستهزئون » الروم ـ 10 ، وفي التعليل بالمعصية وجه سيأتي في البحث الآتي
( بحث روائي )
    في تفسير العياشي : في قوله تعالى : « وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة » عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة ثم بدا منه فزاد عشرا فتم ميقات ربه الاول والآخر أربعين ليلة.
     اقول : والرواية تؤيد ما مر أن الاربعين مجموع المواعدتين.
    وفي الدر المنثور : عن علي ( عليه السلام ) : في قوله تعالى : « وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم » الآية ، قال : قالوا لموسى : ما توبتنا ؟ قال : يقتل بعضكم بعضا فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وإبنه والله لا يبالى من قتل حتى قتل منهم سبعون الفا فأوحى الله إلى موسى مرهم فليرفعوا أيديهم وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقى.
    وفي تفسير القمي : قال ( عليه السلام ) : أن موسى لما خرج إلى الميقات ورجع إلى قومه وقد عبدوا العجل قال لهم موسى : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فأقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فقالوا له : كيف نقتل


(191)
أنفسنا فقال لهم موسى : أغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين أو حديدة أو سيف فإذا صعدت أنا منبر بني اسرائيل فكونوا أنتم ملتثمين لا يعرف أحد صاحبه فأقتلوا بعضكم بعضا ، فاجتمعوا سبعين ألف رجل ممن كان عبدوا العجل إلى بيت المقدس فلما صلى بهم موسى وصعد المنبر أقبل بعضهم يقتل بعضا حتى نزل جبرائيل فقال : قل لهم : يا موسى إرفعوا القتل فقد تاب الله لكم ، فقتل منهم عشرة آلاف وأنزل الله : « ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم »
    اقول : والرواية كما ترى تدل على كون قوله تعالى : ذلكم خير لكم عند بارئكم مقولا لموسى ومقولا له سبحانه فيكون إمضائا لكلمة قالها موسى وكشفا عن كونها تامة على خلاف ما يلوح من الظاهر من كونها ناقصة فإن الظاهر يعطي أن موسى جعل قتل الجميع خيرا لهم عند بارئهم ، وقد قتل منهم البعض دون الجميع فجعل سبحانه ، ما وقع من القتل هو الخير الذي ذكره موسى ( عليه السلام ) كما مر.
    وفي تفسير القمي أيضا : في قوله تعالى : « وظللنا عليكم الغمام » الآية أن بني اسرائيل لما عبر موسى بهم البحر نزلوا في مفازة فقالوا : يا موسى أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل ، ولا شجر ، ولا ماء. وكانت تجئ بالنهار غمامة تظلهم من الشمس وينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه وبالعشي يأتيهم طائر مشوي يقع على موائدهم فإذا أكلوا وشربوا طار ومر وكان مع موسى حجر يضعه وسط العسكر ثم يضر به بعصاه فتنفجر منها إثنتا عشرة عينا كما حكى الله فيذهب إلى كل سبط في رحله وكانوا اثنى عشر سبطا
    وفي الكافي : في قوله تعالى : وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، عن أبي الحسن الماضي ( عليه السلام ) قال : إن الله أعز« وأمنع من أن يظلم أو ينسب نفسه إلى الظلم ولكنه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته » ، ثم أنزل الله بذلك قرآنا على نبيه فقال : وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. قال الراوي قلت ، هذا تنزيل ، قال : نعم.
     اقول : وروى ما يقرب منه أيضا عن الباقر ( عليه السلام ) وقوله ( عليه السلام ) أمنع من


(192)
أن يظلم بالبناء للمفعول تفسير لقوله تعالى : وما ظلمونا ، وقوله : أو ينسب نفسه إلى الظلم بالبناء للفاعل : وقوله : ولكنه خلطنا بنفسه أي خلطنا معاشر الانبياء والاوصياء والائمة بنفسه ، وقوله : قلت : هذا تنزيل قال : نعم وجهه أن النفي في هذه الموارد وأمثالها إنما يصح فيما يصح فيه الاثبات أو يتوهم صحته ، فلا يقال للجدار ، أنه لا يبصر أو لا يظلم إلا لنكتة وهو سبحانه أجل من أن يسلم في كلامه توهم الظلم عليه ، أو جاز وقوعه عليه فالنكتة في هذا النفي الخلط المذكور لان العظماء يتكلمون عن خدمهم وأعوانهم.
    وفي تفسير العياشي : في قوله تعالى : « ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله » الآية عن الصادق ( عليه السلام ) أنه قرأ هذه الآية : ذلك بأنهم كانوا يكفرون بأيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فقال : والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا فكان قتلا واعتداء ومصيبة.
     اقول : وفي الكافي عنه ( عليه السلام ) مثله وكأنه ( عليه السلام ) استفاد ذلك من قوله تعالى : ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون فإن القتل وخاصة قتل الانبياء والكفر بآيات الله لا يعلل بالعصيان بل الامر بالعكس على ما يوجبه الشدة والاهمية لكن العصيان بمعنى عدم الكتمان والتحفظ مما يصح التعليل المذكور به.
    إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ـ 62.
( بيان )
    تكرار الايمان ثانيا وهو الاتصاف بحقيقتة كما يعطيه السياق يفيد أن المراد


(193)
بالذين آمنوا في صدر الآية هم المتصفون بالايمان ظاهرا المتسمون بهذا الاسم فيكون محصل المعنى أن الاسماء والتسمي بها مثل المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين لا يوجب عند الله تعالى أجرا ولا أمنا من العذاب كقولهم : لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ، وإنما ملاك الامر وسبب الكرامة والسعادة حقيقة الايمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ، ولذلك لم يقل من آمن منهم بإرجاع الضمير إلى الموصول اللازم في الصلة لئلا يكون تقريرا للفائدة في التسمي على ما يعطيه النظم كما لا يخفى وهذا مما تكررت فيه آيات القرآن أن السعادة والكرامة تدور مدار العبودية ، فلا إسم من هذه الاسماء ينفع لمتسميه شيئا ، ولا وصف من أوصاف الكمال يبقى لصاحبه وينجيه إلا مع لزوم العبودية ، الانبياء ومن دونهم فيه سواء ، فقد قال تعالى في أنبيائه بعد ما وصفهم بكل وصف جميل : « ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون » الانعام ـ 88 ، وقال تعالى في أصحاب نبيه ومن آمن معه مع ما ذكر من عظم شأنهم وعلو قدرهم : « وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما » الفتح ـ 29 ، فأتى بكلمة منهم وقال في غيرهم ممن اوتي آيات الله تعالى : « ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الارض وإتبع هواه » الاعراف ـ 176 ، إلى غير ذلك من الآيات الناصة على أن الكرامة بالحقيقة دون الظاهر.
( بحث روائي )
    في الدر المنثور : عن سلمان الفارسي قال : سألت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن اهل دين كنت معهم ، فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت : « إن الذين آمنوا والذين هادوا » الآية.
     اقول : وروي أيضا نزول الآية في أصحاب سلمان بعدة طرق أخرى.
    وفي المعاني : عن ابن فضال قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) لم سمي النصاري نصارى قال : لانهم كانوا من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعهما من مصر.


(194)
    اقول : وفي الرواية بحث سنتعرض له في قصص عيسى ( عليه السلام ) من سورة آل عمران انشاء الله.
    وفي الرواية ان اليهود سموا باليهود لانهم من ولد يهودا بن يعقوب.
    وفي تفسير القمي : قال : قال ( عليه السلام ) : الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون وهم يعبدون النجوم والكواكب.
     اقول : وهي الوثنية ، غير أن عبادة الاصنام غير مقصورة عليهم بل الذي يخصهم عبادة أصنام الكواكب.

    ذكر أبو ريحان البيروني في الآثار الباقية ما لفظه : واول المذكورين منهم يعني المتنبئين يوذاسف وقد ظهر عند مضي سنة من ملك طهمورث بأرض الهند وأتي بالكتابة الفارسية ، ودعا إلى ملة الصابئين فأتبعه خلق كثير ، وكانت الملوك البيشدادية وبعض الكيانية ممن كان يستوطن بلخ يعظمون النيرين والكواكب وكليات العناصر ويقدسونها إلى وقت ظهور زرادشت عند مضي ثلاثين سنة من ملك بشتاسف ، وبقايا اؤلئك الصابئين بحران ينسبون إلى موضعهم ، فيقال لهم : الحرانية وقد قيل : انها نسبة إلى هادان بن ترخ اخى ابراهيم ( عليه السلام ) وانه كان من بين رؤسائهم اوغلهم في الدين واشدهم تمسكا به ، وحكى عنه ابن سنكلا النصراني في كتابه الذي قصد فيه نقض نحلتهم ، فحشاه بالكذب والاباطيل ، انهم يقولون ان ابراهيم ( عليه السلام ) انما خرج عن جملتهم لانه خرج في قلفته برص وأن من كان به ذلك فهو نجس لا يخالطونه فقطع قلفته بذلك السبب يعني اختتن ، ودخل إلى بيت من بيوت الاصنام فسمع صوتا من صنم يقول له : يا ابراهيم خرجت من عندنا بعيب واحد ، وجئتنا بعيبين ، أخرج ولا تعاود المجئ الينا فحمله الغيظ على أن جعلها جذاذا ، وخرج من جملتهم ثم انه ندم بعد ما فعله ، وأراد ذبح ابنه لكوكب المشتري على عادتهم في ذبح اولادهم ، زعم فلما علم كوكب المشتري صدق توبته فداه بكبش.


(195)
    وحكى عبد المسيح بن اسحاق الكندي عنهم في جوابه عن كتاب عبد الله بن اسماعيل الهاشمي ، انهم يعرفون بذبح الناس ولكن ذلك لا يمكنهم اليوم جهرا ونحن لا نعلم منهم الا انهم اناس يوحدون الله ، وينزهونه عن القبائح ، ويصفونه بالسلب لا الايجاب كقولهم : لا يحد ، ولا يرى ، ولا يظلم ، ولا يجور ويسمونه بالاسماء الحسنى مجازا ، إذ ليس عندهم صفة بالحقيقة ، وينسبون التدبير إلى الفلك وأجرامه ، ويقولون بحياتها نطقها وسمعها وبصرها ، ويعظمون الانوار ، ومن آثارهم القبة التي فوق محراب عند المقصورة من جامع دمشق ، وكان مصلاهم ، كان اليونانيون والروم على دينهم ، ثم صارت في أيدي اليهود ، فعملوها كنيستهم ، ثم تغلب عليها النصارى ، فصيروها بيعة إلى أن جاء الاسلام وأهله فأتخذوها مسجدا ، وكانت لهم هياكل واصنام بأسماء الشمس معلومة الاشكال كما ذكرها أبو معشر البلخي في كتابه في بيوت العبادات ، مثل هيكل بعلبك كان لصنم الشمس ، وقران فانها منسوبة إلى القمر ، وبنائها على صورته كالطيلسان ، وبقربها قرية تسمى سلمسين ، واسمها القديم صنم سين ، أي صنم القمر ، وقرية اخرى تسمى ترع عوز أي باب الزهرة ويذكرون أن الكعبة واصنامها كانت لهم ، وعبدتها كانوا من جملتهم ، وان اللات كان باسم زحل ، والعزى باسم الزهرة ولهم أنبياء كثيرة اكثرهم فلاسفة يونان كهرمس المصري واغاذيمون وواليس وفيثاغورث وباباسوار جد افلاطون من جهة امه وامثالهم ، ومنهم من حرم عليه السمك خوفا أن يكون رغاوة والفرخ لانه ابدا محموم ، والثوم لانه مصدع محرق للدم أو المني الذي منه قوام العالم ، والباقلاء لانه يغلظ الذهن ويفسده ، وأنه في أول الامر إنما نبت في جمجمة إنسان ، ولهم ثلاث صلوات مكتوبات.
     أولها : عند طلوع الشمس ثماني ركعات.
     والثانية : عند زوال الشمس عن وسط السماء خمس ركعات ، وفي كل ركعة من صلاتهم ثلاث سجدات ، ويتنفلون بصلاة في الساعة الثانية من النهار ، واخرى في التاسعة من النهار.
     والثالثة : في الساعة الثالثة من الليل ، ويصلون على طهر ووضوء ، ويغتسلون من الجنابة ولا يختتنون إذ لم يؤمروا بذلك زعموا واكثر احكامهم في المناكح والحدود مثل احكام المسلمين ، وفي التنجس عند مس الموتى ، وأمثال ذلك شبيهة بالتورية ، ولهم
الميزان في تفسير القران ـ المجلد الأول ::: فهرس