(101)
ولكنه نزل على حرف واحد من عند الواحد » (1) .
     وقد يقال بأن مصدر القراءات هو اللهجات ، ولا علاقة لها إذن بصحة السند ، وموافقة كتابة المصحف ، بل الأساس ارتباطها ببعض العرب في لغاتهم القبلية ، وإلى هذا المعنى يشير السيوطي بما أورده أبو شامة عن بعضهم :
     « أنزل القرآن بلسان قريش ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عاداتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والأعراب » (2) .
     وقد سبق بذلك ابن قتيبة بما تحدث به عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فكان من تيسيره أن أمره الله بأن يقرىء كل قوم بلغتهم ، وما جرت عليه عادتهم ... ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلا وناشئا وكهلا ، لاشتد ذلك عليه ، وعظمت المحنة فيه » (3) .
     وقد تبنى هذا الرأي الدكتور طه حسين ، فاعتبر اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن كما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعشيرته قريش ، اعتبر ذلك اساسا لاختلاف القراءات ، فقرأته هذه القبائل كما كانت تتكلم ، فأمالت حيث لم تكن تميل قريش ، ومرت حيث لم تكن تمر ، وقصرت حيث لم تكن تقصر ، وسكنت ، وأدغمت ، وأخفت ، ونقلت (4) .
     وهو بهذا يريد أن ينتهي إلى أن اللهجات هي مصدر القراءات ، وهو ينكر تواترها ، وينعى على من رتب أحكاما عريضة على نكرانها ، فيقول : « وهنا وقفة لا بد منها ، ذلك أن قوما من رجال الدين فهموا أن هذه القراءات السبع متواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل بها جبريل على قلبه ، فمنكرها كافر من غير شك ولا ريبة ... والحق أن ليست هذه القراءات السبع من
(1) المصدر نفسه : 2 | 630 .
(2) السيوطي ، الاتقان : 1 | 47 .
(3) ابن قتيبة ، تأويل القرآن : 30 .
(4) ظ : طه حسين ، في الأدب الجاهلي : 95 .

(102)
الوحي في قليل ولا كثير ، وليس منكرها كافرا ، ولا فاسقا ، ولا مغتمزا في دينه ، وإنما هي : قراءات مصدرها اللهجات واختلافها ... فأنت ترى أن هذه القراءات إنما هي مظهر من مظاهر اختلاف اللهجات » (1) .
     ولقد جهد المحققون منذ القرن الأول للهجرة حتى عهد ابن مجاهد ( ت : 324 هـ ) وهو موحد القراءات أو مسبعها إن صح التعبير ، في دراسة ظواهر القراءات القرآنية ، متواترها ، ومشهورها ، وشاذها ، فارجعوا جزءا من الاختلاف في القراءة إلى مظهر من مظاهر اللهجات العربية المختلفة ، وعادوا بجملة من الألفاظ إلى استعمال جملة من القبائل ، ذلك مما يؤيد وجهة النظر في عامل اللهجات ، والاستئناس به عاملا مساعدا في تعدد القراءات ، وللسبب ذاته فإن تلاشى اللهجات وتوحيدها بلهجة قريش ، قد ساعد أيضا على تلاشي واضمحلال كثير من جزئيات هذه القراءات وعدم إساغتها منذ عهد مبكر ، بل إن توحيد القرآن للغة العرب على لغة قريش ، وقصرهم عليها كان أساسا جوهريا في إذابة ما عداها من لغات ، مما أزاح تراكما لغويا يبتعد عن الفصحى ابتعادا كليا ، فلا تجد بعد ذلك عنعنة تميم ، ولا عجرمية قيس ، ولا كشكشة أسد ، ولا ثلثلة نهراء ، ولا كسكسة ربيعة ، ولا إمالة أسد وقيس ، ولا طمطمانية حمير .
     وفي ضوء ما تقدم يمكننا أن نخرج برأي جديد نخالف فيه من سبقنا إلى الموضوع ، فنعتبر كلا من شكل المصحف ، وطريق الرواية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتعدد اللهجات العربية ، قضايا ذات أهمية متكافئة باعتبارها مصادر من مصادر القراءات ، كلا لا يتجزأ ، وإلا فهي ـ على الأقل ـ أسباب عريضة في نشوء القراءات ومناهج اختلافها .
     وللتدليل على صحة هذا لا بد لنا من الوقوف عند أدلته وقفة مقنعة ، إن لم تكن دامغة .
     لا شك أن اختلاف مصاحف الأمصار في الرسم ، وما نشأ عنه من اختلاف أهل المدينة وأهل الكوفة ، وأهل البصرة ، وأهل الشام في القراءة ،
(1) طه حسين ، في الأدب الجاهلي : 95 ـ 96 .
(103)
إنما كان مصدره الشكل المصحفي الذي استنسخ عن المصحف الإمام . وهي اختلافات لا نقطع بمصدرها الكتابي ، بل نرجحه ، لما ثبت تأريخيا من تواتر نقله ، وقد أحصى أبو داود ذلك في كتاب المصاحف إحصاء دقيقا (1) .
     وقد أيد هذا الرأي محمد بن جرير الطبري ( في 310 هـ ) بما نقله عنه أبو شامة فقال :
     « لما خلت تلك المصاحف من الشكل والإعجام وحصر الحروف المحتملة على أحد الوجوه ، وكان أهل كل ناحية من النواحي التي وجهت إليها المصاحف ، قد كان لهم في مصرهم ذلك من الصحابة معلمون ... فانتقلوا عما بان لهم أنهم أمروا بالانتقال عنه مما كان بأيديهم ، وثبتوا على ما لم يكن في المصاحف الموجهة إليهم ، مما يستدلون به على انتقالهم عنه » (2) .
     وما دامت الروايات مختلفة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما يقولون ـ فما المانع أن يكون الحدب على وصول هذه الروايات من مختلف الأسانيد سببا من تعدد هذه القراءات ، سواء أكانت تلك الروايات صحيحة أم ضعيفة ، وقد أورد من هذا القبيل أبو شامة شواهد على الموضوع ، يتحمل عهدتها (3) . وقد سبقه ابن عطية فأورد عدة روايات تؤكد كثرة الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على علاتها ، وانتهى فيها إلى القول :
     « ثم إن هذه الروايات الكثيرة لما انتشرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وافترق الصحابة في البلدان ، وجاء الخلف ، وقرأ كثير من غير العرب ، ووقع بين أهل الشام وأهل العراق ما ذكر حذيفة ... فقرأت كل طائفة بما روي لها » (4) .
     وما دام للعرب لهجات ولغات ، فلا ينتفي أن تكون هذه اللغات سببا
(1) ظ : ابن أبي داود ، كتاب المصاحف : 39 ـ 49 .
(2) أبو شامة ، المرشد الوجيز : 149 وما بعدها .
(3) أبو شامة ، المرشد الوجيز : 86 وما بعدها .
(4) ابن عطية ، مقدمته ، ضمن مقدمتان في علوم القرآن : 271 .

(104)
مباشرا في جزء من هذه القراءات ، وقد قال عمر بن الخطاب ( رض ) مشيرا إلى قراءة أبيّ بن كعب : « إنا لنرغب عن كثير من لحن أُبيّ » (1) .
     وقد أورد أبو شامة عن ابن جرير الطبري في (310 هـ ) ما يؤيد فيه هذا العامل فقال :
     « فإن قيل : فما تقولون في هذه القراءات السبع التي ألفت بالكتب ؟ قلنا : إنما أرسل أمير المؤمنين المصاحف إلى الأمصار الخمسة بعد أن كتبت بلغة قريش ، فإن القرآن إنما نزل بلغتها ، ثم أذن رحمة من الله تعالى ، لكل طائفة من العرب أن تقرأ بلغتها على قدر استطاعتها ، فلما صارت المصاحف في الآفاق غير مضبوطة ولا معجمة قرأها الناس فما أنفذوه منها نفذ ، وما احتمل وجهين طلبوا فيه السماع حتى وجدوه » (2) .
     والطريف في رأي الطبري ، وهو من قدامى المفسرين ، أن يجمع هذه العوامل الثلاثة ، فينص على اختلاف اللهجات ، ويشير إلى شكل المصحف وإعجامه ، ويؤكد جانب السماع في الروايات التي توصلوا فيها إلى نطق القرآن .
     وعامل اللهجات ، وإن محصّ متأخرا ، وتمحض له الدكتور طه حسين ، إلا أنه عامل جدير بالتلبث والترصد والاستقراء في إثرائه جانب القراءات ، ومواكبته لمسيرتها اللغوية . فما من شك أن القرآن قد نزل بلغة قريش ، وهي أفصح لغات العرب ، وحينما اختار الله تعالى لكتابه اللغة العربية ، فلا ريب ان يقع الاختيار على الأفصح ، والأفصح لغة قريش ، وهو الموروث اللغوي المقروء في القرآن ، ويؤيده وصية عثمان للرهط القرشيين لدى استنساخ المصحف : « إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت بشيء من القرآن ، فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم » (3) .
     وفي هذا الضوء يبدو أن عبد الله بن مسعود ( رض ) كان يقرىء الناس
(1) ابن ابي داود ، كتاب المصاحف : 32 .
(2) أبو شامة ، المرشد الوجيز : 150 .
(3) البخاري ، الجامع الصحيح : 6 | 224 .

(105)

بلغة قومه ، وهم هذيل ، وقد نهاه عمر ( رض ) عن ذلك بما ذكره أبو داود في سننه : « إن عمر كتب إلى ابن مسعود : أما بعد ، فإن الله تعالى أنزل القرآن بلغة قريش ، فإذا أتاك كتابي هذا فأقرىء الناس بلغة قريش ، ولا تقرئهم بلغة هذيل » (1) .
     ويبدو أن مسألة اللهجات متسالم على أثرها في نشوء القراءات ، ولكن سرعان ما توحدت هذه اللهجات بلغة القرآن ، وهذا من بركات القرآن في الوحدة .
     وتعدد القراءات أنى كان مصدره ، مهما كان مقياسه صحة أو شذوذا ، فقد حدده الشيخ محمد بن الهيصم ، وقال : « أما القراءات فإنها على ثلاثة أوجه :
     1 ـ أن يغلط القارىء فيقرأ على خلاف ما هو الخف ، وذلك ما لا يجوز أن يعتد به في قراءات القرآن ، وإنما يرجع لومه على الغالط به ...
     2 ـ أن يكون القرآن قد نزل على لغة ، ثم خرج بعض القراء فيه إلى لغة من لغات العرب مما لا يقع فيه خلاف في المعنى ، ترك النكير عليه تيسيرا وتوسعة ، فنقل ذلك ، وقرأ به بعض القراء ...
     3 ـ والوجه الثالث من القراءات هو ما اختلف باختلاف النزول بما كان يعرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القرآن على جبريل في كل شهر رمضان ... فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتلقفون منه حروف كل عرض ، فمنهم من يقرأ على حرف ، ومنهم من يقرأ على آخر ، إلى أن لطف الله عز وجل بهم ، فجمعهم على آخر العرض ، أو على ما تأخر من عرضين أو ثلاثة ، حتى لم يقع في ذلك اختلاف إلا في أحرف قليلة ، وألفاظ متقاربة » (2) .
     والوجه الثالث لا دلالة فيه إذ معارضة القرآن تعني تدقيقه وتوثيقه ، وقد سبق في هذا الفصل رأينا في الحروف التي ادعى نزول القرآن عليها .
(1) أبو شامة ، المرشد الوجيز : 101 .
(2) مقدمتان في علوم القرآن : 170 وما بعدها .

(106)
     ومما لا شك فيه أن الاختلاف في جملة القراءات كان في الأقل ، وأن الاتفاق كان في الأعم الأكثر ، والنظر في المصاحف الأولى تجد يؤيد الاختلاف في قلة معدودة من الكلمات ، نطقا وإمالة وحركات ، وقد جمعت في كتاب المباني محدودة : « اختلف مصحفا أهل المدينة والعراق في إثنى عشر حرفا ، ومصحفا أهل الشام وأهل العراق في نحو أربعين حرفا ، ومصحفا أهل الكوفة والبصرة في خمسة حروف » (1) .
     فإذا كان بعض الخلاف في القراءات مصدره اختلاف مصاحف الأمصار ، فالاختلافات ضيقة النطاق ، وتظل القضية قضية تأريخية فحسب ، إذ القرآن المعاصر الذي أجمع عليه العالم الإسلامي ـ وهو ذات القرآن الذي نزل به الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ مرقوم برواية حفص لقراءة عاصم بن أبي النجود الكوفي ، باستثناء المغرب العربي الذي اعتمد قراءة نافع المدني برواية ورش .
     وتبقى المسألة بعد هذا أثرية العطاء ، نعم قد تبدو الهوة سحيقة فيما يدعى من خلافات لا طائل معها ، ولكن النظرة العلمية الفاحصة تخفف من حدتها ، فما من شك أن عاملا متشابكا وراء تلك الخطوط المتناثرة هنا وهناك ، ذلك هو المناخ الإقليمي السائد آنذاك في الأفق العلمي ، فهو مما يجب الوقوف عنده ، ألا وهو النزاع القائم بين مدرستي الكوفة والبصرة ، وما نشأ عنه من تعصب إقليمي حينا ، واختلاف تقليدي حينا آخر ، ومزيج من هذا وذاك بعض الأحايين ، فدرج جيل يصوب رأي الكوفيين ، وآخر يؤيد نظر البصريين ، مما طبع أثره على جملة من شؤون التراث ، والقراءات جزء من ذلك التراث ، وأفرغ كثيرا من الإسراف في التجريح والتعديل ، فعاد صراعا عشوائيا يوثق به الضعفاء ، ويضعف به الثقات في كثير من المظاهر ، وقد لا يكون لكل ذلك أصل ، فطالما حمل البصريون أو من شايعهم على الكوفيين وبالعكس ، وطالما تعصب لمذهب من القراءة جيل من الناس ، وجانب قراءة جيل آخر ، دون العودة إلى قاعدة متأصلة .
     وهذا الملحظ الدقيق جدير بالتمحيص والترصد بغية الوصول إلى
(1) المصدر نفسه : 117 .
(107)
مقياس علمي أصيل تزان في ضوئه حقائق القراءات .
*      *      *
     وكما اختلف في مصادر القراءات ومنابعها ، فقد اختلف في القراء وعددهم ، وتضاربت الآراء في منزلتهم وشهرتهم ، فكان منهم السبعة ، والعشرة ، والأربعة عشر ، وكان اعتبارهم يتردد بين الأقاليم تارة ، وبين الشهرة تارة أخرى ، وبينهما في أغلب الأحيان ، وقد تحل المنزلة العلمية مكان الشهرة حينا ، وقد يكون العكس هو المطرد ، وقد تتحقق الشهرة عند باحث ، وتنتفي عند باحث غيره ، وهكذا ...
     وقد كان مشاهير القراء قبل ابن مجاهد ( ت : 324 هـ ) على النحو الآتي :
     1 ـ عبد الله اليحصبي ، المعروف بابن عامر ( شامي ) ( ت : 118 هـ ) .
     2 ـ عاصم بن أبي النجود ( كوفي ) ، ( ت : 127 هـ ) .
     3 ـ عبد الله بن كثير الداري ( مكي ) ، ( ت : 129 هـ ) .
     4 ـ أبو عمرو بن العلاء ( بصري ) ، ( ت : 154 هـ ) .
     5 ـ نافع عبد الرحمن بن أبي نعيم ( مدني ) ، ( ت : 169 هـ ) .
     6 ـ حمزة بن حبيب الزيات ( كوفي ) ، ( ت : 188 هـ ) .
     7 ـ يعقوب بن أبي إسحاق الحضرمي ( بصري ) ، ( ت : 205 هـ ) .
     وقد حذف ابن مجاهد يعقوب من السبعة وأثبت مكانه علي بن حمزة ( الكسائي الكوفي ) ( ت : 189 هـ ) واعتبره من القراء السبعة . وهكذا كان .
     أما من عد القراء عشرة ، فأضاف لهم زيادة على تسبيع ابن مجاهد وتعيينه لهم ، يزيد بن القعقاع ( ت : 130 هـ ) ويعقوب الحضرمي ( ت : 205 هـ ) وحلف بن هشام ( ت : 229 هـ ) .
     ويبدو أن الكسائي ( ت : 189 هـ ) لم يكن معدودا من القراء السبعة ، وإنما ألحقه ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة أو نحوها بدل يعقوب الحضرمي


(108)
وقد كان السابع (1) .
     وفي هذا الضوء نجد القراء عند ابن مجاهد ، هم : نافع ، ابن كثير ، عاصم ، حمزة بن حبيب ، الكسائي ، أو عمرو بن العلاء ، عبد الله بن عامر .
     وقد عقب ابن مجاهد على ذلك بقوله :
     « فهؤلاء سبعة نفر ، من أهل الحجاز ، والعراق ، والشام ، خلفوا في القراءة التابعين ، وأجمعت على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار التي سميت وغيرها من البلدان التي تقرب من هذه الأمصار » (2) .
     وواضح أن تقسيم ابن مجاهد تقسيم إقليمي نظر فيه إلى اعتبار الأمصار التي وجهت إليها المصاحف في عهد عثمان ( رض ) لا باعتبار تعصب إقليمي من قبله .
     وابن مجاهد أول من اقتصر على هؤلاء السبعة ، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين والعراقين والشام ، إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة ، من القرآن وتفسيره ، والحديث ، والفقه في الأعمال الباطنة الظاهرة وسائر العلوم الدينية (3) .
     وقد تبعه الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت : 548 هـ ) بتصنيف القراء في ضوء الأقاليم الإسلامية ، ولكنه اختلف معه بالتعيين ، فأسماء القراء المشهورين عنده باعتبار الأمصار كالآتي :
     1 ـ أبو جعفر يزيد بن القعقاع ، مدني وليس من السبعة .
     2 ـ عبد الله بن كثير ، مكي من السبعة .
     3 ـ عاصم بن أبي النجود ، كوفي من السبعة .
     4 ـ حمزة بن حبيب ، كوفي من السبعة .
(1) أبو شامة ، المرشد الوجيز : 153 .
(2) ابن مجاهد ، كتاب السبعة : 87 .
(3) ظ : القسطلاني ، لطائف الإشارات : 1 | 86 .

(109)
     5 ـ علي بن حمزة الكسائي ، كوفي من السبعة .
     6 ـ خلف بن هشام ، كوفي ، وليس من السبعة وله اختيار .
     7 ـ أبو عمرو بن العلاء ، بصري من السبعة .
     8 ـ يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، بصري وليس من السبعة .
     9 ـ ابو حاتم سهل بن محمد السجستاني بصري ، وليس من السبعة .
     10 ـ عبد الله بن عامر ، شامي من السبعة (1) .
     فالطبرسي عد من القراء السبعة ؛ عبد الله بن كثير ، وعاصم ، وحمزة بن حبيب ، والكسائي ، وأبو عمرو بن العلاء ، وعبد الله بن عامر ، بينما أسقط نافع بن عبد الرحمن ، قارىء أهل المدينة .
     وعد من غيرهم : يزيد بن القعقاع ، وخلف بن هشام ، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي ، وسهل بن محمد السجستاني .
     فعدة القراء المشهورين عنده عشرة . وقد عقب على تعيينه لهؤلاء بما يلي :
     « وإنما اجتمع الناس على قراءة هؤلاء واقتدوا بهم فيها لسببين :
     أحدهما : أنهم تجردوا لقراءة القرآن ، واشتدت بذلك عنايتهم مع كثرة علمهم . ومن كان قبلهم أو في أزمتهم ممن نسب إليه القراءة من العلماء ، وعدت قراءتهم في الشواذ ، لم يتجرد لذلك تجردهم ، وكان الغالب على أولئك الفقه والحديث أو غير ذلك من العلوم .
     والآخر : أن قراءتهم وجدت مسندة لفظا أو سماعا حرفا حرفا من أول القرآن إلى آخره مع ما عرف من فضائلهم ، وكثرة علمهم بوجوه القرآن » (2) .
     والحق أن القراء الذين ذكرت قراءاتهم فيما ألف من كتب القراءات
(1) ظ : الطبرسي ، مجمع البيان : 1 | 11 وما بعدها .
(2) المصدر نفسه : 1 | 12 .

(110)
يزيد على هذا العدد كثيرا ، وفيهم من هو أسبق منهم تأريخا . فقد تتبع الدكتور الفضلي من ألف في القراءات قبل اختيار ابن مجاهد للقراء السبعة ، فبلغت عدتهم عنده أربعة وأربعين مؤلفا ، ابتداء من يحيى بن يعمر ( ت : 90 هـ ) وانتهاء بأبي بكر محمد بن أحمد الداجوني ( ت : 324 هـ ) (1) .
     وكان نتيجة لهذا الإحصاء الدقيق أن ظهر أن هذه المؤلفات لم تختص بالقراءات السبع أو العشر أو الأربع عشرة ، وقراء تلك القراءات بل اتضح من خلال العرض والتحليل أن فيها من هو متقدم على بعض القراء المشهورين تأريخا ، حتى إذا جاء ابن مجاهد التميمي البغدادي ( ت : 324 هـ ) فاختار من الجميع أولئك .
     وقد علل مكي بن أبي طالب ( ت : 437 هـ ) وجه الاقتصار على هؤلاء دون غيرهم فقال :
     « إن الرواة من الأئمة من القراء كانوا في العصر الثاني والثالث كثيرا في العدد ، كثيرا في الاختلاف ، فأراد الناس في العصر الرابع أن يقتصروا من القراءات التي توافق المصحف على ما يسهل حفظه ، وتنضبط القراءة به ، فنظروا إلى إمام مشهور بالثقة والأمانة ، وحسن الدين ، وكمال العلم ، فقد طال عمره ، واشتهر أمره ، وأجمع أهل عصره على عدالته فيما نقل ، وثقته فيما روى ، وعلمه بما يقرأ ، فلم تخرج قراءته عن خط مصحفهم المنسوب إليهم ، فأفردوا من كل مصر وجه إليه عثمان مصحفا ، إماما هذه صفته ، وقراءته على مصحف ذلك المصر » (2) .
     وقد أيد ذلك من المتأخرين السيد محمد الجواد العاملي النجفي ( ت : 1226 هـ ) فتحدث عن وجهة نظره في تحديد القراءات بالسبع والقراء بالسبعة ، وقال :
     « وحيث تقاصرت الهمم عن ضبط الرواة لكثرتهم غاية الكثرة ،
(1) ظ : عبد الهادي الفضلي ، القراءات القرآنية : 27 ـ 32 .
(2) مكي ، الإبانة : 47 ـ 48 .