جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن غسل الجنابة فقال تبدأ فتغسل كفيك ثم تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثم تمضمض واستنشق ثم تغسل جسدك من لدن قرنك (1) الى قدميك ليس بعده ولا قبله وضوء وكل شيء أمسسته الماء فقد أنقيته ولو أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده .
وفي الكافي مقطوعا إن لم يكن أصاب كفه شيء غمسها في الماء ثم بدا بفرجه فأنقاه بثلاث غرف ثم صب على رأسه ثلاث أكف ثم صب على منكبه الأيمن مرتين وعلى منكبه الأيسر مرتين فما جرى عليه الماء أجزأه وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه قد مضى تفسير هذه الآية في سورة النساء فلا حاجة الى إعادته .
وفي الفقيه في حديث زرارة السابق آنفا متصلا بآخره ثم قال ولم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه فلما وضع الوضوء إن لم يجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحا لانه قال بوجوهكم ثم وصل بها وأيديكم ثم قال منه أي من ذلك التيمم لانه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها قوله عليه السلام من ذلك التيمم الظاهر أن المراد به المتيمم به بدليل قوله ان ذلك يعني الصعيد أجمع لم يجر على الوجه ويستفاد منه أن لفظة من في منه للتبعيض وأنه يشترط علوق التراب بالكف وأنه لا يجوز التيمم بالحجر الغير المغبر كما مضى تحقيقه ما يريد الله بفرض الطهارات ليجعل عليكم من حرج من ضيق ولكن يريد ليطهركم من الأحداث والذنوب فإن الطهارة كفارة للذنوب كما هي رافعة للاحداث وليتم نعمته عليكم بهذا التطهير لعلكم تشكرون نعمته .
(7) واذكروا نعمة الله عليكم بالاسلام ليذكركم المنعم ويرغبكم في شكره
____________
(1) القرن جانب الرأس .
( 20 )

وميثاقه الذي واثقكم به قيل يعني عند اسلامكم بأن تطيعوا الله فيما يفرضه عليكم سركم أو ساءكم .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام أن المراد بالميثاق ما بين لهم في حجة الوداع من تحريم المحرمات وكيفية الطهارة وفرض الولاية وغير ذلك .
أقول : وهذا داخل في ذاك إذ قلتم سمعنا وأطعنا .
القمي قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الميثاق عليهم بالولاية قالوا سمعنا وأطعنا ثم نقضوا ميثاقه واتقوا الله في إنساء نعمته ونقض ميثاقه إن الله عليم بذات الصدور بخفياتها فضلا عن جليات أعمالكم .
(8) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط مر تفسيره ولا يجرمنكم ولا يحملنكم شنان قوم شدة عداوتهم وبغضهم على أن لا تعدلوا فتعدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل كمثلة وقذف وقتل النساء وصبية ونقض عهد تشفيا مما في قلوبكم اعدلوا في أوليائكم وأعداءكم هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون فيجازيكم قيل تكرير هذا الحكم إما لاختلاف السبب كما قيل أن الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود أو لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاء نائرة الغيظ .
(9) وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم .
(10) والذين كفروا وكذبوا بايتنا أولئك أصحاب الجحيم قابل الوعد بالوعيد وفاء بحق الدعوة .
(11) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا يبطشوا إليكم أيديهم بالقتل والإهلاك فكف أيديهم عنكم منعها أن تمد إليكم ورد مضرتها عنكم (1)
القمي يعني أهل مكة من قبل فتحها فكف أيديهم بالصلح يوم الحديبية واتقوا الله
____________
(1) البطش الأخذ بسرعة والأخذ بعنف وسطوة
( 21 )

وعلى الله فليتوكل المؤمنون فإنه الكافي لايصال الخير ودفع الشر .
(12) ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا كفيلا أمينا شاهدا من كل سبط ينقب (1) عن أحوال قومه ويفتش عنها ويعرف مناقبهم وقال الله إني معكم بالنصرة لئن أقمتم الصّلوة وآتيتم الزّكوة وآمنتم برسلي وصدقتموهم وعزرتموهم ونصرتموهم وقويتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا بالانفاق في سبيله لاكفرن عنكم سيئاتكم ولادخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر منكم فقد ضل سواء السبيل قيل أمر الله بني إسرائيل بعد هلاك فرعون بمصر بأن يسيروا إلى أريحا من أرض الشام وكان يسكنها الجبابرة وقال إني كتبتها لكم قرارا وأمر موسى عليه السلام بأن يأخذ من كل سبط نقيبا يكون كفيلا على قومه بالوفاء بما أمروا به من الخروج إلى الجبابرة والجهاد وقائدا ورئيسا لهم فاختار النقباء وأخذ الميثاق على بني إسرائيل وتكفل لهم به وسار بهم فلما دنا من أرضهم بعث النقباء يتجسسون فرأوا اجراما عظاما وقوة فرجعوا وأخبروا موسى بذلك فأمرهم أن يكتموا ذلك فحدثوا بذلك قومهم الا كالب بن يوفنا من سبط يهودا ويوشع بن نون من سبط افرائيم بن يوسف وكانا من النقباء .
(13) فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم . طردناهم من رحمتنا وجعلنا قلوبهم قاسية لا تنفعل عن الآيات والنذر وقريء قسية على المبالغة يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا تركوا نصيبا وافرا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم خيانة أو فرقة خائنة إلا قليلا منهم لم يخونوا فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين حث على الصفح القمي منسوخة بقوله اقتلوا المشركين .
(14) ومن الذين قالوا إنا نصارى ادعوا نصرة الله بالاتسام بهذا الإسم أخذنا ميثاقهم كما أخذنا ممن قبلهم من بني إسرائيل فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا فالزمنا
____________
(1) يقال نقبوا في البلاد صاروا في نقوبها أي في طرقها طلبا للهرب ونقيب القوم كالكفيل والضمين ينقب عن الأسرار ومكنون الأضمار وانما قيل نقيب لانه يعلم دخيلة أمر القوم ويعرف الطريق الى معرفة امورهم .
( 22 )

بينهم العداوة بالافعال والبغضاء بالقلوب إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون بالجزاء والعقاب .
(15) يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب كنعت ( محمد صلى الله عليه وآله ) وآية الرجم في التورية وبشارة عيسى بأحمد صلى الله عليه وآله في الانجيل ويعفوا عن كثير مما تخفونه لا يخبر به . القمي قال يبين النبي كثيرا مما أخفيتموه مما في التوراة من أخباره ويدع كثيرا لا يبينه .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام عند تفسير يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من هذه السورة ان امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم وهما محصنان فكرهوا رجمهما فأرسلوا إلى يهود المدينة وكتبوا إليهم أن يسألوا النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك طمعا في أن يأتي لهم برخصة فانطلق قوم منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وشعبة بن عمرو ومالك بن الضيف وكنانة بن أبي الحقيق وغيرهم فقالوا يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا ما حدهما فقال صلى الله عليه وآله وهل ترضون بقضائي في ذلك قالوا نعم فنزل جبرئيل بالرجم فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال جبرئيل عليه السلام اجعل بينك وبينهم ابن صوريا ووصفه له فقال النبي صلى الله عليه وآله هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له ابن صوريا قالوا نعم قال فأي رجل هو فيكم قالوا هو أعلم يهودي بقي على ظهر الأرض بما أنزل الله على موسى قال فأرسلوا إليه ففعلوا فأتاهم عبد الله بن صوريا فقال له النبي صلى الله عليه وآله إني أنشدك الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى وفلق لكم البحر فأنجاكم وأغرق آل فرعون وظلل عليكم الغمام وأنزل عليكم المن والسلوى هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن قال ابن صوريا نعم والذي ذكرتني به لو لا خشية أن يحرقني رب التورية أن كذبت أو غيرت ما اعترفت لك ولكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمد قال صلى الله عليه وآله إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم فقال ابن صوريا هكذا أنزل الله في التوراة على موسى عليه السلام فقال له النبي صلى


( 23 )

الله عليه وآله فماذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله قال كنا إذا زنى الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر فأراد الملك رجمه فقال له قومه لا حتى ترجم فلانا يعنون ابن عمه فقلنا تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الشريف والوضيع فوضعنا الجلد والتحميم (1)وهو أن يجلد أربعين جلدة ثم يسود وجوههما ثم يحملان على حمارين ويجعل وجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما فجعلوا هذا مكان الرجم فقالت اليهود لابن صوريا ما أسرع ما أخبرته وما كنت لما أثنينا عليك بأهل ولكنك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك فقال إنه أنشدني بالتوراة ولولا ذلك لما أخبرته فأمر بهما النبي صلى الله عليه وآله فرجما عند باب مسجده وقال أنا أول من أحيى أمرك إذ أماتوه فأنزل الله سبحانه فيه يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير فقام ابن صوريا فوضع يده على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال هذا مقام العائذ بالله وبك أن تذكر لنا الكثير الذي أمرت أن تعفو عنه فأعرض النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين قيل النور محمد صلى الله عليه وآله والكتاب القرآن وقيل كلاهما القرآن وأيد بتوحيد الضمير في به . والقمي قال يعني بالنور أمير المؤمنين والأئمة ( عليهم السلام ) .
(16) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام طرق السلامة من العذاب ويخرجهم من الظلمات أنواع الكفر إلى النور بالإسلام بإذنه بارادته وتوفيقه ويهديهم إلى صراط مستقيم طريق هو أقرب الطرق الى الله والى جنته .
(17) لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا فمن يمنع من قدرته وارادته شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير .
____________
(1) حمم رأسه إذا اسود بعد الحلق وحممت سخمت وجهه بالفحم .
( 24 )

(18) وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه أشياع إبنيه عزير والمسيح قل فلم يعذبكم بذنوبكم في الدنيا بالقتل والأسر والمسخ وفي الآخرة بالنار أياما معدودة بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وهم كفر والمعنى أنه يعاملكم معاملة سائر الناس لا مزية لكم عليهم ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما كلها سواء في كونه خلقا وملكا وإليه المصير فيجازيكم كلا بما كسب .
(19) يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم ما يحتاج إلى البيان على فترة من الرسل على فتور من الارسال وانقطاع من الوحي قال الصدوق طاب ثراه في اكماله معنى الفترة ان لا يكون نبي ولا وصي ظاهر مشهور وقد كان بين نبينا صلى الله عليه وآله وبين عيسى عليه السلام أنبياء وأئمة مستورون خائفون منهم خالد بن سنان العبسي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر وكان بين مبعثه ومبعث نبينا صلى الله عليه وآله خمسون سنة .
أقول : تصديق ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة اما ظاهر مشهور وإما خائف مغمور أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير كراهة أن تقولوا ذلك وتعتذروا به فقد جاءكم بشير ونذير فلا تعتذروا والله على كل شيء قدير قد مضى في سورة النساء عند قوله فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد إن الأمم يوم القيامة تجحد تأدية رسالات رسلهم وتقول ما جاءنا من بشير ولا نذير والرسل يستشهدون نبينا فيقول نبينا صلى الله عليه وآله لكل أمة بلى قد جائكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير أي مقتدر على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرسل عليكم رسالاتهم .
(20) وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين من فلق البحر وتظليل الغمام وانزال المن والسلوى وغير ذلك .
(21) يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة .


( 25 )

العياشي عن الباقر عليه السلام يعني الشام التي كتب الله لكم أن تكون مسكنا لكم العياشي عن الصادق عليه السلام أن بني إسرائيل قال الله لهم ادخلوا الأرض المقدسة فلم يدخلوها حتى حرمها عليهم وعلى أنبيائهم وإنما أدخلها أبناء أبنائهم وعنهما عليهما السلام كتبها لهم ثم محاها ولا ترتدوا على أدباركم ولا ترجعوا مدبرين فتنقلبوا خاسرين ثواب الدارين .
(22) قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين شديدي البطش والبأس والخلق لا تتأتى لنا مقاومتهم .
إنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون إذ لا طاقة لنا بهم .
(23) قال رجلان هما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وهما ابنا عمه كذا عن الباقر عليه السلام رواه العياشي من الذين يخافون أي يخافون الله ويتقونه أنعم الله عليهما بالايمان والتثبيت ادخلوا عليهم الباب باب قريتهم أي باغتوهم وضاغطوهم في المضيق وامنعوهم من الأصحار فإذا دخلتموه فإنكم غالبون لتعسر الكر عليهم في المضايق من عظم أجسامهم ولانهم أجسام لا قلوب فيها وعلى الله فتوكلوا في نصرته على الجبارين إن كنتم مؤمنين به ومصدقين لوعده .
(24) قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هيهنا قاعدون قالوها استهانة بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما .
(25) قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين .
(26) قال فإنها محرمة عليهم لا يدخلونها ولا يملكونها بسبب عصيانهم أربعين سنة يتيهون في الأرض يسيرون فيها متحيرين لا يرون طريقا فلا تأس على القوم الفاسقين لانهم أحقاء بذلك لفسقهم .
____________
(1) أصحر الرجل أي خرج الى الصحراء . مجمع
( 26 )

العياشي عن الباقر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لا تخطئون طريقهم ولا تخطأكم سنة بني إسرائيل ثم قال أبو جعفر عليه السلام قال موسى لقومه يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم فردوا عليه وكانوا ست مائة ألف فقالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين الآيات قال فعصى إلا أربعون ألفا وسلم هارون وابناه ويشوع بن نون وكالب بن يوفنا فسماهم الله فاسقين فقال لا تأس على القوم الفاسقين فتاهوا أربعين سنة لانهم عصوا فكانوا حذوا النعل بالنعل أن رسول الله لما قبض لم يكن على أمر الله إلا علي والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام وسلمان والمقداد وأبو ذر فمكثوا أربعين حتى قام علي فقاتل من خالفه .
وعنه عليه السلام قال نعم الأرض الشام وبئس القوم أهلها وبئس البلاد مصر أما أنها سجن من سخط الله عليه ولم يكن دخول بني إسرائيل إلا معصية منهم لله لان الله قال ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم يعني الشام فأبوا أن يدخلوها فتاهوا في الأرض أربعين سنة في مصر وفيا فيها ثم دخلوها بعد أربعين سنة قال وما خروجهم من مصر ودخولهم الشام إلا بعد توبتهم ورضاء الله عنهم وعن الصادق عليه السلام وذكر موسى وقولهم اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هيهنا قاعدون قال فحرمها الله عليهم أربعين سنة وتيّههم فكانوا إذا كان العشاء وأخذوا في الرحيل نادوا الرحيل الرحيل الوحا (1) الوحا فلم يزالوا كذلك حتى تغيب الشمس حتى إذا ارتحلوا واستوت بهم الأرض قال الله تعالى للارض ديري بهم فلم يزالوا كذلك حتى إذا أسحروا وقارب الصبح قالوا إن هذا الماء قد أتيتموه فانزلوا فإذا أصبحوا إذا تيههم (2) ومنازلهم التي كانوا فيها بالامس فيقول بعضهم لبعض يا قوم لقد ضللتم وأخطأتم الطريق فلم يزالوا كذلك حتى اذن الله لهم فدخلوها وقد كان كتبها لهم .
وفي الكافي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن موسى كليم الله مات في التيه
____________
(1) الوحا الوحا بالمد والقصر أي السرعة وهو منصوب بفعل مضمر .
(2) أرض تيه وتيه بالكسر وتيهاء ومتيهة كسفينة وتضم الميم وكمرحلة ومقعد مضلة وتيّهه ضيعه .

( 27 )

فصاح صائح من السماء مات موسى وأي نفس لا تموت .
والقمي عن الباقر عليه السلام مات هارون قبل موسى وماتا جميعا في التيه والقمي لما أراد موسى عليه السلام أن يفارقهم فزعوا وقالوا إن خرج موسى من بيننا نزل علينا العذاب ففزعوا إليه وسألوه أن يقيم معهم ويسأل الله أن يتوب عليهم .
(27) واتل عليهم نبأ ابني آدم قابيل وهابيل بالحق بالصدق إذ قربا قربانا القربان ما يتقرب به إلى الله من ذبيحة أو غيرها فتقبل من أحدهما لانه رضي بحكم الله وأخلص النية لله وعمد إلى أحسن ما عنده وهو هابيل ولم تقبل من الآخر لانه سخط حكم الله ولم يخلص النية في قربانه وقصد إلى أخس ما عنده وهو قابيل قال لاقتلنك (1) توعده بالقتل لفرط حسده له على تقبل قربانه قال إنما يتقبل الله من المتقين يعني إنما أتيت من قبل نفسك بترك التقوى لا من قبلي قيل فيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغي أن يرى حرمانه من تقصيره ويجتهد في تحصيل ما به صار المحسود محظوظا الا في إزالة حظه فان ذلك مما يضره ولا ينفعه وان الطاعة لا تقبل إلا من مؤمن متق .
(28) لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي وقرء يدي باسكان الياء إليك لاقتلك إني أخاف الله رب العالمين .
(29) اني أريد أن تبوء أن ترجع بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين لعل غرضه بالذات أن لا يكون ذلك له لا أن يكون لاخيه في ثواب الأعمال عن الباقر عليه السلام من قتل مؤمنا أثبت الله على قاتله جميع الذنوب وبرأ المقتول منها وذلك قول الله عز وجل إني أريد أن تبوء باثمي و إثمك فتكون من أصحاب النار .
(30) فطوعت له نفسه (2) اتسعت له قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين دينا
____________
(1) في الكلام حذف وتقدير أي قال الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه لاقتلنك فقال له لم تقتلني قال انه تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني قال له وما ذنبي انما يتقبل الله من المتقين .
(2) أي شجعته وزينته وقيل رخصته وسهلته من أطاع له المرتع إذا إتسع

( 28 )

ودنيا إذ بقي مدة عمره مطرودا محزونا نادما .
في المجمع عن الباقر عليه السلام أن حواء إمرأة آدم كانت تلد في كل بطن غلاما وجارية فولدت في أول بطن قابيل وقيل قابين وتوأمته أقليما بنت آدم والبطن الثاني هابيل وتوأمته ليوذا فلما أدركوا جميعا أمر الله تعالى أن ينكح آدم عليه السلام قابيل أخت هابيل وهابيل أخت قابيل فرضي هابيل وأبى قابيل لان أخته كانت أحسنهما وقال ما أمر الله بهذا ولكن هذا من رأيك فأمرهما أن يقربا قربانا فرضيا بذلك فعمد هابيل وكان صاحب ماشية فأخذ من خير غنمه وزبدا ولبنا وكان قابيل صاحب زرع فأخذ من شر زرعه ثم صعدا فوضعا القربانين على الجبل فأتت النار فأكلت قربان هابيل وتجنبت قربان قابيل وكان آدم غايبا بمكة خرج إليها ليزور البيت بأمر ربه فقال قابيل لا عشت يا هابيل في الدنيا وقد تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني وتريد أن تأخذ اختي الحسناء وآخذ أختك القبيحة فقال له هابيل ما حكاه الله تعالى فشدخه بحجر فقتله والعياشي عن الصادق عليه السلام في حديث سبق صدره في أول سورة النساء قيل له إنهم يزعمون أن قابيل إنما قتل هابيل لانهما تغايرا على أختهما فقال تقول هذا ما تستحي أن تروي هذا على نبي الله آدم فقيل فبم قتل قابيل هابيل فقال في الوصية ثم قال إن الله تبارك وتعالى أوحى إلى آدم أن يدفع الوصية واسم الله الأعظم إلى هابيل وكان قابيل أكبر فبلغ ذلك قابيل فغضب فقال أنا أولى بالكرامة والوصية فأمرهما أن يقربا قربانا بوحي من الله إليه ففعلا فتقبل الله قربان هابيل فحسده قابيل فقتله .
وفي الأكمال عن الباقر عليه السلام قال بعد ذكر قربانيهما وكان القربان إذا قبل تأكله النار فعمد قابيل فبنى لها بيتا وهو أول من بنى للنار البيوت وقال لاعبدن هذه النار حتى يتقبل قرباني ثم إن عدوالله إبليس قال لقابيل إنه قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبل قربانك فان تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك فقتله قابيل فلما رجع إلى آدم قال له يا قابيل أين هابيل فقال ما أدري وما بعثتني راعيا له فانطلق آدم فوجد هابيل مقتولا فقال لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة وفي الكافي عنه عليه السلام ما في معناه .


( 29 )

(31) فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سواة أخيه (1) قال يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سواة أخي فأصبح من النادمين(2)على قتله .
القمي عن السجاد بعد ذكر قربانيهما قال فلم يدر كيف يقتله حتى جاء إبليس فعلمه فقال ضع رأسه بين حجرين ثم أشدخه فلما قتله لم يدر ما يصنع به فجاء غرابان فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر الأرض الذي بقي بمخالبه ودفن فيها صاحبه قال قابيل يا ويلتي الآية فحفر له حفيرة فدفنه فيها فصارت سنة يدفنون الموتى فرجع قابيل إلى أبيه فلم ير معه هابيل فقال له آدم أين تركت ابني قال له قابيل أرسلتني عليه راعيا فقال آدم انطلق معي إلى مكان القربان وأوجس (3) قلب آدم بالذي فعل قابيل فلما بلغ مكان القربان استبان قتله فلعن آدم الأرض التي قبلت دم هابيل وأمر آدم أن يلعن قابيل ونودي قابيل من السماء لعنت كما قتلت أخاك ولذلك لا يشرب الأرض الدم فانصرف آدم فبكى على هابيل أربعين يوما وليلة فلما جزع عليه شكى ذلك إلى الله فأوحى إليه أني واهب لك ذكرا يكون خلفا من هابيل فولدت حواء غلاما مباركا فلما كان اليوم السابع أوحى الله إليه يا آدم إن هذا الغلام هبة مني لك فسمه هبة الله فسماه هبة الله .
وفي المجمع روت العامة عن الصادق عليه السلام قتل قابيل هابيل وتركه بالعراء (4) لا يدري ما يصنع به فقصده السباع فحمله في جراب (5)على ظهره حتى أروح (6)وعكفت (7)عليه الطير والسباع تنتظر متى يرمي به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا
____________
(1) سوأة أخيه أي عورته وما لا يجوز أن ينكشف من جسده وقيل أي جيفته والسوء الخالة القبيحة ويا ويلتي كلمة عذاب يقال ويل له وويله ومعناه الدعاء بالاهلاك .
(2) قوله فأصبح من النادمين على قتله ولكن لم يندم على الوجه الذي يكون توبة كمن يندم على الشرب لانه يصدعه فلذالك ندمه عن الجبائي وقيل من النادمين على حمله لا على قتله وقيل من النادمين على موت أخيه لا على انكار الذنب .
(3) الوجس كالوعد الفزع يقع في القلب أو السمع من صوت أو غيره كالوجسان والصوت الخفي وقوله تعالى فأوجس في نفسه أي أحس وأضمر .
(4) العراء بالمد فضاء لا يتوارى فيه شجر أو غيره ويقال العراء وجه الأرض .
(5) الجراب بالكسر وعاب من أهاب شاة يوعى فيه الحب والدقيق ونحوهما .
(6) أروح أي انتن ريحه .
(7) عكفت عليه الطير أي اجتمعت .

( 30 )

فقتل أحدها صاحبه ثم حفر له بمنقاره وبرجليه ثم ألقاه في الحفيرة وواراه وقابيل ينظر إليه فدفن أخاه .
العياشي عن الباقر عليه السلام أن قابيل بن آدم معلق بقرونه في عين الشمس تدور به حيث دارت في زمهريرها وحميمها إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة صيره إلى النار .
وعنه عليه السلام وذكر ابن آدم القاتل فقيل له ما حاله أمن أهل النار هو فقال سبحان الله الله أعدل من ذلك أن يجمع عليه عقوبة الدنيا وعقوبة الأخرة .
وفي الإحتجاج قال طاووس اليماني لابي جعفر عليه السلام هل تعلم أي يوم مات ثلث الناس فقال يا عبد الله لم يمت ثلث الناس قط إنما أردت ربع الناس قال وكيف ذلك قال كان آدم وحواء وقابيل وهابيل فذلك ربع قال صدقت قال أبو جعفر هل تدري ما صنع بقابيل قال لا قال علق بالشمس ينضح (1) بالماء الحار إلى أن تقوم الساعة .
(32) من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل القمي لفظ الآية خاص في بني إسرائيل ومعناها جار في الناس كلهم إنه من قتل نفسا بغير نفس بغير قتل نفس يوجب الإقتصاص أو فساد في الأرض أو بغير فساد فيها كالشرك وقطع الطريق فكأنما قتل الناس جميعا لهتكه حرمة الدماء وتسنينه سنة القتل وتجرأة الناس عليه.
في الفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام واد في جهنم لو قتل الناس جميعا كان إنما يدخل ذلك المكان قيل فان قتل آخر قال يضاعف عليه .
وفي رواية أخرى له في النار مقعد لو قتل الناس جميعا لم يزدد على ذلك المقعد .
والعياشي ما يقرب من الروايتين ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ومن تسبب لبقاء حياتها بعفو أو منع من القتل أو استنقاذ من بعض أسباب الهلاك فكأنما فعل ذلك بالناس جميعا ، القمي قال من أنقذها من حرق أو غرق أو هدم أو سبع أو كفله حتى
____________
(1) النضح الرش ونضحت الثوب نضحا من باب ضرب ونفع رششته بالماء .
( 31 )

يستغني أو أخرجه من فقر إلى غنى وأفضل من ذلك من أخرجها من ضلال إلى هدى .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها قال من حرق أو غرق قيل فمن أخرجها من ضلال إلى هدى قال ذلك تأويلها الأعظم .
وفيه والعياشي مثله عن الصادق عليه السلام .
وعنه عليه السلام من أخرجها من ضلال إلى هدى فكأنما أحياها ومن أخرجها من هدى إلى ضلال فقد قتلها وعنه عليه السلام تأويلها الأعظم أن دعاها فاستجابت له .
وفي الفقيه عنه عليه السلام من سقى الماء في موضع يوجد فيه الماء كان كمن أعتق رقبة ومن سقى الماء في موضع لا يوجد فيه كان كمن أحيا نفسا ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآئتهم رسلنا بالبينات الواضحة بعد ما كتبنا عليهم هذا التشديد العظيم تأكيدا للامر وتجديدا للعهد كي يتحاموا (1) من أمثال هذه الجنايات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون مجاوزون عن الحق ، في المجمع عن الباقر عليه السلام المسرفون هم الذين يستحلون المحارم ويسفكون الدماء .
(33) إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تُقَطَّعَ أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوم من بني ضبة مرضى فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله و سلم ) أقيموا عندي فإذا برأتم بعثتكم في سرية فقالوا أخرجنا من المدينة فبعث بهم إلى إبل الصدقة يشربون من أبوالها ويأكلون من ألبانها فلما برأوا واشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كانوا في الإبل وساقوا الإبل فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخبر فبعث إليهم عليا وهم في واد قد تحيروا ليس يقدرون أن يخرجوا منه قريب من أرض اليمن فأسرهم وجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت عليه هذه الآية فاختار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القطع فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وعنه عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية
____________
(1) حاميت عنه محاماة وحماء منعت عنه .