(69) وما على الذين يتقون : وما يلزم المتقين الذين يجالسونهم . من حسابهم من شيء مما يحاسبون عليه من قبائح أعمالهم وأقواهم ولكن ذكرى ولكن عليهم ذكرى أو عليهم أن يذكروهم ذكرى ويمنعوهم عن الخوض وغيره من القبائح ويظهروا كراهتها لعلهم يتقون : يجتنبون ذلك حبا أو كراهة لمسائتهم .
في المجمع عن الباقر عليه السلام لما نزل ( فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) قال المسلمون كيف نصنع ان كان كلما استهزأ المشركون قمنا وتركناهم فلا ندخل إذا المسجد الحرام ولا نطوف بالبيت الحرام فأنزل الله : ( وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ) أمر بتذكيرهم وتبصيرهم ما استطاعوا .
(70) وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا : حيث سخروا به واستهزؤا منه وبنوا أمر دينهم على التشهي أو جعلوا عيدهم الذي جعل ميقات عبادتهم زمان لعب ولهو .
والمعنى أعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم وغرتهم الحياة الدنيا فألهتهم عن العقبى وذكر به أي بالقرآن . أن تبسل نفس بما كسبت : مخافة أن تسلم إلى الهلاك وترتهن بسوء عملها ، وأصل البسل : المنع . ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع : يدفع عنها العذاب . وإن تعدل كل عدل : وإن تفد كل فداء ، والعدل : الفدية لأنها تعادل المفدي ، أريد به هيهنا الفداء . لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا : أي سلموا إلى العذاب بسبب أعمالهم القبيحة ، وعقائدهم الزايفة لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون : تأكيد ، وتفصيل لذلك ، والمعنى هم بين ماء مغلي يتجرجر في بطونهم ، ونار تشتعل بأبدانهم بسبب كفرهم .
(71) قل أندعوا : نعبد . من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا : لا يقدر على نفعنا وضرنا . ونرد على أعقابنا : ونرجع عن دين الأسلام إلى الشرك . بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين : كالذي ذهبت به مردة الجن في المهامة (1) من هوى إذا ذهب ،
____________
(1) المهامة اما من الهومة بمعنى الفلاة ولذا يلقب الاسد بالهوام لاتخاذه المسكن في الهومة فيكون الهومة والمهامة بمعنى أو يأتي من الهيماء بمعنى المفازة بلا ماء .
( 130 )

وقريء استهواه بألف ممالة في الارض حيران : متحيرا ضالا عن الطريق . له أصحاب لهذا المستهوى رفقة يدعونه إلى الهدى : إلى الطريق المستوي أو إلى أن يهدوه الطريق المستقيم . ائتنا : يقولون له : ائتنا وقد اعتسف التيه تابعا للجن لا يجيبهم ولا يأتيهم وهذا مبني على ما تزعمه العرب أن الجن يستهوي الأنسان كذلك . قل إن هدى الله : الذي هو الأسلام . هو الهدى : وحده وما سواه ضلال . وأُمرنا لنُسلِمَ لرب العالمين : من جملة المقول .
(72) وأن أقيموا الصلاة واتقوه : أي أمرنا لأن نسلم ولأن أقيموا يعني للاسلام ، ولأقامة الصلاة . وهو الذي إليه تحشرون : فيجازي كل عامل منكم بعمله .
(73) وهو الذي خلق السموت والارض بالحق : قائما بالحق والحكمة . ويوم يقول كن فيكون .
(74) قوله الحق قيل أي قوله الحق يوم يقول كقولك القتال يوم الجمعة واليوم بمعنى الحين والمعنى أنه الخالق للسموات والأرض ، وقوله الحق نافذ في الكائنات أو يوم معطوف على السموات وقوله الحق مبتدأ وخبر أو فاعل يكون على معنى وحين يقول لقوله الحق أي لقضائه كن فيكون والمراد حين يكون الأشياء ويحدثها وله الملك يوم ينفخ في الصور كقوله لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والصور قرن من نور التقمه إسرافيل فينفخ فيه كذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وروي أن فيه بعدد كل إنسان ثقبة فيها روحه ووصف بالسعة والضيق واختلف في أن أعلاه ضيق وأسفله واسع أو بالعكس ولكل وجه ويأتي في بيانه وصفة النفخ فيه حديث في سورة الزمر . إنشاء الله عالم الغيب والشهادة : أي هو عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير وهذا كالفذلكة (1) للآية .
(75) وإذ قال إبرهيم لابيه آزر .
في المجمع قال عن الزجاج ليس بين النسابين اختلاف في أن اسم أبي
____________
(1) فذلك حسابه انهاه وفرغ منه مخترعه من قوله إذا اجمل حسابه فذلك كذا وكذا .
( 131 )

إبراهيم تارح (1) قال وهذا يقوي ما قاله أصحابنا إن آزر كان جد إبراهيم عليه السلام لأمه أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلى الله عليه وآله إلى آدم عليه السلام كان كلهم موحدين وأجمعت الطائفة على ذلك ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لم يزل ينقلني الله تعالى من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات حتى أخرجني في عالمكم هذا لم يدنسني بدنس الجاهلية ولو كان في آبائه كافر لم يصف جميعهم بالطهارة مع قوله إنما المشركون نجس .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أن آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان منجما لنمرود وساق الحديث إلى أن قال ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم الحديث .
والعياشي عنه عليه السلام أنه سئل عن قوله تعالى وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر قال كان اسم أبيه آزر والعلم عند الله أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال عن الحق مبين ظاهر الضلالة .
(76) وكذلك نُريَ إبرهيم مثل هذا التبصير نبصره وهو حكاية حال ماضيه ملكوت السموات والارض ربوبيتها وملكها والملكوت أعضم الملك والتاء فيه للمبالغة وليكون من الموقنين أي ليراه وليكون أو وفعلنا ذلك ليكون .
في المجمع عن الباقر عليه السلام كشط (2) الله عن الأرضين حتى رآهن وما تحتهن وعن السموات حتى رآهن وما فيهن من الملائكة وحملة العرش .
والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام كشط له عن الأرض ومن عليها وعن السماء ومن فيها والملك الذي يحملها والعرش ومن عليه .
وزاد القمي وفعل ذلك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المومنين عليه السلام وفي رواية والأئمة عليهم السلام .
____________
(1) تارح بالتاء المثناة من فوق والمهملتين منه .
(2) الكشط رفعك شيئا عن شيء قد غشاه .

( 132 )

وفي رواية العياشي عن الباقر عليه السلام وفعل بمحمد صلى الله عليه واله وسلم كما فعل بابراهيم عليه السلام واني لأرى صاحبكم قد فعل به مثل ذلك .
وعنه عليه السلام قال أعطى بصره من القوة ما نفذ السموات فرأى ما فيها ورأى العرش وما فوقه ورأى ما في الأرض وما تحتها وفي المناقب عنه عليه السلام أنه سأله جابر بن يزيد عن هذه الآية فرفع بيده وقال ارفع رأسك قال فرفعته فوجدت السقف متفرقا ورمق (1) ناظري في ثلم (2) حتى رأيت نورا حار عنه بصري فقال هكذا رأى إبراهيم عليه السلام ملكوت السموات والأرض وانظر الى الأرض ثم ارفع رأسك فلما رفعته رأيت السقف كما كان ثم أخذ بيدي وأخرجني من الدار والبسني ثوبا وقال غمض عينيك ساعة ، ثم قال أنت في الظلمات التي رأى ذو القرنين ، ففتحت عيني فلم أر شيئا ثم اخطا خطا فقال : أنت على رأس عين الحياة للخضر عليه السلام ، ثم خرجنا من ذلك العالم حتى تجاوزنا خمسة أقاليم ، فقال : هذا ملكوت الأرض ، ثم قال : غمض عينيك وأخذ بيدي فإذا نحن بالدار التي كنا فيها ، وخلع عني ما كان ألبست قلت جعلت فداك كم ذهب من اليوم ؟ فقال : ثلاث ساعات .
وفي الكافي ، والمجمع ، والقمي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام لما رآى إبراهيم عليه السلام ملكوت السموات والأرض رأى رجلا يزني فدعا عليه فمات ، ثم رآى آخر فدعا عليه فمات ، ثم رآى ثلاثة فدعا عليهم فماتوا فأوحى الله إليه يا إبراهيم إن دعوتك مستجابة فلا تدع على عبادي فإني لو شيءت أن أميتهم لدعائك ما خلقتهم ، فإني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف : صنف يعبدني ولا يشرك بي شيئا فأثيبه ، وصنف يعبد غيري فليس يفوتني ، وصنف يعبد غيري فأخرج من صلبه من يعبدني .
(76) فلما جن عليه الليل : أظلم عليه وستره بظلامه . رأى كوكبا قال هذا ربي
____________
(1) رمقه بعينه رمقا من باب قتل اطال النظر إليه مـ .
(2) ثلم الاناء والسيف ونحوه كضرب وفرح وثلمه فانثلم وتثلم كسر حرفه فانكسر والثلمة بالضم فرجة المكسور والمهدوم .

( 133 )

على سبيل الأنكار والأستخبار لأن قومه كانوا يعبدون الكواكب أو على وجه النظر والأستدلال لأنه كان طالبا في حداثة سنه . فلما أفل : غاب . قال إني لا أحب الآفلين فضلا عن عبادتهم فإن الأنتقال والأحتجاب والأستتار دليل الحدوث والفقر .
(77) فلما رأى القمر بازغا : مبتدءا في الطلوع . قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لاكونن من القوم الضالين : استعجز نفسه واستعان بربه في درك الحق فإنه لا يهتدي إليه إلا بتوفيقه إرشادا لقومه وتنبيها لهم على أن القمر أيضا لتغير حاله لا يصلح للالوهية وإن من اتخذه إلها فهو ضال .
العياشي : عنهما عليهما السلام لأكونن من القوم الضالين ناسيا للميثاق .
(78) فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي : قيل : ذكر اسم الأشارة لتذكير الخبر وصيانة للرب عن شبهة التأنيث . هذا أكبر : كبره إظهارا لشبهة الخصم أو إستدلالا فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون : من الأجرام المحدثة المفتقرة إلى محدث يحدثها ويخص أحوالهما بما خصت به ثم لما تبرأ عنها توجه إلى موجدها ، ومبدعها الذي دلت هي عليه فقال .
(79) إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا وما أنا من المشركين : في العيون : عن الرضا عليه السلام أنه سأل المأمون فقال : له يا ابن رسول الله أليس من قولك أن الأنبياء معصومون قال : بلى . قال : فأخبرني عن قول الله عز وجل : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ) فقال الرضا عليه السلام : إن إبراهيم عليه السلام وقع إلى ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس ، وذلك حين خرج من السرب (1) الذي أخفى فيه فلما جن عليه الليل رأى الزهرة قال : ( هذا ربي ) على الأنكار والأستخبار ( فلما أفل ) الكوكب قال : ( لا أحب الافلين ) لأن
____________
(1) السرب بالتحريك جحر الوحشي والحقير تحت الارض والقناة التي يدخل منها الماء الحائط والمراد الغار الذي ولد فيه هربت إليه امها من خوف النمرودية وولدها فيه وربته فاعانة جبرئيل حتى مر عليه سنوات فخرج من الغار وبرز وشرع في الدعوة .
( 134 )

الافول من صفات المحدث لا من صفات القديم ( فلما رآى القمر بازغا قال هذا ربي ) على الأنكار والأستخبار ( فلما أفل قال عليه السلام لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ) فلما أصبح ( ورآى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر ) من الزهرة والقمر ، على الأنكار والأستخبار لا على الأخبار والأقرار ( فلما أفلت قال ) للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس : ( يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) وإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال : أن يبين لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لخالقها وخالق السموات والأرض وكان ما احتج به على قومه ما ألهمه الله وآته كما قال تعالى : ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء ) ، فقال المأمون : لله درك يا ابن رسول الله .
والقمي : عن الصادق عليه السلام إن آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان منجما لنمرود بن كنعان فقال له : إني أرى في حساب النجوم أن هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ، ويدعو إلى دين آخر ، فقال له نمرود : في أي بلاد يكون ؟ قال : في هذه البلاد ، وكان منزل نمرود بكوثاريا ، فقال له نمرود : قد خرج إلى الدنيا ؟ قال آزر : لا ، قال : فينبغي أن يفرق بين الرجال والنساء فحملت أم إبراهيم بإبراهيم عليه السلام ولم يتبين حملها ، فلما حان ولادتها قالت : يا آزر إني قد اعتللت وأريد أن أعتزل عنك ، وكان في ذلك الزمان المرأة إذا اعتلت اعتزلت عن زوجها فخرجت واعتزلت في غار ، ووضعت إبراهيم عليه السلام وهيئته وقمطته ورجعت إلى منزلها وسدت باب الغار بالحجارة .
فأجرى الله لإبراهيم عليه السلام لبنا من إبهامه ، وكانت أمه تأتيه ووكل نمرود بكل إمرأة حامل ، وكان يذبح كل ولد ذكر . فهربت ام إبراهيم بإبراهيم عليه السلام من الذبح ، وكان يشب إبراهيم في الغار يوما كما يشب غيره في الشهر حتى أتى له في الغار ثلاثة عشرة سنة .
فلما كان بعد ذلك زارته امه ، فلما أرادت أن تفارقه تشبث بها فقال : يا امي أخرجيني ، فقالت له : يا بني إن الملك إن علم أنك ولدت في هذا الزمان قتلك ، فلما خرجت


( 135 )

امه خرج من الغار وقد غابت الشمس نظر إلى الزهرة في السماء ، فقال : ( هذا ربي ) فلما غابت الزهرة قال : لو كان ربي ما تحرك وما برح ، ثم قال : ( لا أحب الآفلين ) ، والآفل : الغائب فلما رآى القمر بازغا قال هذا ربي هذا أكبر ) وأحسن ، فلما تحرك وزال قال : ( لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ) فلما أصبح وطلعت الشمس ورآى ضوءها وقد أضاءت الدنيا لطلوعها ( قال هذا ربي هذا أكبر ) وأحسن فلما تحركت وزالت كشط الله له عن السموات حتى رأى العرش ومن عليه وأراه الله ملكوت السموات والأرض فعند ذلك قال : ( يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ) فجاء إلى أمه وأدخلته إلى دارها وجعلته بين أولادها قال : وسئل أبو عبد الله عليه السلام عن قول إبراهيم عليه السلام ( هذا ربي ) أشرك في قوله : هذا ربي قال : من قال هذا اليوم مشرك ، ولم يكن من إبراهيم عليه السلام شرك ، وإنما كان في طلب ربه ، وهو من غيره شرك .
والعياشي : مثله ، وزاد عن أحدهما عليهما السلام إنما كان طالبا لربه ولم يبلغ كفرا ، وأنه من فكر من الناس في مثل ذلك فأنه بمنزلته .
(80) وحآجه قومه : وخاصموه في التوحيد قال أتحاجوني في الله : في وحدانيته ، وقريء بتخفيف النون . وقد هدان إلى توحيده . ولا أخاف ما تشركون به : أي لا أخاف معبوداتكم قط ، لأنها لا قدرة لها على ضر أو نفع . إلا أن يشاء ربي شيئا : أن يصيبني بمكروه وكأنه جواب لتخويفهم إياه من جهة آلهتهم وسع ربى كل شيء علما : فلا يستبعد أن يكون في علمه إنزال مخوف بي . أفلا تتذكرون فتميزوا بين القادر والعاجز .
(81) وكيف أخاف مآ أشركتم : ولا يتعلق به ضرر ولا تخافون أنكم أشركتم بالله : وهو حقيق بأن يخاف منه كل الخوف لأنه إشراك للمصنوع بالصانع ، وتسوية بين المقدور العاجز والقادر الضار النافع ما لم ينزل به عليكم سلطانا : حجة ، والمعنى وما لكم تنكرون عليّ الأمن في موضع الأمن ، ولا تنكرون على أنفسكم الأمن في موضع الخوف . فأي الفريقين أحق بالامن : الموحدون أو المشركون . إن كنتم تعلمون .


( 136 )

(82) الذين آمنوا ولم يلبسوا : ولم يخلطوا . إيمنهم بظلم أولئك لهم الاءمن وهم مهتدون : في المجمع : عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أنه من تمام قول إبراهيم عليه السلام .
وعن ابن مسعود : لما نزلت هذه الآية شق على الناس ، وقالوا يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه ، فقال : إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح عليه السلام ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : الظلم : الضلال فما فوقه .
وعنه عليه السلام : إنه سئل : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) الزنا منه قال : أعوذ بالله من أولئك لا ولكنه ذنب إذا تاب تاب الله عليه ، وقال : مدمن الزنا ، والسرقة ، وشارب الخمر ، كعابد الوثن . وفي رواية قال : أولئك الخوارج ، وأصحابهم .
وفي الكافي ، والعياشي : عنه عليه السلام : إن الظلم هنا : الشك .
وعنه عليه السلام : ( ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قال : آمنوا بما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الولاية ، ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان .
(83) وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم : أرشدناه إليها ، وعلمناه إياها على قومه نرفع درجات من نشاء : في العلم والحكمة ، وقريء بالتنوين . إن ربك حكيم : في رفعه وخفضه . عليم : بحال من رفعه واستعداده له .
(84) ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا : أي كلا منهما . ونوحا هدينا من قبل : يعني هديناهم لنجعل الوصية في أهل بيتهم كذا عن الباقر عليه السلام رواه في الكافي ، والأكمال : في حديث اتصال الوصية من لدن آدم . ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين .
(85) وزكريا ويحيى وعيسى : العياشي : عن الصادق عليه السلام والله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم عليه السلام من قبل النساء ، ثم تلا هذه الآية .


( 137 )

وفي العيون عن الكاظم عليه السلام انما الحق عيسى عليه السلام بذراري الانبياء من طريق مريم ، وكذلك الحقنا بذراري النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل أمنا فاطمة عليها السلام في جواب هرون عن هذه المسألة وإلياس كل من الصالحين .
(86) وإسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين .
(87) ومن آبآئهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صرط مستقيم .
(88) ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا : مع فضلهم وعلو شأنهم . لحبط عنهم ما كانوا يعملون : فكانوا كغيرهم .
(89) أولئك الذين آتيناهم الكتاب : يريد به الجنس . والحكم : والحكمة أو الحكم بين الناس . والنبوة فإن يكفر بها : أي بالنبوة أو الثلاثة . هؤلاء : يعني قريشا . فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكفرين .
في المحاسن : عن الصادق عليه السلام قوما يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويذكرون الله كثيرا .
(90) أولئك الذين هدى الله : يريد الأنبياء المقدم ذكرهم . فبهداهم اقتده : فاقتص طريقتهم بالأقتداء ، والهاء للوقف في مصباح الشريعة : عن الصادق عليه السلام لا طريق للأكياس من المؤمنين أسلم من الأقتداء ، لأنه المنهج الأوضح والمقصد الأصح قال الله لأعز خلقه محمد صلى الله عليه وآله وسلم : ( أولئك الذين هدى الله فبهديهم اقتده ) فلو كان لدين الله مسلك أقوم من الأقتداء لندب أنبياءه وأولياءه إليه .
والقمي : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحسن الهدى : هدى الأنبياء .
وفي نهج البلاغة : اقتدوا بهدى نبيكم فإنه أفضل الهدى . قل لا أسئلكم عليه : على التبليغ أجرا جعلا من جهتكم كما لم يسأل من كان قبلي من النبيين ، وهذا من جملة


( 138 )

ما أمر بالأقتداء بهم . إن هو : أي التبليغ . إلا ذكرى للعلمين : تذكيرا وعظة لهم .
(91) وما قدروا الله حق قدره وما عرفوه حق معرفته ، وما عظموه حق عظمته ، وما وصفوه بما هو أهل أن يوصف به من الرحمة على عباده واللطف بهم .
في الكافي : عن الصادق عليه السلام إن الله لا يوصف ، وكيف يوصف وقد قال في كتابه : ( وما قدروا الله حق قدره ) فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك . ويأتي فيه حديث آخر في سورة الزمر إنشاء الله تعالى إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء : حين أنكروا الوحي وبعثة الرسل وذلك من أعظم رحمته وأجل ألطافه .
القمي : هم قريش واليهود . قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا : الزموا بما لا بد لهم من الأقرار به مع توبيخهم بتحريفهم بإبداء بعض وإخفاء بعض ، وجعلها ورقات متفرقة ليتمكنوا بما حاولوه .
العياشي : عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية قال : كانوا يكتمون ما شاؤوا ، ويبدون ما شاؤا . وفي رواية كانوا يكتبونه في القراطيس ، ثم يبدون ما شاؤا ، ويخفون ما شاؤا .
والقمي : يخفون يعني من أخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقريء بالياء . وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله : أي أنزله الله ، قيل : أمره بأن يجيب عنهم إشعارا بأن الجواب متعين لا يمكن غيره ، وتنبيها على أنهم بهتوا بحيث لا يقدرون على الجواب . ثم ذرهم في خوضهم يلعبون : القمي : يعني ما خاضوا فيه من التكذيب .
(92) وهذا كتاب أنزلناه مبارك : كثير النفع والفائدة مصدق الذي بين يديه : الكتب التي قبله . ولتنذر : وقريء بالياء أي الكتاب . أم القرى : يعني مكة سميت بها لأنه دحيت الأرض من تحتها ، فكأنها تولدت منها .
والقمي : قال : سميت أم القرى لأنها أول بقعة خلقها الله من الأرض . ومن


( 139 )

حولها : أهل الشرق والغرب . والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلواتهم يحافظون : فإن من صدق بالآخرة خاف العاقبة ، ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتدبر حتى يؤمن به ويحافظ على الطاعة ، وتخصيص الصلاة لانها عماد الدين وعلم الأيمان .
(93) ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله : في الكافي ، والعياشي : عن أحدهما عليهما السلام نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مضر ، وهو ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة هدر دمه ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا أنزل الله عز وجل ( إن الله عزيز حكيم ) كتب ( إن الله عليم حكيم ) فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : دعها فإن الله عليم حكيم ، وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين : إني لأقول من نفسي مثل ما يجيء به فما يغير عليّ فأنزل الله تبارك وتعالى فيه الذي أنزل .
والقمي : عن الصادق عليه السلام قال : إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان من الرضاعة أسلم وقدم المدينة وكان له حسن ، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعاه فكتب ما يمليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان إذا قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سميع بصير يكتب سميع عليم ، وإذا قال له : والله بما تعملون خبير يكتب بصير ، ويفرق بين التاء والياء وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : هو واحد ، فارتد كافرا ورجع إلى مكة ، وقال لقريش : والله ما يدري محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما يقول . أنا أقول : مثل ما يقول فلا ينكر علي ذلك ، فأنا أنزل مثل ما ينزل فأنزل الله على نبيه في ذلك ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ) فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة أمر بقتله فجاء به عثمان ، وقد أخذ بيده ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد فقال : يا رسول الله اعف عنه ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أعاد فسكت ، ثم أعاد فقال : هو لك ، فلما مر قال


( 140 )

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه ألم أقل من رآه فليقتله فقال رجل : كانت عيني إليك يا رسول الله أن تشير إلي فأقتله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الأنبياء لا يقتلون بالأشارة ، فكان من الطلقاء . والعياشي : عن الباقر عليه السلام في تأويله من ادعى الأمامة دون الأمام عليه السلام . ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت : شدائده من غمره الماء إذا غشيه . والملائكة باسطوا أيديهم : لقبض أرواحهم كالمتقاضي المتسلط . أخرجوا أنفسكم : يقولون لهم : تغليظا وتعنيفا (1) اليوم تجزون عذاب الهون : الهوان ، القمي : قال : العطش . والعياشي : عن الباقر عليه السلام العطش يوم القيامة . بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون : لا تؤمنون بها .
(94) ولقد جئتمونا فرادى عن أموالكم ، وأولادكم ، وأوثانكم . كما خلقناكم أول مرة : على الهيئة التي ولدتم عليها . في الخرايج : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قرأ على فاطمة بنت أسد هذه الآية ، فقالت : وما فرادى فقال : عراة ، قالت : واسوأتاه ، فسأل الله أن لا يبدي عورتها ، وأن يحشرها بأكفانها . وفي معناها حديث في الكافي عن الصادق عليه السلام .
وعنه عليه السلام تنوقوا (2) في الأكفان فإنكم تبعثون بها .
وفي الأحتجاج : عنه عليه السلام أنه سئل عن الناس أيحشرون عراة قال : بل يحشرون في أكفانهم ، قيل : أني لهم بالأكفان وقد بليت ؟ قال : إن الذي أحيى أبدانهم جدد أكفانهم ، قال : فمن مات بلا كفن ؟ قال : يستر الله عورته بما يشاء من عنده . وتركتم ما خولناكم : ما ملكناكم به في الدنيا فشغلتم به عن الآخرة وراء ظهوركم : لم تحتملوا منه شيئا . وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء أي شركاء الله في
____________
(1) يقال عنفه تعنيفا أي لامه وعتب والتعنيف التعيير واللوم وعنف به وعليه من باب قرب إذا لم يرفق به وأعنف الامر إذا اخذ به بعنف .
2 - في الحديث تنوقوا بأكفانكم فانكم تبعثون بها أي اطلبوا أحسنها وجودتها من قولهم تنوق وتنيق في مطعمه وملبسه تجود وبالغ والاسم النيقة بالكسر .

( 141 )

ربوبيتكم ، واستحقاق عبادتكم . لقد تقطع بينكم : أي تقطع وصلكم وتشتت جمعكم ـ والبين ـ من الأضداد يستعمل للوصل والفصل ، وقريء بالنصب على إضمار الفاعل أي ما بينكم . وضل عنكم : ضاع وبطل ما كنتم تزعمون : القمي : عن الصادق عليه السلام نزلت هذه الآية في معاوية وبني أمية وشركاؤهم وأئمتهم . ( لقد تقطع بينكم ) : يعني المودة .
(95) إن الله فالق الحب والنوى : بالنبات والشجر . يخرج الحي من الميت : ما ينمو من الحيوان والنبات مما لا ينمو كالنطفة والحب . ومخرج الميت من الحي : ما لا ينمو مما ينمو ، في الكافي : عن الصادق عليه السلام في حديث الطينة ، الحب : طينة المؤمنين ألقى الله عليها المحبة ، والنوى : طينة الكافرين الذين نأوا عن كل خير ، وإنما سمي النوى من أجل أنه نأى عن كل خير وتباعد منه ، فقال الله : ( يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ) فالحي : المؤمن الذي يخرج طينته من طينة الكافر ، والميت الذي يخرج من الحي : هو الكافر الذي يخرج من طينة المؤمن .
والقمي قال : الحب : ما أحبه ، والنوى : ما نأى (1) عن الحق ، وقال أيضا : فالق الحب : أي يفلق العلم عن الأئمة ، والنوى : ما بعد عنه (2) . والعياشي : عن الصادق عليه السلام الحب : المؤمن وذلك قوله : ( وألقيت عليك محبة مني ) والنوى : الكافر الذي نأى عن الحق فلم يقبله . ذلكم الله : أي الذي يحق له العبادة . فأنى تؤفكون : تصرفون عنه إلى غيره .
(96) فالق الإصباح : شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل : وجعل الليل سكنا : يسكن فيه الخلق كما قال : ( لتسكنوا فيه ) . في نهج البلاغة : ولا تسر أول الليل فإن الله جعله سكنا ، وقدره مقاما لا ظعنا (3) فأرح فيه بدنك وروح ظهرك . وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام تزوج بالليل ، فإن الله جعله سكنا .
والعياشي : مثله . وفي رواية : ولا تطلبوا الحوائج بالليل فإنه مظلم .
____________
(1) النأي البعيد يقال نأيت عنه نأيا أي بعدت .
(2) فلقته من باب ضرب شققته والفلق بالسكون الشق .
(3) ظعن كجعل ظعنا سار .