فاسدا . وفي المناقب : قال عمرو بن العاص للحسين : ما بال لحاكم أوفر من لحانا فقرء هذه الآية .
(59) لقد أرسلنا نوحا إلى قومه : جواب قسم محذوف . قيل : هو نوح بن ملك بن متوشلخ بن إدريس أول نبي بعده .
والقمي : روي في الخبر أن اسم نوح عبد الغفار ، وإنما سمي نوحا لأنه كان ينوح على نفسه .
وفي العلل : عن الصادق عليه السلام مثله ، قال : وفي رواية اسمه عبد الأعلى .
وفي اخرى عبد الملك وقال وفي رواية إنما سمي نوحا لأنه بكى خمسمأة عام .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام في حديث إن آدم عليه السلام بشر بنوح عليه السلام وأنه يدعو إلى الله ويكذبه قومه فيهلكهم الله بالطوفان وأوصى ولده أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإنه ينجو من الغرق ، وكان بينهما عشرة آباء أنبياء وأوصياء ، وكانوا مستخفين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن .
وفيه ، والعياشي : عنه عليه السلام كانت شريعة نوح أن يعبد الله بالتوحيد ، والأخلاص ، وخلع الأنداد ، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها ، وأخذ الله ميثاقه على نوح والنبيين أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وأمر بالصلاة والأمر بالمعروف والنهي على المنكر والحلال والحرام ولم يفرض عليهم أحكام حدود ، ولا فرض مواريث ، فهذه شريعته . فقال يا قوم اعبدوا الله : اعبدوه وحده . ما لكم من إله غيره : وقرء بالجر . إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم : إن لم تؤمنوا . و ( اليوم ) : يوم القيامة ، أو يوم الطوفان .
(60) قال الملأ من قومه : أي الأشراف . إنا لنراك في ضلال : متمكنا في ذهاب عن الحق والصواب . مبين : بين .
(61) قال يا قوم ليس بي ضلالة : شيء من الضلال بالغ في النفي كما بالغوا في الأثبات . ولكني رسول من رب العالمين : على غاية من الهدى .
(62) أبلغكم رسالات ربي : ما أوحي إليّ في الأوقات المتطاولة ، وفي المعاني المختلفة


( 209 )

وقرء ابلغكم بالتخفيف ، ورسالة بالوحدة . وأنصح لكم : في زيادة اللام دلالة على إمحاض النصيحة . وأعلم من الله : من صفاته وشدة بطشه أو من جهته بالوحي . ما لا تعلمون : أشياء لا علم لكم بها .
(63) أوعجبتم : الهمزة للأنكار ، والواو للعطف على محذوف أي أكذبتم وعجبتم . أن جاءكم : من إن جاءكم . ذكر من ربكم : موعظة منه . على رجل : على لسان رجل . منكم : وذلك أنهم تعجبوا من إرسال البشر . لينذركم : ليحذركم عاقبة الكفر والمعاصي . ولتتقوا : بسبب الأنذار . ولعلكم ترحمون : بالتقوى .
(64) فكذبوه فأنجيناه والذين معه : وهم من آمن به . في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا : بالطوفان . إنهم كانوا قوما عمين : عمي القلب غير متبصرين ، وأصله عميين ويأتي قصة نوح عليه السلام في سورة هود إن شاء الله .
(65) وإلى عاد : وأرسلنا إلى عاد . أخاهم هودا : يعني بالأخ الواحد منهم كقولهم : يا أخا العرب للواحد منهم .
والعياشي : عن السجاد عليه السلام إنه قيل له : إن جدك قال : إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم على بغيهم ، فقال : ويلك أما تقرأ القرآن ؟ ( وإلى عاد أخاهم هودا ، وإلى مدين أخاهم شعيبا ، وإلى ثمود أخاهم صالحا ) فهم مثلهم وكانوا إخوانهم في عشيرتهم وليسوا إخوانهم في دينهم .
وفي رواية اخرى : قال : فأهلك الله عادا وأنجى هودا ، وأهلك الله ثمودا وأنجى صالحا . وفي الأحتجاج : ما يقرب من الروايتين . قيل : إنما جعل واحدا منهم ليكونوا به أسكن ، وعنه أفهم وهو من ولد سام بن نوح كما أن عاد ، كذلك وقيل : عاد جد هود .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام في حديث وبشر نوح ساما بهود وقال : إن الله باعث نبيا يقال له : هود ، وإنه يدعو قومه إلى الله فيكذبونه فيهلكهم بالريح فمن أدركه منهم فليؤمن به وليتبعه وكان بينهما أنبياء .
وفي الأكمال : عن الصادق عليه السلام لما حضرت نوحا الوفاة دعا الشيعة فقال


( 210 )

لهم : إعلموا أنه سيكون من بعدي غيبة يظهر فيها الطواغيت ، وأن الله عز وجل سيفرج عليكم بالقائم من ولدي اسمه هود له سمت (1) وسكينة ووقار يشبهني في خلقي وخلقي .
وعنه عليه السلام : إن هودا لما بعث سلم له العقب من ولد سام ، وأما الآخرون فقالوا : من أشد منا قوة فاهلكوا بالريح العقيم ، وأوصاهم هود ، وبشرهم بصالح .
وفيه عن الباقر عليه السلام : إن الأنبياء بعثوا خاصة وعامة ، وأما هود : فإنه أرسل إلى عاد بنبوة خاصة . قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون : عذاب الله .
(66) قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة : متمكنا في خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين قومك . وإنا لنظنك من الكاذبين .
(67) قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين .
(68) أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح : فيما أدعوكم من توحيد الله وطاعته . أمين : ثقة مأمون في تأدية الرسالة فلا أكذب ولا أغير .
(69) أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم : مضى تفسيره ، وفي إجابة الأنبياء الكفرة عن كلماتهم الحمقاء بما أجابوا ، والأعراض عن مقابلتهم بمثلها مع علمهم بأنهم أضل الخلق ، وأسفههم أدب حسن ، وحكاية الله ذلك تعليم لعباده كيف يخاطفون السفهاء ويدارونهم .
واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح : أي خلفتموهم في الأرض بعد هلاكهم بالعصيان . وزادكم في الخلق بسطة : قامة وقوة .
في المجمع : عن الباقر عليه السلام كانوا كالنخل الطوال ، وكان الرجل منهم
____________
(1) السمت عبارة عن الحالة التي يكون عليها الانسان من السكينة والوقار وحسن السيرة والطريقة واستقامة النظر والهيئة .
( 211 )

ينحر (1) الجبل بيده فيهدم منه قطعة فاذكروا آلآء الله لعلكم تفلحون لكي يفضى بكم ذكر النعم الى الشكر المؤدي الى الفلاح .
في الكافي عن الصادق عليه السلام اتدري ماالاء الله قيل لا قال هي اعظم نعم الله على خلقه وهي ولايتنا .
(70) قالوا اجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد اباؤنا استعبدوا اختصاص الله تعالى بالعبادة والاعراض عما اشرك به اباؤهم وانهماكا في التقليد وحبا لما الفوه فأتنا بما تعبدنا من العذاب المدلول عليه بقوله : ( أفلا تتقون ) . إن كنت من الصادقين : فيه .
(71) قال قد وقع : وجب . عليكم من ربكم رجس : عذاب ، من الأرتجاس وهو الاضطراب . وغضب : إرادة انتقام . أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم : في أشياء ما هي إلا أسماء ليس تحتها مسميات لأنكم سميتموها آلهة ، ومعنى الالهية فيها معدوم ونحوه ما تدعون من دونه من شيء . ما نزل الله بها من سلطان : من حجة ، ولو استحقت للعبادة لكان استحقاقها بإنزال آية من الله ونصب حجة منه . فانتظروا : نزول العذاب . إني معكم من المنتظرين .
(72) فأنجيناه والذين معه : في الدين . برحمة منا : عليهم . وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين : يعني استأصلناهم وكان ذلك بأن أنشأ الله سبحانه سحابة سوداء زعموا أنها ممطرهم فجاءتهم منها ريح عقيم فأهلكتهم .
وفي الكافي ، والقمي : عن الباقر عليه السلام الريح العقيم : تخرج من تحت الأرضين السبع ، وما خرجت منها ريح قط إلا على قوم عاد حين غضب الله عليهم فأمر الخزان أن يخرجوا منها مثل سعة الخاتم فعتت (2) على الخزان فخرج منها على مقدار منخر الثور تغيظا منها على قوم عاد ، فضج الخزنة إلى الله تعالى من ذلك فقالوا : يا ربنا إنها قد عتت عن أمرنا
____________
(1) انتحر القوم على الشيء إذا تشاحوا عليه حرصا وتنافروا في القتال أي تقابلوا .
(2) أي جاوزت الريح حد سعة الخاتم وانسلب الاخيار من الخزان .

( 212 )

ونحن نخاف أن يهلك من لم يعصك من خلقك وعمار بلادك ، فبعث الله إليها جبرئيل فردها بجناحه فقال لها : إخرجي على ما أمرت به وأهلكت قوم عاد ومن كان بحضرتهم .
وفي المجمع : عنه عليه السلام إن لله تبارك وتعالى بيت ريح مقفل لو فتحت لأذرئت (1) ما بين السماء والأرض ما أرسل على قوم عاد إلا على قدر الخاتم ، قال : وكان هود ، وصالح ، وشعيب ، وإسماعيل ونبينا يتكلمون بالعربية ، ويأتي تمام قصة هود في سورة هود إنشاء الله .
(73) وإلى ثمود : وأرسلنا إلى ثمود . أخاهم صالحا : هم قبيلة أخرى من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود ، بن عابر بن آدم بن سام بن نوح وصالح من ولد ثمود .
وفي الأكمال : عن الباقر عليه السلام وأما صالح فإنه أرسل إلى ثمود ، وهي قرية واحدة لا تكمل أربعين بيتا على ساحل البحر صغيرة . قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم : معجزة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي . هذه ناقة الله لكم آية : أضافها إلى الله لأنها خلقت بلا واسطة ، ولذلك كانت آية . فذروها تأكل في أرض الله : العشب . ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم .
(74) واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الارض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا : في المجمع : يروى أنهم لطول أعمارهم كانوا يحتاجون إلى أن ينحتوا في الجبال بيوتا لأن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم . فاذكروا الآء الله ولا تعثوا في الارض مفسدين : أي ولا تبالغوا في الفساد .
(75) قال الملاء الذين استكبروا : أنفوا من اتباعه . من قومه للذين استضعفوا : للذين استضعفوهم واستذلوهم . لمن آمن منهم : بدل من الذين . أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه : قالوه على الأستهزاء . قالوا إنا بمآ أرسل به مؤمنون .
____________
(1) ذررت الجسد والملح والدواء أذره ذرا فرقته ومنه الذريرة .
( 213 )

(76) قال الذين استكبروا إنا بالذي امنتم به كافرون .
(77) فعقروا الناقة : أسند العقر إلى جميعهم وإن لم يعقرها إلا بعضهم لأنه كان برضاهم . وعتوا عن أمر ربهم : تولوا واستكبروا عن امتثاله عاتين ، وهو ما أمر به على لسان صالح فذروها تأكل في أرض الله . وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين .
(78) فأخذتهم الرجفة : الزلزلة ، وفي سورة هود : ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة ) ، وفي سورة الحجر : ( فأخذتهم الصيحة ) ولعلها كانت من مباديها .
القمي : فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا . فأصبحوا في دارهم جاثمين : خامدين ميتين لا يتحركون ، يقال : الناس جثم أي قعود لا حراك بهم ، وأصل الجثوم : اللزوم في المكان .
(79) فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين : قال : ذلك متحسرا على ما فاته من إيمانهم متحزنا لهم بعدما أبصرهم موتى صرعى .
في الكافي : عن الباقر عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل جبرئيل عليه السلام كيف كان مهلك قوم صالح ؟ فقال : يا محمد إن صالحا بعث إلى قومه ، وهو ابن ست عشرة سنة فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومأة سنة لا يجيبونه إلى خير ، قال : وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون الله فلما رأى ذلك منهم قال : يا قوم إني بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة ، وقد بلغت عشرين ومأة سنة ، وأنا أعرض عليكم أمرين إن شيءتم فاسئلوني حتى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني الساعة ، وإن شيءتم سألت آلهتكم فإن أجابتني بالذي أسألها خرجت عنكم فقد سئمتكم وسئمتموني . فقالوا : قد أنصفت يا صالح ، فاتعدوا ليوم يخرجون فيه قال : فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ثم قربوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا فلما ان فرغوا دعوه ، وقالوا : يا صالح سل . فقال لكبيرهم : ما اسم هذا ؟ قالوا : فلان .
فقال له صالح : يا فلان أجب فلم يجبه ، فقال صالح : ما له لا يجيب ؟ قالوا ادع غيره .


( 214 )

قال : فدعاه كلها بأسمائها فلم يجبه منها شيء ، فأقبلوا إلى أصنامهم فقالوا لها : مالك لا تجيبين صالحا ؟ فلم تجب ، فقالوا : تنح عنا ودعنا وآلهتنا ساعة ، ثم نحوا بسطهم وفرشهم ، ونحوا ثيابهم وتمرغوا على التراب وطرحوا التراب على رؤوسهم وقالوا لأصنامهم : لئن لم تجيبي صالحا اليوم لنفضحن ، قال : ثم دعوه فقالوا : يا صالح ادعها فدعاها فلم تجبه .
فقال لهم : يا قوم قد ذهب صدر النهار ولا أرى آلهتكم تجيبني فاسئلوني حتى أدعوا إلهي فيجيبكم الساعة فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم والمنظور إليهم منهم . فقالوا : يا صالح نحن نسألك فإن أجابك ربك اتبعناك وأجبناك ويبايعك جميع أهل قريتنا .
فقال لهم صالح : سلوني ما شيءتم ؟ فقالوا : تقدم بنا إلى هذا الجبل ، وكان الجبل قريبا منهم فانطلق معهم صالح فلما انتهوا إلى الجبل قالوا : يا صالح ادع لنا ربك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء ، شقراء ، وبراء ، وعشراء ، بين جنبيها ميل . فقال لهم صالح : لقد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربي تعالى .
قال : فسأل الله تعالى صالح ذلك ، فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ، ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا كالمرأة إذا أخذها المخاض ، ثم لم يفجأهم إلا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع فما استتمت رقبتها حتى اجترت (1) ، ثم خرج سائر جسدها ، ثم استوت قائمة على الأرض ، فلما رأوا ذلك قالوا : يا صالح ما أسرع ما أجابك ربك ، ادع لنا ربك يخرج لنا فصيلها فسأل الله ذلك فرمت به فدب حولها .
فقال لهم : يا قوم أبقي شيء ؟ قالوا : لا ، انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا وهم يؤمنون بك .
قال : فرجعوا فلم يبلغ السبعون إليهم حتى ارتد منهم أربعة وستون رجلا ، وقالوا
____________
(1) اجتر البعير بالجيم والراء المهملة اكل ثانيا ما اخرجه مما اكله أولا منه رحمه الله .
( 215 )

سحر وكذب .
قال : فانتهوا إلى الجميع وقال الستة : حق ، وقال الجميع : سحر وكذب .
قال : فانصرفوا على ذلك ، ثم ارتاب من الستة واحد فكان فيمن عقرها ، قال الراوي : فحدثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا يقال له : سعيد بن يزيد ، فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام ، فرأيت جنبها قد حك الجبل فأثر جنبها فيه ، وجبل آخر بينه وبين هذا ميل .
وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : ( كذبت ثمود بالنذر ) هذا فيما كذبوا صالحا ، وما أهلك الله تعالى قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل فيحتجوا عليهم فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا : لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ، ويجتمعون عندها ، فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيا رسولا فادع لنا إلهك حتى يخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء فأخرجها الله كما طلبوا منهم .
ثم أوحى الله إليه أن يا صالح قل لهم : إن الله قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم ، ولكم شرب يوم ، فكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت ذلك اليوم الماء فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك ، فإذا كان الليل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ، ولم تشرب الناقة ذلك اليوم .
فمكثوا بذلك إلى ما شاء الله ، ثم أنهم عتوا على الله ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها ، لا نرضى أن يكون لها شرب يوم ولنا شرب يوم ، ثم قالوا : من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلا ما أحب ، فجاء لهم رجل أحمر ، أشقر أزرق ولد الزنا لا يعرف له أب ، يقال له : قذّار (1) ، شقي من الأشقياء ، مشؤوم عليهم ، فجعلوا له جعلا فلما توجهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده تركها حتى شربت ذلك الماء وأقبلت راجعة فقعد
____________
(1) قال في مجمع البحرين وفي الحديث بئس العبد القاذورة وان الله يبغض العبد القاذورة القاذورة من الرجال =
( 216 )

لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئا ، فضربها ضربة اخرى فقتلها ، وخرت إلى الأرض على جنبها وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغا ثلاث مرات إلى السماء ، وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم إلا شركه في ضربته ، واقتسموا لحمها فيما بينهم ولم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها .
فلما رآى ذلك صالح أقبل إليهم ، فقال : يا قوم ما دعاكم إلى ما صنعتم أعصيتم ربكم ؟ فأوحى الله إلى صالح أن قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجة عليهم ، ولم يكن عليهم منها ضرر ، وكان لهم فيها أعظم المنفعة ، فقل لهم : إني مرسل إليكم عذابي إلى ثلاثة أيام فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم ، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث .
فأتاهم صالح عليه السلام فقال لهم : ( يا قوم إني رسول ربكم إليكم ) وهو يقول لكم : إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم ، فلما قال لهم ذلك ، كانوا أعتى ما كانوا وأخبث ، وقالوا : ( يا صالح إئتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ، قال : يا قوم إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرة ، واليوم الثاني : وجوهكم محمرة ، واليوم الثالث : وجوهكم مسودة .
فلما أن كان أول يوم أصبحوا ووجوههم مصفرة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا : قد جاءكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لا نسمع قول صالح ، ولا نقبل قوله ، وإن كان عظيما ، فلما كان اليوم الثاني : أصبحت وجوههم محمرة فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا : يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح ، ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ، ولم يتوبوا ولم يرجعوا .
فلما كان اليوم الثالث : أصبحوا ووجوههم مسودة فمشى بعضهم إلى بعض وقال يا قوم قد آتاكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم وفلقت
____________
= الذي لا يبالي بما قال وما صنع والقاذورة السيء الخلق وكأن المراد به هنا الوسخ الذي لم يتنزه عن الاقذار وقد يطلق القاذورة على الفاحشة ورجل مقذار بخسه الناس انتهى والظاهر ان اسم هذا الملعون الشقي من هذه المادة .
( 217 )

قلوبهم وصدعت أكبادهم ، وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم ، فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم فلم يبق لهم ناعية ولا راعية [ ثاغية ولا راغية خ ل ] ولا شيء إلا أهلكه الله فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ، ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين وكانت هذه قصتهم .
والقمي : ما يقرب من بعض ما في الحديث في سورة هود .
(80) ولوطا : وأرسلنا لوطا ، أو واذكر لوطا ، في الكافي : عن الصادق عليه السلام أن ام إبراهيم وأم لوط كانتا أختين وهما ابنتان لللاحج وكان اللاحج نبيا منذرا ولم يكن رسولا .
وفي العلل ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام وكان لوط ابن خالة إبراهيم ، وكانت سارة إمرأة إبراهيم اخت لوط ، وكان لوط وإبراهيم نبيين منذرين . وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام إن إبراهيم خرج من بلاد نمرود ومعه لوط لا يفارقه ، وسارة إلى أن نزل بأعلى الشامات وخلف لوطا بأدنى الشامات . إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة : توبيخ وتقريع على تلك السيئة المتمادية في القبح . ما سبقكم بها من أحد من العالمين : ما فعلها قبلكم أحد قط . في الكافي ، والعلل : عن أحدهما عليهما السلام في قوم لوط إن إبليس أتاهم في صورة حسنة فيه تأنيث ، عليه ثياب حسنة فجاء إلى شبان منهم فأمرهم أن يقعوا به ، ولو طلب إليهم أن يقع بهم لأبوا عليه ، ولكن طلب إليهم أن يقعوا به ، فلما وقعوا به التذوا ثم ذهب عنهم وتركهم فأحال بعضهم على بعض . وفي العيون : عن أمير المؤمنين عليه السلام إن أول من عمل عمل قوم لوط إبليس فإنه أمكن من نفسه .
(81) إنكم لتأتون الرجال : من أتى المرأة إذا غشيها . شهوة من دون النساء : تاركين إتيان النساء اللاتي أباح الله إتيانهن ، وقرءانكم على الأخبار المستأنف . بل أنتم قوم مسرفون : متجاوزون الحد في الفساد حتى تجاوزتم المعتاد إلى غير المعتاد .
(82) وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم أي ما جاؤا بما


( 218 )

يكون جوابا عن كلامه ولكنهم جاؤا بما لا يتعلق بكلامه ونصيحته من إخراجه ومن معه من قريتهم . إنهم أناس يتطهرون : من الفواحش والخبائث .
( 83 ) فأنجيناه : خلصنا لوطا . وأهله : المختصين به من الهلاك . إلا امرأته : وهي واهلة فإنها كانت تسر الكفر وتوالي أهل القرية . كانت من الغابرين : من الذين غبروا في ديارهم أي بقوا فيها فهلكوا .
(84) وأمطرنا عليهم مطرا : نوعا من المطر عجبا وهي أمطار حجارة من سجيل كما يأتي في موضع آخر . فانظر كيف كان عاقبة المجرمين : في المجمع : عن الباقر عليه السلام إن لوطا لبث في قومه ثلاثين سنة ، وكان نازلا فيهم ولم يكن منهم يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الفواحش ، ويحثهم على الطاعة فلم يجيبوه ولم يطيعوه ، وكانوا لا يتطهرون من الجنابة ، بخلاء أشحاء على الطعام ، فأعقبهم البخل الداء الذي لا دواء له في فروجهم ، وذلك أنهم كانوا على طريق السيارة إلى الشام ومصر ، وكان ينزل بهم الضيفان فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه ، وإنما فعلوا ذلك لينكل النازلة عليهم من غير شهوة بهم إلى ذلك فأوردهم البخل هذا الداء حتى صاروا يطلبونه من الرجال ويعطون عليه الجعل ، وكان لوط سخيا كريما يقري الضيف إذا نزل بهم فنهوه عن ذلك فقالوا لا تقري ضيفانا تنزل بك فانك إن فعلت فضحنا ضيفك ، فكان لوط إذا نزل به الضيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنه لم يكن للوط عشيرة فيهم .
وفي العلل ، والعياشي : عنه عليه السلام مثله ، ويأتي تمام القصة في سورة هود ، والحجر إنشاء الله .
(85) وإلى مدين : وأرسلنا إلى مدين . أخاهم شعيبا : قيل : هم أولاد مدين بن إبراهيم ، وشعيب منهم ، وكان يقال له : خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه ، سموا باسم جدهم وسميت به قريتهم . والقمي : قال : بعث الله شعيبا إلى مدين ، وهي قرية على طريق الشام فلم يؤمنوا به .
وفي الأكمال : عن الباقر عليه السلام أما شعيب فإنه أرسل إلى مدين وهي لا يكمل


( 219 )

أربعين نبيا . قال يا قوم اعبدوا الله : وحده . ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم : معجزة شاهدة بصحة نبوتي ، وهي غير مذكورة في القرآن ولم نجدها في شيء من الأخبار . فأوفوا الكيل والميزان : أريد بالكيل : المكيال كما في سورة هود . ولا تبخسوا الناس أشياءهم : لا تنقصوهم حقوقهم ، جيء بالأشياء للتعميم . ولا تفسدوا في الارض : بالكفر والحيف . بعد إصلاحها : بعدما أصلح فيه الأنبياء وأتباعهم بإقامة الشرايع والسنن . ذلكم خير لكم : في الأنسانية وحسن الاحدوثة وما تطلبونه من الربح لأن الناس إذا عرفوا منكم النصفة والأمانة رغبوا في متاجرتكم . إن كنتم مؤمنين : مصدقين لي في قولي .
(86) ولا تقعدوا بكل صراط : بكل منهج من مناهج الدين مقتدين بالشيطان في قوله : ( لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) . توعدون : تتوعدون . وتصدون عن سبيل الله من آمن به : قيل : كانوا يجلسون على الطرق فيقولون لمن يمر بها : إن شعيبا كذاب فلا يفتننكم عن دينكم كما كانت تفعل قريش بمكة . وتبغونها عوجا : تطلبون لسبيل الله عوجا ، يعني تصفونها بأنها سبيل معوجة غير مستقيمة بإلقاء الشبه لتصدوهم عن سلوكها والدخول فيها . واذكروا إذ كنتم قليلا : عَدَدَكم أو عُدَدَكم . فكثركم : بالنسل والمال ، قيل : إن مدين بن إبراهيم الخليل تزوج بنت لوط فولدت له فرمى الله في نسلها بالبركة والنماء فكثروا وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين : من أفسد قبلكم من الامم كقوم نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وكانوا قريبي العهد بهم .
(87) وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به : وقبلوا قولي . وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا : فتربصوا وانتظروا . حتى يحكم الله بيننا : أي بين الفريقين بأن ينصر المحق علىالمبطل وهذا وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين . وهو خير الحاكمين : إذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه .
(88) قال الملاء الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين ءامنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا : أي ليكونن أحد الأمرين ، والعود : إما بمعنى الصيرورة أو ورود الخطاب على تغليب الجماعة على الواحد أو ورد على زعمهم ، وذلك لأن شعيبا لم يكن على ملتهم قط لأن الأنبياء لا يجوز عليهم الكفر قط . قال : شعيب . أولو كنا كارهين


( 220 )

أي كيف نعود فيها ونحن كارهون لها .
(89) قد افترينا على الله كذبا : فيما دعوناكم إليه . إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها : بأن أقام لنا الدليل على بطلانها وأوضح الحق لنا . وما يكون لنآ : وما يصح لنا . أن نعود فيها إلا أن يشآء الله ربنا : خذلاننا ومنعنا الألطاف بأن يعلم أنه لا ينفع فينا وسع ربنا كل شيء علما : أحاط علمه بكل شيء مما كان وما يكون فهو يعلم أحوال عباده كيف تتحول وقلوبهم كيف تتقلب . وقيل : أراد به حسم طمعهم في العود بالتعليق على ما لا يكون على الله توكلنا : في أن يثبتنا على الأيمان ، ويوفقنا لازدياد الأيقان . ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق : احكم بيننا فإن الفتاح القاضي ، والفتاحة الحكومة أو أظهر أمرنا حتى ينكشف ما بيننا وبينهم ، ويتميز المحق من المبطل من فتح المشكل إذا بينه . وأنت خير الفاتحين : على المعنيين .
(90) وقال الملؤ الذين كفروا من قومه : أشرافهم . لئن اتبعتم شعيبا : وتركتم دينكم . إنكم إذا لخاسرون : لأستبدلكم الضلالة بالهدى ، قالوها لمن دونهم يثبطونهم عن الأيمان .
(91) فأخذتهم الرجفة : الزلزلة ، وفي سورة هود : ( وأخذت الذين ظلموا الصيحة ) . وفي المجمع : عن الصادق عليه السلام بعث الله عليهم الصيحة الواحدة فماتوا ، وقد سبق نظيره . فأصبحوا في دارهم جاثمين : خامدين .
(92) الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنو فيها أي استأصلوا كأن لم يقيموا بها والمعنى المنزل الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين : دينا ودنيا ، والمعنى أنهم هم المخصوصون بالهلاك ، والأستيصال ، وبالخسران العظيم دون اتباع شعيب لأنهم الرابحون .
وفي هذا الأبتداء والتكرير تسفيه لرأي الملأ ، ورد لمقالتهم ومبالغة في ذلك .
(93) فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم : فلم تصدقوني . فكيف آسى على قوم كافرين : فكيف أحزن على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم . لكفرهم واستحقاقهم العذاب النازل بهم .


( 221 )

(94) وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء : البؤس والفقر والضراء الضرر والمرض . لعلهم يضرعون : لكي يتضرعوا ، ويتوبوا ، ويتذللوا .
(95) ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة : أي رفعنا ما كانوا فيه من البلاء والمحنة ، ووضعنا مكانه الرخاء والعافية . حتى عفوا : أي كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم ، من قولهم عفا النبات : أي كثر ومنه : اعفاء اللحى .
وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسرآء : بطرتهم النعمة فتركوا شكر الله ، ونسوا ذكر الله ، وقالوا : هذه عادة الدهر يعاقب في الناس بين السراء والضراء ، وقد مس آباءنا نحو ذلك فلم ينتقلوا عما كانوا عليه فكونوا (1) على ما أنتم عليه كما كان أباؤكم كذلك . فأخذناهم بغتة : فجأة ، عبرة لمن كان بعدهم . وهم لا يشعرون : إن العذاب نازل بهم إلا بعد حلوله .
(96) ولو أن أهل القرى : ولو أنهم . ءامنوا : بدل كفرهم واتقوا : الشرك والمعاصي لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض : لوسعنا عليهم الخيرات ويسرناها لهم من كل جانب بإنزال المطر ، وإخراج النبات ، وغير ذلك . ولكن كذبوا : الرسل . فأخذناهم بما كانوا يكسبون : بسوء كسبهم .
(97) أفأمن أهل القرى : المكذبون لنبينا . أن يأتيهم بأسنا : عذابا . بياتا ليلا وقت بيات . وهم نائمون .
(98) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى : ضحوة النهار ، وهو في الأصل اسم لضوء الشمس إذا أشرقت وارتفعت ، وقرء بسكون الواو . وهم يلعبون : يشتغلون بما لا ينفعهم .
____________
(1) متفرع على قولهم هذه عادة الدهر أي قالوا هذه عادة الدهر آه فكونوا .