(99) أفأمنوا مكر الله : مكر الله إستعارة لأستدراجه العبد وأخذه من حيث لا يحتسب .
والقمي : المكر من الله العذاب . فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون : بترك النظر والأعتبار ، فيه تنبيه على ما يجب أن يكون عليه العبد من الخوف لعقاب الله ، واجتناب المعصية .
(100) أو لم يهد للذين يرثون الارض من بعد أهلها : يخلفون من خلا قبلهم في ديارهم ، وإنما عدى يهدي باللام لأنه بمعنى يبين . أن لو نشاء : أنه لو نشاء أصبناهم بذنوبهم : بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم . ونطبع على قلوبهم : مستأنف يعني ونحن نطبع على قلوبهم . فهم لا يسمعون : سماع تفهم واعتبار .
(101) تلك القرى نقص عليك من أنبائها بعض أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات بالمعجزات فما كانوا ليؤمنوا عند مجيئهم بها بما كذبوا من قبل مجيئهم . القمي : قال : لا يؤمنون في الدنيا بما كذبوا في الذر ، وهو رد على من أنكر الميثاق في الذر الأول .
وفي الكافي ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام إن الله خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة وخلق من أبغض مما أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ثم بعثهم في الظلال ، فقيل : وأي شيء الظلال ؟ قال : ألم تر إلى ظلك في الشمس شيء وليس بشيء ، ثم بعث منهم النبيين فدعوهم إلى الأقرار بالله وهو قوله : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) ، ثم دعوهم إلى الأقرار بالنبيين فأقر بعضهم وأنكر بعض ، ثم دعوهم إلى ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض وهو قوله تعالى : ( وما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به (1) من قبل ) ، ثم . قال عليه السلام كان التكذيب ، ثم .
وفي رواية أخرى : فمنهم من أقر بلسانه ولم يؤمن بقلبه ، فقال الله : ( فما كانوا ليؤمنوا
____________
(1) لفظة به في القرآن انما هي في سورة يونس وليست هنا . منه رحمه الله .
( 223 )

بما كذبوا به من قبل ) .
والعياشي : عنهما عليهما السلام إن الله خلق الخلق وهم أظلة فأرسل إليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فمنهم من آمن به ومنهم من كذبه ، ثم بعثه في الخلق الآخر فآمن به من آمن به في الأظلة ، وجحده من جحده يومئذ ، فقال : ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل ) .
وعن الصادق عليه السلام في هذه الآية : بعث الله الرسل إلى الخلق وهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء فمن صدق حينئذ صدق بعد ذلك ، ومن كذب حينئذ كذب بعد ذلك . كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين .
(102) وما وجدنا لأكثرهم من عهد : وفاء عهد ، فإن أكثرهم نقضوا عهد الله إليهم في الأيمان والتقوى . وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين : وأنه علمنا أكثرهم خارجين عن الطاعة .
في الكافي : عن الكاظم عليه السلام إنها نزلت في الشّاك .
وعن الصادق عليه السلام : إنه قال لأبي بصير : يا أبا بصير إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا ، ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره : ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) .
والعياشي : عن أبي ذر والله ما صدق أحد ممن أخذ الله ميثاقه فوفى بعهد الله غير أهل بيت نبيهم وعصابته قليلة من شيعتهم ، وذلك قول الله : ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد وان وجدنا أكثرهم لفاسقين ) ، وقوله : ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) .
(103) ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا : بالمعجزات . إلى فرعون وملأه فظلموا بها : بأن كفروا بها مكان الأيمان الذي هو من حقها لوضوحها ، ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا ، وفرعون لقب لمن ملك مصر ككسرى لمن ملك فارس ، وقيصر لمن ملك الروم ، وكان اسمه قابوس أو الوليد بن مصعب ابن الريان . فانظر كيف كان عاقبة المفسدين : في الأكمال : عن الباقر عليه السلام في حديث ثم إن الله تبارك وتعالى أرسل


( 224 )

الأسباط إثني عشر بعد يوسف ، ثم موسى وهارون إلى فرعون وملأه إلى مصر وحدها .
والعياشي : مرفوعا إن فرعون بنى سبع مداين يتحصن فيها من موسى عليه السلام وجعل فيما بينها آجاما وغياضا (1) وجعل فيها الأسد ليتحصن بها من موسى ، قال : فلما بعث الله موسى إلى فرعون فدخل المدينة فلما رآه الاسد تبصبصت وولت مدبرة ، ثم قال : لم يأت مدينة إلا انفتح له بابها حتى انتهى إلى قصر فرعون الذي هو فيه ، قال : فقعد على بابه وعليه مدرعة من صوف ومعه عصاه فلما خرج آذن قال له موسى : استأذن لي على فرعون ، لم يلتفت إليه ، قال : فمكث بذلك ما شاء الله يسأله أن يستأذن له ، قال : فلما أكثر عليه قال له : أما وجد رب العالمين من يرسل غيرك قال : فغضب موسى فضرب الباب بعصاه فلم يبق بينه وبين فرعون باب إلا انفتح حتى نظر إليه فرعون ومن في مجلسه ، فقال : ادخلوه ، فدخل عليه وهو في قبة له مرتفعة كثيرة الأرتفاع ثمانون ذراعا ، قال : فقال : ( إني رسول رب العالمين إليك ) ، قال : فقال : ( فأت بآية إن كنت من الصادقين ) ، قال : ( فألقى عصاه ) ، وكان لها شعبتان ، قال : فإذا حية قد وقع إحدى الشعبتين في الأرض ، والشعبة الاخرى في أعلى القبة ، قال : فنظر فرعون إلى جوفها وهو يلتهب نيرانا ، قال : وأهوت إليه فأحدث ، وصاح يا موسى خذها .
(104) وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين : إليك . حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق : وكان أصله حقيق علي أن لا أقول فقلب لأمن الألتباس ، أو لأن ما ألزمك فقد لزمته ، أو للأغراق في الوصف بالصدق ، يعني أنه حق واجب - علي القول الحق - أن أكون أنا قائله لا يرضى إلا بمثلي ، أو ضمن حقيق معنى حريص ، أو وضع - على - مكان الباء كقولهم : رميت السهم على القوس ، وقرء علي على الأصل ، وعن ابي أنه قرء بالباء ، وقرء في الشواذ بحذف على . قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل : فخلهم حتى يرجعوا معي إلى الأرض المقدسة التي هي وطن آبائهم ، وكان قد استعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشاقة .
(106) قال إن كنت جئت بآية : من عند من أرسلك . فأت بها إن كنت من
____________
(1) الغيضة الاجمة وهي مغيض ماء يجتمع فينبت فيه الشجر والجمع غياض واغياظ وغيض الاسد اي ألف ألف الغيضة .
( 225 )

الصادقين : في الدعوى .
(107) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين : ظاهر أمره لا يشك في أنه ثعبان ، وهو الحية العظيمة .
(108) ونزع يده : من جيبه . فإذا هي بيضاء للناظرين : بياضا نورانيا غلب شعاعه شعاع الشمس ، وكان موسى آدم شديد الادمة فيما يروى .
(109) قال الملاء من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم في سورة الشعراء ( قال للملأ حوله ) ولعله قاله : وقالوه ، أو قالوه عنه .
(110) يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون : تشيرون في أن نفعل .
(111) قالوا أرجه وأخاه : أخرهما وأصدرهما عنك حتى ترى رأيك فيهما وتدبر أمرهما .
العياشي : مقطوعا لم يكن في جلسائه يومئذ ولد سفاح ، ولو كان لأمر بقتلهما ، قال : وكذلك نحن لا يسرع إلينا إلا كل خبيث الولادة . وقرء ارجه بحذف الهمزة الثانية وكسر الهاء مع الأشباع وبدونه ، وبسكون الهاء من غير همز . وأرسل في المدائن حاشرين
(112) يأتوك بكل ساحر عليم : وقرء سحار .
(113) وجاء السحرة فرعون قالوا أئن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين .
(114) قال نعم وإنكم لمن المقربين : وقرء ان لنا على الأخبار ، وإيجاب الأجر .
(115) قالوا يا موسى إما أن تلقي وإمآ أن نكون نحن الملقين : خيروه مراعاة للأدب ، ولكن كانت رغبتهم في أن يلقوا قبله فنبهوا عليه بتغيير النظم إلى ما هو أبلغ .
(116) قال ألقوا : كرما وتسامحا ، وقلة مبالاة بهم ، وثقة بما كان بصدده من التأييد الألهي . فلما ألقوا سحروا أعين الناس : بأن خيلوا إليها ما الحقيقة بخلافه بالحيل


( 226 )

والشعوذة (1) واسترهبوهم : وأرهبوهم إرهابا شديدا كأنهم طلبوا رهبتهم . وجآؤا بسحر عظيم : في فنه ، وروي أنهم ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا كأنها حيات ملأت الوادي وركب بعضها بعضا .
(117) وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فألقاها فصارت حية عظيمة . فإذا هي تلقف ما يأفكون : ما يزورونه من الأفك ، وهو الصرف وقلب الشيء عن وجهه ، وقرء تلقف بالتخفيف حيث كان . روي أنها لما تلقفت حبالهم وعصيهم وابتلعتها بأسرها أقبلت على الحاضرين فهربوا وازدحموا حتى هلك جمع عظيم ، ثم أخذها موسى فصارت عصا كما كانت ، فقالت السحرة : لو كان هذا سحرا لبقيت حبالنا وعصينا .
(118) فوقع الحق : فحصل وثبت لظهوره أمره وبطل ما كانوا يعملون : من السحر والمعارضة .
(119) فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين : صاروا أذلاء منهزمين .
(120) وألقى السحرة ساجدين : وخروا سجدا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم ، ولعل الحق بهرهم (2) واضطرهم إلى السجود بحيث لم يبق لهم تمالك لينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى ، وينقلب الأمر عليه .
(121) قالوا آمنا برب العالمين .
(122) رب موسى وهارون : أبدلوا الثاني من الأول لئلا يتوهم أنهم أرادوا به فرعون .
(123) قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم : وقرء بحذف الهمزة على الأخبار . إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة : إن هذا الصنيع لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل
____________
(1) الشعوذة خفة في اليد واخذ كالسحر يري الشيء بغير ما عليه أصله في رأي العين وهو مشعوذ ومشعوذ والاخذة بالضم رقية كالسحر أو خرزة يؤخذ بها .
(2) بهره بهرا أي غلبه .

( 227 )

أن تخرجوا منها إلى هذه الصحراء وتواطأتم على ذلك . لتخرجوا منهآ أهلها : يعني القبط ، وتخلص لكم ولبني إسرائيل ، وكان هذا الكلام من فرعون تمويها على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الأيمان فسوف تعلمون : وعيد مجمل يفصله ما بعده .
(124) اقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف : أي من كل شق طرفا . ثم لاصلبنكم أجمعين : تفضيحا لكم ، وتنكيلا لأمثالكم .
(125) قالوا إنا إلى ربنا منقلبون : أي لا نبالي بالموت والقتل ، لأنقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته ، وإنا جميعا ننقلب إلى الله فيحكم بيننا .
(126) وما تنقم منآ إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا : أي وما تنكر منا وتعيب إلا الأيمان بآيات الله ، وهو أصل كل منقبة وخير . ربنا أفرغ : أفض . علينا صبرا : واسعا كثيرا يغمرنا كما يفرغ الماء . وتوفنا مسلمين : ثابتين على الأسلام .
(127) وقال الملاء من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الارض : بتغيير الناس عليك ، ودعوتهم إلى مخالفتك ويذرك وآلهتك : معبوداتك ، القمي : قال : كان فرعون يعبد الأصنام ، ثم ادعى بعد ذلك الربوبية .
وفي المجمع : عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قرء ويدرك وإلاهتك يعني عبادتك . وقيل : إن فرعون صنع لقومه أصناما وأمرهم أن يعبدوها تقربا إليه ، ولذلك قال : ( أنا ربكم الأعلى ) . قال : فرعون . سنُقّتِل أبنائهم ونستحيي نساءهم : كما كنا نفعل من قبل ليعلم إنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة ، وإن غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا ، وقرء سنقتل بالتخفيف . وَإنّا فوقهم قاهرون : غالبون ، وإنهم مقهورون تحت أيدينا .
(128) قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا : تسكينا لهم من ضجرهم بوعيد فرعون ، وتسلية لقلوبهم . إن الارض يورثها من يشآء من عباده والعاقبة للمتقين : وعد لهم منه بالنصرة ، وتذكير لما كان قد وعدهم من إهلاك القبط ، وتوريثهم ديارهم ، وتحقيق له .
العياشي : عن الصادق عليه السلام قال : ( إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده


( 228 )

قال : فما كان لله فهو لرسوله ، وما كان لرسول الله فهو للأمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وعن الباقر عليه السلام : قال : وجدنا في كتاب علي أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) وأنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ، ونحن المتقون ، والأرض كلها لنا ، فمن أحيا أرضا من المسلمين فعمرها فليؤد خراجها إلى الأمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها . فإن تركها وأخربها بعد ما عمرها فأخذها رجل من المسلمين بعده فعمرها وأحياها فهو أحق به من الذي تركها ، فليؤد خراجها إلى الأمام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف ، فيحوزها ويمنعها ويخرجهم عنها ، كما حواها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنعها ، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم ويترك الأرض في أيديهم .
(129) قالوا : أي بنو إسرائيل . أوذينا من قبل أن تأتينا : بالرسالة . قيل : أي بقتل الأبناء . ومن بعد ما جئتنا : أي بإعادته .
والقمي : قال : قال الذين آمنوا بموسى : قد أوذينا قبل مجيئك يا موسى بقتل أولادنا ، ومن بعد ما جئتنا لما حبسهم فرعون لأيمانهم بموسى . قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض : صرح بما كنى عنه أولا لما رآى أنهم لم يتسلوا بذلك . فينظر : فيرى . كيف تعملون : من شكر ، وكفران ، وطاعة ، وعصيان ، ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم .
(130) ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين : بالجدوب لقلة الأمطار والمياه . والقمي : يعني السنين المجدبة .
أقول : السنة غلبت على عام القحط لكثرة ما يذكر عنه ويؤرخ به ثم اشتق منها فقيل : أسنت القوم إذا قحطوا (1) . ونقص من الثمرات : بكثرة العاهات . لعلهم يذكرون
____________
(1) القحط بالتحريك الجدب وقحط المطر يقحط من باب نفع إذا احتبس وحكى عن الفراء قحط المطر من باب تعب وقحط القوم أصابهم القحط وقحطوا على ما لم يسم فاعله .
( 229 )

لكي يتنبهوا على أن ذلك بشؤم كفرهم ومعاصيهم فيتعظوا وليرق قلوبهم بالشدائد فيفزعوا إلى الله ويرغبوا فيما عنده .
(131) فإذا جاءتهم الحسنة : من الخصب والسعة . قالوا لنا هذه : لأجلنا ونحن مستحقوها . وإن تصبهم سيئة : جدب وبلاء . يطّيّروا بموسى ومن معه : يتشأموا بهم ، ويقولوا : ما أصابتنا إلا بشؤمهم . القمي : قال : الحسنة هيهنا : الصحة والسلامة والأمن والسعة ، والسيئة هنا : الجوع والخوف والمرض . ألا إنما طائرهم عند الله : أي سبب خيرهم وشرهم عنده ، وهو حكمه ومشيئته كما قال : ( قل كل من عند الله ) . ولكن أكثرهم لا يعلمون .
(132) وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين : أي شيء تأتنا لتموه علينا فما نحن لك بمصدقين ، أرادوا أنهم مصرون على تكذيبه ، وإن أتى بجميع الآيات .
(133) فأرسلنا عليهم الطوفان : ما طاف بهم وغشيهم .
العياشي : عن الصادق عليه السلام أنه سئل ما الطوفان ؟ فقال : هو طوفان الماء ، والطاعون . والجراد والقمل : قيل : هو كبار القردان ، وقيل : هو صغار الجراد ، وقيل : (1) غير ذلك . والضفادع والدم آيات مفصلات : مبينات لا يشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته عليهم ، أو مفصلات لأمتحان أحوالهم إذ كان بين كل آيتين منها سنة ، وكان إمتداد كل واحدة أسبوعا . فاستكبروا : عن الأيمان . وكانوا قوما مجرمين .
(134) ولما وقع عليهم الرجز : العذاب ، العياشي : عن الرضا عليه السلام الرجز : هو الثلج ، ثم قال : خراسان بلاد رجز .
وفي المجمع : عن الصادق عليه السلام أنه أصابهم ثلج أحمر لم يروه قبل ذلك
____________
(1) وقيل الدبا الذي لا أجنحة له قال بعض المفسرين : اختلف العلماء في القمل المرسل على بني اسرائيل فقيل هو السوس والذي يخرج من الحنطة وقيل غير ذلك وروي أن موسى عليه السلام مشى إلى كثيب أعفر كثيب مهيل فضربه بعصاه فانتثر كله قملا في مصر فتتبع حروثهم وأشجارهم ونباتهم فأكله ولحس الارض وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده فيعضه وكان أحدهم يأكل الطعام فيمتليء قملا فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل فأنه أخذ شعورهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ولزم جلودهم كأنه الجدري ومنعهم النوم والقرار .
( 230 )

فماتوا فيه وجزعوا ، وأصابهم ما لم يعهدوه قبله . قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك : بعهده عندك . لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرئيل .
(135) فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه : إلى حد من الزمان هم بالغوه . إذا هم ينكثون : فاجأوا النكث وبادروه ولم يؤخروه .
(136) فانتقمنا منهم : فأردنا الأنتقام منهم . فأغرقناهم في اليم : في البحر الذي لا يدرك قعره . بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين : القمي : مقطوعا ، ونسب حديثه في المجمع : إلى الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام : قال : لما سجد السحرة وآمن به الناس ، قال هامان لفرعون : إن الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه ، فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل . فجاء إليه موسى فقال له : خل عن بني إسرائيل ، فلم يفعل . فأنزل الله عليهم في تلك السنة الطوفان ، فخرب دورهم ومساكنهم حتى خرجوا إلى البرية ، وضربوا الخيام .
فقال فرعون لموسى : ادع لنا ربك حتى يكف عنا الطوفان حتى أخلي عن بني إسرائيل وأصحابك ، فدعا موسى ربه فكف عنهم الطوفان ، وهم فرعون أن يخلي عن بني إسرائيل فقال له هامان : إن خليت عن بني إسرائيل غلبك موسى وأزال ملكك ، فقبل منه ولم يخل عن بني إسرائيل ، فأنزل الله عليهم في السنة الثانية الجراد فجردت كل شيء كان لهم من النبت والشجر حتى كانت تجرد شعرهم ولحيتهم ، فجزع فرعون من ذلك جزعا شديدا وقال :
يا موسى ادع ربك أن يكف عنا الجراد حتى اخلي عن بني إسرائيل وأصحابك ، فدعا موسى ربه فكف عنهم الجراد ، فلم يدعه هامان أن يخلي عن بني إسرائيل ، فأنزل الله عليهم في السنة الثالثة القمل فذهبت زروعهم وأصابتهم المجاعة ، فقال فرعون لموسى : إن رفعت عنا القمل كففت عن بني إسرائيل فدعا موسى ربه حتى ذهب القمل ، وقال : أول ما خلق الله القمل في ذلك الزمان ، فلم يخل عن بني إسرائيل فأرسل الله عليهم بعد ذلك الضفادع فكانت تكون في طعامهم وشرابهم ، ويقال : إنها تخرج من أدبارهم وآذانهم وآنافهم . فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فجاؤا إلى موسى فقالوا :


( 231 )

ادع الله يذهب عنا الضفادع فإنا نؤمن بك ، ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا موسى ربه فرفع الله عنهم ذلك ، فلما أبوا أن يخلوا عن بني إسرائيل حول الله ماء النيل دما . فكان القبطي رآه دما والأسرائيلي رآه ماء فإذا شربه الأسرائيلي كان ماء ، وإذا شربه القبطي يشربه دما ، وكان القبطي يقول للأسرائيلي : خذ الماء في فمك وصبه في فمي فكان إذا صبه في فم القبطي يحول دما فجزعوا من ذلك جزعا شديدا فقالوا لموسى : لئن رفع الله عنا الدم لنرسلن معك بني إسرائيل ، فلما رفع الله عنهم الدم غدروا ولم يخلوا عن بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الرجز وهو الثلج ولم يروه قبل ذلك فماتوا فيه وجزعوا وأصابهم ما لم يعهدوه قبله ، فقالوا : ( يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل ) فدعا ربه فكشف عنهم الثلج فخلى عن بني إسرائيل ، فلما خلي عنهم اجتمعوا إلى موسى عليه السلام وخرج موسى من مصر واجتمع إليه من كان هرب من فرعون وبلغ فرعون ذلك ، فقال له هامان : قد نهيتك أن تخلّي عن بني إسرائيل فقد استجمعوا إليه ، فجزع فرعون وبعث في المدائن حاشرين ، وخرج في طلب موسى .
(137) وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون : يعني بني إسرائيل ، كان يستضعفهم فرعون وقومه بالأستعباد ، وذبح الأبناء مشرق الارض ومغاربها : يعني أرض مصر والشام ، ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة ، والعمالقة ، وتمكنوا في نواحيها . التى باركنا فيها : بالخصب والعيش . وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل : ومضت عليهم واتصلت بإنجاز عدته إياهم بالنصر والتمكين ، وهي قوله عز وجل : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ) إلى قوله : ( ما كانوا يحذرون ) ، وقرء كلمات ربك لتعدد المواعيد . بما صبروا : بسبب صبرهم على الشدائد . ودمّرْنا : وخربنا . ما كان يصنع فرعون وقومه : من القصور والعمارات . وما كانوا يعرشون : من الجنان ، أو ما كانوا يرفعون من البنيان ، وقرء بضم الراء .
(138) وجوزنا ببني إسرائيل البحر : بعد مهلك فرعون . فأتوا على قوم : فمروا عليهم . يعكفون على أصنام لهم : يقيمون على عبادتها . قالوا يا موسى اجعل لنآ إلها : صنما


( 232 )

نعبده . كما لهم آلهة : يعبدونها . قال إنكم قوم تجهلون .
(139) إن هؤلاء : إشارة إلى القوم . متبر : مدمر مكسر . ما هم فيه : إن الله يهدم دينهم الذي هم عليه على يدي ، ويحطم أصنامهم هذه ، ويجعلها رضاضا . وباطل : مضمحل . ما كانوا يعملون : من عبادتها ، لا ينتفعون بها وإن قصدوا بها التقرب إلى الله عز وجل .
(140) قال أغير الله أبغيكم إلها : أطلب بكم معبودا . وهو فضلكم على العالمين : والحال أنه خصكم بنعم لم يعطها غيركم .
(141) وإذ أنجيناكم من آل فرعون : واذكروا صنيعه معكم في هذا الوقت ، وقرء أنجيكم . يسومونكم سوء العذاب : يبغونكم ويكلفونكم شدة العذاب . يقتّلون أبناءكم : وقرء بالتخفيف . ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم : في الأنجاء نعمة عظيمة ، أو في العذاب محنة عظيمة .
(142) وواعدنا موسى ثلاثين ليلة : ذا القعدة ، وقرء ووعدنا وأتممناها بعشر : من ذي الحجة . فتم ميقات ربه أربعين ليلة : قد سبق تفسيره في سورة البقرة مبسوطا . وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي : كن خليفتي فيهم . وأصلح : ما يجب أن يصلح من أمورهم . ولا تتبع سبيل المفسدين : ولا تطع من دعاك إلى الأفساد ، ولا تسلك طريقه .
(143) ولما جاء موسى لميقاتنا : لوقتنا الذي وقتناه له وحددناه . وكلمه ربه : من غير واسطة ، كما يكلم الملائكة . قال رب أرني أنظر إليك : أرني نفسك واجعلني متمكنا من رؤيتك بأن تتجلى لي فأنظر إليك وأراك . قال لن تراني : لن تطيق رؤيتي . ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه : لما تجليت عليه . فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل : ظهر له عظمته ، وتصدى له إقتداره وأمره . جعله دكا : مدكوكا مفتتا ، والدك والدق متقاربان ، وقرء دكاء أي أرضا مستوية . وخر موسى صعقا : مغشيا عليه من هول ما رآى . فلمآ أفاق قال : تعظيما لما رآى . سبحنك تبت إليك : من الجرأة والأقدام على مثل هذا السؤال . وأنا أول المؤمنين : بأنك لا ترى .
في المجمع : عن الصادق عليه السلام أنا أول من آمن وصدق بأنك لا ترى .
وفي العيون : عن الرضا عليه السلام أنه سئل كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى


( 233 )

ابن عمران لا يعلم أن الله لا يجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟ فقال عليه السلام : إن كليم الله علم أن الله منزه عن أن يرى بالأبصار ، ولكنه لما كلمه الله وقربه نجيا (1) رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله كلمه وقربه وناجاه فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعته ، وكان القوم سبعمأة ألف فاختار منهم سبعين ألفا ، ثم اختار منهم سبعة آلاف ، ثم اختار منهم سبعمأة ، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلى طور سيناء . فأقامهم في سفح (2) الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله أن يكلمه ويسمعهم كلامه . فكلمه الله وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لأن الله أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة .
فلما قالوا : هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا ، بعث الله عليهم صاعقة يعني نارا وقع من السماء فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله إياك ، فأحياهم وبعثهم معه فقالوا : إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك فتخبرنا كيف هو ونعرفه حق معرفته .
فقال موسى : يا قوم إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : ( لن نؤمن لك ) حتى تسأله ، فقال موسى : يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله إليه يا موسى سلني ما سألوك فلم أؤاخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى : ( رب أرنى أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه ) وهو يهوي ( فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل ) بآياته من آياته ( جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك ) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ( وأنا أول المؤمنين ) منهم بأنك لا ترى .
وفي الأكمال : عن القائم عليه السلام في كلام فلما وجدنا اختيار من قد اصطفيه
____________
(1) قوله تعالى قربناه نجيا أي مناجيا وهو مصدر كالصهيل والنعيق يقع على الواحد والجماعة .
(2) سفح الجبل أسفله حيث يسفح فيه الماء .

( 234 )

الله للنبوة يعني موسى عليه السلام واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا إختيار إلا لمن يعلم ما في الصدور وتكن الضمائر الحديث ، ويأتي تمامه في سورة القصص إنشاء الله .
وفي التوحيد : عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وسأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من بعد حمد الله عز وجل ( رب أرني أنظر إليك ) فكانت مسألته تلك أمرا عظيما ، وسأل أمرا جسيما فعوتب فقال الله وتعالى : ( لن تراني ) في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة ، ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا فانظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فأبدى الله سبحانه بعض آياته وتجلّى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا ، ثم أحياه الله وبعثه فقال : ( سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) يعني أول من آمن بك منهم أنه لن يراك .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام : إن موسى بن عمران لما سأل ربه النظر إليه وعده الله أن يقعد في موضع ثم أمر الملائكة أن تمر عليه موكبا موكبا بالبرق والرعد والريح والصواعق فكلما مر به موكب ارتعدت فرائصه (1) فيرفع رأسه فيسأل أفيكم ربّي فيجاب هو آت وقد سألت عظيما يا ابن عمران .
وعنه وعن الباقر عليهما السلام : لما سأل موسى عليه السلام ربه تعالى ( قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ) ، قال : فلما صعد موسى الجبل فتحت أبواب السماء وأقبلت الملائكة أفواجا في أيديهم العمد وفي رأسها النور يمرون به فوجا بعد فوج يقولون : يا ابن عمران أثبت فقد سألت عظيما ، قال : فلم يزل موسى عليه السلام واقفا حتى تجلى ربنا جل جلاله فجعل الجبل دكا وخر موسى صعقا ، فلما أن رد الله إليه روحه وأفاق قال : ( سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) .
____________
(1) في الحديث ارتعدت فرائصه واصطكت فرائص الملائكة هي جمع فريصة وهي اللحمة بين جنب الدابة وكتفها لا تزال ترعد من الدابة وجمعها ايضا فريص وفريص العنق اوداجها الواحدة فريصة .