وفي رواية : إن النار أحاطت بموسى عليه السلام لئلا يهرب لهول ما رأى ، وقال : لما خر موسى صعقا مات ، فلما أن رد الله روحه أفاق فقال : ( سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) .
والقمي : في قوله : ( ولكن انظر إلى الجبل ) قال : فرفع الله الحجاب ونظر إلى الجبل فساخ (1) الجبل في البحر فهو يهوي حتى الساعة ونزلت الملائكة وفتحت أبواب السماء فأوحى الله إلى الملائكة أدركوا موسى لا يهرب فنزلت الملائكة وأحاطت بموسى وقالوا : اثبت يا ابن عمران فقد سألت الله عظيما ، فلما نظر موسى إلى الجبل قد ساخ والملائكة قد نزلت وقع على وجهه من خشية الله وهول ما رأى فرد الله عليه روحه فرفع رأسه وأفاق ، وقال : ( سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ) أي أول من صدق أنك لا ترى .
وفي البصائر : عن الصادق عليه السلام إن الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الأول جعلهم الله خلف العرش لو قسّم نور واحد منهم على أهل الأرض لكفاهم ، ثم قال : ان موسى عليه السلام لما سأل ربه ما سأل أمر واحدا من الكروبيين فتجلى للجبل وجعله دكا . قال في الجوامع : وقيل في الآية وجه آخر وهو أن يكون المراد بقوله أرني أنظر إليك عرفني نفسك تعريفا واضحا جليا بإظهار بعض آيات الآخرة التي تضطر الخلق إلى معرفتك ، أنظر إليك أعرفك معرفة ضرورية كأني أنظر إليك كما جاء في الحديث ( سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ) بمعنى ستعرفونه معرفة جلية هو في الجلاء مثل أبصاركم القمر إذا امتلى واستوى بدرا ، قال : ( لن تراني ) لن تطيق معرفتي على هذه الطريقة ، ولن تحتمل قوتك تلك الآية ، ولكن انظر إلى الجبل فإني أورد عليه آية من تلك الآيات فإن ثبت لتجليها واستقر مكانه فسوف تثبت بها وتطيقها ( فلما تجلى ربه ) فلما ظهرت للجبل آية من آيات ربه ( جعله دكا وخر موسى صعقا ) لعظم ما رآى ( فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك ) مما اقترحت ( وأنا أول المؤمنين ) بعظمتك وجلالك .
أقول : تحقيق القول في رؤية الله سبحانه ما أفاده مولانا أمير المؤمنين عليه
____________
(1) ساخت قوائمه في الارض تسوخ سوخا وتسيخ سيخا من باب قال وباع دخلت فيها وغابت وساخت فرسي غاصت في الارض وساخت بهم الارض بالوجهين خسفت ويعدى بالهمزة فيقال اساخه الله مـ .
( 236 )

السلام لم تره العيون بمشاهدة الأبصار (1) ولكن رأته القلوب بحقائق الأيمان ، لا يعرف بالقياس ، ولا يدرك بالحواس ، ولا يشبه بالناس ، موصوف بالآيات ، معروف بالعلامات . وقال عليه السلام : لم أعبد ربا لم أره .
وفي التوحيد : عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن الله عز وجل هل يراه المؤمنين يوم القيامة ؟ قال : نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة ، فقيل : متى ؟ قال : حين قال لهم : ( ألست بربكم قالوا بلى ) ، ثم سكت ساعة ، ثم قال : وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ألست تراه في وقتك هذا قيل : فاحدث بها عنك فقال : لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ، ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون .
(144) قال يا موسى إني اصطفيتك : اخترتك . على الناس : أي الذين كانوا في زمانك ، وهارون وإن كان نبيا كان مأمورا باتباعه ، ولم يكن كليما ولا صاحب شرع برسلاتي يعني أسفار التوراة ، وقرء برسالتي . وبكلامي : وبتكليمي إياك . فخذ ما آتيتك : ما أعطيتك من الرسالة . وكن من الشاكرين : على النعمة ، فيه .
روي أن سؤال الرؤية كان يوم عرفة ، وإعطاء التوراة يوم النحر .
في الكافي : عن الصادق عليه السلام قال : أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام ان يا موسى تدري لما اصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ قال : رب ولم ذاك ؟ قال : فأوحى الله تعالى إليه يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك ، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب ، أو قال : على الأرض ، وفي العلل : عنه عليه السلام ما يقرب منه .
(145) وكتبنا له في الألواح من كل شيء : وما يحتاجون إليه من أمر الدين . موعظة وتفصيلا لكل شيء : وكانت زبرجدة من الجنة كما رواه .
____________
(1) بالكسر على المصدر في مقابلة الايمان وفي توحيد الصدوق العيان مكان الابصار وحقايق الايمان اركانه من التصديق بالله وبواحدانيته واعتبارات اسمائه وصفاته عز وجل ولرؤية الله سبحانه بالقلوب مراتب بحسب درجات الايمان قوة وضعفا .
( 237 )

العياشي عن الصادق عليه السلام . وفي البصائر : عن أمير المؤمنين عليه السلام أنها كانت من زمرد أخضر . فخذها بقوة : بجد وعزيمة القمي أي قوة القلب . وأمر قومك يأخذوا بأحسنها : بأحسن ما فيها كالصبر والعفو بالأضافة إلى الأنتقام والأقتصاص ، وهو مثل قوله تعالى : ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) ، وقوله : ( فيتبعون أحسنه ) . سأريكم دار الفاسقين : منازل القرون الماضية المخالفة لأمر الله الخارجة عن طاعة الله ليعتبروا . العياشي : عن الصادق عليه السلام في الجفر أن الله عز وجل لما أنزل الألواح على موسى أنزلها عليه وفيها تبيان كل شيء كان أو هو كائن إلى أن تقوم الساعة فلما انقضت أيام موسى أوحى الله إليه أن استودع الألواح وهي زبرجدة من الجنة ، جبلا يقال له زينة فأتى موسى الجبل فانشق له الجبل فجعل فيه الألواح ملفوفة فلما جعلها فيه انطبق الجبل عليها فلم تزل في الجبل حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل ركب من اليمن يريدون الرسول .
فلما انتهوا إلى الجبل انفرج الجبل وخرجت الألواح ملفوفة كما وضعها موسى فأخذها القوم فلما وقعت في أيديهم القي في قلوبهم أن لا ينظروا إليها ، وهابوها حتى يأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله جبرئيل على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بأمر القوم وبالذي أصابوه فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسلموا عليه ابتدأهم فسألهم عما وجدوا فقالوا : وما علمك بما وجدنا ؟ قال : أخبرني به ربي وهو الألواح ، قالوا : نشهد أنك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخرجوها فوضعوها إليه فنظر إليها وقرأها وكانت بالعبراني .
ثم دعا أمير المؤمنين عليه السلام فقال : دونك هذه ففيها علم الأولين والآخرين وهي ألواح موسى ، وقد أمرني ربي أن أدفعها إليك فقال : لست أحسن قرائتها ، قال : إن جبرئيل أمرني أن آمرك أن تضعها تحت رأسك ليلتك هذه فإنك تصبح وقد علمت قرائتها ، قال : فجعلها تحت رأسه فأصبح وقد علمه الله كل شيء فيها فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنسخها فنسخها في جلد وهو الجفر ، وفيه علم الأولين والاخرين ، وهو عندنا والألواح عندنا ، وعصا موسى عندنا ، ونحن ورثنا النبيين - أجمعين .


( 238 )

قال : قال أبو جعفر عليه السلام : تلك الصخرة التي حفظت ألواح موسى تحت شجرة في واد يعرف بكذا .
وفي البصائر : أن الباقر عليه السلام عرف تلك الصخرة ليماني دخل عليه وفيه : هذا الخبر بنحو آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وفي آخره فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا هو كتاب بالعبرانية وفتق فدفعه إلي ووضعته عند رأسي فأصبحت بالغداة وهو كتاب بالعربية جليل فيه علم ما خلق الله منذ قامت السموات والأرض إلى أن تقوم الساعة فعلمت ذلك .
(146) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق : بالطبع على قلوبهم فلا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها . وإن يروا كل آية : منزلة أو معجزة . لا يؤمنوا بها : لإختلاف عقولهم بسبب إنهماكهم في التقليد والهوى ، في الحديث : إذا عظمت امتي الدنيا نزعت عنها هيبة الأسلام ، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي . وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا : وقريء الرشد بفتحتين . وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا .
القمي : قال : إذا رأوا الأيمان والصدق والوفاء والعمل الصالح لا يتخذوه سبيلا ، وإن يروا الشرك والزنا والمعاصي يأخذوا بها ويعملوا بها . ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غفلين : ذلك الصرف بسبب تكذيبهم وعدم تدبرهم للآيات .
(147) والذين كذبوا بآياتنا ولقآء الآخرة حبطت أعمالهم : لا ينتفعون بها . هل يجزون إلا ما كانوا يعملون : إلا جزاء أعمالهم .
(148) واتخذ قوم موسى من بعده : من بعد ذهابه للميقات . من حليهم : وقرء بكسر الحاء . عجلا جسدا : خاليا من الروح . له خوار : صوت كصوت البقر ، قد مضى قصة العجل مبسوطة في سورة البقرة .
العياشي : عن الباقر عليه السلام أن في ما ناجى موسى ربه أن قال : يا رب هذا السامري صنع العجل فالخوار من صنعه ، قال : فأوحى الله إليه يا موسى أن تلك فتنتي فلا تفحص عنها .


( 239 )

وعن الصادق عليه السلام : قال : يا رب ومن أخار الصنم ؟ فقال الله : يا موسى أنا أخرته ، فقال : موسى : ( إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء ) . ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا : تقريع على فرط ضلالتهم وإخلالهم بالنظر ، يعني إنه ليس كآحاد البشر فكيف يكون خالق القوى والقدر . إتخذوه إلها وكانوا ظالمين : واضعين الأشياء في غير مواضعها فلم يكن اتخاذ العجل بدعا منهم .
(149) ولما سقط في أيديهم : كناية عن اشتداد ندمهم فإن النادم المتحسر يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها . ورأوا : وعلموا . أنهم قد ضلوا : باتخاذ العجل . قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا : بالتجاوز عن الخطيئة . لنكونن من الخاسرين : وقرء بالخطاب والنداء .
(150) ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا : شديد الغضب ، أو حزينا . قال بئس ما خلفتموني من بعدي : أي قمتم مقامي وكنتم خلفائي من بعدي حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله . أعجلتم أمر ربكم : يقال : عجل من الأمر إذا تركه غير تام وأعجله عنه غيره ويضمن معنى سبق فيقال : عجل الأمر ، والمعنى أتركتم أمر ربكم غير تام ؟ وهو انتظار موسى حافظين لعهده . وألقى الالواح : طرحها من شدة الغضب لله وفرط الضجر حمية للدين . روي : أنه لما ألقاها انكسرت فذهبت بعضها .
وفي البصائر : عن أمير المؤمنين عليه السلام : إن منها ما تكسر ، ومنها ما بقى ، ومنها ما ارتفع .
وعن الباقر عليه السلام : إنه عرف يمانيا صخرة باليمن ثم قال : تلك الصخرة التي التقمت ما ذهب من التوراة حين ألقى موسى الألواح فلما بعث الله رسوله أدته إليه وهي عندنا .
وفي المجمع : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رحم الله أخي موسى عليه السلام ليس المخبر كالمعاين لقد أخبره الله بفتنة قومه ، ولقد عرف أن ما أخبره ربه حق وان على ذلك لمتمسك بما في يديه فرجع إلى قومه ورآهم فغضب وألقى الألواح .


( 240 )

والعياشي : عن الصادق عليه السلام ما في معناه . وأخذ برأس أخيه يجره إليه (1) .
في العلل : عن الصادق عليه السلام وذلك لأنه لم يفارقهم لما فعلوا ذلك ، ولم يلحق بموسى ، وكان إذا فارقهم ينزل بهم العذاب . قال ابن أم : وقرء أم بالكسر ، إنما نسبه إلى الأم لأنه أقرب إلى الأستعطاف .
وفي العلل : عنه ولم يقل يا ابن أبي لأن بني الأب إذا كانت أمهاتهم شتى لم يستبعد العداوة بينهم إلا من عصمة الله منهم ، وإنما يستبعد بين بني ام واحدة .
وفي الكافي : عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة الوسيلة إنه كان أخاه لأبيه وأمه .
والقمي : مثله عن الباقر والصادق عليهما السلام . قيل : وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين وكان حمولا (2) لينا ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل .
والقمي : عن الباقر عليه السلام أن الوحي ينزل على موسى ، وموسى عليه السلام يوحيه إلى هارون ، وكان موسى الذي يناجي ربه ، ويكتب العلم ، ويقضي بين بني إسرائيل ، قال : ولم يكن لموسى ولد وكان الولد لهارون . إن القوم استضعفوني : قهروني واتخذوني ضعيفا ، ولم آل جهدا في كفهم بالأنذار والوعظ . وكادوا يقتلونني : وقاربوا قتلي لشدة إنكاري عليهم . فلا تشمت بي الاعداء : فلا تفعل بي ما يشمتون بي لأجله . ولا تجعلني مع القوم الظالمين : معدودا في عدادهم بالمؤاخذة علي ونسبة التقصير إلي .
(151) قال رب اغفر لي ولاخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الرحمين .
(152) إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم : قيل : هو ما أمروا من قتل أنفسهم . وذلة في الحيوة الدنيا : قيل : هي خروجهم من ديارهم وقيل : هي الجزية
____________
(1) قيل في معناه ان موسى انما فعل ذلك مستعظما لفعلهم مفكرا فيما كان منهم كما يفعل الانسان بنفسه عند حالة الغضب وشدة الفكر مثل ذلك فيقبض على لحيته ويعض على شفتيه فاجرى موسى أخاه مجرى نفسه فصنع به ما يصنع الانسان بنفسه عند حالة الغضب والفكر .
(2) حمل عنه حلم فهو حمول ذو حلم .

( 241 )

وكذلك نجزي المفترين : وافتراؤهم قولهم : ( هذا إلهكم وإله موسى ) .
في الكافي : عن الباقر عليه السلام أنه تلا هذه الآية فقال : فلا ترى صاحب بدعة إلا ذليلا ، ولا مفتريا على الله وعلى رسوله وأهل بيته إلا ذليلا .
(153) والذين عملوا السيئات : من الكفر والمعاصي . ثم تابوا من بعدها : من بعد السيئات وآمنوا وعملوا بمقتضى الأيمان . إن ربك من بعدها : من بعد التوبة . لغفور رحيم .
(154) ولما سكت عن موسى الغضب : عبر عن سكون الغضب وإطفائه بالسكوت تنبيها على أن الغضب كان هو الحامل له على ما فعل ، والأمر له به والمغرى عليه ، وهذا من البلاغة في الكلام . أخذ الالواح : التي ألقاها . وفي نسختها هدى : دلالة وبيان لما يحتاج إليه من أمر الدين . ورحمة : نعمة ومنفعة . للذين هم لربهم يرهبون : معاصي الله .
(155) واختار موسى قومه : من قومه ، من باب الحذف والأيصال . سبعين رجلا لميقاتنا : سبقت قصتهم عند ذكر سؤال الرؤية . فلمآ أخذتهم الرجفة قال رب لو شيءت أهلكتهم من قبل وإياي : تمنى هلاكهم ، وهلاكه قبل أن يرى ما رأى . أتهلكنا بما فعل السفهآء منآ : من التجاسر على طلب الرؤية . في التوحيد : عن الرضا عليه السلام أن السبعين لما صاروا معه إلى الجبل قالوا له : إنك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته ، فقال : إني لم أره ، فقالوا : ( لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة ) ، واحترقوا عن آخرهم ، وبقى موسى وحيدا ، فقال : يا رب اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرتهم به ؟ فلو شيءت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا ) ؟ فأحياهم الله بعد موتهم .
وفي العيون : ما يقرب منه كما مر . إن هي إلا فتنتك : ابتلاؤك حين أسمعتهم كلامك حتى طمعوا في الرؤية . تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا : القائم بأمرنا . فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين : تغفر السيئة وتبدلها بالحسنة .
(156) واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة : حسن معيشة ، وتوفيق طاعة . وفي الآخرة


( 242 )

الجنة إنّا هُدنا إليك تبنا إليك من هاد يهود إذا رجع قال عذابي أصيب به من أشاء : تعذيبه . ورحمتي وسعت كل شيء : في الدنيا فما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي ، أو في الدنيا والآخرة ، إلا أن قوما لم يدخلوها لضلالهم . فسأكتبها : فسأثبتها وأوحيها في الآخرة . للذين يتقون : الشرك والمعاصي . ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون : فلا يكفرون بشيء منها .
(157) الذين يتبعون الرسول النبي .
في الكافي : عنهما عليهما السلام الرسول : الذي يظهر له الملك فيكلمه ، والنبي : هو الذي يرى في منامه ، وربما اجتمعت النبوة والرسالة لواحد . الأمي : المنسوب إلى ام القرى وهي مكة ، كذا في المجمع .
وعن الباقر عليه السلام ، والعياشي : عنه عليه السلام أنه سئل لم سمي النبي الأمي ؟ قال : نسب إلى مكة ، وذلك من قول الله : ( لتنذر ام القرى ومن حولها ) وام القرى مكة ، فقيل : امي لذلك .
وفي العلل : عن الجواد عليه السلام أنه سئل عن ذلك ؟ فقال : ما يقول الناس ؟ قيل : يزعمون أنه إنما سمي الامي لأنه لم يحسن أن يكتب ، فقال : كذبوا عليهم لعنة الله ، أنى ذلك ، والله يقول : ( هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) ، فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن ، والله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ ويكتب باثنين وسبعين ، أو قال : بثلاث وسبعين لسانا ، وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة ، ومكه من أمهات القرى ، وذلك قول الله عز وجل : ( لتنذر أم القرى ومن حولها ) الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل : باسمه ونعته . العياشي : عن الباقر عليه السلام يعني اليهود والنصارى صفة محمد واسمه صلى الله عليه وآله وسلم .
وفي المجالس : عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال يهودي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني قرأت نعتك في التوراة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ، وسلم مولده بمكة ومهاجره بطيبة ، ليس بفظ ، ولا غليظ ، ولا سخاب(1) ولا مترنن بالفحش
____________
(1) في الحديث اياك ان تكون سخابا هو بالسين المفتوحة والباء الموحدة صيغة مبالغة من السخب بالتحريك وهو شدة الصوت والخنا مرادف الفحش .
( 243 )

ولا قول الخنا ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام لما نزلت التورية على موسى بشر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم قال : فلم تزل الأنبياء تبشر به حتى بعث الله المسيح عيسى بن مريم فبشر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك قوله : ( يجدونه ) : يعني اليهود والنصارى ( مكتوبا ) : يعني صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ( عندهم ) : يعني في التوراة والأنجيل ، وهو قول الله عز وجل يخبر عن عيسى عليه السلام : ( ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) .
وفيه مرفوعا : إن موسى ناجاه ربه تعالى فقال له في مناجاته : أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم ، ومن بعده بصاحب الجمل الأحمر ، الطيب ، الطاهر ، المطهر ، فمثله في كتابك إنه مهيمن على الكتب كلها ، وأنه راكع ، ساجد ، راغب ، راهب ، إخوانه المساكين ، وأنصاره قوم آخرون . يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث : يستفاد من بعض الروايات تأويل الطيبات بأخذ العلم من أهله ، والخبائث بقول من خالف . ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم : ويخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة وأصل الأصر : الثقل ، وقد مضى حديث وضع الأصر عن هذه الأمة في آخر سورة البقرة ، وقرء أصارهم . فالذين آمنوا به وعزروه : وعظموه بالتقوية والذب عنه ، وأصل التعزير : المنع . ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه : قيل النور : القرآن .
والعياشي : عن الباقر عليه السلام النور : علي عليه السلام . وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام النور في هذا الموضع : علي والأئمة عليهم السلام . أولئك هم المفلحون .
(158) قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا : في المجالس : عن الحسن المجتبى عليه السلام قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا : يا محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنك الذي يوحى إليك كما يوحى إلى موسى بن عمران ؟ فسكت النبي ساعة ثم قال : نعم أنا سيد ولد آدم ولا فخر ، وأنا خاتم


( 244 )

النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين ، قالوا : إلى من إلى العرب أم إلى العجم أم إلينا ؟ فأنزل الله هذه الآية . الذي له ملك السموات والارض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته : يريد بها ما أنزل الله عليه ، وعلى من تقدمه من الرسل . واتبعوه لعلكم تهتدون .
أقول : يعني إلى العلم اللدني الموصل إلى محبة الله وولايته فإنه لا يحصل إلا بالأيمان واتباع النبي ، ومن أمر النبي باتباعه (1) .
(159) ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق : بكلمة الحق . وبه : وبالحق . يعدلون : بينهم في الحكم .
العياشي : عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قوم موسى : هم أهل الأسلام .
وفي المجمع : عن الباقر عليه السلام إن هذه الامة قوم من وراء الصين ، بينهم وبين الصين واد حار من الرمل ، لم يغيروا ولم يبدلوا ، ليس لأحدهم مال دون صاحبه ، يمطرون بالليل ، ويضحون (2) بالنهار ، ويزرعون لا يصل إليهم أحد منا ، ولا منهم إلينا ، وهم على الحق ، وقال : وقيل : إن جبرئيل انطلق بالنبي صلى الله عليه وآله ليلة المعراج إليهم فقرأ عليهم من القرآن عشر سور نزلت بمكة فآمنوا به وصدقوه ، وأمرهم أن يقيموا مكانهم ويتركوا السبت ، وأمرهم بالصلاة والزكاة ولم يكن نزلت فريضة غيرهما ففعلوا ، قال : وروى أصحابنا أنهم يخرجون مع قائم آل محمد عليهم السلام .
وروي : أن ذا القرنين رآهم وقال : لو أمرت بالمقام لسرني أن أقيم بين أظهركم .
(160) وقطعناهم : وصيرناهم قطعا متميزا بعضهم عن بعض . إثنتي عشرة
____________
(1) العياشي عن الصادق عليه السلام قال إذا قام قائم آل محمد عليهم السلام استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلا خمسة عشر يعدلون وسبعة من اصحاب الكهف ويوشع وصي موسى ومؤمن آل فرعون وسلمان الفارسي وابا دجانة الانصاري ومالك الاشتر وعن أمير المؤمنين عليه السلام ان بني اسرائيل بعد موسى افترقت على احدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة فان الله يقول ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون فهذه التي تنجو ( منه رحمه الله ) اقول ولا يبعد ان يكونوا هم المقصودون بالآخرين في الرواية المتقدمة .
(2) ضحى ضحوا وضحيا اصابته الشمس وارض مضحاة لا تكاد تغيب عنها الشمس ويضحون مبني للمفعول اما من باب نصر أو من باب الافعال .

( 245 )

أسباطا أمما : والأسباط ولد الأولاد ، والأسباط في ولد يعقوب بمنزلة القبايل في ولد إسماعيل وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه : في التيه . أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست : أي فضرب فانبجست ، وفي حذفه إشارة إلى أنه لم يتوقف في الأمتثال . منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم : كل سبط مشربهم . وظللنا عليهم الغمام : ليقيهم حر الشمس . وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا : أي وقلنا لهم : كلوا . من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون : مضى تفسيره في سورة البقرة .
(161) وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية : بإضمار اذكروا ، والقرية : بيت المقدس . وكلوا منها حيث شيءتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين .
(162) فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون : مضى تفسيره فيها ، وقرء تغفر بالتاء والبناء للمفعول ، وخطيئتكم بالتوحيد ، وخطاياكم .
(163) واسألهم : واسأل اليهود ، وهو سؤال تقريع بقديم كفرهم وتجاوزهم حدود الله عن القرية : عن خبرها ، وما وقع بأهلها . التي كانت حاضرة البحر : قريبة منه . إذ يعدون في السبت : يتجاوزون حدود الله تعالى بالصيد يوم السبت وقد نهوا عنه . إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم : يوم تعظيمهم أمر يوم السبت ، مصدر سبت اليهود إذا عظمت سبتها بالتجرد للعبادة . شرعا : ظاهرة على وجه الماء ، من شرع عليه إذا دنا منه وأشرف . ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون .
(164) وإذ قالت أمة منهم : جماعة من أهل القرية . لم تعظون قوما الله مهلكهم : مخترمهم . أو معذبهم عذابا شديدا : لتماديهم في العصيان . قالوا معذرة : وقرء معذرة بالرفع إلى ربكم : يعني موعظتنا أنها عذرا إلى الله حتى لا تنسب إلى تفريط في النهي عن المنكر . ولعلهم يتقون : إذ اليأس لا يحصل إلا بالهلاك .
(165) فلما نسوا : تركوا ترك الناسي . ما ذكروا به : ما ذكرهم به الواعظون . أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس : شديد من بؤس يبؤس


( 246 )

بأسا إذا اشتد ، وقرء على وزن ضيغم ، وبكسر الباء وسكون الهمزة وبكسرها ، وقلب الهمزة ياء بما كانوا يفسقون : بسبب فسقهم .
(166) فلما عتوا عما نهوا عنه : تكبروا عن النهي أو عن ترك ما نهو عنه ، وهذا مثل قوله تعالى : ( وعتوا عن ربهم ) . قلنا لهم كونوا قردة خاسئين : مطرودين مبعدين من كل خير ، كقوله : ( إنما قلنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) .
في تفسير الأمام عليه السلام في سورة البقرة عند قوله : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) ، قال علي بن الحسين عليهما السلام : كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت ، فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها لأنفسهم ما حرم الله فخدوا أخاديد (1) وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض تتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ولا يتهيأ لها الخروج إذ همت بالرجوع فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان لها فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن من صايدها فرامت الرجوع فلم تقدر وبقيت ليلها في مكان يتهيؤ أخذها بلا اصطياد لأسترسالها فيه وعجزها عن الأمتناع لمنع المكان لها ، وكانوا يأخذون يوم الأحد ويقولون ما اصطدنا في السبت إنما اصطدنا في الأحد ، وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم وثراهم ، وتنعموا بالنساء وغيرهم لأتساع أيديهم به .
وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا ، فعل هذا منهم سبعون ألفا وأنكر عليهم الباقون كما قص الله : ( واسألهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر ) الآية ، وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ، ومن عذاب الله خوفوهم ، ومن انتقامه وشدائد بأسه حذروهم ، فأجابوهم من وعظهم ( لم تعظون قوما الله مهلكهم ) بذنوبهم هلاك الأصطلام (2) ( أو معذبهم عذابا شديدا ) ، أجاب القائلين هذا لهم : ( معذرة إلى ربكم ) هذا القول منا لهم معذرة
____________
(1) الاخدود شق في الارض مستطيل جمعه أخاديد وخد الارض من باب مد شقها .
(2) الاصطلام الاستيصال وهو افتعال من الصلم وهو القطع المستأصل وصلمت الاذن من باب ضرب استأصلتها قطعا .