(24) يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول : بالطاعة إذا دعاكم : الرسول . لما يحييكم .
في الكافي : عن الصادق عليه السلام نزلت في ولاية علي عليه السلام .
والقمي : الحياة : الجنة .
وعن الباقر عليه السلام : في هذه الآية ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام فإن اتباعكم إياه وولايته أجمع لأمركم وأبقى للعدل فيكم . واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه يملك تقلب القلوب من حال إلى حال .
القمي : أن يحول بينه وبين ما يريد .
وعن الباقر عليه السلام يحول بين المؤمن ومعصيته أن تقوده إلى النار ، وبين الكافر وبين طاعته أن يستكمل بها الأيمان ، قال : واعلموا أن الأعمال بخواتيمها .
وفي التوحيد ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام في هذه الآية يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق .
وفي المجمع ، والعياشي : عنه عليه السلام معناه لا يستيقن القلب أن الحق باطل أبدا ، ولا يستيقن القلب أن الباطل حق أبدا . والعياشي : عنه عليه السلام هو أن يشتهي الشيء بسمعه وبصره ولسانه ويده أما إن هو غشي شيئا مما يشتهي فإنه لا يأتيه إلا وقلبه منكر لا يقبل الذي يأتي يعرف أن الحق ليس فيه . وعن الباقر عليه السلام : هذا الشيء يشتهيه الرجل بقلبه وسمعه وبصره لا تتوق نفسه إلى غير ذلك فقد حيل بينه وبين قلبه إلا ذلك الشيء . وأنه إليه تحشرون : فيجازيكم بأعمالكم .
(25) واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة بل يعمهم وغيرهم كالمداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وافتراق الكلمة ، وظهور البدع .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : أصابت الناس فتنة بعد ما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم حتى تركوا عليا عليه السلام وبايعوا غيره


( 290 )

وهي الفتنة التي فتنوا بها ، وقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأتباع علي عليه السلام والأوصياء من آل محمد ( صلوات الله عليهم ) .
وفي المجمع : عن علي ، والباقر عليهما السلام أنهما قرئا لتصيبن .
وعن ابن عباس : أنها لما نزلت قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من ظلم عليا عليه السلام مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي .
والقمي نزلت في طلحة والزبير لما حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام وظلموه . واعلموا أن الله شديد العقاب .
(26) واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الارض تخافون أن يتخطفكم (1) الناس فاواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات : من الغنائم . لعلكم تشكرون : هذه النعم .
القمي : نزلت في قريش خاصة وهو مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أيضا .
(27) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون : أنكم تخونون .
في المجمع : عن الباقر والصادق عليهما السلام نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاصر يهود بني قريظة إحدى وعشرين ليلة فسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلح على ما صالح عليه إخوانهم من بني النضير على أن يسيروا إلى إخوانهم إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام فأبى أن يعطيهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ ، فقالوا : أرسل إلينا أبا لبابة وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله وولده كانت
____________
(1) التخطف الاخذ بسرعة انتزاع يقال تخطف وخطف واختطف أي يستلبكم المشركون من العرب أن خرجتم منها وقيل انه يعني بالناس كفار قريش وقيل فارس والروم فاويكم أي جعل لكم مأوى ترجعون إليه يعني المدينة دار الهجرة .
( 291 )

عندهم ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاهم ، فقالوا : ما ترى يا أبا لبابة أننزل على حكم سعد بن معاذ ؟ فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا . فأتاه جبرئيل فأخبره بذلك ، قال أبو لبابة : فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ، فنزلت الآية فيه ، فلما نزلت شد نفسه على سارية (1) من سواري المسجد ، وقال : والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علي ، فمكث سبعة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه ، ثم تاب الله عليه ، فقيل له : يا أبا لبابة قد تيب عليك ، فقال : لا والله لا أحل نفسي حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي يحلني فجاءه فحله بيده ، ثم قال أبو لبابة : إن من تمام توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أخلع من مالي ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجزيك الثلث إن تتصدق به .
والقمي : عن الباقر عليه السلام فخيانة الله والرسول : معصيتهما ، أما خيانة الأمانة : فكل إنسان مأمون على ما افترض الله عز وجل عليه ، قال : نزل في أبي لبابة بن عبد المنذر فلفظ الآية عام ومعناها خاص . قال : ونزلت في غزوة بني قريظة في سنة خمس من الهجرة ، وقد كتبت في هذه السورة مع أخبار بدر ، وكانت على رأس ستة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ، ونزلت مع الآية التي في سورة التوبة قوله : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم ) ، التي نزلت في أبي لبابة . قال : فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزل الله على نبيه ثم ذكر هذه القصة هناك كما يأتي .
(28) واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة (2) لألهائهم إياكم عن ذكر الله . والله عنده أجر عظيم : لمن آثر رضاء الله عليهم .
في المجمع : عن أمير المؤمنين عليه السلام لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك
____________
(1) السارية : الاسطوانة .
(2) أي بلاء ومحنة وسبب لوقوعكم في الجرايم العظام يعني انه سبحانه يختبرهم بالاموال والاولاد ليتبين الراضي يقسمه ممن لا يرضى به وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ولكن ليظهر الافعال التي بها يستحق الثواب والعقاب .

( 292 )

من الفتنة لأنه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن ، فإن الله سبحانه يقول : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) .
(29) يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا هداية في قلوبكم تفرقون بها بين الحق والباطل .
القمي : يعني العلم الذي به تفرقون بين الحق والباطل . ويكفر عنكم سيئاتكم : ويسترها . ويغفر لكم : بالتجاوز والعفو عنها . والله ذو الفضل العظيم .
(30) وإذ يمكر بك الذين كفروا : واذكر إذ يمكر بك قريش ، ذكره ذلك ليشكر نعمة الله عليه في خلاصه . ليثبتوك : بالحبس . أو يقتلوك : بسيوفهم . أو يخرجوك : من مكة . ويمكرون ويمكر الله : برد مكرهم ومجازاتهم عليه . والله خير الماكرين .
العياشي : عن أحدهما عليهما السلام أن قريشا اجتمعت فخرج من كل بطن أناس ، ثم انطلقوا إلى دار الندوة ليتشاوروا فيما يصنعون برسول الله ، فإذا شيخ قائم على الباب وإذا ذهبوا إليه ليدخلوا ، قال : أدخلوني معكم ، قالوا : ومن أنت يا شيخ ؟ قال : أنا شيخ من مضر ولي رأي أشير به عليكم ، فدخلوا وجلسوا وتشاوروا وهو جالس وأجمعوا أمرهم على أن يخرجوه ، فقال : ليس هذا لكم برأي ، إن أخرجتموه أجلب عليكم الناس فقاتلوكم ، قالوا : صدقت ما هذا برأي ، ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يوثقوه ، قال : هذا ليس بالرأي إن فعلتم هذا ومحمد رجل حلو اللسان أفسد عليكم أبناءكم وخدمكم وما نفع أحدكم إذا فارقه أخوه وابنه وامرأته ، ثم تشاوروا فأجمعوا أمرهم على أن يقتلوه يخرجون من كل بطن منهم بشاهر فيضربونه بأسيافهم جميعا عند الكعبة ، ثم قرأ هذه الآية : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) .
والقمي : نزلت بمكة قبل الهجرة ، وكان سبب نزولها أنه لما أظهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدعوة بمكة قدمت عليه الأوس والخزرج فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تمنعوني (1) وتكونون لي جارا ، حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله
____________
(1) وهو في عز ومنعة محركة ويسكن أي معه من يمنعه من عشيرته . وامتنع بقومه تقوى بهم فهو في منعته بفتح النون أي في عز قومه فلا يقدر عليه من يريده قال في المصباح قال الزمخشري هي مصدر مثل الآنفة والعطمة أو جمع مانع وهم =
( 293 )

الجنة ، فقالوا : نعم خذ لربك ولنفسك ما شيءت ، فقال لهم : موعدكم العقبة (1) في الليلة الوسطى من ليالي التشريق ، فحجوا ورجعوا إلى منى وكان فيهم ممن قد حج بشر كثير ، فلما كان الثاني من أيام التشريق .
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كان الليل فاحضروا دار عبد المطلب على العقبة ، ولا تنبهوا نائما ولينسل (2) واحدا فواحدا ، فجاء سبعون رجلا من الأوس والخزرج فدخلوا الدار ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تمنعوني وتجيروني حتى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنة .
فقال سعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، وعبد الله بن حزام : نعم يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شيءت ، فقال : أما ما أشترط لربي فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون أنفسكم ، وتمنعون أهلي مما تمنعون أهليكم وأولادكم ، فقالوا : فما لنا على ذلك ؟ فقال : الجنة في الآخرة ، وتملكون العرب ، ويدين لكم العجم في الدنيا ، وتكونون ملوكا في الجنة ، فقالوا : قد رضينا .
فقال : أخرجوا إليّ منكم إثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك ، كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا يكونون شهداء عليكم بذلك فأشار إليه جبرئيل ، فقال : هذا نقيب وهذا نقيب تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس ، فمن الخزرج : سعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، وعبد الله بن حزام أبو جابر بن عبد الله ، ورافع بن مالك ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن عمر ، وعبد الله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ، وعبادة بن الصامت ، ومن الأوس : أبو الهيثم بن التيهان وهو من اليمن ، وأسد بن حصين ، وسعد بن خيثمة .
____________
= العشيرة والحماة ويجوز ان يكون مقصورا من المناعة وقد يسكن في الشعر لا في غيره خلافا لما اجازه مطلقا والمنيع القوي ذو المنعة .
(1) العقبة بالتحريك مرقى صعب من الجبال يجمع على عقاب كرقبة ورقاب وليلة العقبة هي التي بايع رسول الله صلى الله عليه وآله الانصار على الاسلام والنصرة وعقبة المدنيين في مكة لمن جاء على طريق المدينة وجمرة العقبة معروفة في منى .
(2) قوله تعالى يتسللون منكم لواذا أي خيرجون من الجماعة واحدا واحدا كقولك سللت كذا من كذا إذا أخرجته منه .

( 294 )

فلما اجتمعوا وبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، صاح إبليس يا معشر قريش والعرب هذا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والصباة من أهل يثرب على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم فأسمع أهل منى ، وهاجت قريش فأقبلوا بالسلاح .
وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النداء فقال للأنصار : تفرقوا .
فقالوا يا رسول الله : إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا .
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لم اؤمر بذلك ، ولم يأذن الله لي في محاربتهم ، قالوا : أفتخرج معنا ؟ قال : أنتظر أمر الله ، فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح ، وخرج حمزة وأمير المؤمنين عليه السلام ومعهما السيف فوقفا على العقبة فلما نظرت قريش إليهما قالوا : ما هذا الذي اجتمعتم له ؟ فقال حمزة : ما اجتمعنا وما هاهنا أحد ، والله لا يجوز هذه العقبة أحد إلا ضربته بسيفي .
فرجعوا إلى مكة ، وقالوا : لا نأمن أن يفسد أمرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فاجتمعوا في الندوة ، وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد أتى عليه أربعون سنة ، فدخلوا أربعين رجلا من مشايخ قريش ، وجاء إبليس في صورة شيخ كبير ، فقال له البواب : من أنت ؟ قال : أنا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني من رأي صائب أني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل فجئت لأشير عليكم ، فقال : ادخل ، فدخل إبليس فلما أخذوا مجلسهم .
قال أبو جهل : يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعز منا نحن أهل الله تفد إلينا العرب في السنة مرتين ويكرمونا ، ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع ، فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم فكنا نسميه الأمين لصلاحه وسكونه ، وصدق لهجته ، حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ، إدعى أنه رسول الله وأن أخبار السماء تأتيه فسفه أحلامنا ، وسب آلهتنا ، وأفسد شباننا ، وفرق جماعتنا ، وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار ، فلم يرد علينا شيئا أعظم من هذا ، [ وقد ] رأيت فيه رأيا ، قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيت أن ندس إليه رجلا منا ليقتله فإن طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشر ديات .


( 295 )

فقال الخبيث ؟ هذا رأي خبيث ، قالوا وكيف ذلك ؟ قال : لأن قاتل محمد مقتول لا محالة ، فمن هذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم ، فإنه إذا قتل محمد صلى الله عليه وآله وسلم تعصبت بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة ، وإن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الأرض فيقع بينكم الحروب في حرمكم ، وتتفانوا ، فقال آخر منهم : فعندي رأي آخر ، قال : وما هو ؟ قال : نثبته في بيته ونلقي إليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير ، والنابغة ، وامرء القيس .
فقال إبليس : هذا أخبث من الآخر ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : لأن بني هاشم لا ترضى بذلك ، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه ، وقال آخر منهم : لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا ، قال إبليس : هذا أخبث من الرأيين المتقدمين .
قالوا : وكيف ذاك ؟ قال : لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجها ، وأنطق الناس لسانا ، وأفصحهم لهجة ، فتحملونه إلى بوادي العرب فيخدعهم ويسخرهم بلسانه فلا يفجأكم إلا وقد ملأها عليكم خيلا ورجلا ، فبقوا حائرين ، ثم قالوا لأبليس : فما الرأي فيه يا شيخ ؟ قال : ما فيه إلا رأي واحد ، قالوا : وما هي ؟ قال : يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ويكون معهم من بني هاشم رجل فيأخذون سكينة أو حديدة أو سيفا فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة حتى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه ، وقد شاركوا فيه ، فإن سألوكم أن تعطوا الدية فأعطوهم ثلاث ديات ، فقالوا : نعم عشر ديات .
ثم قالوا : الرأي رأي الشيخ النجدي ، فاجتمعوا ، ودخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي ونزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره أن قريشا قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك ، وأنزل عليه في ذلك : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلا فيقتلوه ، وخرجوا إلى المسجد يصفرون ، ويصفقون ، ويطوفون بالبيت


( 296 )

فأنزل الله : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء (1) وتصدية ) ، فالمكاء : التصفير ، والتصدية : صفق اليدين ، وهذه الآية معطوفة على قوله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) وقد كتبت بعد آيات كثيرة .
فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجاءت قريش ليدخلوا عليه ، فقال أبو لهب : لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل فإن في الدار صبيانا ونساء ولا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة فإذا أصبحنا دخلنا عليه فناموا حول حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرش له ففرش له ، فقال لعلي بن أبي طالب عليه السلام : أفدني بنفسك ؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : نم على فراشي والتحف ببردتي .
فنام علي عليه السلام على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والتحف ببردته ، وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخرجه على قريش وهم نيام ، وهو يقرء عليهم ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) وقال له جبرئيل : خذ على طريق ثور ، وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور ، فدخل الغار ، وكان من أمره ما كان .
فلما أصبحت قريش وثبوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش فوثب علي في وجوههم فقال : ما شأنكم ، قالوا له : أين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : جعلتموني عليه رقيبا ؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم ، فأقبلوا يضربونه ، ويقولون أنت تخدعنا منذ الليلة ، فتفرقوا في الجبال ، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له : أبو كرز يقفو الآثار ، فقالوا : يا أبا كرز اليوم اليوم ، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : هذه قدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والله لأخت القدم التي في المقام .
وكان أبو بكر استقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرده معه ، فقال أبو
____________
(1) قبل البكاء الصفير والتصدية تفعلة من الصّدي وهو أن يضرب باحدى يديه على الأُخرى فيخرج من بينهما صوت وهو التصفيق .
( 297 )

كرز : وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ، ثم قال : وهاهنا عير ابن أبي قحافة ، فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار ، ثم قال : ما جاوزوا هذا المكان ، إما أن يكون صعدوا السماء أو دخلوا تحت الأرض ، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ، ثم قال : ما في الغار أحد فتفرقوا في الشعاب فصرفهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أذن لنبيه في الهجرة .
(31) وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا : قيل : قائله النضر بن الحرث بن كلدة ، واسر يوم بدر فقتله النبي صلى الله عليه وآله وسلم صبرا بيد علي عليه السلام ، وإنما قاله صلفا (1) وهذا غاية مكابرتهم ، وفرط عنادهم إذ لو استطاعوا ذلك فما منعهم أن يشاؤا ، وقد تحداهم وقرعهم بالعجز عشر سنين ، ثم قارعهم بالسيف فلم يعارضوا سواه مع فرط حرصهم على قهره وغلبته . إن هذا إلا أساطير الأوّلين : ما سطره الأولون من القصص ، قيل : قاله النضر أيضا وذلك أنه جاء بحديث رستم واسفنديار من بلاد فارس ، وزعم أن هذا هو مثل ذلك .
(32) وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم : قيل : هذا أيضا من كلام النضر ، وهو أبلغ في الجحود ، أراد به التهكم وإظهار الجزم التام على كونه باطلا .
والقمي : قاله أبو جهل .
وفي الكافي : قاله الحارث بن عمرو الفهريّ .
وفي المجمع : قاله النعمان بن الحرث ، كما يأتي جميعا .
(33) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون : بيان لموجب إمهالهم والتوقف في إجابة دعائهم .
(34) وما لهم ألاّ يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام : فإنهم
____________
(1) سحاب صلف كثير الرعد قليل الماء وفي المثل ربّ صلف تحت الراعدة يضرب لمن يتوّعد ثم لا يقوم به وللبخيل للمكثر مدح نفسه ولا خير عنده
( 298 )

ألجأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين إلى الهجرة ، وأحصروا عام الحديبية . وما كانوا أولياءه : مستحقين ولاية أمره مع شركهم ، وهو رد لقولهم نحن ولاة البيت والحرم . إن أولياؤه إلا المتقون : من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره .
في المجمع : عن الباقر عليه السلام معناه وما أولياء المسجد الحرام إلا المتقون .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام وما كانوا أولياءه ، يعني أولياء البيت ، يعني المشركين ، إن أولياءه إلا المتقون حيثما كانوا أولى به من المشركين . ولكن أكثرهم لا يعلمون : أن لا ولاية لهم عليه .
القمي : نزلت لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقريش : ( إن الله بعثني أن أقتل جميع ملوك الدنيا وأجر الملك إليكم فأجيبوني إلى ما أدعوكم إليه تملكوا بها العرب ، وتدين لكم بها العجم ، وتكونوا ملوكا في الجنة ) .
فقال أبو جهل : اللهم إن كان هذا الذي يقول محمد هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو إئتنا بعذاب أليم حسدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : كنا وبني هاشم كفرسي رهان نحمل إذا حملوا ونطعن إذا طعنوا ، ونوفد (1) إذا وفدوا فلما استوى بنا وبهم الركب قال قائل منهم : منا نبي ، لا نرضى بذلك أن يكون في بني هاشم نبي ولا يكون في بني مخزوم ، ثم قال : ( غفرانك اللهم ) ، فأنزل الله في ذلك ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) حين قال : ( غفرانك اللهم ) .
فلما هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجوه من مكة ، قال الله : ( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياؤه ) يعني قريشا ما كانوا أولياء مكة ( إن أولياؤه إلا المتقون ) أنت وأصحابك يا محمد فعذبهم الله يوم بدر فقتلوا .
وفي الكافي : عن أبي بصير قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس
____________
(1) والوفد هم القوم يجتمعون ويردون البلاد واحدهم وافد والوافد السابق من الابل ومنه إمام القوم وافدهم أي سابقهم إلى الله فقدموا أفضلكم .
( 299 )

إذ أقبل أمير المؤمنين ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن فيك شبها من عيسى بن مريم ، ولولا أن يقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت فيك قولا لا تمر بملأ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدمك يلتمسون بذلك البركة .
قال : فغضب الأعرابيان ، والمغيرة بن شعبة ، وعدة من قريش معهم ، فقالوا : ما رضي أن يضرب لابن عمه مثلا إلا بعيسى بن مريم ، فأنزل الله على نبيه فقال : ( ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا آلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكم ) يعني من بني هاشم ( ملائكة في الأرض يخلفون ) .
قال : فغضب الحرث بن عمرو الفهري فقال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك أن بني هاشم يتوارثون هرقلا (1) بعد هرقل فأرسل علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فأنزل الله عليه مقالة الحرث ونزلت هذه الآية : ( ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) ثم قال له : يا ابن عمرو إما تبت وإما رحلت ، فدعا براحلته فركبها فلما صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضت هامته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن حوله من المنافقين : انطلقوا إلى صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به ، قال الله عز وجل : ( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ) .
وفي المجمع : عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام ، لما نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا يوم غدير خم ، قال : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ) طار ذلك في البلاد فقدم على النبي النعمان بن الحرث الفهري فقال : أمرتنا من الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأمرتنا بالجهاد والحج والصوم
____________
(1) هرقل وزان خندف اسم ملك الروم قال الجوهري ويقال أيضا هرقل على وزن دمشق قال في المجمع هرقل وضغاطر ملكان من ملوك الروم فضغاطر اسلم ودعا الروم الى الاسلام فقتلوه واما هرقل فشح بملكه وحارب المسلمين في موتة وتبوك ويحتمل ان يضمر الاسلام ويفعل هذه المعاصي شحا بملكه . . ومن كلام الحارث بن عمرو الفهري اللهم إن كان هذا هو الحق من ان بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل أراد أن بني هاشم يتوارثون ملكا بعد ملك .
( 300 )

والصلاة والزكاة فقبلناها ، ثم لم ترض عنا حتى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أو أمر من عند الله ؟ فقال : والله الذي لا إله إلا هو إن هذا من الله ، فولى النعمان بن الحرث ، وهو يقول : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء ) ، فرماه الله بحجر على رأسه فقتله ، وأنزل الله تعالى : ( سأل سائل بعذاب واقع ) .
وفي الكافي : عنه عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن لكم في حياتي خيرا ، وفي مماتي خيرا ، قال : فقيل يا رسول الله أما حياتك فقد علمنا ، فما لنا في وفاتك ؟ فقال : أما في حياتي فإن الله يقول : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) وأما في مماتي فتعرض عليّ أعمالكم فأستغفر لكم .
والقمي ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام ما يقرب منه ، وقال في آخره : فإن أعمالكم تعرض علي كل خميس واثنين ، فما كان من حسنة حمدت الله عليها ، وما كان من سيئة استغفرت الله لكم .
وفي نهج البلاغة : كان في الأرض أمانان من عذاب الله فرفع أحدهما ، ودونكم الآخر فتمسكوا به ، أما الأمان الذي رفع فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأما الأمان الباقي : فالأستغفار ثم تلا الآية .
والعياشي : عن الصادق عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأستغفار حصنين لكم من العذاب ، فمضى أكبر الحصنين وبقي الأستغفار ، فأكثروا منه فأنه ممحاة للذنوب وإن شيءتم فاقرؤا ، ثم تلا الآية .
(35) وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكآء صفيرا وتصدية تصفيقا ، يعني وضعوا المكاء والتصدية موضع الصلاة .
وفي المعاني ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام قال : التصفير والتصفيق .


( 301 )

وفي العيون عن الرضا عليه السلام سميت مكة مكة (1)أن الناس يمكون فيها ، وكان يقال لمن قصدها قد مكا (2) ، وذلك قول الله تعالى : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ) فالمكاء : الصفير ، والتصدية : تصفيق اليدين . قيل : كانوا يطوفون بالبيت عراء يشبكون بين أصابعهم ويصفرون فيها ويصفقون ، وكانوا يفعلون ذلك إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته يخلطون عليه .
وفي المجمع : روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه فيصفران ، ورجلان عن يساره فيصفقان بأيديهما فيخلطان عليه صلاته ، فقتلهم الله جميعا ببدر . فذوقوا العذاب : يعني القتل والأسر يوم بدر ، أو عذاب النار في الآخرة . بما كنتم تكفرون : بسبب كفركم .
القمي : هذه الآية معطوفة على قوله ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) كما نقلنا عنه هناك .
(36) إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون .
القمي : نزلت في قريش لما وافاهم ضمضم وأخبرهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في طلب العير ، فأخرجوا أموالهم ، وحملوا وأنفقوا ، وخرجوا إلى محاربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببدر فقتلوا وصاروا إلى النار ، وكان ما أنفقوا حسرة عليهم .
أقول : قد مضت تسمية بعض المنافقين في قصة بدر .
والذين كفروا إلى جهنم يحشرون : يساقون .
(37) ليميز الله الخبيث من الطيب : الكافر من المؤمن ، والصالح من الفاسد
____________
(1) المك النقض والهلاك ومنه سمي البلد الحرام مكة لانها تنقض الذنوب وتنقيها أو تمك من قصدها بالظلم أي تهلكه كما وقع لاصحاب الفيل أو لقلة الماء بها .
(2) مكا يمكو إذا صفر ويقال المكاء صفير كصفير المكاء بالتشديد والمد وهو طائر بالحجاز له صفير .

( 302 )

ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا : فيجمعه ويضم بعضه إلى بعض . فيجعله في جهنم : كله . أولئك هم الخاسرون : الكاملون في الخسران .
في العلل : عن الباقر عليه السلام في حديث إن الله سبحانه مزج طينة المؤمن حين أراد خلقه بطينة الكافر ، فما يفعل المؤمن من سيئة فإنما هو من أجل ذلك المزاج ، وكذلك مزج طينة الكافر حين أراد خلقه بطينة المؤمن فما يفعل الكافر من حسنة فإنما هو من أجل ذلك المزاج . أو لفظ هذا معناه ، قال : فإذا كان يوم القيامة ينزع الله من العدو الناصب سنخ المؤمن ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله الصالحة ويرده إلى المؤمن ، وينزع الله تعالى من المؤمن سنخ الناصب ومزاجه وطينته وجوهره وعنصره مع جميع أعماله السيئة الردية ويرده إلى الناصب عدلا منه جل جلاله وتقدست أسماؤه ، ويقول : للناصب لا ظلم عليك هذه الأعمال الخبيثة من طينتك ومزاجك وأنت أولى بها وهذه الأعمال الصالحة من طينة المؤمن ومزاجه وهو أولى بها ( لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ) ، ثم قال : أزيدك في هذا المعنى من القرآن أليس الله عز وجل يقول : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم ) ، وقال عز وجل : ( والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون ) . وقد أوردنا تمام هذا الحديث على وجهه وشرحناه في كتابنا المسمى بالوافي ، من أراده فليطلبه هناك .
(38) قل للذين كفروا إن ينتهوا : عن الكفر ومعاداة الرسول . يغفر لهم ما قد سلف : من ذنوبهم . وإن يعودوا : إلى قتاله . فقد مضت سنة الاولين : الذين تحزبوا على الأنبياء بالتدمير ، كما جرى على أهل بدر فليتوقعوا مثل ذلك .
والعياشي : عن الباقر عليه السلام أنه قال له رجل : إني كنت عاملا لبني أمية فأصبت مالا كثيرا ، فظننت أن ذلك لا يحل لي فسألت عن ذلك فقيل لي : إن أهلك ومالك وكل شيء لك حرام ، فقال ليس كما قالوا لك ، قال : فلي توبة ، قال : نعم توبتك في


( 303 )

كتاب الله : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) .
(39) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة : لا يوجد فيهم شرك .
القمي : أي كفر ، قال : وهي ناسخة لقوله : ( كفوا أيديكم ) ولقوله ( ودع أذاهم ) . ويكون الدين كله لله : ويضمحل عنهم الأديان الباطلة .
في الكافي : عن الباقر عليه السلام لم يجيء تأويل هذه الآية بعد إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لهم لحاجته وحاجة أصحابه ، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم ، ولكنهم يقتلون حتى يوحد الله ، وحتى لا يكون شرك .
وفي المجمع ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام لم يجيء تأويل هذه الآية ، ولو قد قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغن دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله تعالى ( يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ) . فإن انتهوا : عن الكفر . فإن الله بما يعملون بصير : فيجازيهم على إنتهائهم عنه ، وإسلامهم .
(40) وإن تولوا : ولم ينتهوا . فاعلموا أن الله مولاكم : ناصركم ، فثقوا به ولا تبالوا بمعاداتهم . نعم المولى : لا يضيع من تولاه . ونعم النصير : لا يغلب من نصره .
(41) واعلموا أنما غنمتم من شيء : قيل : أي الذي أخذتموه من الكفار قهرا .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام هي والله الأفادة يوما بيوم .
أقول : يعني استفادة المال من أي جهة كانت فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .
في الكافي : عن الباقر عليه السلام إن ذا القربى هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، والخمس لله ، وللرسول ، ولنا .
والعياشي : عن أحدهما عليهما السلام مثله ، وزاد : أنه سئل منهم اليتامى