في الكافي والعياشي والقمي عن الهادي عليه السلام إنها كانت ثمانين موطنا ويوم حنين وهو واد بين مكة والطائف إذ أعجبتكم كثرتكم في الجوامع لما التقوا قال رجل من المسلمين لن نغلب اليوم من قلة فساءت مقالته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل كان قائلها أبو بكر .
والعياشي عن الصادق عليه السلام في قوله إذ أعجبتكم كثرتكم إلى قوله ثم وليتم مدبرين قال أبو فلان فلم تغن عنكم الكثرة شيئا من الغنى أوامر العدو وذلك لما أدركتهم كلمة الاعجاب وضاقت عليكم الاءرض بما رحبت بسعتها لا تجدون فيها مقرا تطمئن إليه نفوسكم من شدة الرعب ثم وليتم مدبرين منهزمين
(26) ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا .
القمي عن الباقر عليه السلام وهو القتل يعني العذاب وذلك جزاء الكافرين القمي كان سبب غزوة حنين أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى فتح مكة أظهر أنه يريد هوازن فتهيئوا وجمعوا الجموع والسلاح واجتمع رؤساء هوازن إلى مالك بن عوف النضري فرأسوه عليهم وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساءهم وذراريهم ، ومروا حتى نزلوا بأوطاس قال ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجتماع هوازن بأوطاس فجمع القبائل ورغبهم في الجهاد ووعدهم النصر وأن الله قد وعده أن يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريهم فرغب الناس وخرجوا على راياتهم وعقد اللواء الأكبر ودفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام وكل من دخل مكة براية أمره أن يحملها وخرج في اثني عشر ألف رجل عشرة آلاف ممن كان معه .
وعن الباقر عليه السلام قال وكان معه من بني سليم ألف رجل رئيسهم
____________
= الرضا فقال له وهو يحسن شيئا من هذا فقال يا أمير المؤمنين ان أخرجك من هذا فلي عليك كذا وكذا والا فاضربني مأة مقرعة فقال المتوكل قد رضيت يا جعفر بن محمود سر إليه واسأله عن حد المال الكثير فصار جعفر بن محمود الى أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام فسأله عن حد المال الكثير فقال الكثير ثمانون فقال له جعفر يا سيدي أرى أنه يسألني عن العلة فيه فقال أبو الحسن عليه السلام ما معناه الدليل عليه قوله تعالى في مواطن كثيرة عددنا تلك المواطن فكانت ثمانين .
( 331 )
عباس بن مرداس السلمي ، ومن مزينة (1) ألف رجل ، قال : فمضوا حتى كان من القوم مسيرة بعض ليلة ، قال : وقال مالك بن عوف لقومه : ليصير كل رجل منكم أهله أو ماله خلف ظهره ، واكسروا جفون سيوفكم واكمنوا في شعاب هذا الوادي ، وفي الشجر فإذا كان في غلس الصبح فأحملوا حملة رجل وهدوا (2) القوم فإن محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب ، قال : فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغداة انحدر في وادي حنين ، وهو واد له انحدار بعيد ، وكان بنو سليم على مقدمته فخرج عليهم كتائب هوزان من كل ناحية . فانهزمت بنو سليم وانهزم من ورائهم ولم يبق أحد إلا إنهزم
وبقى أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل ، ومر المنهزمون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يلوون (3) على شئ ، وكان العباس آخذا بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن يمينه ، وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب عن يساره ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي يا معشر الأنصار إلى أين ؟ أنا رسول الله فلم يلو أحد عليه وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو ( أي ترمي ) في وجوه المنهزمين التراب ، وتقول : إلى أين تفرون عن الله ، وعن رسوله .
ومر بها عمر فقالت : ويلك ما هذا الذي صنعت ؟ فقال لها : هذا أمر الله . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الهزيمة ركض (4) نحو علي بغلته ، فرآه وقد شهر سيفه فقال : يا عباس - وكان صيتا رفيع الصوت - إصعد هذا الظرب (5) وناد يا أصحاب البقرة ، ويا أصحاب الشجرة إلى أين تفرون ؟ هذا رسول الله .
ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده فقال : اللهم لك الحمد ، وإليك المشتكى ، وأنت المستعان ، فنزل عليه جبرئيل فقال يا رسول الله : دعوت بما دعا به موسى
____________
(1) مزينة قبيل من مضر .
(2) الفلس بالتحريك الظلمة آخر الليل .
(3) أي لا يقف أحد لاحد ولا ينتظره .
(4) ركضت الدابة إذا ضربتها برجلك استحثها .
(5) الظرب ككتف ما نتأ من الحجارة وحد طرفه أو الجبل المنبسط والصغير ح ظراب .
( 332 )
عليه السلام حيث فلق الله له البحر ونجاه من فرعون ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي سفيان بن الحارث : ناولني كفا من حصى فناوله ، فرماه في وجوه المشركين ، ثم قال : شاهت الوجوه ، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد ، وإن شئت أن لا تعبد لا تعبد .
فلما سمعت الأنصار نداء العباس عطفوا وكسروا جفون سيوفهم ، وهم يقولون : لبيك ، ومروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالراية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس : من هؤلاء يا أبا الفضل ؟ فقال : يا رسول الله هؤلاء الأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الآن حمي (1) الوطيس ونزل النصر من الله وانهزمت الهوازن وكانوا يسمعون قعقعة السلاح في الجو ، وانهزموا في كل وجه ، وغنم الله ورسوله أموالهم ونساءهم وذراريهم ، وهو قول الله : ( ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين ) .
قال : وقال رجل من بني نضر بن معاوية يقال له : شجرة بن ربيعة للمؤمنين وهو أسير في أيديهم : أين الخيل البلق (2) والرجال عليهم الثياب البيض فإنما كان قتلنا بأيديهم ، وما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة الشامة ، قالوا : تلك الملائكة .
وفي الكافي : عن الرضا عليه السلام أنه سئل ما السكينة ؟ فقال : ريح من الجنة لها وجه كوجه الأنسان أطيب ريحا من المسك ، وهي التي أنزلها الله على رسوله بحنين فهزم المشركين .
وعن الصادق عليه السلام : قال : قتل علي بن أبي طالب عليه السلام يوم حنين أربعين .
(27) ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشآء منهم بالتوفيق للأسلام . والله
____________
(1) وفي حديث حنين الآن حمي الوطيس الوطيس التنور وهو كناية عن شدة الامر واضطراب الحرب ويقال اول من قالها النبي ( ص ) لما اشتد البأس بموته وهي أحسن الاستعارات .
(2) البلق محركة سواد وبياض كالبلغة بالضم .
( 333 )
غفور رحيم : يتجاوز عنهم ويتفضل عليهم .
روي أن اناسا منهم جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلموا ، وقالوا : يا رسول الله أنت خير الناس وأبرهم ، وقد سبي أهلونا وأولادنا وأخذت أموالنا ، وقد سبي يومئذ ستة آلاف نفس واخذ من الأبل والغنم ما لا يحصى ، فقال : اختاروا إما سباياكم وإما أموالكم ، فقالوا : ما كنا نعدل الأحساب شيئا ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : إن هؤلاء جاؤا مسلمين وإنا خيرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا الأحساب شيئا فمن كان بيده سبي وطابت نفسه أن يرده فشأنه ومن لا فليعطنا وليكن قرضا علينا حتى نصيب شيئا فلنعطيه مكانه ، فقالوا : رضينا وسلمنا ، فقال : إني لا أدري لعل فيكم من لا يرضى ، فمروا عرفائكم فليرفعوا إلينا فرفعوا أنهم قد رضوا .
(28) يأيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس : لخبث باطنهم . فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة : فقرا بسبب منعهم من الحرم وانقطاع ما كان لكم من قدومهم من المكاسب والمنافع . فسوف يغنيكم الله من فضله : من عطائه وتفضله على وجه آخر . إن شآء : قيل : قيده بالمشيئة لينقطع الآمال إلى الله تعالى ولنبيه على أنه متفضل في ذلك ، وأن الغنى الموعود يكون لبعض دون بعض ، وفي عام دون عام ، وقد أنجز وعده بأن أرسل السماء عليهم مدرارا ، ووفق طائفة من أهل اليمن للأسلام فحملوا الطعام إلى مكة ، ثم فتح عليهم البلاد والغنائم وتوجه إليهم الناس من أقطار الأرض . إن الله عليم : بأحوالكم . حكيم : فيما يعطي ويمنع .
(29) قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر : يعني لا يؤمنون بهما على ما ينبغي فإن إيمانهم كلا إيمان . ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله : ما ثبت تحريمة بالكتاب والسنة . ولا يدينون دين الحق : الثابت الذي هو ناسخ سائر الأديان ومبطلها . من الذين أوتوا الكتاب : بيان للذين لا يؤمنون . حتى يعطوا الجزية : ما يقرر عليهم أن يعطوه ، من جزى دينه ، إذا قضاه . عن يد : مواتية غير ممتنعة . وهم صاغرون : أذلاء ، يعني يؤخذ منهم على الصغار والذل .
( 334 )
في الكافي ، والتهذيب : عن الباقر عليه السلام بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بخمسة أسياف إلى أن قال : والسيف الثاني على أهل الذمة ، قال الله تعالى : ( وقولوا للناس حسنا ) نزلت هذه الآية في أهل الذمة ثم نسخها قوله سبحانه ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) الآية .
فمن كان منهم في دار الأسلام فلم يقبل منهم إلا الجزية أو القتل وما لهم فئ ، وذراريهم سبي ، وإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم وحرمت أموالهم ، وحلت لنا مناكحهم ، ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم وأموالهم ، ولم يحل لنا مناكحتهم ولم يقبل منهم إلا الدخول في دار الأسلام أو الجزية أو القتل .
والعياشي : ما يقرب منه .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن المجوس أكان لهم نبي ، فقال : نعم أما بلغك كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل مكة أن أسلموا وإلا فأذنوا بحرب فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه ، زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر (1) ، فكتب إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب أحرقوه أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور .
وفيه ، وفي الفقيه ، والعلل : عنه عليه السلام إنه سئل عن النساء كيف سقطت الجزية ورفعت عنهن ؟ فقال : لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلا أن تقاتلن ، وإن قاتلت أيضا فأمسك عنها ما أمكنك ولم تخف خللا ، فلما نهى عن قتلهن في دار الحرب كان ذلك في دار الأسلام أولى ، ولو امتنعت أن تؤدي الجزية لم يمكن قتلها ، فلما لم يمكن قتلها رفعت الجزية عنها ، ولو امتنع الرجال وأبوا
____________
(1) هجر محركة بلدة باليمن أو اسم لجميع ارض البحرين أو قرية كانت قرب المدينة .
( 335 )
أن يؤدوا الجزية كانوا ناقضين للعهد وحل دماؤهم وقتلهم لأن قتل الرجال مباح في دار الشرك ، وكذلك المقعد من أهل الشرك والذمة والأعمى والشيخ الفاني والمرأة والولدان في أرض الحرب ، ومن أجل ذلك رفعت عنهم الجزية .
وفي الكافي ، والفقيه : عنه عليه السلام جرت السنة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه (1) ولا من المغلوب على عقله .
وفيهما ، والعياشي ، والقمي : عنه عليه السلام أنه سئل ما حد الجزية على أهل الكتاب ؟ وهل عليهم في ذلك شئ موظف لا ينبغي أن يجوزوا إلى غيره ؟ فقال : ذلك إلى الأمام يأخذ من كل إنسان منهم ما شاء على قدر ماله ، وما يطيق إنما هم قوم فدوا أنفسهم من أن يستعبدوا أو يقتلوا فالجزية تؤخذ منهم على قدر ما يطيقون له أن يأخذهم به حتى يسلموا فإن الله وتعالى قال : ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) وكيف يكون صاغرا وهو لا يكترث (2) لما يؤخذ منه ، لا حتى يجد ذلا لما أخذ منه فيألم بذلك فيسلم .
وفيهما : عن الباقر عليه السلام في أهل الجزية أيؤخذ من أموالهم ومواشيهم شئ سوى الجزية ؟ قال : لا .
(30) وقالت اليهود عزير ابن الله : إنما قال ذلك بعضهم ولم يقله كلهم .
في الأحتجاج : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه طالبهم بالحجة ، فقالوا : لأنه أحيى لبني إسرائيل التوراة بعدما ذهبت ولم يفعل بها هذا إلا لأنه ابنه ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : كيف صار عزير ابن الله دون موسى ؟ وهو الذي جاءهم بالتوراة ورأوا منه من المعجزات ما قد علمتم ، فإن كان عزير ابن الله لما ظهر من إكرامه من إحياء التوراة ، فلقد كان موسى بالنبوة أحق وأولى ، الحديث . وقالت النصارى المسيح ابن الله : وهو أيضا قول بعضهم .
____________
(1) المعتوه الناقص العقل وفي الحديث المعتوه الاحمق الذاهب العقل وقد عنه عنها من باب تعب وعتاها بالفتح نقص عقله من غير جنون أو دهش .
(2) في الحديث لا يكترث لهذا الامر أي لا يعبأ به ولا يباليه .
( 336 )
وفي الأحتجاج : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه طالبهم بالحجة فقالوا : إن الله لما أظهر على يد عيسى عليه السلام من الأشياء العجيبة ما أظهر فقد اتخذه ولدا على جهة الكرامة ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه ثم أعاد ذلك كله فسكتوا ، الحديث . ذلك قولهم بأفواههم : اخترعوه بأفواههم لم يأتهم به كتاب ومالهم به حجة . يضاهؤن قول الذين كفروا : يضاهي قولهم قول الذين كفروا . من قبل : كالقائلين بأن الملائكة بنات الله . قاتلهم الله .
في الأحتجاج : عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث أي لعنهم الله فسمى اللعنة قتالا . أنى يؤفكون : كيف يصرفون عن الحق .
في المجالس ، والعياشي : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : اشتد غضب الله على اليهود حين قالوا : عزير ابن الله ، واشتد غضب الله على النصارى حين قالوا : المسيح بن الله ، واشتد غضب الله على من أراق دمي وآذاني في عترتي .
(31) اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم الله .
وفي الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم لما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون .
وفي معناه أخبار كثيرة . والمسيح ابن مريم : بأن أهلوه للعبادة .
القمي عن الباقر عليه السلام أما المسيح فعصوه وعظموه في أنفسهم حتى زعموا أنه إله ، وأنه ابن الله ، وطائفة منهم قالوا : ثالث ثلاثة ، وطائفة منهم قالوا : هو الله ، وأما أحبارهم ورهبانهم فإنهم أطاعوهم وأخذوا بقولهم واتبعوا ما أمروهم به ودانوا بما دعوهم إليه فاتخذوهم أربابا بطاعتهم لهم ، وتركهم أمر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم ، قال
( 337 )
وإنما ذكر هذا في كتابنا لكي نتعظ بهم . وما أمروا إلا ليعبدوا : ليطيعوا . إلها وحدا : وهو الله تعالى ، وأما طاعة الرسل وأوصيائهم فهي في الحقيقة طاعة الله لأنهم عن الله يأمرون وينهون . لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون : تنزيه له عن الأشراك .
(32) يريدون أن يطفئوا : يخمدوا . نور الله بأفواههم (1) : بشركهم وتكذيبهم . ويأبى الله إلا أن يتم نوره : بإعلاء التوحيد واعزاز الأسلام . ولو كره الكفرون : مثل الله سبحانه حالهم في طلبهم إبطال نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وولاية علي عليه السلام بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم يريد الله أن يبلغه الغاية القصوى من الأضاءة والأنارة ليطفئه بنفخه .
في الأحتجاج : عن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الآية يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليقة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دل على ما أحدثوه فيه وحرفوا منه .
وعنه عليه السلام : وجعل أهل الكتاب القيمين به والعالمين بظاهره وباطنه من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، أي : يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت ، بعد الوقت وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم ، فأبى الله إلا أن يتم نوره .
وفي الأكمال : عن الصادق عليه السلام وقد ذكر شق فرعون بطون الحوامل في طلب موسى كذلك بنو أمية وبنو العباس لما أن وقفوا على أن زوال ملك الامراء والجبابرة منهم على يد القائم ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم عليه السلام فأبى الله أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون .
(33) هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله
____________
(1) لان الاطفاء يكون بالافواه وهو النفخ وهذا من عجيب البيان مع ما فيه من تصغير شأنهم وتضعيف كبدهم لان الفم يؤثر في الانوار الضعيفة دون الاقباس العظيمة مجمع البيان .
( 338 )
ليظهر دين الحق على سائر الأديان . ولو كره المشركون .
القمي : نزلت في القائم من آل محمد عليه وعليهم السلام ، وقال : وهو الذي ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله . وفي الأكمال : عن الصادق عليه السلام في هذه الآية والله ما نزل تأويلها بعد ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم ، فإذا خرج القائم عليه السلام لم يبق كافر بالله العظيم ، ولا مشرك بالأمام إلا كره خروجه حتى لو كان كافرا أو مشرك في بطن صخرة لقالت يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله .
وفي الكافي : عن الكاظم عليه السلام في هذه الآية هو الذي أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالولاية لوصيه ، والولاية : هي دين الحق ليظهره على جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام ، والله متم ولاية القائم ولو كره الكافرون بولاية علي عليه السلام ، قيل : هذا تنزيل ؟ قال : نعم هذا الحرف تنزيل وأما غيره فتأويل .
وفيه : في حديث مناجاة موسى عليه السلام ربه وقد ذكر الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان كلها ولأعبدن بكل مكان .
وفي الأحتجاج : عن أمير المؤمنين عليه السلام وغاب صاحب هذا الأمر بايضاح الغدر له في ذلك لأشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة ، وعند ذلك يؤيده الله بجنود لم تروها ويظهر دين نبيه على يديه على الدين كله ولو كره المشركون .
وفي المجمع : عن الباقر عليه السلام في هذه الآية إن ذلك يكون عند خروج المهدي من آل محمد عليه وعليهم صلوات الله ، فلا يبقى أحد إلا أقر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
والعياشي : عنه عليه السلام ما في معناه قال عليه السلام وفي خبر آخر قال : ليظهره الله في الرجعة . وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : أظهر ذلك بعد ؟ قالوا : نعم ، قال : كلا فوالذي نفسي بيده حتى لا يبقى قرية إلا وتنادي بشهادة أن لا إله إلا الله ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكرة وعشيا .
( 339 )
وعن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال : إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ، ولا كافر إلا كره خروجه .
وفي المجمع : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر (1) ولا وبر (2) إلا أدخله الله الأسلام إما بعز عزيز أو بذل ذليل ، إما يعرهم فيجعلهم الله من أهله فيعزوا به ، وإما يذلهم فيدينون له .
وفي الأكمال ، والعياشي : عن الباقر عليه السلام القائم منا منصور بالرعب ، مؤيد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز ، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب ، ويظهر الله به دينه على الدين كله ، فلا يبقى في الأرض خراب إلا عمر ، وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه ، الحديث .
(34) يأيها الذين آمنوا إن كثيرا من الاءحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل : يأخذونها من الحرام بالرشاء في الأحكام ، وتخفيف الشرائع للعوام . ويصدون عن سبيل الله : عن دينه . والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله : قيد الكنز بعدم الأنفاق لئلا يعم من جمع للأنفاق وبعد إخراج الحقوق . فبشرهم بعذاب أليم : هو الكي بهما .
(35) يوم يحمى عليها : يوقد النار ذات حمى شديدة على الكنوز . في نار جهنم فتكوى بها : بتلك الكنوز المحماة . جباههم وجنوبهم وظهورهم : قيل : إنما خص هذه الأعضاء لأنهم لم يطلبوا بترك الأنفاق إلا الأغراض الدنيوية من وجاهة عند الناس ، وأن يكون ماء وجوههم مصونا ، ومن أكل طيبات يتضلعون (3) منها ، ومن لبس ثياب ناعمة يطرحونها على ظهورهم ، أو لأنهم يعبسون وجوههم للفقير ، إذا رأوه يولونه جنوبهم ، وإذا دار
____________
(1) المدر جمع مدرة كقصب وقصبة وهو التراب الملبد .
(2) فيه أحب الي من أهل الوبر والمدر أي أهل البوادي والمدن والقرى وهو من وبر الابل لان بيوتهم يتخذونها منه
(3) تضلع الرجل امتلأ شبعا وريا ومنه حديث ماء زمزم شرب حتى تضلع اي اكثر من الشرب حتى تمدد جنبه واضلاعه .
( 340 )
أعطوه ظهورهم . وان الجباه كناية عن مقاديم البدن ، والجنوب عن طرفيه ، والظهور عن االماء خير ، يعني به أن الكي يستوعب البدن كله . هذا ما كنزتم : يعني يقال لهم : هذا ما كنزتم . لانفسكم : لانتفاع أنفسكم ، وكان سبب تعذيبها . فذوقوا ما كنتم تكنزون : يعني وباله
القمي : عن الباقر عليه السلام في هذه الآية إن الله حرم كنز الذهب والفضة ، وأمر بإنفاقه في سبيل الله ، قال : كان أبو ذر الغفاري يغدو كل يوم وهو بالشام فينادي بأعلى صوته بشر أهل الكنوز بكي في الجباه ، وكي في الجنوب ، وكي في الظهور حتى يتردد الحر في أجوافهم .
وفي المجمع : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية قال : تبا للذهب تبا للفضة يكررها ثلاثا ، فشق ذلك على أصحابه فسأله عمر أي المال نتخذ ؟ فقال : لسانا ذاكرا ، وقلبا شاكرا ، وزوجة مؤمنة تعين أحدكم على دينه .
وفي الخصال : عنه عليه السلام الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم ، وهما مهلكاكم . والقمي : في حديث قد سبق في سورة البقرة نظر عثمان بن عفان إلى كعب الأحبار فقال له : يا أبا إسحق ما تقول في رجل أدى زكاة ماله المفروضة ، هل يجب عليه فيما بعد ذلك شئ ؟ فقال : لا ولو اتخذ لبنة من ذهب ولبنا من فضة ما وجب عليه شئ ، فرفع أبو ذر عصاه فضرب بها رأس كعب ، ثم قال له : يا ابن اليهودية الكافرة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين ؟ قول الله أصدق من قولك حيث قال : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) ، الآية .
وفي المجمع : عن أمير المؤمنين عليه السلام ما زاد على أربعة آلاف فهو كنز أدى زكاته أو لم يؤد ، وما دونها فهي نفقة .
والعياشي : عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية ؟ فقال : إنما عنى بذلك ما جاوز ألفي درهم . وفي الأمالي : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وسلم كل مال تؤدي زكوته فليس بكنز ، وإن كان تحت سبع أرضين ، وكل مال لا تؤدى زكوته فهو كنز وإن كان فوق الأرض .
( 341 )
وفي الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف ، فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتيه به فيستعين به على عدوه ، وهو قول الله : ( والذين يكنزون الذهب والفضة ) الآية .
أقول : لعل التوفيق بين هذه الأخبار أن يقال : بجواز الجمع لغرض صحيح إلى ألفي درهم أو إلى أربعة آلاف بعد إخراج الحقوق ، ومن جملة الحقوق حق الأمام إذا كان ظاهرا وهو ما زاد على ما يكف عن صاحبه .
وفي الكافي : عن الصادق عليه السلام أنه سئل في كم تجب الزكوة من المال ؟ فقال : الزكوة الظاهرة أم الباطنة تريد ؟ فقيل : أريدهما جميعا ، فقال : أما الظاهرة ففي كل ألف خمسة وعشرون ، وأما الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك .
وعنه عليه السلام إنما أعطاكم الله هذه الفضول من الأموال لتوجهوها حيث وجهها الله تعالى ولم يعطكموها لتكنزوها .
وفي التهذيب : عنه عليه السلام ما أعطى الله عبدا ثلاثين ألفا وهو يريد به خيرا ، وقال : ما جمع رجل قط عشرة آلاف درهم من حل وقد يجمعها لأقوام إذا أعطى القوت ورزق العمل فقد جمع الله له الدنيا والآخرة .
(36) إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله : فيما كتبه وأثبته
عنده ورآه حكمة وصوابا . يوم خلق السموات والارض : منذ خلق الأجسام ، والأزمنة . منهآ أربعة حرم : يحرم فيها القتال ، ثلاثة سرد وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب . ذلك الدين القيم : أي تحريم الأشهر الأربعة هو الدين القيم . فلا تظلموا فيهن أنفسكم : بهتك حرمتها وارتكاب حرامها وقاتلوا المشركين كافة .
القمي : عن الباقر عليه السلام يقول جميعا . كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين : بشارة وضمان لهم بالنصرة إن اتقوا .
(37) إنما النسئ تأخير حرمة شهر إلى شهر آخر ، كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه وحرموا مكانه شهرا آخر حتى رفضوا خصوص الأشهر واعتبروا مجرد
( 342 )
العدد ، وقرء النسي بقلب الهمزة ياء والأدغام ، والنسي الكرمي . ونسبه في المجمع إلى الباقر عليه السلام .
وفي الجوامع : إلى الصادق عليه السلام . زيادة في الكفر : لأنه تحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرمه الله ، فهو كفر آخر ضموه إلى كفرهم يضل به الذين كفروا : ضلالا زائدا ، وقرئ يضل على البناء للمفعول يحلونه عاما : يحلون النسئ من الأشهر الحرم سنة ، ويحرمون مكانه شهرا آخر . ويحرمونه عاما : فيتركونه على حرمته .
القمي : كان سبب نزولها إن رجلا من كنانة كان يقف في الموسم فيقول : قد أحللت دماء المحلين طي ، وخثعم في شهر المحرم وأنسأته وحرمت بدله صفرا ، فإذا كان العام المقبل يقول : قد أحللت صفرا وأنسأته وحرمت بدله شهر المحرم ، فأنزل الله ( إنما النسئ ) الآية .
وقيل : أول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني كان يقوم على جمل أحمر في الموسم فينادي إن آلهتكم أحلت لكم المحرم فأحلوه ، ثم ينادي في القابل إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم فحرموه . ليواطئوا عدة ما حرم الله : ليوافقوا عدة الأربعة المحرم . فيحلوا ما حرم الله: فيحلوا بمواطاة العدة وحدها ما حرم الله من القتال . زين لهم سوء أعمالهم : خذلهم الله حتى حسبوا قبيح أعمالهم حسنا . والله لا يهدى القوم الكافرين : لعدم قبولهم الأهتداء .
(38) يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الاءرض : تباطأتم مخلدين (1) إلى أرضكم والأقامة بدياركم .
في الجوامع : كان ذلك في غزوة تبوك في سنة عشر بعد رجوعهم من الطائف استنفروا في وقت قحط وقيظ مع بعد الشقة وكثرة العدو فشق ذلك عليهم .
والقمي : وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسافر سفرا أبعد ولا أشد
____________
(1) قوله تعالى اخلد الى الارض أي مال وركن الى الدنيا وشهواتها واتبع هواه في إيثار الدنيا .
(2) الشقة بالضم والكسر والناحية يقصدها المسافر والسفر البعيد والمشقة .
( 343 )
منه ، وكان سبب ذلك أن الصيافة (1) كانوا يقدمون المدينة من الشام معهم الدرموك (2) والطعام وهم الأنباط (3) فأشاعوا بالمدينة أن الروم قد اجتمعوا يريدون غزو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عسكر عظيم وأن هرقل قد سار في جنوده ، وجلب معهم غسان (4) ، وجذام (5) ، وبهراء ، وعاملة ، وقد قدم عساكره البلقاء ، ونزل هو حمص .
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بالتهيؤ إلى تبوك ، وهي من بلاد البلقاء ، وبعث إلى القبائل حوله وإلى مكة وإلى من أسلم من خزاعة ومزينة وجهينة وحثهم على الجهاد ، وأمر رسول الله بعسكره فضرب في ثنية الوداع ، وأمر أهل الجدة أن يعينوا من لا قوة به ، ومن كان عنده شئ أخرجه وحملوا وقووا وحثوا على ذلك ، ثم خطب خطبة ورغب الناس في الجهاد ، قال : وقدمت القبايل من العرب ممن استنفرهم وقعد عنه قوم من المنافقين وغيرهم .
أقول : وسنذكر بقايا هذه القصة متفرقة عند تفسير الآيات الآتية إلى آخر السورة . أرضيتم بالحيوة الدنيا : وغرورها . من الآخرة : بدل الآخرة ونعيمها . فما متاع الحيوة الدنيا في الآخرة : في جنب الآخرة . إلا قليل : مستحقر .
(39) إلا تنفروا : إلى ما استنفرتم إليه . يعذبكم عذابا أليما (6) ويستبدل قوما غيركم : خيرا منكم ، وأطوع . ولا تضروه شيئا : إذ لا يقدح تثاقلكم في نصرة دينه شيئا فانه الغني عن كل شئ وعن كل أمر ، أو ولا تضروا النبي شيئا لأن الله وعده أن ينصره ويعصمه من الناس ، ووعده الله كائن لا محالة . والله على كل شئ قدير : فيقدر على التبديل وتغيير الأسباب والنصرة بلا عدد .
____________
(1) اصناف القوم إذا دخلوا في الصيف وصائفة القوم مسيرتهم في الصيف .
(2) الدرمك كجعفر دقيق الحواري الدقيق الابيض وهو الباب الدقيق وكل ما حواري بيض من طعام ق .
(3) نبط جبل ينزلون بالبطايح بين العراق ق .
(4) غسان كشداد ماء نزل عليه قوم من الازد فنسبوا إليه منهم بنو جفنة رهط الملوك أو غسان اسم القبيلة ق .
(5) جذام كغراب قبيلة بجيال صمي من معد ق .
(6) مؤلما في الآخرة وقيل في الدنيا م ن .