(40) إلا تنصروه فقد نصره الله : إن تركتم نصرته فسينصره الله كما نصره . إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين : لم يكن معه إلا رجل واحد . إذ هما في الغار : غار ثور ، وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة . إذ يقول لصاحبه : وهو أبو بكر . لا تحزن : لا تخف . إن الله معنا : بالعصمة والمعونة .
في الكافي : عن الباقر عليه السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقبل يقول لأبي بكر في الغار : اسكن فإن الله معنا وقد أخذته الرعدة وهو لا يسكن ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاله قال له : تريد أن اريك أصحابي من الأنصار في مجالسهم يتحدثون . وأريك جعفرا وأصحابه في البحر يغوصون ، قال : نعم فمسح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده على وجهه فنظر إلى الأنصار يتحدثون ، ونظر إلى جعفر وأصحابه في البحر يغوصون ، فأضمر تلك الساعة أنه ساحر . فأنزل الله سكينته : أمنته التي تسكن إليها القلوب عليه .
في الكافي : عن الرضا عليه السلام أنه قرأها ( على رسوله ) قيل له : هكذا ، نقرؤها ، وهكذا تنزيلها .
والعياشي : عنه عليه السلام إنهم يحتجون علينا بقول الله تعالى : ( ثانى اثنين إذ هما في الغار ) وما لهم في ذلك من حجة ، فوالله لقد قال الله : ( فأنزل الله سكينته على رسوله ) وما ذكره فيها بخير ، قيل : هكذا تقرؤنها ؟ قال : هكذا قرأتها .
وعن الباقر عليه السلام : ( فأنزل الله سكينته على رسوله ) ، قال : ألا ترى أن السكينة إنما نزلت على رسوله .
وفي الجوامع : نسب القراءة إلى الصادق عليه السلام أيضا . وأيده بجنود لم تروها : يعني الملائكة ، قد سبق فيه كلام في تفسير : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) في سورة الأنفال . وجعل كلمة الذين كفروا السفلى .
العياشي : عن الباقر عليه السلام ، هو الكلام الذي يتكلم به عتيق . والقمي : ما في معناه . وكلمة الله هي العليا .


( 345 )

القمي : هو قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقيل : هي التوحيد أو دعوة الأسلام .
أقول : المستفاد مما سبق في سورة الأنفال إن كلمتهم : ما كانوا يمكرون به من إثباته أو قتله أو إخراجه وكلمة الله : نصره وغلبته عليهم . والله عزيز حكيم : في أمره وتدبيره .
(41) انفروا خفافا وثقالا : القمي قال : شبانا وشيوخا ، يعني إلى غزوة تبوك . وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله : بما تيسر لكم منهما . ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون .
(42) لو كان عرضا قريبا : أي لو كان ما دعوا إليه نفعا دنيويا قريبا سهل المأخذ .
القمي : عن الباقر عليه السلام يقول : غنيمة قريبة . وسفرا قاصدا : متوسطا . لاّتَبُعوك : لوافقوك . ولكن بعدت عليهم الشقة : المسافة التي تقطع بمشقة .
القمي : يعني إلى تبوك .
وفي التوحيد ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام كان في علم الله لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لفعلوا . وسيحلفون بالله : أي المتخلفون إذا رجعت من تبوك معتذرين . لو استطعنا : يقولون لو كان لنا استطاعة العدة أو البدن . لخرجنا معكم : وهذا إخبار بما سيقع قبل وقوعه . يهلكون أنفسهم : بإيقاعها في العذاب . والله يعلم إنهم لكاذبون : في التوحيد : عن الصادق عليه السلام كذبهم الله في قولهم : ( لو استطعنا لخرجنا معكم ) وقد كانوا مستطيعين للخروج .
(43) عفا الله عنك لم أذنت لهم : في القعود حين استأذنوك واعتلوا بالأكاذيب وهلا توقفت . حتى يتبين لك الذين صدقوا : في الأعتذار . وتعلم الكاذبين .
القمي : عن الباقر عليه السلام يقول لتعرف أهل الغدر والذين جلسوا بغير عذر . في الجوامع : وهذا من لطيف المعاتبة بدأ بالعفو قبل العتاب ، ويجوز العتاب من الله فيما غيره أولى لا سيما للأنبياء ، وليس كما قال جار الله : من أنه كناية عن الجناية ، وحاشا سيد


( 346 )

الأنبياء وخير بني حواء من أن ينسب إليه الجناية .
وفي العيون : عن الرضا ( عليه الصلاة والسلام ) في جواب ما سأله المأمون من عصمة الأنبياء : هذا مما نزل باياك أعني واسمعي يا جارة خاطب الله تعالى بذلك نبيه وأراد به أمته .
(44) لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم : أي ليس من عادة (1) المؤمنين أن يستأذنوك في أن يجاهدوا وأن الخلص منهم يتبادرون إليه ولا يوقفونه على الأذن فيه ، فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف عنه ، أو ليس من عادتهم أن يستأذنوك في التخلف كراهة أن يجاهدوا . والله عليم بالمتقين : شهادة لهم بالتقوى وعدة لهم بثوابه .
(45) إنما يستأذنك : في التخلف . الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون : يتحيرون ، في الخصال : عن أمير المؤمنين عليه السلام من تردد في الريب سبقه الأولون ، وأدركه الآخرون ، ووطأته سنابك الشياطين .
(46) ولو أرادوا الخروج لاعدوا له للخروج . عدة : اهبة .
العياشي : مضمرا يعني بالعدة : النية ، يقول : لو كان لهم نية لخرجوا . ولكن كره الله انبعاثهم : نهوضهم للخروج إلى الغزو ولعلمه بأنهم لو خرجوا لكانوا يمشون بالنميمة بين المسلمين (2) . فثبّطهم : بطأهم ، وجبنهم ، وكسلهم ، وخذلهم . وقيل اقعدوا مع القاعدين : مع النساء والصبيان وهو إذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القعود ، وفي هذا دلالة على أن إذنه لم يكن قبيحا ، وإن كان الأولى أن لا يأذن لهم ليظهر للناس نفاقهم .
(47) لو خرجوا فيكم ما زادوكم : بخروجهم . إلا خبالا : فسادا وشرا . ولأوضَعُوا خلالكم : ولأسرعوا ركايبهم بينكم بالفساد .
____________
(1) وقيل معناه لا يستأذنك في الخروج لانه مستغنى عنه بدعائك الى ذلك بل يتأهب له م ن .
(2) وكانوا عيونا للمشركين فكان الضرر في خروجهم اكثر من الفائدة م ن .

( 347 )

القمي : أي هربوا عنكم . يبغونكم الفتنة : يريدون أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف فيما بينكم والرعب في قلوبكم وإفساد نياتكم في غزوتكم . وفيكم سماعون لهم : أي عيون نمامون يسمعون حديثكم فينقلونه إليهم ، أو فيكم قوم يسمعون قول المنافقين ويقبلونه ويطيعونهم ، يريد من كان ضعيف الأيمان من المسلمين . والله عليم بالظالمين : المصرين على الفساد ، يعلم ضمائرهم وما يتأتى منهم .
(48) لقد ابتغوا الفتنة : تشتيت شملك ، وتفريق أصحابك . من قبل : قيل : يعني يوم أٌحد ، وقيل : هي وقوفهم على الثنية ليلة العقبة ليفتكوا به . وقلبوا لك الأمور : أي دبروا لك الحيل والمكايد ، واحتالوا في ابطال أمرك . حتى جاء الحق : وهو تأييدك ونصرك . وظهر أمر الله : وغلب دينه ، وعلا أهله . وهم كارهون : أي على رغم منهم ، والايتان لتسلية الرسول والمؤمنين على تخلفهم ، وبيان ما ثبطهم الله لأجله ، وهتك أستارهم ، وإزاحة إعتذارهم ، تداركا لما فات الرسول بالمبادرة إلى الأذن .
(49) ومنهم من يقول ائذن لي : في القعود . ولا تفتني : ولا توقعني في الفتنة ، أي العصيان والمخالفة بأن لا تأذن لي فإني إن تخلفت بغير إذنك أثمت ، أو في الفتنة بنساء الروم ، كما يأتي ذكره . ألا في الفتنة سقطوا : أي إن الفتنة هي التي سقطوا فيها ، وهي فتنة التخلف وظهور النفاق . وإن جهنم لمحيطة بالكافرين : أي بهم لأن آثار إحاطتها بهم معهم فكأنهم في وسطها .
القمي : لقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجد بن قيس فقال له : يا أبا وهب ألا تنفر معنا في هذه الغزوة ؟ لعلك أن تحتفد من بنات الأصفر ، فقال : يا رسول الله والله إن قومي ليعلمون أنه ليس فيهم أحد أشد عجبا بالنساء مني وأخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر فلا تفتني ، وإئذن لي أن أقيم ، وقال لجماعة من قومه : لا تخرجوا في الحر ، فقال ابنه : ترد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقول ما تقول ، ثم تقول لقومك ولا تنفروا في الحر والله لينزلن الله في هذا قرآنا يقرؤه الناس إلى يوم القيامة ، فأنزل الله على رسوله في ذلك : ( ومنهم من يقول إئذن لي ) الآية ، ثم قال الجد


( 348 )

ابن قيس : أيطمع محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم لا يرجع من حرب هؤلاء أحد أبدا .
(50) إن تصبك : في بعض غزواتك . حسنة تسؤهم : لفرط حسدهم . وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل : تبجحوا بانصرافهم واستحمدوا رأيهم في التخلف . ويتولوا وهم فرحون : مسرورون .
القمي : عن الباقر عليه السلام أما الحسنة : فالغنيمة والعافية ، وأما المصيبة : فالبلاء والشدة .
(51) قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا : ناصرنا ومتولي أمرنا . وعلى الله فليتوكل المؤمنون : لأن حق المؤمن أن لا يتوكل إلا على الله .
(52) قل هل تَرَبّصون بنا : تنتظرون بنا . إلا إحدى الحسنيين : القمي : يقول الغنيمة والجنة . ونحن نتربص بكم : إحدى السوئين . أن يصيبكم الله بعذاب من عنده : بقارعة (1) من السماء . أو بأيدينا : وهو القتل على الكفر . فتربصوا : ما هو عاقبتنا . إنا معكم متربصون : ما هو عاقبتكم .
في نهج البلاغة ، وفي الكافي : عن أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة ينتظر إحدى الحسنيين إما داعي الله فما عند الله خير له ، وإما رزق الله فإذا هو ذو أهل ، ومال ، ومعه دينه وحسبه .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام إلا إحدى الحسنيين ، قال : أما موت في طاعة الله أو إدراك ظهور الإمام ، ونحن نتربص بهم مع ما نحن فيه من الشدة أن يصيبهم الله بعذاب من عنده ، قال : هو المسخ أو بأيدينا ، وهو القتل ، قل : تربصوا قال : التربص : انتظار وقوع البلاء بأعدائهم .
(53) قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم : أمر في معنى الخبر ، أي لن
____________
(1) القارعة البلية تقرع القلب بشدة المخافة مـ .
( 349 )

يتقبل منكم نفقاتكم ، أنفقتم طائعين أو مكرهين . إنكم كنتم قوما فاسقين : تعليل .
(54) وما منعهم أن تقبل : وقرئ بالياء . منهم نفقتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله : أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم .
في الكافي : عن الصادق عليه السلام لا يضر مع الأيمان عمل ، ولا ينفع مع الكفر عمل ، ألا ترى أنه تعالى قال : ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ) صلى الله عليه وآله وسلم .
والعياشي ما في معناه . ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى : متثاقلين . ولا ينفقون إلا وهم كارهون : لأنهم لا يرجون بهما ثوابا ولا يخافون على تركهما عقابا (1) .
(55) فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم : فإن ذلك استدراج ووبال لهم .
في المجمع : الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والمراد : جميع المؤمنين ، وقيل : الخطاب للسامع إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا : بسبب ما يكابدون (2) لجمعها وحفظها من المتاعب ما يرون فيها من الشدائد والمصايب ويشق عليهم إنفاقها في سبيل الله . وتزهق أنفسهم وهم كافرون : فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتع عن النظر في العاقبة ، وأصل الزهوق الخروج بصعوبة .
(56) ويحلفون بالله إنهم لمنكم : لمن جملة المسلمين . وما هم منكم : لكفر قلوبهم . ولكنهم قوم يفرقون: يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون بالمشركين من القتل والأسر فيظهرون الأسلام تقية .
(57) لو يجدون ملجأ : حصنا يلجأون إليه . أو مغارات : غيرانا . أو مدخلا : موضع دخول .
____________
(1) وفي هذا دلالة على ان الكفار مخاطبون بالشرايع لانه سبحانه ذمهم على ترك الصلاة والزكاة ولو لا وجوبهما عليهما لم يذموا بتركهما م ن .
(2) الكبد بالتحريك الشدة والمشقة من المكابدة للشيء وهي تحمل المشاق في شيء .

( 350 )

القمي : قال : موضعا يلجأون إليه .
وفي المجمع : عن الباقر عليه السلام أسرابا في الأرض . لوَلّوا إليه : لأقبلوا نحوه . وهم يجمحون : أي يعرضون عنكم ، يسرعون إسراعا لا يردهم شيء كالفرس الجموح .
(58) ومنهم من يلمزك : يعيبك ، في الصدقات : في قسمتها . فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون : يعني أن رضاهم وسخطهم لأنفسهم لا للدين .
في المجمع : عن الباقر عليه السلام بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي ، وهو حرقوص بن زهير أصل الخوارج ، فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل . . . الحديث إلى أن قال : فنزلت .
والقمي : نزلت لما جاءت الصدقات ، وجاء الأغنياء وظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسمها بينهم ، فلما وضعها في الفقراء تغامزوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولمزوه ، وقالوا : نحن الذين نقوم في الحرب وننفر معه ونقوي أمره ، ثم يدفع الصدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئا .
وفي الكافي ، والمجمع ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام إن أهل هذه الآية أكثر من ثلثي الناس .
(59) ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله : ما أعطاهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الغنيمة أو الصدقة ، وذكر الله للتعظيم ، والتنبيه على أن ما فعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان بأمره . وقالوا حسبنا الله : كفانا فضله . سيؤتينا الله من فضله : صدقة أو غنيمة اخرى . ورسوله إنآ إلى الله راغبون : في أن يوسع علينا من فضله ، وجواب الشرط محذوف تقديره لكان خيرا لهم .
(60) إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل : أي الزكاة لهؤلاء المعدودين


( 351 )

دون غيرهم . فريضة من الله : فرض لهم فريضة . والله عليم حكيم : يضع الأشياء مواضعها .
في الكافي ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس (1) أجهدهم .
وفي المجمع : عن الباقر عليه السلام الفقير : هو المتعفف الذي لا يسأل ، والمسكين الذي يسأل .
والقمي : عن الصادق عليه السلام أنه سئل من هم ؟ فقال : الفقراء هم الذين لا يسألون وعليهم مؤنات من عيالهم ، والدليل على أنهم هم الذين لا يسألون قول الله تعالى في سورة البقرة : ( للفقراء الذين احصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا ) ، والمساكين هم أهل الزمانة (2) من العميان ، والعرجان ، والمجذّمين (3) ، وجميع أصناف الزمنى من الرجال ، والنساء ، والصبيان ، والعاملين عليها : هم السعاة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها ، والمؤلفة قلوبهم : قوم وحدوا الله ولم يدخل المعرفة قلوبهم ـ أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتألفهم ، ويعلمهم كي ما يعرفوا فجعل الله لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا ، في الرقاب : قوم قد لزمهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظهار ، وقتل الصيد في الحرم وفي الأيمان وليس عندهم ما يكفرون ، وهم مؤمنون فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم ، والغارمين : قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف فيجب على الأمام أن يقضي ذلك عنهم ، ويكفيهم من مال
____________
(1) لعل البائس هو الذي أصابه الشدة في المال والبدن جميعا .
(2) الزمانة العاهة وآفة في الحيوان يقال زمن الشخص زمنا فهو وزمانة فهو زمن من باب تعب وهو مرض يدوم زمانا طويلا مـ .
(3) الجذام كغراب علة تحدث من انتشار السوداء في البدن كله فيفسد مزاج الاعضاء وهيئتها وربما انتهى الى تأكل الاعضاء وسقوطها عن تقرح جذم كعنى فهو مجذوم ومجذّم واجذم ق .



( 352 )

الصدقات ، وفي سبيل الله : قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون ، أو قوم من المسلمين ليس عندهم ما يحجون به ، أو في جميع سبيل الخير فعلى الأمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يتقووا به على الحج والجهاد ، وابن السبيل : أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب مالهم فعلى الأمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات ، والصدقات تتجزى ثمانية أجزاء فيعطى كل إنسان من هذه الثمانية على قدر ما يحتاجون إليه بلا اسراف ولا تقتير ، يقوم في ذلك الأمام يعمل بما فيه الصلاح .
وفي الكافي : عن الباقر عليه السلام ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم ، وهم قوم وحدوا الله وخرجوا من الشرك ولم يدخل معرفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم قلوبهم ، وما جاء به فتألفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتألفهم المؤمنون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكي ما يعرفوا . والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه . وفي الفقيه ، والعياشي : عن الصادق عليه السلام سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها ؟ قال : يؤدّي عنه من مال الصدقة ، إن الله عز وجل يقول في كتابه : ( وفي الرقاب ) .
وفي الكافي ، والعياشي : عنه عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أيما مسلم أو مؤمن مات وترك دينا لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الأمام أن يقضيه ، فإن لم يقضه فعليه إثم ذلك إن الله تعالى يقول : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) الآية ، فهو من الغارمين وله سهم عند الأمام فإن حبسه فإثمه عليه .
وفيه عنه عليه السلام كان (1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر ، ولا يقسمها بينهم بالسوية ، وإنما يقسمها على قدر ما يحضرها منهم وما يرى ، وليس في ذلك شيء موقت موظف .
____________
(1) لعل ذلك لان اعين فقراء كل موطن ممدودة الى اموال ذلك الموطن فالاولى ان تصرف الى اهله ولا تخرج منه .
( 353 )

وعنه عليه السلام سهم المؤلفة قلوبهم ، وسهم الرقاب : عام ، والباقي خاص . يعني خاص بالعارف (1) لا يعطى غيره .
وفي الخصال : عن الباقر عليه السلام لا تحل الصدقة لبني هاشم إلا في وجهين : إن كانوا عطاشا فأصابوا ماء فشربوا ، وصدقة بعضهم على بعض .
(61) ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن : يسمع كل ما يقال له ويصدقه . قل أذن خير لكم : تصديق لهم بأنه اذن ولكن لا على الوجه الذي ذموه به بل من حيث أنه يسمع الخير ويقبله ، وقرء اذن بالتخفيف . يؤمن بالله : يصدق به . ويؤمن للمؤمنين : يصدقهم ، واللام للتفرقة بين التصديقين .
القمي : قال : كان سبب نزولها أن عبد الله بن نفيل كان منافقا ، وكان يقعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين ، وينم عليه فنزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد إن رجلا من المنافقين ينم عليك ، وينقل حديثك إلى المنافقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من هو ؟ فقال : الرجل الأسود كثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنهما قدران ، وينطق بلسان كأنه لسان شيطان ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فحلف أنه لم يفعل .
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قد قبلت منك فلا تقعد ، فرجع إلى أصحابه فقال : إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم اذن أخبره الله إني أنم عليه وأنقل أخباره فقبل ، وأخبرته أني لم أفعل فقبل ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو اذن قل اذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) أي يصدق الله فيما يقول : ويصدقك فيما تعتذر إليه في الظاهر ولا يصدقك في الباطن ، قوله : ( ويؤمن للمؤمنين ) يعني المقرين بالأيمان من غير اعتقاد .
____________
(1) المعرفة معرفة الامام عليه السلام .
( 354 )

والعياشي : عن الصادق عليه السلام يعني يصدق الله ، ويصدق المؤمنين لأنه كان رؤفا رحيما بالمؤمنين . ورحمة : أي هو رحمة ، وقريء بالجر . للذين آمنوا منكم : لمن أظهر الأيمان [ الاسلام ] حيث يقبله ولا يكشف سره ، وفيه تنبيه على أنه ليس يقبل قولكم جهلا بحالكم بل رفقا بكم وترحما . والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم : بإيذائه .
(62) يحلفون بالله لكم : على معاذيرهم فيما قالوا أو تخلفوا . ليرضوكم : لترضوا عنهم ، والخطاب للمؤمنين . والله ورسوله أحق أن يرضوه : بالطاعة والوفاق ، وتوحيد الضمير لتلازم الرضاءين . إن كانوا مؤمنين : صدقا .
القمي : نزلت في المنافقين الذين كانوا يحلفون للمؤمنين أنهم منهم لكي يرضى عنهم المؤمنون .
(63) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله : يشاقق ، من الحد لأن كلا من المخالفين في حد غير حد صاحبه . فإن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم .
(64) يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم : وتهتك عليهم أستارهم . قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون .
(65) ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب .
القمي : كان قوم من المنافقين لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تبوك يتحدثون فيما بينهم ويقولون : أيرى محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم ؟ لا يرجع منهم أحد أبدا ، فقال بعضهم : ما أخلقه أن يخبر الله محمدا بما كنا فيه وبما في قلوبنا وينزل عليه بهذا قرآنا يقرؤه الناس ، وقالوا : هذا على حد الأستهزاء ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمار بن ياسر : الحق القوم فإنهم قد احترفوا فلحقهم عمار فقال لهم : ما قلتم ؟ قالوا ما قلنا شيئا إنما كنا نقول شيئا على حد اللعب والمزاح فنزلت .
وفي المجمع : عن الباقر عليه السلام نزلت في اثني عشر رجلا وقفوا على العقبة إئتمروا بينهم ليقتلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال بعضهم لبعض : إن فطن


( 355 )

نقول : ـ إنما كنا نخوض ونلعب ـ وإن لم يفطن نقتله ، وذلك عند رجوعه من تبوك فأخبر جبرئيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وأمره أن يرسل إليهم ويضرب وجوه رواحلهم فضربها حتى نحاهم ، فلما نزل قال لحذيفة : من عرفت من القوم ؟ فقال : لم أعرف منهم أحدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلان بن فلان ، حتى عدهم ، فقال حذيفة : ألا نبعث إليهم فنقتلهم ، فقال : أكره أن يقول العرب : لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم .
وفي الجوامع : تواثقوا على أن يدفعوه عن راحلته في الوادي إذا تسنم العقبة بالليل فأمر عمار بن ياسر بخطام ناقته يقودها ، وحذيفة خلفها يسوقها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الأبل ، وبقعقعة (1) السلاح ، فالتفت فإذا قوم متلثمون فقال : إليكم يا أعداء الله ، وضرب وجوه رواحلهم حتى نحاهم .
الحديث ، إلى آخر ما ذكره في المجمع أورده عند تفسير ( يحلفون بالله ما قالوا ) ، من هذه السورة كما يأتي .قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن .
(66) لا تعتذروا : لا تشتغلوا باعتذاراتكم فإنها معلومة الكذب . قد كفرتم : قد أظهرتم الكفر . بعد إيمانكم : بعد إظهاركم الأيمان . إن يعف عن طائفة منكم : لتوبتهم وإخلاصهم . تعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين : مصرين على النفاق ، وقريء بالنون فيهما .
القمي : عن الباقر عليه السلام في قوله ( لا تعتذروا ) قال : هؤلاء قوم كانوا مؤمنين صادقين ارتابوا وشكوا ونافقوا بعد إيمانهم وكانوا أربعة نفر ، وقوله : ( إن نعف عن طائفة منكم ) كان أحد الأربعة : مختبر بن الحمير فاعترف وتاب ، وقال : يا رسول الله أهلكني اسمي فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عبد الله بن عبد الرحمن ، فقال : يا رب اجعلني شهيدا حيث لا يعلم أين أنا ، فقتل يوم اليمامة ، ولم يعلم أحد أين قتل فهو الذي عفى عنه .
(67) المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض : تكذيب لهم فيما حلفوا أنهم
____________
(1) القعقعة حكاية صوت السلاح ق .
( 356 )

لمنكم ، وتحقيق لقوله : ( وما هم منكم ) . يأمرون بالمنكر : بالكفر والمعاصي . وينهون عن المعروف : عن الأيمان والطاعة . ويقبضون أيديهم : شحا بالخيرات والصدقات (1) . نسوا الله : أغفلوا ذكره . فنسيهم : (2) فتركهم عن رحمته وفضله .
في التوحيد ، والعياشي : عن أمير المؤمنين عليه السلام يعني نسوا الله في دار الدنيا فلم يعملوا بطاعته ، فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه نصيبا . فصاروا منسيين عن الخير .
والعياشي : عن الباقر عليه السلام نسوا الله : تركوا طاعة الله فنسيهم ، قال : فتركهم . إن المنافقين هم الفاسقون : هم الكاملون في التمرد والفسوق عن دائرة الخير .
(68) وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم : عقابا وجزاء ، فيه دلالة على عظم عذابها . نعوذ بالله منها . ولعنهم الله : أبعدهم من رحمته ، وأهانهم . ولهم عذاب مقيم : لا ينقطع فيها ، ويجوز أن يكون المراد به ما يقاسونه من تعب النفاق وما يخافونه أبدا من الفضيحة .
(69) كالذين من قبلكم أنتم مثلهم . كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا : بيان لتشبيههم بهم ، وتمثيل حالهم بحالهم . فاستمتعوا بخلاقهم : نصيبهم من ملاذ الدنيا . فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم : ذم الأولين باستمتاعهم بحظوظهم الفانية ، وإلتهائهم بها عن النظر في العاقبة ، والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقية الباقية تمهيدا لذم المخاطبين لمشابهتهم بهم وإقتفائهم أثرهم . وخضتم : دخلتم في الباطل . كالذى خاضوا : كالخوض الذي خاضوه . أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة : لم يستحقوا عليها ثوابا في الدارين . أولئك هم الخاسرون : الذين خسروا الدنيا والآخرة .
(70) ألم يأتهم نبؤ الذين من قبلهم قوم نوح : كيف اغرقوا بالطوفان . وعاد كيف أهلكوا بالريح . وثمود : كيف أهلكوا بالرجفة . وقوم إبراهيم : كيف أهلك نمرود
____________
(1) وقيل معناه يمسكون أيديهم عن الجهاد في سبيل الله م ن .
(2) وذكر ذلك لازدواج الكلام لان النسيان لا يجوز عليه تعالى م ن .

( 357 )

ببعوض ، وأهلك أصحابه . وأصحاب مدين : قوم شعيب كيف أهلكوا بالنار يوم الظلة . والمؤتفكات قرى قوم لوط كيف ائتفكت بهم ، أي انقلبت وصارت عاليها سافلها .
في الكافي : عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن المؤتفكات ؟ قال : أولئك قوم لوط ائتفكت عليهم ، أي انقلبت . أتتهم رسلهم بالبينات : يعني الكل . فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون : حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب .
(71) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض (1) : في مقابلة : ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ) . يأمرون (2) بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله : لا محالة ، فإن السين مؤكدة للوقوع . إن الله عزيز : غالب على كل شيء لا يمتنع عليه ما يريده حكيم يضع الأشياء مواضعها .
(72) وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة : يطيب فيها العيش . في جنات عدن: إقامة وخلود .
في المجمع : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عدن : دار الله التي لم ترها عين ، ولم تخطر على قلب بشر ، لا يسكنها غير ثلاثة : النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، يقول الله تعالى : ( طوبى لمن دخلك ) .
وفي الخصال : عنه عليه السلام من سره أن يحيى حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنتي التي واعدني الله ربّي جنات عدن ، قضيب غرسه الله بيده ، ثم قال له : ( كن فيكون ) فليوال علي بن أبي طالب وذريته عليهم السلام من بعده .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : إنه سأله يهودي أين يسكن نبيكم من الجنة ؟ فقال
____________
(1) أي بعضهم أنصار بعض يلزم كل واحد منهم نصرة صاحبه وموالاته حتى ان المرأة تهيئ أسباب السفر لزوجها إذا خرج وتحفظ غيبة زوجها وهم يد واحدة على من سواهم م ن .
(2) وفي الآية دلالة على أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الاعيان لانه جعلهما من صفات جميع المؤمنين ولم يخص قوما منهم دون قوم م ن .